q
مشروع البحث عن حياة ذكية خارج الأرضThe Search for Extraterrestrial Intelligence، المعروف اختصارًا باسم بمشروع (SETI) يبدأ في استخدام خوارزميات أحد أنظمة تعلُم الآلة للتنبُه إلى المؤشرات الدالة على وجود كائنات فضائية ذكية التي قد يغفلها البشر، وتمييزها عن التشويش الأرضي...
بقلم: أليكساندرا ويتزي

من تلال ولاية فيرجينيا الغربية إلى سهول الريف الأسترالي، بدأ بعض من كبرى تلسكوبات العالم في البحث عن إشارات صوتية صادرة عن حضارات نائية من عوالم فضائية. ويسعى هذا المشروع الرامي إلى اكتشاف حياة ذكية خارج الأرض، المعروف اختصارًا باسم SETI، إلى البحث عن إشعاعات كهرومغناطيسية اصطناعية قد تبعثها حضارة متقدمة تكنولوجيًا من نظام شمسي على بعد سحيق منا. وتقدم دراسة أُجريت مؤخرًا توصيفًا لعدة جهود في هذا الإطار، ترمي إلى الاستعانة بتعلم الآلة، وهو أحد أشكال أنظمة الذكاء الاصطناعي، لمساعدة علماء الفلك في غربلة كم البيانات الضخم الوارد من هذه المسوح (P. X. Ma et al. Nature Astron. https://doi.org/grqttb; 2023). من هنا نتساءل، في عصر تعيد فيه أنظمة الذكاء الاصطناعي تشكيل ملامح العديد من المجالات العلمية، ما الذي تبشر به هذه الأنظمة على صعيد البحث عن حياة خارج كوكب الأرض؟

في ذلك الصدد، يقول فرانك ماركيس، اختصاصي علم الفلك والكواكب من معهد «سيتي»، القائم على المشروع، في ماونتن فيو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، "بفضل تقنيات تعلم الآلة، نشهد الآن عهدًا جديدًا في مجال البحث عن حياة ذكية خارج كوكب الأرض".

المعضلة التي يشكلها كم البيانات الهائل إلى حد مربك في هذا السياق تُعد نسبيًا حديثة النشأة. فقبل عقود، عانى هذا المجال من ندرة البيانات إلى حد أنها كادت تكون منعدمة. ثم كانت الريادة لعالم الفلك فرانك درايك على هذا الطريق، بإطلاق مشروع «البحث عن حياة ذكية خارج الأرض» في عام 1960، حين وجَّه أحد تلسكوبات منطقة جرين بانك بولاية كاليفورنيا الغربية نحو نجمين في السماء، بحثًا عن موجات راديو تنبعث منهما. وغالبية أبحاث المشروع التي أعقبت ذلك، اقتصرت بدورها على إجراء مسوحات لنطاقات محيطة بعدد محدود من النجوم.

بيد أنه في عام 2015، قدم الملياردير يوري ميلنر تمويلات دعمًا لأكبر برامج المشروع على الإطلاق في مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا الأمريكية، أطلق عليه اسم «بريك ثرو ليسِن» Breakthrough Listen. ويهدف هذا البرنامج إلى إجراء مسوح للنطاقات المحيطة بمليون نجم، بحثًا عن أية مؤشرات تدل على وجود أحد أشكال الحياة الذكية هناك. وقد اعتمد البرنامج على استخدام التلسكوبات المُثبّتة في فيرجينيا الغربية وأستراليا وجنوب إفريقيا لرصد أي موجات راديوية ترد قرب نجم ويتغير ترددها بوتيرة منتظمة، كما يُتوقع أن يحدث إن بث جهاز هذه الموجات على أحد الكواكب المُحيطة بالأرض.

فيض من البيانات

نتج عن هذه الأبحاث كم هائل من المُعطيات، من بينها مؤشرات خاطئة لوجود حياة ذكية خارج الأرض، نجمت عن تشويش أرضي صادر من أجهزة الهاتف المحمول والأجهزة المُستخدِمة لنظام تحديد المواقع العالمي وأشكال التشويش الموجي الأخرى الناتجة عن أجهزة عصرنا الحديث. في ذلك الصدد، تقول صوفيا شيخ، وهي عالمة فلك من معهد «سيتي»: "في الوقت الحالي، لا يُعد نقص البيانات العقبة الكبرى أمامنا في البحث عن مؤشرات على وجود حياة ذكية خارج الأرض. فالمعضلة الآن تكمن في التمييز بين الإشارات الناجمة عن التقنيات الأرضية أو البشرية، وتلك التي قد تنتج عن تقنيات مغايرة من بقاع أخرى من مجرتنا".

غير أنه تجدر الإشارة إلى أن فرز بيانات الملايين من عمليات الرصد يدويًا ليس عمليًا. ويتمثل أحد البدائل العملية الشائعة في هذا الإطار في استخدام خوارزميات تتقصى الإشارات التي تبدو كتلك التي يتوقع علماء الفلك أن تبثها الكائنات الفضائية. إلا أن هذه الخوارزميات قد تغفل بعض مما قد يكون مثيرًا للاهتمام من تلك الإشارات ويخالف قليلًا توقعات علماء الفلك.

وهنا يأتي دور خوارزميات تعلُم الآلة؛ فهي مُدربة لتحليل كم هائل من البيانات، ويمكنها التعرُف على الخصائص المميِّزة للتشويش الأرضي، وهو ما يُكسبها براعة شديدة في فرز الإشارات التي قد تصدر عن حياة ذكية خارج الأرض وتمييزها عن هذا التشويش.

مؤشرات مُغفلة

يُفيد دان ويرذيمر، العالم المتخصص المُشارك في المشروع، من جامعة كاليفورنيا في مدينة بيركلي الأمريكية، بأن أنظمة تعلُم الآلة تمتاز ببراعتها التي تؤهلها لرصد الإشارات الخارقة للعادة المُحتمل أن تكون واردة من خارج الأرض، والتي قد تُغفل التقنيات السابقة رصدها.

ويؤيده في الرأي بيتر ما، اختصاصي علم الرياضيات والفيزياء من جامعة تورونتو في كندا، والباحث الرئيس في الورقة البحثية عن المشروع، التي نُشرت بدورية «نيتشر أسترونومي« Nature Astronomy. إذ يعقب على ذلك قائلًا: "لا يمكن دومًا توقع ماهية الإشارات قد يرسلها فضائيون لنا".

عمد بيتر وفريقه البحثي إلى غربلة بيانات برنامج »بريك ثرو ليسنBreakthough Listen « التي جُمعت من عمليات رصد 820 نجمًا باستخدام تلسكوب «روبرت سي بيرد» Robert C. Byrd البالغ قطره 100 متر بـ«مرصد جرين بانك»Green Bank . إذ صمم الفريق البحثي نظام تعلم آلة لتحليل البيانات، أسفر عن اكتشاف ما يقرب من ثلاث ملايين إشارة مثيرة للاهتمام، لكنه استبعد غالبيتها وعدَّه تشويشًا أرضيًا. بعدها، نظر بيتر ما بنفسه في أكثر من 20 ألف من هذه الإشارات، لينحصر عددها في ثماني إشارات تبدو مثيرة للاهتمام.

بيد أن الفريق البحثي خرج في نهاية المطاف خالي الوفاض من عمليات الرصد تلك، فالإشارات الثمانية جميعها اختفت عندما أرهفت أدوات الفريق البحثي السمع مجددًا بحثًا عنها. غير أن المبُشر هو أنه يمكن استخدام هذا النهج في تحليل بيانات أخرى، مثل فيض البيانات الذي تولد من عمليات رصد «تلسكوبات مصفوفة كارو» في جنوب إفريقيا، البالغ عددها 64 تلسكوبًا (والمعروفة اختصارًا باسم تلسكوبات MeerKAT). وقد بدأ برنامج »بريك ثرو ليسن «تحليل هذه البيانات في ديسمبر الماضي. في ذلك الصدد، يضيف بيتر أنه يمكن استخدام خوارزميات تعلم الآلة في دراسة بيانات المشروع المؤرشفة بحثًا عن إشارات رُبما أُغفِل النظر فيها في السابق.

دور التعهيد الجماهيري

يلعب تعلُم الآلة أيضًا دورًا محوريًا في جهود منفصلة تحت لواء مشروع «البحث عن حياة خارج الأرض». ففي 14 من فبراير الماضي، أطلق فريق من علماء الفلك بجامعة كاليفورنيا في ولاية لوس أنجلوس الأمريكية مشروعًا يهدف للاستعانة بالتعهيد الجماهيري من أجل فرز صور مخططات موجات الراديو المرصودة وتصنيف احتمالية كونها تشويشًا أرضيًا، بهدف تدريب خوارزميات تعلُم الآلة على فرز بيانات المشروع الواردة من مرصد «جرين بانك» بحثًا عن مؤشرات دالة على حياة ذكية خارج الأرض.

كذلك يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في مراحل أخرى من المشروع. على سبيل المثال، لجأ فيرذيمر وفريقه البحثي إلى استخدام نظام تعلُم آلة بهدف وضع تصنيف للنجوم التي يمكن أن تشملها عمليات رصد مستمرة ضمن المشروع، تستخدم تلسكوب »فاست « FASTالراديوي في الصين، أكبر تلسكوب راديوي ذو طبق واحد في العالم، بقطر يبلغ 500 متر.

ويرى جان لوك مارجوت، عالم الفلك من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA)، المشارك في مشروع «سيتي»، أن المشروع سيستمر على الأرجح في استخدام مزيج يجمع بين الطرق التقليدية، ونهج تعلُم الآلة لفرز البيانات. إذ لا تزال الخوارزميات الكلاسيكية تتسم ببراعة مدهشة في رصد الإشارات المثيرة للاهتمام، وتعلُم الآلة ليس "الحل السحري"، على حد قوله.

اضف تعليق