q
إذا كان الأنسان يعيش بين حدثين فرحة المولد وحتمية الفناء، فأن دورة حياة النجوم تحدث بين تأثير قوتين قوة الجاذبية وقوة الحرارة والضغط، في غضون بضعة مليارات من السنين، والناس تولد وتعيش وتموت وأعمارها متفاوتة لأسباب شتى، كذلك النجوم تولد وتعيش وتموت وأعمارها متفاوتة ولكن...

إذا كان الأنسان يعيش بين حدثين فرحة المولد وحتمية الفناء، فأن دورة حياة النجوم تحدث بين تأثير قوتين قوة الجاذبية وقوة الحرارة والضغط، في غضون بضعة مليارات من السنين، والناس تولد وتعيش وتموت وأعمارها متفاوتة لأسباب شتى، كذلك النجوم تولد وتعيش وتموت وأعمارها متفاوتة ولكن لسبب واحد فقط هو مقدار كتلتها، فالنجوم عبارة عن كرة من الغازات المرتبطة معاً بوساطة جاذبيتها، وحياتها عبارة عن صراع مستمر ضد قوة الجاذبية، إذ تعمل الجاذبية باستمرار على محاولة التّسبّب في انهيار النجم نحو النواة (باطن النجم) الساخنة جداً بسبب التفاعلات النووية، مما يؤدّي إلى خلق ضغط داخل الغاز نتيجة الحرارة العالية جداً يقاوم قوة الجاذبية، واضعاً النجم في حالة تُعرف بالتوازن الهيدروستاتيكي (hydrostatic equiliburum)، ويبقى النجم على ما يرام، طالما استمر هذا التوازن، الحاصل بين جاذبية سحب النجم للداخل، والضغط الذي يدفع النجم نحو الخارج، وإذا إنفرط هذا التوازن فأن النجم سوف يموت.

وإذا كان الأنسان يولد من أبوين فأن النجوم تولد من السُّدُم Nebula، السحب الأكثر جمالا في المجرات تتوهج باللون الأحمر والأزرق والأخضر وتلتف بمزيج رائع من الألوان المنعكسة من أضواء النجوم، أو نتيجة تأين الغاز المحيط بها بتأثير الأشعة فوق البنفسجية القادمة من النجوم، فتتلون بألوان مختلفة لأختلاف العناصر داخلها مثل الهيدروجين بنسبة %90 والهليوم بنسبة %10 وعناصر ثقيلة أخرى بنسبة %0.1 ، وتمتد لعشرات أو لمئات من السنوات الضوئية، ويمكن رؤيتها بالعين المجردة أحياناً إذا كانت تشع أو تعكس الموجات الضوئية المرئية، وإذا نظرت إلى السماء الصافية بعيدا عن أضواء المدينة، فستلاحظ شريطاً غائماً من الأفق إلى الأفق يحمل لون بياض اللبن يضم عدداً لايحصى من النجوم موزعة في عناقيد وسُّدُم غازية يسميه السومريون بدرب التبانة والأغريق بالطريق اللبني، وهو أحد أذرع مجرتنا درب التبانة.

ولوجود السُّدُم في الكون أصلان مختلفان الأول يعود إلى المادة المتكونة من عملية الأنفجار العظيم نفسه، أي إن السُّدُم مكوّنة من الغبار الأول وسحب الغاز التي تشكلت في بدايات الكون أو المادة الأصلية للكون، أما الأصل الثاني فهو نتيجة إنفجار وموت النجوم، مثل إنفجار النجوم العملاقة السوبرنوفا القصيرة العمر بسبب حجمها الهائل، ويسمى السديم كذلك بالحاضنات النجمية (stellar nuseries) لأنّها الأماكن التي تتشكل فيها العديد من النجوم، ويبقى السديم في حالة سبات لملايين أو ربما لمليارات السنين يدور حول مركز المجرة مثلما تفعل النجوم، منتظراً توفر الشروط اللازمة ليكوّن نجماً ما أو تجمع نجمي حر، فقد تأتي موجة جاذبية إهتزازية من مرور نجم بالقرب منه أو إنفجار سوبرنوفا قريب يسبب دوامات وموجات للسحابة، وتصبح بعض الأمكان من السديم أكثر كثافة من غيرها، تبدأ بعدها المادة بالتكتل في مجموعات وتنمو في الحجم وتتكاثف بمرور الزمن بسبب الجاذبية الذاتية، وتتواصل هذه العملية حتى يصل واحد أو أكثر من التكتلات إلى كتلة حرجة، مكونة ما يسمى بالنجم الأوَّلِى Protostars أو عدة نجوم ناشئة تشكل بالمستقبل عنقود نجمي أو كويكبة نجمية، ويصاحب عملية التكاثف نقصان نصف قطر النجم البدائي إلى ما يعادل قطر الشمس تقريباً، من قرابة 3 تريليون كيلومتر إلى 700 ألف كيلومتر، ومع هذا التقلص يزداد تصادم الغازات فيما بينها بسرعات كبيرة خلال عملية الأنكماش فتؤدي إلى إرتفاع درجة الحرارة في مركز النجم البدائي من 300 درجة مئوية إلى حوالي 18 مليون درجه، وهي درجة الحرارة التي تبدأ عندها التفاعلات النووية (أندماج نووى حرارى Thermonuclear Fusion) في باطن النجم، حيث يتحول الهيدروجين إلى هيليوم في باطن النجم شبيه بما يحدث في القنبلة الهيدروجينية، وعندها تتوقف عملية التقلص والأنكماش، بسبب الضغط الذي تولده التفاعلات النووية، وتبدأ مرحلة جديدة من حياة النجم، حيث يعلن عن ولادة نجم جديد ويبدأ ببث الطاقة الكهرومغناطيسية ومنها الضوء المرئي، ويحدث أحياناً عندما يبدأ الاندماج النووي في النجم الوليد يدفع الضغط المتولد بسبب الحرارة الفائقة الغبار والغاز الفائض للخارج والتي قد تشكل كواكب ويكون بداية لنظام شمسي جديد، أما زمن التقلص والأنكماش فيعتمد على كتلة الكرة الغازية، فالنجم الذي تزيد كتلته على كتلة الشمس تبلغ مرحلة التقلص له آلالف السنين، أما إذا كان بحجم الشمس تستغرق ملايين السنين، وإذا كان قزم أحمر تستغرق مليارات السنين.

ومثلما ذكرت سلفاً أن السُّدُم تدور حول مركز المجرة عندما كانت سائبة وتكمل دورتها كل 250 مليون سنة، فسوف تبقى تحافظ على زخمها الزاوي بالدوران حول مركز المجرة عندما تصبح نجماً وفقاً لقانون حفظ الزخم، وكلما صغر حجمها وتقلصت أكثر إزدادت سرعتها الدورانية حول نفسها، مثلما يكور السابح جسمه عندما يقفز من على لوحة السباحة فيزيد من سرعة دورانه حول نفسه، وغالباً ما يكون النجم البدائي غير مستقر بسبب زيادة القوة المركزية والتي تؤدي إلى تفكك النجم البدائي إلى نجمين أو أكثر، لذلك نلاحظ أغلب نجوم المجرة تكون منظومات ثنائية أو ثلاثية أو متعددة.

بعدها تبدأ مرحلة العمر الصفري حيث يصبح النجم مستقراً وتزداد درجة حرارة سطحه (الشمس مثلاً تصل إلى 6000 كلفن) وتكون الطاقة الناتجة كافية على إيقاف ميكانيكية التقلص، وتعتمد هذه المرحلة وما يتبعها من تتابع لمراحل حياته في التسلسل الرئيسي (The Main Sequence) على كتلة النجم، فبعضها متوسط مثل كتلة الشمس وبعضها فائق الكتلة أكبر من كتلة الشمس بسبع مرات وأكثر وتسمى النجوم العملاقة، وبعضها صغيره (حجمها يتراوح بين 0.5 إلى 0.1 من كتلة الشمس) و باردة (بالنسبه للشمس) تعرف بالقزم الأحمر (Red Dawrf)، علما أن كتل النجوم تتراوح بين نحو8% من كتلة الشّمس وهي أصغر الكتل المُمكنة للنجوم، وقد تكون كتلتها أكبر من الشمس بـ200 مرّة، وكما هي الجاذبية ترافقك طول حياتك وكلما قفزت للأعلى شعرت بها ولكن الأرض جرم صخري يدفعك للاعلى بقوة تساوي قوة الجذب على وفق قانون نيوتن الثالث، ولو كانت الأرض جرم غازي كما هي النجوم لإنْدَفَعَتَ في باطنها حتى تصل إلى مركزها، وكلما كانت كتلة النجم كبيرة كانت جاذبيته أكبر، وحينها يجتاج لصرف طاقة أكثر لمقاومة جاذبيته الذاتية، فتزداد عملية الأندماج النووي مما يٌسرع في عملية نفاذ الهيدروجين، لذلك يتناسب عمر النجم بصورة عكسية مع كتلته، فكلما كبرت كتلته قصر عمره والعكس صحيح، فعمر شمسنا حوالي 10 مليار سنة في التسلسل الرئيسي ومر عليها 5 مليارات سنة وهي تشع بضوئها، وستنتهي حياتها بعد قرابة5 مليارات سنةٍ أخرى، ويمكن للنجوم المماثلة لشمسنا بالكتلة أن تستمر 10 مليارات سنةٍ في هذه المرحلة، أما النجوم التي تبلغ كتلتها عشرة أضعاف كتلة شمسنا ستبقى 20 مليون سنة في هذه المرحلة فقط، أما النجوم التي تبلغ كتلتها نصف كتلة الشمس، والّتي تُعرف بالأقزام الحمراء، يُمكن أن تبقى في هذه المرحلة بين 80 إلى 100 مليار سنة.

وكمثال على كمية الهيدروجين المستهلكة في النجوم هي شمسنا، ففي كل ثانية يتحول 4.3 مليون طن من المادة إلى طاقة، فمن الطبيعي أن لاتستمر هذه العملية إلى الأبد لأن الهيدروجين الموجود في داخل الشمس سينتهي يوما ما، وعندما ينتهي تصبح الشمس في مراحل عمرها النهائية أي تشيخ وتهرم، وهذه الحتمية سوف نصل إليها بعد 5 مليارات سنة من راحة البال والسعادة التي نعيشها اليوم، وكما نعلم أن الجاذبية لاتستسلم أبداً والوقود من الهيدروجين ينفذ وقد تحول بالكامل إلى هيليوم، لذلك سوف يبدأ النجم بالتقلص والأنكماش مرة إخرى وتبدأ حرارة باطنه ترتفع ثانية ولكن الهليوم يحتاج إلى درجة حرارة أعلى من الهيدروجين حتى يبدأ بالأندماج النووي ويتحول إلى كاربون، وعندما تصل درجة حرارة باطن النجم إلى 180 مليون درجة يبدأ الهليوم بالأنصهار، وبالنسبة للنجوم التي بحجم شمسنا يعتبر هذا آخر طوق نجاة لها فبسبب درجة الحرارة المرتفعة هذه تبدأ الشمس بالأنتفاخ، ويضعف تمسك الغلاف الخارجي بالجاذبية بسبب الأنفجارات الشمسية التي تدفع به للخارج، فيكبر حجم الشمس وتتحول إلى عملاق أحمر، حتى تبتلع كوكب عطارد ثم الزهرة حتى تصل إلى الأرض ونصف المسافة بين الأرض والمريخ، وعندها سينتهي كوكب الأرض ويصبح جزءاً من الشمس، والشمس التى قضت 10 مليار عاماً تحرق مخزونها من الهيدروجين, سوف تستهلك مخزونها من الهيليوم فى 100 مليون عاما فقط ، ثم بعد ذلك ستحاول ان تستهلك الكاربون و لكنها ستفشل فهي متوسطة الحجم ليس كالنجوم العملاقة القادرة على توفير درجة حرارة عالية تستطيع استهلاك المواد الثقيلة كالكاربون وغيره، وستبدأ المرحلة النهائية من حياة الشمس مرحلة الهرم والشيخوخة ومن كان من النجوم على شاكلتها في التسلسل الرئيسي، فتتحول الشمس إلى قزم أبيض White Dwarf وهو المركز المتبقّي من الشمس بعد أن ينفصل غلافها الجوي عنها، يؤدّي انفصال الغلاف الجوي إلى تكوّن سديم كوكبي Planetary Nebula ، ومركز الشمس المتبقي يبدو وكأنه نجمة تتلألأ فى السماء عباره عن كرة غازيه بالغة السخونه أكبر بكثير من أى كوكب وكثافتها أكبر بكثير من أي كوكب بحيث أن ملعقة واحدة من المادة المكوّنة للقزم الأبيض تزن أطنانًا على الأرض، وبعدها تبقى الشمس تشبع لمليارات السّنين، وهي في هذه الحالة ليست ميتة بل تعتبر نجماً ( متقاعداً) قبل أن ينطفئ نورها وتصبح قزمًا أسود Black Dwarf.

