q
إنسانيات - حقوق

قرار إلغاء انتخاب العراقيين في الخارج

بين حجب الحق والأسباب المُعلنة

قررت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عدم إجراء الانتخابات المبكرة، للعراقيين المقيمين في الخارج. وقد أثار هذا القرار العديد من المواقف المختلفة، حيث أيدته أغلبية الكتل البرلمانية الكبيرة ووقف بالضد منه عدد من ممثلي الكتل الأخرى. وبنفس الوقت ترك ردود فعل غاضبة من قبل عراقيي الخارج، باعتبار...

قررت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية (المفوضية) بتاريخ 23 آذار 2021 عدم إجراء الانتخابات المبكرة، المزمع إجراؤها في العاشر من تشرين الأول للعراقيين المقيمين في الخارج. وقد أثار هذا القرار العديد من المواقف المختلفة، حيث أيدته أغلبية الكتل البرلمانية الكبيرة ووقف بالضد منه عدد من ممثلي الكتل الأخرى. وبنفس الوقت ترك ردود فعل غاضبة من قبل عراقيي الخارج، باعتبار أن القرار يمثل انتهاكا لمبادئ الدستور. وأن هذا الإجراء يعد سابقة لم تتجرأ على اتخاذه مجالس المفوضية في الانتخابية الماضية.

وقد تم إعداد هذه المادة من اجل تسليط الضوء على خلفية التصويت في الخارج، وتناول طرق التصويت المتبعة، وتمثيل المقيمين في الخارج في السلطة التشريعية، والتوقف أمام تجربة العراق في تصويت الخارج والقراءة القانونية لقرار الإلغاء، والأسباب المعلنة لذلك، وتقديم مقترحات لضمان تصويت العراقيين في الخارج وتمثيلهم في مجلس النواب.

نبذة عن التصويت في الخارج

شرّعت ولاية ويسكونسن الأمريكية أول قانون يُمكن جنودها المقاتلين خارج الولاية من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات. وقد كان ذلك قبل مئة واربعين عاماً، لتفتح الطريق أمام اتساع ظاهرة التصويت من الخارج والتي دشنتها الحكومة الأيسلندية في بداية القرن الماضي، عندما سمحت للبحارة بالتصويت من خارج البلاد.

بدأ السماح للتصويت من الخارج على المستوى العالمي من خلال انتشار القيم الديمقراطية وعملية التحول الديمقراطي في عدد من البلدان بالتزامن مع تزايد أعداد المهاجرين بفعل اتساع ظاهرة العولمة الاقتصادية التي سرعت من انتقال الأيدي العاملة الى الدول الصناعية، حيث وصل عدد المهاجرين حسب آخر إحصائية للأمم المتحدة الى 281 مليون مهاجر الذين يمثلون 3.6% من سكان العالم، حيث وصلت نسبة المهاجرين الى أكثر من 10% من سكان 70 دولة، وهناك 6 بلدان يشكل المهاجرون أكثر من 60% من عدد سكانها.

ويشكل المهاجرون قوة سياسية مهمة للغاية. ومن المحتمل أن الأصوات التي يدلون بها قد تؤثر في كثير من الحالات على النتائج التي ستسفر عنها.

ولم يكن التصويت في الخارج يستثير أي جدل سياسي بالنسبة الى الدبلوماسيين وأفراد القوات المسلحة، مقارنة ببقية المواطنين في الخارج، حيث هناك وجهات نظر متباينة حول مشاركة المهاجرين في الانتخابات بين أحزاب الحكومة والمعارضة، فإذا كانت أغلبية المغادرين للبلاد لأسباب سياسية، فإن من المؤكد أن الحزب الحاكم لا يؤيد التوسع في حق التصويت، لكن الوضع تغير في الوقت الحاضر، فأصبح التصويت في الخارج، من الموضوعات التي تحظى بالاهتمام حتى غدت ظاهرة حديثة نسبيا موجودة في أكثر من 115 دولة، يمثلون ثلثي دول العالم، والتي اتسع نطاق انتشارها عند الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.

طرق التصويت في الخارج

- التصويت الشخصي: وهو توجه الناخب الى مكان معين للإدلاء بصوته وهو الأكثر شيوعا، والذي يؤخذ به في 55 بلدا ومن مزاياه سرية الانتخاب، لكنه مُكلف من الناحية المالية بالنسبة للمقترعين المنتشرين في أماكن متباعدة وبعيدة عن مكان الاقتراع.

- التصويت بالبريد: يقوم الناخب بملء ورقة الاقتراع في المكان الذي يختاره بنفسه، ويجري بعد ذلك نقل الصوت عبر البريد الى الوطن، وهو الأكثر شيوعا في أوروبا، ويكون منخفض الكلفة، مرتبطا بمستوى الخدمات البريدية، ويؤخذ به في 27 بلدا ومنها المكسيك، سويسرا والسويد، وهو أسلوب عملي على مستوى داخل البلاد والخارج وبالأخص في ظل انتشار جائحة كورونا.

- التصويت بالوكالة: للمواطن المقيم في الخارج توكيل شخص للتصويت نيابة عنه في مكان الاقتراع المحدد.

- التصويت الإلكتروني: يجوز للناخب استخدام الانترنت، أجهزة مساعدة رقمية، الهواتف للتصويت بواسطتها، حيث لم تعد الانتخابات مقصورة بالذهاب الى المراكز الانتخابية ومباشرة التصويت بأوراق تقليدية، ووضعها في صندوق خاص. إن تجارب العديد من الدول أثبتت أن المواطن يباشر حقه في التصويت بكيفيات متعددة وسهلة وبسيطة. ويشمل التصويت الالكتروني كل مراحل العملية الانتخابية من التسجيل والتصويت وإظهار النتائج ومن أي مكان يختاره الناخب. وقد أصبحت هذه الطريقة منتشرة في عدد من الدول (كندا، سويسرا، استونيا، فرنسا، هولندا...).

التمثيل السياسي للناخبين في الخارج

من أجل تعزيز الارتباط للمواطنين المقيمين في الخارج مع بلدهم الأم، تلجأ العديد من الدول الى تشريع قوانين تتيح للمواطنين المقيمين في الخارج في التمثيل السياسي في السلطة التشريعية من خلال تحديد نسبة من المقاعد، تتناسب مع عدد المقيمين في الخارج. كذلك تحديد عدد من الدوائر مع إصدار التعليمات الخاصة بطريقة التسجيل والاقتراع وإعلان النتائج.

فقد حددت الجزائر 8 مقاعد للمقيمين في الخارج، والذين يمثلون 2% من أعضاء البرلمان. أما فرنسا فقد تم حجز 12 مقعدا من مقاعد مجلس الشيوخ للفرنسيين خارج البلاد، ويمثلون 3.6% من مقاعد المجلس. أما طريقة اختيارهم، فيتم من خلال المجلس الأعلى للمواطنين الفرنسيين في الخارج المُنتخب. ومن الجدير بالذكر تَشكل هذا المجلس منذ سنة 1948. أما تونس فتتميز بتشريعها لأفضل القوانين الانتخابية للمصوتين من الخارج، الذي صدر بعد الثورة التونسية عام 2010، فقد تم تخصيص 18 نائبا يمثلون أكثر من 8% من مجموع عدد أعضاء البرلمان. وتم تحديد ست دوائر انتخابية لهم: دائرتان في فرنسا لكل منهما 5 نواب، ودائرة في إيطاليا ولها 3 نواب، ودائرة في ألمانيا ولها نائب واحد. وللتونسيين المقيمين في الأميركتين وبقية الدول الأوربية دائرة انتخابية لها نائبان. كذلك دائرة للدول العربية وبقية دول العالم ولها نائبان.

تصويت العراقيين في الخارج

بعد انهيار النظام الديكتاتوري ومن اجل انتخاب الجمعية الوطنية لكتابة الدستور العراقي الجديد، تم إصدار أمر سلطة الائتلاف رقم 92 لسنة 2004 بتشريع قانون مفوضية الانتخابات العراقية المستقلة، والتي تعنى بتنظيم ومراقبة وإجراء الانتخابات. وقد أثيرت بعض الصعوبات في وقتها، حول مشاركة العراقيين في الخارج والتي حسمها مجلس المفوضية لصالح المشاركة رغم معارضة ممثلي الأمم المتحدة. وقد أنيطت إدارة انتخابات الخارج بمنظمة الهجرة الدولية التي أقامت 75 مركزا انتخابيا في 14 دولة، والتي صوت فيها أكثر من 265 ألفا.

وبعدها أدارت مفوضية الانتخابات، أربع دورات برلمانية للعراقيين في الخارج، الذين يقدر عددهم بأكثر من ثلاثة ملايين مواطن؛ ففي انتخابات كانون الأول سنة 2005، كان عدد المصوتين بحدود 320 ألف. وفي سنة 2010 كان عدد المصوتين 250 ألفا. أما في انتخابات 2014 فقد كانت بحدود 272 ألفا. وانخفض عدد المصوتين في سنة 2018 إلى 170 ألفا.

وكان على المصوتين في الخارج الذهاب الى المراكز الانتخابية مرتين: الأولى لغرض التسجيل، والثانية للتصويت. وكما هو في داخل العراق غالبا ما يشوب العملية الانتخابية التزوير وخاصة في دول الجوار.

قراءة قانونية حول قرار المفوضية

إن قرار المفوضية بإلغاء إجراء الانتخابات في الخارج المُتخذ في 23/3/2021 يتعارض مع مواد الدستور (14، 16، 20) التي تكفل المساواة، تكافؤ الفرص بين العراقيين، وحق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح. وهو يخالف قانون انتخابات مجلس النواب النافذ رقم 9 لسنة 2020 الذي نص في المادة (2) الخاصة بأهداف القانون، على: مشاركة الناخبين في اختيار ممثليهم والمساواة في المشاركة وضمان حقوق الناخب والمرشح. كذلك نصت المادة (4) من القانون على: إن الانتخاب حق كل عراقي. وفي المادة (39) التي تعنى بالتصويت الخاص في البند رابعا، جاء: (يصوت عراقيو الخارج لصالح دوائرهم باستخدام البطاقة البايومترية حصراً).

إن المشرع العراقي في قانون الانتخاب النافذ لم يكفل المساواة بين العراقيين عند اعتماده على بطاقتين عند الانتخاب؛ الأولى وهي البطاقة الالكترونية وهي الخاصة بعراقيي الداخل على وفق (البند4، المادة 5). أما البطاقة الثانية وهي البطاقة البايومترية فقد حصرها بعراقيي الخارج. إن هذا التمايز في النص القانوني يشكل مخالفة صريحة لمبدأ المساواة التي كفلها الدستور. ومن الجدير بالذكر أن مجلس النواب السابق، سبق وان ألغى نتائج انتخابات الخارج لسنة 2018 بقرار منه والذي كان محط اعتراض من قبل المفوضية ورئيس الجمهورية.

إن هذه النصوص الدستورية والقانونية تلزم المفوضية باتخاذ كل الإجراءات والتدابير المناسبة لضمان إجراء الانتخابات للعراقيين في الخارج من حيث تنظيم سجل الانتخابات والتصويت، مع مراعاة التباعد الاجتماعي في ظل جائحة كورونا. كذلك فرز النتائج، ولا سيما أن مجلس المفوضية المشكل منذ نهاية سنة 2019 مدرك لبعض الخصوصية التي تتميز بها انتخابات العراقيين في الخارج.

أهم الأسباب لقرار الإلغاء

عللت المفوضية عند قرارها بإلغاء انتخابات العراقيين في الخارج، بجملة من الأسباب منها:

صعوبة إكمال عملية تسجيل الناخبين العراقيين في الخارج (إلكترونيا) التي تحتاج الى (160) يوما تقريبا. بينما المدة المتبقية هي 40 يوما فقط، وأن وزارة الخارجية اعتذرت، عن إجراء الاقتراع في السفارات والقنصليات العراقية لاستحالة إقامتها في المرحلة الراهنة، بسبب الظروف الصحية الحرجة التي تفرضها جائحة كورونا. كذلك لضيق الوقت المتاح لعملية فتح حسابات جارية باسم مكاتب المفوضية خارج العراق، وإن إجراء العملية الانتخابية في أماكن غير خاضعة للسيادة العراقية يجعلها خاضعة لقوانين تلك الدول، ولا ولاية للقضاء العراقي على المخالفات والتجاوزات التي قد تحصل خلال إجراء العملية الانتخابية، إضافة الى أن إرسال موظفي المفوضية الى دول أخرى في ظل الظروف الصحية الحرجة المتمثلة بانتشار جائحة كورونا يعرض سلامتهم الى الخطر.

أما السيد مستشار رئيس مجلس الوزراء لشؤون الانتخابات، فقد أضاف الى الأسباب المذكورة، المبررات الاتية: لم تجر الانتخابات في الخارج بشكل كامل من قبل المفوضية، وجود رفض أو امتناع عشرين دولة عن فتح مراكز اقتراع بسبب جائحة كورونا، الكلفة المرتفعة لإجراء الاقتراع في الخارج، دائما ما تكون مصدرا للتزوير وبالأخص في الدول المجاورة.

من خلال سوق هذه الأسباب والمبررات لقرار الإلغاء قد تكون هناك إرادة سياسية مسبقة من قبل القوى المؤثرة بعدم الرغبة في مشاركة العراقيين في الخارج من خوض الانتخابات، مع العلم أن الدولة المصرية وفي ظل ظروف مماثلة وهي انتشار جائحة كورونا، سمحت للمصريين في الخارج بالمشاركة في الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب المصري التي جرت في أكتوبر - ديسمبر 2020، من خلال تشكيل 140 لجنة انتخابية في مقر السفارات والقنصليات المصرية في الخارج لاستقبال أوراق الاقتراع التي تم إرسالها، عبر البريد السريع وتنظيم سجل الناخبين من خلال البريد الاعتيادي والتسجيل الالكتروني عبر إدخال الرقم القومي المكون من 14 رقما، في موقع الهيئة الوطنية للانتخابات.

مقترحات لضمان تصويت العراقيين في الخارج

من اجل تعزيز لحمة العراقيين في الخارج بوطنهم والاستفادة من إمكانياتهم وطاقاتهم وإشراكهم في الحياة السياسية. ومن خلال الاطلاع على تجارب عدد من الدول التي سبقتنا في ربط مواطنيها ببلدهم الأم، هذه أهم المقترحات:

1- إعداد سجل للناخبين العراقيين في الخارج بمقر السفارات والقنصليات العراقية.

2- إعطاء فرصة لتسجيل الناخبين عبر البريد الاعتيادي أو التسجيل الالكتروني من خلال صفحة المفوضية، بضمان أرقام البطاقة الموحدة أو بطاقة الأحوال المدنية أو جواز السفر، حتى توفر إمكانية إصدار البطاقة الالكترونية.

3- أن يكون التصويت عبر البريد الاعتيادي أو الالكتروني، لضمان مراعاة التباعد الاجتماعي في ظل جائحة كورونا.

4- منح مقاعد في مجلس النواب للعراقيين في الخارج وحسب العدد التقديري، وكما هو متبع في بعض الدول العربية والأجنبية.

5- تحديد عدد من الدوائر الانتخابية للعراقيين في الخارج وحسب السجل الانتخابي في كل دولة أو قارة.

اضف تعليق