q
إن حقل إدارة الأزمات هو من الحقول الإدارية الحديثة، وقد نمت وترعرعت أسس هذا الحقل ومفاهيمه ومحاوره وجوانبه المتعددة بصورة لافتة وبارزة خلال السنوات الأخيرة، وقد يكون سبب هذا التنامي السريع لهذا الحقل كثرة الأزمات وطبيعة هذه الأزمات التي تعصف وتواجه المنظمات على اختلاف أنواعها.

إن حقل إدارة الأزمات هو من الحقول الإدارية الحديثة، وقد نمت وترعرعت أسس هذا الحقل ومفاهيمه ومحاوره وجوانبه المتعددة بصورة لافتة وبارزة خلال السنوات الأخيرة، وقد يكون سبب هذا التنامي السريع لهذا الحقل كثرة الأزمات وطبيعة هذه الأزمات التي تعصف وتواجه المنظمات (على اختلاف أنواعها: خاصة وعامة وحكومية وشبه حكومية ودولية...الخ).

وعلى الرغم من حجم النمو والتنامي والتطور الذي شهده حقل غدارة الأزمات، غير أن هذا الحقل لم يكتمل بعد، وهو في حركة مستمرة من التطور، وهو يبحث دائما عن الجديد الذي يتعلق بالأزمات ذات الطبيعة المستجدة والتي لا تنتهي.

أولا: المفهوم اللغوي للأزمة:

تعود الأصول الأولى لاستخدام كلمة أزمة" إلى علم الطب الإغريقي القديم، وقد كانت هذه الكلمة تستخدم للدلالة على وجود نقطة تحول مهمة، ووجود لحظة مصيرية في تطور مرض ما، ويترتب على هذه النقطة إما شفاء المريض خلال مدة قصيرة وإما موته.

ثانيا: المفهوم الاصطلاحي والإجرائي للأزمة:

لقد تم استخدام مصطلح "الأزمة" في بحوث ودراسات علم الإدارة العامة وعلم إدارة الأعمال، وقد كان لهذه البحوث والدراسات الدور البارز في بناء التأطير والتأصل المفاهيمي والعلمي والعملي لحقل جديد في الإدارة هو حقل إدارة الأزمات. ولا يقدم أدب إدارة الأزمات تعريفا ومفهوما واحدا متفقا عليه ومقبولا على نطاق واسع لمفهوم الأزمة، ويتمتع مصطلح الأزمة بدرجة عالية من الموضوعية High Subjective ويشتق هذا المصطلح معناه من طبيعة المنظمة وطبيعة الأفراد وطبيعة البيئة التي تتعلق بها هذه الأزمة.

ومصطلح الأزمة Crisis مشتق من الكلمة اليونانية Krisis والتي تعني "لحظة القرارMoment of Decision".

وهناك مفاهيم كثيرة ومتعددة للأزمة يطرحها الباحثون والكتاب في الأدب النظري لإدارة الأزمات، ومن أهم هذه المفاهيم ما يأتي:

- الأزمة هي لحظة حرجة وحاسمة تهدد مصير المنظمة التي تتعرض لها، وتضع صعوبات كبيرة أمام صناع القرار في المنظمة في ضوء زيادة مستوى حالة عدم التأكيد.

- الأزمة هي موقف معقد ومتشابك يتضمن درجة عالية من السخونة.

- الأزمة هي حالة تتضمن حصول تغييرات في الأسباب، وهذه التغييرات تؤدي إلى حدوث تغييرات حادة ومفاجئة في النتائج.

- الأزمة هي نقطة تحول نحو الأسوأ أو نحو الأفضل، وهي لحظة حاسمة وهي موقف أو وضع بلغ مرحلة حرجة.

ثالثا: المفهوم النفسي للأزمة:

- هي حالة من الاضطراب التي تواجه الأفراد فيها إحباطا لأهدافهم المهمة في الحياة أو يواجهون تمزقا كبيرا لجانب أو أكثر من جوانب الحياة وللأساليب التي يعتمدونها في مواجهة الضغوط التي تنشأ في بيئتهم.

- هي حالة يواجه فيها الأفراد معيقا أساسيا لأهدافهم الرئيسة في الحياة.

- هي حالة من عدم التنظيم يصاب فيها الأفراد بالإحباط فيما يرتبط بأهدافهم المهمة في الحياة، ويتعرضون لإرباك كبير في مجالات حياتهم.

- هي حالة من خيبة الأمل الحاد والتي تصاحبها مشاعر من التوتر والغضب والارتباك والفوضى في العلاقات والوظائف.

رابعا: العناصر الأساسية للأزمة:

هناك ثلاثة عناصر أساسية للأزمة، وهذه العناصر هي:

- عنصر المفاجأة: إذا أن الأزمة تنشأ وتنفجر في وقت مفاجئ غير متوقع بدقة وفي مكان مفاجئ أيضا.

- عنصر التهديد: تتضمن الأزمة تهديدا للأهداف والمصالح في الحاضر والمستقبل.

- عنصر الوقت: أن الوقت المتاح أمام صناع القرار يكون وقتا ضيقا ومحدودا.

خامسا: العوامل التي تعيق الاكتشاف المبكر للأزمة:

هناك مجموعة من العوامل التي تعيق الاكتشاف المبكر للأزمة وتحول دون إصدار إنذارات مبكرة تنبئ بقرب وقوع أزمة ما، وأهم هذه العوامل ما يأتي:

1- حجب البيانات والمعلومات والمعرفة المهمة (المتعلقة بالأزمة المحتملة)عن الأطراف والأفراد الذين يحتاجون إليها وتلزمهم بصورة كبيرة لاتخاذ القرارات المناسبة ولدراسة نقاط الضعف والتغلب عليها.

2- عدم قدرة المنظمة على الاستجابة المناسبة والفاعلة وفي الوقت المناسب للأخطار المحيطة والمحتملة (ومنها الأزمات).

3- وجود صورة خاطئة وقناعة غير سلمية لدى أفراد المنظمة بخصوص قدرات هذه المنظمة ومناعتها ضد الأزمات.

سادسا: خصائص الأزمة Characteristics of Crisis:

هناك مجموعة من الخصائص التي تتصف بها الأزمة، وأهم هذه الخصائص ما يأتي:

1- وجود نقص واضح في البيانات والمعلومات اللازمة في أثناء وقوع الأزمة.

2- الأزمة تؤدي إلى إحداث مفاجأة كبيرة وعنيفة عند وقوعها.

3- تتسم الأزمة بدرجة عالية من التعقيد والتداخل في العناصر والمسببات، ودرجة عالية من التشابك والتناقض بين أصحاب المصالح Stakeholders.

4- وجود حالة من الرعب والخوف في المنظمة، وهذا ناجم عن عدم القدرة على تقدير ما يحمله المستقبل للمنظمة.

5- محدودية المدة الزمنية للأزمة، فالأزمة لا تمتد لمدة زمنية طويلة، وإذا امتدت فإنها لا تصبح أزمة.

6- وجود حالة من الشعور بالحيرة والضعف وعدم قدرة صناع القرار على التعاطي مع الأزمة والتعامل معها.

7- نظرا لانعدام حالة التوازن لدى صناع القرار (نتيجة لوقوع الأزمة) فإنهم قد يصبحون تحت سيطرة الآخرين من المتخصصين ومن غير المتخصصين.

8- ظهور بعض القوى التي تدعم الأزمة وتؤيد كل ما يقود إلى تفاقمها.

9- تتعرض مصالح المنظمة في ظل الأزمة إلى التهديد وإلى ضغوط كبيرة من جانب أطراف متعددة.

10- تؤدي الأزمة إلى ظهور أعراض سلوكية مرضية في غاية الخطورة، ومن هذه الأعراض على سبيل المثال لا الحصر:

تفكك النسيج الاجتماعي وتفسخ العلاقات الاجتماعية.

التوتر والقلق وفقدان الدافع نحو العمل.

عدم الانتماء.

اللامبالاة.

التظاهرات والغضب.

التخريب وإتلاف موجودات المنظمة...الخ.

سابعا: دوائر الأزمات (خطوط الأزمات)Crises Circles:

تتباين وتتفاوت الأزمات من حيث درجة حدتها وقوتها وشدتها وخطورتها، وهناك خمسة مستويات رئيسة تعبر عن هذه الدرجة، ويطلق عليها دوائر الأزمات Crises Crises أو خطوط الأزمات Crises Lines، وفيما يأتي توضيح لكل دائرة من هذه الدوائر الخمس للأزمات:

المستوى الأول: مستوى الدائرة البيضاء White Circle: هذا المستوى أدنى مستويات الأزمات وأقلها شدة وأدناها خطورة، ويتطلب هذا المستوى من الأزمات تدخلا هامشيا محدودا من إدارة المنظمة.

المستوى الثاني: مستوى الدائرة الخضراء Green Circle:يجسد هذا المستوى (مستوى الدائرة الخضراء )موقفا طبيعيا وحالة عادية لسير الأمور في المنظمة.

المستوى الثالث: مستوى الدائرة الزرقاء Blue Circle: يعبر هذا المستوى عن بدايات الخطر الحقيقي وبوادره.

المستوى الرابع: مستوى الدائرة الحمراءRed Circle: يمثل هذا المستوى البداية الفعلية للأزمة، وتبدأ الضغوط الأزموية بالتزايد والتفاعل، وتبدأ تأثيرات وانعكاسات الأزمة بالتصاعد والتنامي.

المستوى الخامس: مستوى الدائرة السوداء Black Circle: هذا المستوى هو المستوى الأخطر والأسوأ في مستويات الأزمة، وبوصول الأزمة إلى هذا المستوى تكون قد بلغت أقصى درجات شدتها.

ثامنا: تزامن وقوع الأزمات:

ليس بالضرورة أن تعصف الأزمات بالمنظمة بصورة فردية (أي أن تحدث أزمة واحدة فقط في نفس الوقت)، ففي كثير من الأحيان قد يضرب المنظمة أكثر من أزمة واحدة في نفس الوقت، وهذا ما يطلق عليه "تزامن الأزمات".

وقد يكون تزامن الأزمات مترابطا وقد يكون غير مترابط، فالأزمات المترابطة هي التي تحدث بسبب الصلة الوثيقة للعناصر والأحداث وتفاعلها مع بعضها البعض، فتتولد أزمة عن أخرى في نفس الوقت. أما الأزمات غير المترابطة فهي حالة قد تحدث في المنظمة تنجم عن وقوع أزمتين أو أكثر في نفس الوقت لأسباب مختلفة غير متصلة ببعضها البعض.

تاسعا: استعادة التوازن بعد الأزمة:

بعد وقوع الأزمة، فإن المنظمة تحاول أن تستعيد عافيتها وتوازنها، ويمكن أن تنجح المنظمة في تحقيق هذا التوازن ضمن واحدة من الحالات الآتية:

الحالة الأولى: أن تتمكن إدارة المنظمة من إعادة الأمور في المنظمة إلى ما كانت عليه قبل وقوع الأزمة (أي عودة الأمور في المنظمة إلى حالتها الطبيعية)،وهذه الحالة يمكن أن تحدث عندما تكون آثار ونتائج الأزمة محدودة وجرى التعاطي معها وعلاجها بسرعة.

الحالة الثانية: أن تحقق إدارة المنظمة حالة توازن تكون أسوأ من الحالة التي كانت عليها المنظمة قبل وقوع الأزمة، وهذه حالة توازن سلبية، وتحدث هذه الحالة بسبب قوة وشدة نتائج الأزمة، وبسبب محدودية موارد المنظمة، وضعف إمكاناتها.

الحالة الثالثة: أن تنجح إدارة المنظمة في تحقيق حالة توازن أفضل من الحالة التي كانت عليها قبل وقوع الأزمة، وهذه الحالة تتحقق عندما تتمكن إدارة المنظمة من التعاطي مع الأزمة وإدارتها بفاعلية عالية (مع أن الأزمة قد تكون قوية وشديدة)، وهذه الحالة من التوازن هي حالة إيجابية،

كما أن نجاح إدارة المنظمة في تحقيق حالة توازن إيجابية بعد الأزمة يعتمد أيضا على قدرتها في استخدام منهج إدارة الوقت استخداما سلميا في أثناء الأزمة، ويكون ذلك بالتركيز الفاعل على كل مرحلة من مراحل وقت الأزمة، وهذه الأوقات هي:

- الوقت الذي وقعت فيه الأزمة.

- الوقت الذي نمت فيه الأزمة.

- الوقت الذي تراجعت فيه الأزمة وانحسرت وتلاشت وانتهت.

عاشرا: الاستجابات الإدارية للأزمات Managerial Reactions to Crisis:

هناك استجابات إدارية كثيرة تستخدمها المنظمات التي تتعرض إلى أية أزمة، ومن هذه الاستجابات ما يأتي:

- توظيف مدير أزمات أو مستشار في الأزمات.

- تقليل ساعات العمل للعاملين (خصوصا في حالة الأزمات الاقتصادية).

- تسريح بعض العاملين (خصوصا في حالة الأزمات الاقتصادية) مع الإشارة إلى ضرورة التعامل مع هذا الإجراء بدرجة عالية من الحذر والحساسية.

- تغيير الإدارة العليا.

- تغيير الهيكل التنظيمي للمنظمة.

- منح إجازات براتب وإجازات بدون راتب لبعض العاملين (خصوصا في حالة الأزمات الاقتصادية).

- تنويع العمل إلى أسواق جديدة.

* هذا المقال ملخص لاهم المفاهيم والأفكار الاستراتيجية والادارية المعاصرة مقتبسة من كتاب إدارة الازمات للمؤلف الدكتور يوسف أبو فارة.

اضف تعليق