وإذا إنتهت حياة الشمس بصورة هادئة وانطفأت ببطء وبصورة تدريجية، فالنجوم العملاقة تموت بطريقه صاخبه عن طريق الأنفجار, ففي مثل هذا النوع من النجوم تبدأ مرحلة ثالثة من حياتها في التسلسل الأساسى فعندما يقترب اندماج الهيليوم على الانتهاء تبدأ عملية أي اندماج الكاربون عند درجة حرارة أعلى تصل إلى 180 مليون درجة، ثم عملية إندماج الأوكسجين، ثم عملية إندماج السيليكون بالتتابع - حتى تصل إلى الحديد العنصر الأكثر استقراراً في الجدول الدوري، وعندها تكون حرارة قلب النجم العملاق قد وصلت إلى نحو 2 مليار كلفن، ولا يستطيع الحديد بسبب خصائصه الفيزيائية على أمداد الشمس أو النجم بالطاقة لأنه يحتاج طاقة أكبر لاندماجه من الطاقة التي يعطيها، أي هو إندماج نووي ماص للحرارة وليس باعث للحرارة، وبالتالي يبدأ قلب النجم في الانكماش تحت قوة الجاذبية ويزداد الانكماش وتتعجل عملية التقلص حتى يحدث انفجار هائل يسمى المُسْتَعِرُ الأعظم (Supernova سوبرنوفا)، يقذف فيهِ النجم بغلافهِ في الفضاء عند نهاية عمره، ويؤدي ذلك إلى تكون سحابة كروية حول النجم براقة للغاية من البلازما، وسرعان ما تنتشر طاقة الانفجار في الفضاء وتتحول إلى أجسام غير مرئية في غضون أسابيع أو أشهر، مكوناً السديم الكوكبي، وقد يكون الانفجار هائلًا لدرجة أنّه يكون أكثر سطوعًا من مجرّةٍ برمّتها لعدّة أيّام، كالذي حدث في مجرّتنا درب التّبّانة، منذ قرابة 400 سنة، وتحديدًا عام 1604، فقد رؤي مستعراً أعظم بالعين المجرّدة وقد بقي ظاهراً للعيان على مدى ثلاثة أسابيع، وشوهد مرة ثانية في عام 1987 أُطلق عليه A1987، وأنا ممن شاهد هذا الحدث الفلكي بحيث بقي هذا المستعر الأعظم يرى بالعين المجردة في وسط السماء في رابعة النهار فضلاً عن تلألأَه وبريقه الكبير جداً أثناء الليل لمدة ثلاثة أسابيع إلى شهر ثم اختفى، ويحدث إنفجار السويرنوفا بمعدل مرتان كل مئة عام في كل مجرة، ولكن يجب البحث عنها بمنظار لأنها تحدث في المجرات البعيدة عنا، واستطاع العالم الفلكى أليكس فيلابينكو من رصد 600 حالة فى العشر أعوام السابقه، وهذه النجوم المنفجرة هى التى تكون الكواكب والأقمار, والنجوم الجديدة و شىء أكثر روعه من كل هذا, فاذا حاولت أن تتبع أصلك لأجدادك القدماء, ستجد نجوماً متفجره فى شجرة العائله .

أما مركز النجم فينهار على نفسه نحو المركز مكوناً نجماً نيوترونياً Neutron Star، إذا كانت كتلة النجم تعادل 1.5 إلى 3 من أمثال كتلة الشمس، وإذا كان أكبر فسوف يتحول إلى ثقب أسود Black Hole، وأما إذا زادت كتلة النجم على نحو 20 مرة من كتلة الشمس فإنه قد يتحول إلى ثقب أسود بدون أن ينفجر في صورة مستعر أعظم، وقد تحدثت في مقال سابق عن الثقوب السوداء، أما النجوم النيترونية فتتكوّن معظمها من النيوترونات بعد أن تلتحم الإلكترونات والبروتونات فتزداد كثافة المادة بشكل كبير جداً بعد أن ينتهي الفراغ بين الذرات وبين النواة والأغلفه الخارجية للذرات، ويبلغ قطر النجوم النيوترونية المثاليّة 20 كم وكتلتها أكبر من كتلة الشّمس بثلاث مرّات، أما النّبّاضات الإشعاعيّة Pulsar فهي نجوم نيوترونيّة تدور حول نفسها بسرعةٍ عاليةٍ تصل إلى دورةٍ واحدة كلّ 0.3 ثانية وتطلق حزمًا ضوئيّةً وراديويّةً يكتشفها الفلكيّون على الأرض باستخدام التّلسكوبات الراديويّة.

وخلاصة القول أن الجاذبيه هى التى كوّنت النجم من الغبار الكوني وهى التى تريد تدميره وتعيده في النهاية إلى غبار كوني كذلك, واذا كان النجم يريد ان يعيش فعليه ان يجد طريقة ليقاتل الجاذبيه، إنها ساحة القوة في الكون ولولا موت هذه النجوم وإنفجار السوبرنوفا لما كنا ولانكون لانها مصنع العناصر الثقيلة فلأنفجار العظيم لم يصنع سوى عنصرين خفيفين الهيدروجين والهليوم.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق