q
دعوة الأنبياء للناس في كل زمان ومكان لعبادة الله وتوحيده لا تقوم على الإلزام والإكراه، بل هي تقوم على قاعدة (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) لأن الله عز وجل لوشاء أن يؤمن به البشر جميعا رغما عنهم لفعل ذلك، ولما بعث الأنبياء والرسل، لأن الثواب والعقاب كله مبني...

تنقسم الديانات إلى ديانات سماوية، وديانات غير سماوية، والإسلام دين سماوي، وهو آخر الأديان السماوية، سبقته أديان أخرى مثل اليهودية والمسيحية والصابئة. وهناك ديانات غير سماوية (أرضية) أي تُنسب إلى أناس ابتكروها ثم أتبعهم في ذلك عدد من الناس، فصاروا من اتباعها وأنصارها، مثل البوذية والهندوسية والإبراهيمية وغيرها؟ وهناك أناس دينهم أن لا دين لهم (الملحدون) أي لا يؤمنون باي دين سماوي أو ارضي، وإن كان بعضهم يؤمن بوجود إله وخالق، ولكن لا يؤدون الطقوس المفروضة على وفق دين معين. وعليه؛ فالناس إما يؤمنون بدين سماوي، وإما يؤمنون بدين أرضي، وإما لا دين لهم.

وفي هذا الشأن؛ أكدت الدراسة الصادرة عن مركز "بيو للأبحاث" الأمريكي المتخصص في الإحصائيات الديموغرافية، في عام 2015، أن نحو 84% من سكان الكرة الأرضية ينتمون لأديان مختلفة، و16% فقط لا ينتمون لأديان، وكشفت تلك الدراسة أن عدد سكان الكرة الأرضية وصل إلى 7 مليار و647 مليون نسمة، ما يعنى أن 6.4 مليار تقريبا منهم ينتمون إلى أديان مختلفة، و1.2 مليار فقط لاينتمون إلى ديانات.

وعلى مستوى تصنيف الديانات من حيث الأوسع انتشارا، تأتى الديانة المسيحية في المستوى الأول، حيث يؤمن بها وفق الأرقام التقديرية لتلك الدراسة ودراسات أخرى 2.3 مليار نسمة، بنسبة 31.2% من سكان الأرض، ويأتي بعدها الإسلام في المرتبة الثانية بـ 1.8 مليار مسلم على مستوى العالم، بنسبة 24.1% من البشرية، في حين تأتى الديانة الهندوسية في المرتبة الثالثة ويدين بها 1.1 مليار نسمة مايعادل 15% من العالم. أما من لا ينتمون إلى ديانات على الإطلاق فجاء عدد 1.2 مليار شخص، أي أنه يمكن وضعهم في المرتبة الثالثة بعد المسيحية والإسلام وفق التصنيف العددي، أما من حيث النسبة الكلية من السكان فنسبتهم 16% من سكان الأرض، ولا تعنى تلك النسبة أن جميعهم ملحدون، خاصة أن الدراسة أكدت أن كثير منهم يؤمنون بوجود إله لكنهم لا يمارسون طقوسا أو شعائر دينية.

والسؤال هنا كيف نظر الإسلام إلى الديانات السماوية الأخرى وغير السماوية، هل أقرها أم رفضها؟ وكيف تعامل المسلمون مع أتباع الشرائع اليهودية والمسيحية والصابئة؟ وكيف تعامل الإسلام مع اتباع الشرائع والأديان التي يعتقد أنها ليست سماوية، بل هي طرق تعبدية أوجدها أناس في فترات زمنية معينة، أضحت فيما بعد أديان وطرق ومذاهب يُدين بها ملايين الناس مثل البوذية والهندوسية والإبراهيمية وغيرها؟ وكيف تعامل المسلمون مع الناس الذين لا يؤمنون بدين ولا شريعة، لا سماوية ولا غير سماوية؟

في الإطار النظري؛ يمكن القول إن كل الأديان السماوية؛ ومنها الإسلام يركز على عبادة إله واحد لا شريك له (التوحيد) فما بعث الله رسولا إلا ابتدأ قومه بدعوتهم إلى التوحيد وقول لا إله إلا الله، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) وهكذا قال هود لقومه، وصالح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وسائر أنبياء الله. وقد أخبر الله تعالى أن الحكمة من إرسال الرسل دعوة الخلق إلى عبادة الله وتحذيرهم من عبادة ما سواه (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ).

ولا شك أن دعوة الأنبياء للناس في كل زمان ومكان لعبادة الله وتوحيده لا تقوم على الإلزام والإكراه، بل هي تقوم على قاعدة (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) لأن الله عز وجل لوشاء أن يؤمن به البشر جميعا رغما عنهم لفعل ذلك، ولما بعث الأنبياء والرسل، لأن الثواب والعقاب كله مبني على قاعدة لا إكراه في الدين (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حتى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) بل قامت مشيئة الله عز وجل على ترك الاختيار للناس أنفسهم، إما أن يتبعوا سبيل الله، وإما أن يتبعوا سبيل الشيطان، فمن أتبع سبيل الله نال الجنة ومن أتبع سبيل الشيطان أدخل النار(إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ).

وفيما يتعلق بتنظيم العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب (اليهود والنصارى) فان هذه العلاقة قائمة على مجموعة من القيم الإنسانية، منها قاعدة (توحيد الله) فإلههم وإلهنا واحد (وَإِلَهُنَا َوَإِلَهُكُم وَاحِدٌ) ومنها الأيمان بالرسول والكتب السماوية السابقة، حيث إننا نؤمن بالأنبياء والرسول والكتب السماوية التي نزلت قبل الإسلام ولا نفرق بين أحد منهم، حيث قال الله تعالى (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُسُلِهِ) ومنها أن لغة الحوار والتفاهم والتعايش هي اللغة التي ينبغي أن تسود بيننا وبين غير المسلمين (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) وكذلك (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَ بالتي هِيَ أَحْسَنُ).

وفيما يتعلق بالذين لا يؤمنون بوجود إله خالق ويكفرون بكل ما جاءت به الرسول والأنبياء، أو اتخذوا دينا من عند أنفسهم، فان الله عز وجل أمرنا أن نبرهم وأن نقسط إليهم، حيث قال تعالى (لاَ يَنْهَاكُمُ اللَهُ عَنِ الَذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ في الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أي ليس فقط معاملتهم بالحسنى بل بأعلى درجات التعامل الحسن وهو البر الذي يجمع كل الفضائل كما جاء وصفه في القرآن الكريم. كما أمرنا الله عز وجل ألا نتجاوز عليهم، ولا على إلهتهم التي يعبدونها من دون الله عز وجل، ولذلك، ينهى الإسلام عن سب غير المسلمين أو سب آلهتهم، وعن ذلك يقول الله تعالى: (لَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

إن المتتبع للنصوص الإسلامية المعتبرة، يجد أنه ليس هناك نص لا في القرآن الكريم، ولا سنة النبي (ص)، ما يدل على جواز الاعتداء على غير المسلمين، سواء كانوا من أتباع الديانات السماوية أو من غير الديانات السماوية، أو كانوا ملحدين وكفار، بل تلك النصوص تدعو المسلمين إلى احترامهم واحترام عقائدهم وأفكارهم، وإن كانت مخالفة للإسلام إلا إذا اعتدى بعضهم على المسلمين أو على عقائد المسلمين، فالمسلمون مخيرون بين الرد بالمثل أو العفو.

ويمكن القول إن البلاد الإسلامية أو البلاد التي دخلها الإسلام في الغالب لم تشهد نزاعات على أساس الدين أو العقيدة، وإن الإسلام أقر الديانات الأخرى، وأبقى الكنائس والصوامع ودور العبادة، ولم يلزم أحد من اتباع تلك الديانات في دخول الإسلام. وأدل دليل على ذلك هو وجود اتباع الديانات اليهودية والمسيحية والصابئة والديانات الأخرى غير السماوية في البلاد الإسلامية هذه الفترة الطويلة، وهم يعيشون في الأوطان الإسلامية كما يعيش المسلمون تماما، ويمارسون طقوسهم كما يمارس المسلمون طقوسهم وعبادتهم. وقد كان الرسول (ص) اسوه حسنة لجميع المسلمين عندما أبقى على اليهود والطوائف الأخرى في إطار الدولة الإسلامية الفتية، ووفر لهم الحماية من الأعداء، وهكذا فعل من بعده المسلمون.

ومع ذلك؛ فان هناك فترات تاريخية يٌندى لها جبين الإنسانية مما فعله المسلمون ليس مع المختلفين معهم في الدين والعقيدة، بل حتى مع بعضهم بعضا، وقد أدى ذلك إلى حروب طاحنة راح ضحيتها عدد كبير من المسلمين، ومازال الاختلاف المذهبي والطائفي بين المسلمين أنفسهم، فضلا عن الديانات الأخرى يلقي بظلاله في العلاقة بين المسلمين بعضهم بعض وبينهم وبين غيرهم.

ويرجع ذلك في الغالب إلى دوافع سياسية محضة تؤطر بإطار الدين أو المذهب تضمر العداوة للآخر، وتجوز حربه وقتله بعد تكفيره بهدف السيطرة على نظام الحكم وتسييس الناس. وفي بعض الأحيان ترجع هذه العداوات والأحقاد بين المسلمين وغيرهم إلى الانحراف عن الفهم المعتدل للإسلام في علاقته مع الأديان والمذاهب ومع الملحدين والكافرين، وهذا الانحراف الفكري مبني على أساس تجريم الآخر وتكفيره ونفيه من الوجود مازال غير مؤمن أو لا ينتمي إلى الطائفة. وهو ما أوقع المسلمين في أتون الصراعات العقائدية، مع اتباع الديانات الأخرى، ومع اتباع الدين الواحد، وما رافق ذلك من عنف وتنكيل.

الأكثر من ذلك؛ أن المسلمين لما انقسوا إلى مذاهب واتجاهات فكرية مختلفة، في فترات مختلفة، لم يغلبوا لغة الحوار والتفاهم فيما بينهم، بل لجئوا إلى الحروب والاقتتال والقتل الجماعي لكل من يخالفهم المذهب، فراح في ذلك عدد لا يحصى من المسلمين ليس لهم ذنب إلا أنهم ينتمون إلى هذا المذهب دون ذلك المذهب. كما فرقوا بينهم على أساس العرق، فمن كان مسلما عربيا فهو أفضل من غيره، ومن كان مسلما عربيا قرشيا فهو أفضل من غيره، وهكذا جعلوا الأفضلية للعرق والعشيرة والجنس واللون على حساب التقوى ومخافة الله واتباع تعاليمه، ومازالت التفرقة قائمة في العديد من البلدان، وتقوى شوكتها، فما بالك بغير المسلمين. وهذا كله يناقض قول الله تعالى) إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) وقول الرسول (ص) حينما قال (لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدم، وآدمُ من ترابٍ)

خلاصة الموضوع:

1. إن الأديان السماوية -بحكم انتمائها إلى السماء- لا تأمر إلا بالخير والحق والإصلاح، ولاتدعو إلا إلى الحب والبر والرحمة والإحسان، ولا توصي إلا بالأمن والسلام.وما كانت الأديان يوماً بحد ذاتها عائقاً أمام التبادل الفكري والثقافي والتعايش والتعارف والحوار.

2. إن الإسلام امتداد لكل الرسالات السماوية، والرسول (ص) والمؤمنون بالإسلام يؤمنون بالرسالات السابقة وبالأنبياء السابقين، ولا يفرقون بين أحد منهم، وإن الإسلام أمر المسلمين بالتعايش مع أتباع الديانات السماوية وغير السماوية ومن لا يؤمنون بدين على وفق قواعد التعايش السلمي وعدم الاعتداء عليهم، والحوار والتعاون والبر بهم وغيرها. ولم يجوز للمسلمين الاعتداء على الآخرين ولو كانوا كفرة أو ملحدين.

3. إن الله مع قدرته على كل شيء لم يجبر أحد من عباده على اتباع طريق دون طريق، إنما بين طريق الحق وطريق الباطل، طرق الخير وطريق الشر، وبعث في سبيل ذلك الأنبياء والرسول (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) وعند ذلك فمن يختار طريق الخير والصلاح فله عند الله الثواب العظيم، ومن يختار طريق الشر والفساد فله عند الله العقاب العظيم. وعليه؛ لم يجور لأي مسلم أن يٌجبر غير المسلمين على دخول الإسلام.

4. للأسف أن بعض المسلمين ممن تسلطوا على رقاب الناس، وبعض المسلمين من قليلي المعرفة بالإسلام وقواعد التعايش والسلام، ظن أن الدعوة إلى الإسلام لا تقوم إلا بالسيف والحراب والكراهية والقتل والانتحار، وأن إلزام الناس بالإسلام رغما عنهم هو جزء من الإسلام. فقام هؤلاء بأفعال وأعمال تنافي القيم الإسلامية، وكانوا ومازالوا سببا في تشويه الإسلام والرسالة الإسلامية.

5. إن التعصب بأشكاله المختلفة في دول المسلمين كالتعصب الديني أو القومي أو القبلي أو الفكري وهو ما أوقع المسلمين في أتون الصراعات العقائدية مع اتباع الديانات الأخرى، وبين اتباع الدين الواحد، وما رافق ذلك من عنف وتنكيل. كما يحدث في العديد من البلدان كالعراق ولبنان وغيرها.

.......................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق