q
{ }
عقد مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات حلقة نقاشية تناول من خلالها موضوعا مهما يحمل عنوان (المسؤولية الجنائية الناشئة عن جريمة الإخفاء القسري) وذلك بمشاركة عدد من الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يُعقد بمقرّ مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة...

عقد مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات حلقة نقاشية تناول من خلالها موضوعا مهما يحمل عنوان (المسؤولية الجنائية الناشئة عن جريمة الإخفاء القسري) وذلك بمشاركة عدد من الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يُعقد بمقرّ مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة.

 افتتح الجلسة الباحث في مركز آدم الدكتور علاء الحسيني أستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء- كلية القانون، حيث قال: "إن هذه الجريمة أي جريمة الإخفاء القسري هي ليست بالجديدة وهي كثيرة الوقوع في العالم، وذلك لأسباب سياسية واقتصادية وأسباب أخرى".

 ثم ترك المجال للدكتور خالد الجبوري أستاذ القانون الجنائي في كلية القانون/ جامعة كربلاء ليقدم ورقته حول المسؤولية الجنائية وأركان تلك الجريمة وما إلى ذلك من منعطفات أخرى لها علاقة بجريمة الإخفاء القسري.

 الفرق بين(الاختفاء) و (الإخفاء)

 افتتح الدكتور الجبوري كلامه بتوضيح الفرق بين (الاختفاء والإخفاء) حيث قال، "أن المسؤولية الجنائية الناشئة عن جريمة الإخفاء القسري هي جريمة تعد حقيقة من اخطر الجرائم التي تصيب الإنسان، لأنها واقعا تمس مساس مباشر بأهم الحقوق والحريات التي يتمتع بها هذا الإنسان، وابرز هذه الحريات هي ( الحرية الشخصية/ الحق في الأمن الشخصي)، وربما قد تصل إلى درجات أقسى من ذلك وفيما لو وصلت إلى حقه في الحياة، الذي يعد هذا الحق هو أساس هذه الحقوق والحريات جميعها، إلى جانب ذلك قبل الخوض في تفاصيل هذا الموضوع أسجل أولا ملاحظة حول تسمية هذه الجريمة، خصوصا عند البحث في الكتابات والبحوث وفي مختلف النصوص القانونية وسواء كانت في التشريعات الداخلية والاتفاقيات والمواثيق الدولية".

 "بالتالي وجدت التمسية المتعارف عليها هي (الاختفاء القسري) وليس (الإخفاء القسري)، ولكن تم توثيق المعنى الثاني على اعتباره هو الأصح والأصوب، لان الفرق واضح ودقيق ما بين التسميتين، فعندما نقول (الاختفاء القسري) فان الاختفاء يكون إرادي، أي أن يخفي الشخص نفسه دون تدخل إرادة الغير، لكن عندما نقول (الإخفاء القسري) هنا نعني أن يقوم شخص بإخفاء غيره قسرا أو إكراها، لذا فان الإخفاء هي أدق واصح من الاختفاء هذا من جانب، من جانب آخر فان مفردة ( القسري) لا تنسجم مع الاختفاء لماذا، فالشخص عندما يختفي بإرادته فأين القسر وأين الإكراه، ممكن أن نقول(الاختفاء الاضطراري) أي محاولة التواري عن الأنظار لسبب من الأسباب".

 "لذلك أثناء البحث في مختلف النصوص وخصوصا فيما يتعلق بالاتفاقيات الأخيرة، وسواء كان منها الإعلان الخاص عن حماية الأشخاص، وكما نص الإعلان الصادر في العام (1992) وذكرت (الاختفاء القسري)، أيضا رجعت إلى إعلان روما الأساسي الصادر في العام (1998) أيضا وجدت (الاختفاء القسري)، كذلك الاتفاقية الأخيرة التي عقدت في العام (2006)، والتي دخلت حيز النفاذ في العام (2010) أيضا نصت على تسمية (الاختفاء القسري)، فقط في موضوعين البعض قد استخدم مصطلح (الإخفاء القسري)، وهي مفردة في نظام روما الأساسي وليست تعريف الذي نصت عليها في المادة (سابعا) فقرة (طاء)، وذلك عندما عددت جرائم الحرب والعدوان نجد ما يتعلق بالتعذيب والقتل الخطأ هناك وجدت مفردة (الإخفاء)".

 "كذلك المشرع العراقي في قانون المحكمة الجنائية العليا رقم (10) لسنة (2005) في المادة (12)، المشرع يسجل له انه قد استخدم هذه التسمية وهي (الإخفاء القسري)، لذلك فالمصطلح الدقيق هو (الإخفاء القسري) وليس الاختفاء القسري)، هذا ما يتعلق في مفهوم الاختفاء من حيث اللغة".

 "أما ما يتعلق الاصطلاح فنجد التعاريف كثيرة جدا من حيث كانت على مستوى (فقهي/ تشريعي/ نصوص الاتفاقية)، فمثلا عرف الإخفاء القسري (بأنه الاحتجاز أو الاختطاف أو أي عمل يحرم الإنسان من حريته على يد جهة تابعة لسلطة ما أو أشخاص يتصرفون بدعمها أو إذنها ولا تعترف تلك الجهة بما للمختفي والمختطف من حرية بل نكره مصيريه ومعرفته ومكانه وجوده)، أيضا ما يتعلق باتفاق روما فهي عرفة (الإخفاء القسري) (بأنه إلقاء القبض علي أي أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية أو بأذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه ثمة رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن مكان وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمني طويلة)، التعريف الأخيرة يخص الحماية الدولية لجميع الأشخاص من الاختفاء لسنة ( 2006) وهي عرفته (بأنه الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة أو أشخاص أو مجموعات من الإفراد يتصرفون بأذن أو دعم من الدولة أو موافقتها ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده مما يحرمه من حماية القانون)".

 "في الحقيقة هذه التعاريف تكاد تتفق جميعها من حيث المضمون وأن كان هناك اختلاف من حيث الشكل، أي انه الإخفاء القسري تقوم به سلطات الدولة سواء كان بدعم أو توجيه أو تسهيل، من قبل هذه السلطة لأجل القيام بعدت أمور من مثل (الاعتقال/ الاختطاف/ الاحتجاز)، التي هي تشكل السلوكيات الإجرامية لهذه الجريمة، وبعد أن تتم هذه العملية يكون هناك إنكار ورفض الاعتراف لهذا الشخص بحرمان حريته، ولا تعطي أي معلومات حول مصير هذا الشخص ولا عن مكان وجوده، الهدف من ذلك هي أن تحرمه من حماية القانون أكثر مدة زمنية ممكنة".

 "إذا هذه الجريمة هي جريمة خطيرة كونها تمس حقوق وحريات الأشخاص التي ضمنتها مختلف المواثيق الدولية، ابتدأ ما يتعلق بحقوق الإنسان وما يتعلق بالعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ومختلف الدساتير، فعلى سبيل المثال الدستور العراقي لسنة (2005) في المادة (15)، قد ضمن هذه الحقوق والحريات للأشخاص وبالتالي ليس من المسوغ أن تمس هذه الحقوق وهذه الحريات، من اجل محاربة ومواجهة المعارضين للنظام السياسي عندما تمارس الدولة هكذا أفعال، هذه الجريمة بدأت بالظهور أيام الاتحاد السوفيتي السابق وفي عهد ستالين بالذات، ففي ذلك الوقت تم إنشاء معسكرات قسرية وإخفاءات قسرية، بعد ذلك أقيمت هكذا معسكرات في ألمانيا النازية في زمن هتلر الذي أصدر توجيها اسماه (مرسوم الليل والظلام)، هذا المرسوم تقوم بموجبه الشرطة السرية في جنح الليل بالاعتقالات ضد أولئك الذين يقومون الألمان، ويتم نقلهم من أوروبا إلى ألمانيا دون أن يترك ورائهم أي أثر".

 "كذلك في أمريكا اللاتينية قد وجدت مثل هكذا معسكرات وخصوصا في البرازيل والأرجنتين، في الدول العربية موجود سواء في (اليمن/ ليبيا/ العراق/ مصر)، أيضا في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي شهدت يوغسلافيا السابقة ورواندا بعض حالات الإخفاء القسري، إذن الشواهد كثيرة فيما يتعلق في ممارسة هكذا جرائم في مختلف الدول وعلى مختلف العصور، بعد ذلك عندما أصبحت هذه الجرائم تمارس بشكل واسع أصبحت هي بمثابة ظاهرة وخلفت لنا العديد من الضحايا، لذلك عملت المنظمات غير الحكومية وبمساعدة عوائل المفقودين، إلى عمل فرق من اجل تقصي الحقائق والتعرف على الضحايا وذلك في العام (1980)، بعد ذلك في العام (1989) وصلت إعداد من تم إخفاءهم قسريا إلى (18) ألف حالة إخفاء قسري، وبعد عشر سنوات وصل العدد إلى ما يقارب (480) ألف حالة، لذلك هذه الأمور بأجمعها مهدت الطريق أمام وجود الإعلان العالمي لحماية الأشخاص الصادر في العام (1992)".

 "أخيرا إن أركان جريمة الإخفاء القسري يتوقف على الركن المادي وعلى الركن المعنوي، فالشيء الواضح في جريمة الإخفاء القسري إن ركنها المادي يتكون من أكثر من سلوك، لذلك البعض يسميها (بالجريمة المعقدة) لماذا، لان الأنشطة التي تكون في هذه الجريمة مرة سلوكيات ايجابية ومرة أخرى سلوكيات سلبية، بالتالي فان الركن المادي يتكون من السلوك والنتيجة وعلاقة السببية ما بين السلوك والنتيجة، أيضا السلوك تارة يكون القيام بنشاط أي سلوك ايجابي وأيضا في ذات الوقت يكون هناك سلوك سلبي، وذلك من خلال الإنكار فالسلطة عندما تقول بهذه العملية تنكر ما قامت به، بالتالي هي لا تعطي أي معلومات عن مصير الأشخاص ولا عن مكان تواجدهم، أما الركن المعنوي فهو يعني به (القصد الجنائي) وهذا يحتاج إلى علم وإرادة".

 وفتح مدير الجلسة باب الحوار أمام الحاضرين بقصد إثراء الموضوع وإبداء آراؤهم من خلال الإجابة على السؤالين الآتيين:

 السؤال الأول: كيف يمكن محاسبة الجهات المسؤولة عن ارتكاب جريمة الإخفاء القسري؟

 إمكانية أن تقوم المسؤولية بكامل عناصرها

- الدكتور علاء إبراهيم الحسيني التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء، والباحث في مركز آدم "يعتقد بان السؤال لم يحدد جهة بعينها، بالتالي يمكن أن تكون تلك الجهة نظام حكم أو منظمة أو حزبا سياسيا، لذا نحن إزاء إشكالية قانونية، فالدولة يمكن محاسبتها لأنها تمتلك شخصية معنوية، وأيضا يمكن معرفة الأشخاص الذين قاموا بهذا الفعل الإجرامي، أما لو كانت تلك الجهة منظمة فهذه تختلف حسب نوع هذه المنظمة، فقد تكون منظمة معروفة والبلدان الأخرى تعترف بها وتمدها بالعون، بالتالي يرتقى هؤلاء إلى صفة المحاربين أو يخضعون لاتفاقية جنيف، باعتبارهم قد قاموا بثورة على نظام حكم معين".

 أضاف الحسيني "لكن الخشية كل الخشية أن تقع جريمة الإخفاء القسري من قبل منظمات سرية أو غير معلومة أو من منظمات تدعمها أجهزة استخبارية، فهذه سوف تسبب الحرج في معرفة الجهة التي تقف وراء ارتكاب مثل هذه الجريمة، وهي على درجة من الأهمية والخطورة في ذات الوقت، كونها قد تسببت بفقدان الكثير من الناس لحريتهم ولحياتهم ردح كبير من الزمن، دون أن يحصل ذويهم على إجابات مقنعة عن مصيرهم ودون أن يحصلوا على إجابات عن سبب اعتقالهم أو احتجازهم أو اختطافهم، هذه الجريمة لعلها ارتبطت ارتباطا لا يقبل الانفكاك بالأنظمة السياسية الديكتاتورية أو الأنظمة الاستبدادية، وهذه الأنظمة بطبيعتها لا تعطي فسحة من المجال للمعارضين كي يبدوا بآرائهم أو يحددوا وجهة نظرهم، وبالتالي لا مجال للمعارضة".

 يكمل الحسيني "لذا نحن اليوم نرى تطبيقاتها في الدولة الاستبدادية المجاورة للعراق وحتى في العراق، قبل سقوط النظام وحتى من بعد سقوط النظام فجريمة (الإخفاء القسري) لم تنتهي، بسبب المنظمات الإرهابية التي عملت على إخفاء الكثير من العراقيين، فداعش هي آخر فصل من فصول هذه الجريمة في العراق، فلحد الآن عندنا هناك الكثير من المغيبين لا نعرف مصيرهم بالتحديد، بالتالي كيف يتم تحديد تلك الجهات وهذا يتوقف على نوع المحاسبة والية المحاسبة، فإذا كانت دولة يمكن محاسبة رموز هذا النظام والمسؤولين السياسيين، أمام المحاكم الوطنية أو أمام المحاكم الدولية وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية، بالتالي تتحمل هذه الدولة تبعات وتعويضات عن تلك الأضرار وهذا ما يتحمله العراق إلى الآن إلى الأسرى الكويتيين، كذلك بالنسبة للمنظمات يمكن محاسبتها أيضا لو تم إلقاء القبض على قادتها أو أمر بتنفيذ هذه الجريمة فيمكن محاسبتهم وإقامة المسؤولية الجزائية عنهم".

 أضاف أيضا "بالتالي المسؤولية الجزائية تقوم على عناصر وهي أولا أن نثبت السلوك الإجرامي أو فعل الغدر بالإنسان وتقييد حريته رغما عنه، ومن ثم بعد ذلك نبحث عن العناصر الأخرى التي تكون المسؤولية فيما يتعلق بالأضرار التي تلحق هؤلاء، وما يتعلق في إمكانية أن تقوم المسؤولية بكامل عناصرها حتى نقوم بمحاسبة هؤلاء أمام المحاكم الوطنية أو الدولية".

 ماذا نتوقع من هذا العالم؟

- الشيخ مرتضى معاش، المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، "يرى أن الخلل الأساس في النظام العالمي الذي يحمي الأنظمة الظالمة والجماعات المسلحة، لذا نلاحظ الكثير من الناس الذين اختفوا ولم يبقى لهم أثر دون أن يطالب شخص بحقه، مخافة أن يتعرض هذا الشخص لذات المصير المجهول، (فجمال خاشقجي) على سبيل المثال كان له سند يطالب بحقه، لكن هناك الكثير من الناس وأنا اعرف بعض الاشخاص تم إخفائهم قسرا منذ سبعينيات وثمانينات القرن الماضي وإلى الآن مصيرهم مجهول، كذلك في زمن الطاغية صدام عشرات الآلاف اخفوا قسرا ولحد الآن، أيضا القذافي الذي أخفى السيد (موسى الصدر) ولحد الآن مصيره مجهول رغم سقوط النظام الليبي".

 أضاف معاش "فمن يتحمل المسؤولية فهؤلاء يسرحون ويمرحون من دون حسيب أو رقيب، بل الأقسى من ذلك الغموض يكتنف تلك الجرائم ويبقى مصير هؤلاء الناس مجهولا، بالتالي فالإخفاء القسري يجعل من تلك الجريمة غامضة المعالم وغير معروفة الأسباب، فهذا عالم فظيع جدا من الإجرام والوحشية والسادية، إلى جانب آخر ترامب وبكل صلافة متأثر جدا بصفقات السلاح مع السعودية، وأيضا حتى الدول الغربية التي تتجاهر ليلا ونهارا بحماية حقوق الإنسان، فهذا النظام العالمي يتغاضى اليوم عن جريمة مكتملة الأطراف، فماذا تتوقع من هذا العالم الذي لا يريد أن يحاسب المسؤول من اجل الدفاع عن مصالحة المادية، بالتالي هو يتحمل المسؤولية الجنائية كون تسبب في تفشي ظاهرة الإخفاء القسري".

 يكمل معاش "لذا لابد أن نحمل النظام العالمي المسؤولية، وهي تعتبر من الجرائم الكبرى وتدخل في إطار جرائم ضد الإنسانية، فلماذا المؤسسات الدولية مثل منظمة حقوق الإنسان أو المحكمة الجنائية الدولية لا تقوم وعن طريق الأمم المتحدة، بوضع اتفاقية باعتبار هذه الجريمة من الجرائم ضد الإنسانية حتى بمستوى جريمة حرب أو مستوى الإبادة، فهذه الجريمة هي جريمة كبيرة وهي تمثل استهانة بحق الإنسان في الوجود وان يكون له رمزية في الحياة".

من الجرائم المعقدة

- الدكتور قحطان حسين الحسيني الباحث في مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية، "يصف هذه الجريمة من الجرائم المعقدة نتيجة لتداخل عدة عوامل في اكتمالها وتداعياتها ونتائجها وسواء كانت عل الصعيد المحلي أو الدولي، لذا يعرف الحضور الكريم بان اغلب القوانين المحلية والدولية، قد حددت في نصوصها وموادها عقوبات على مرتكب جريمة (الإخفاء القسري)، لكن المشكلة تكمن في من هي الجهة التي تحدد وتنفذ وتطبق هذه العقوبة على فاعلها، خصوصا اذا ما اقتنعنا بان اغلب الجرائم ترتكب من قبل دول أو منظمات مرتبطة بدول، وفي هذه النقطة بالتحديد تكمن صعوبة تنفيذ العقوبات وتحديد المسؤولية الجنائية، فالواضح أن اغلب حالات الإخفاء القسري وسواء كانت على الصعيد المحلي أو على صعيد دولي، هي ترتكب من قبل دولة، فإذا كان أساس النظام الدولي أو النظام العالمي يعمل ضمن إطار قضية المصالح ومهادنة الدول التي تربط معها بعلاقات مصالح إستراتيجية، سيغير هنا عنصر الحق والعدل وإنصاف ضحايا الجريمة، فالقضية واضحة خصوصا وأن لدينا نموذج ماثل اليوم، فنلاحظ مواقف الدول الكبرى أما أن التزمت الصمت أو إنها تحاول أن تبرر للدولة القائمة بالجريمة لأسباب ومصالح إستراتيجية، هنا على من نعول هل نعول على الاتفاقيات التي تنظم أو تعالج مثل هكذا جرائم، أو نعلن على الإعلام الدولي الحر الذي عادة ما يثير القضية ويتابع مجرياتها، أو نعول على المنظمات الدولية المعنية في حقوق الإنسان ومكافحة الجريمة، بالتالي التعويل لابد أن يكون على الإعلام الدولي الحر وأن غاب أو قل أو ندر في عصرنا الحالي، وأحيانا المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ومكافحة الجريمة، بالتالي يمكن توظيف هذه الأدوات".

يكمل الحسيني "أما كيف نعاقب فيجب دائما أن نثير القضية من قبل جانب إعلامي وجانب حقوقي، وبالتالي لا نعول على دول في ظل هذا النظام العالمي الذي تحكمه علاقات مصالح، إن نكون فعلا أمام إجراءات قانونية وقرارات قضائية صارمة تحد من الجريمة".

موقف المفكرين والمثقفين

- علي حسين عبيد كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، "الكل مسؤول عن مكافحة هذه الجريمة البشعة ومن بينهم المثقفون والكتاب والأدباء، على اعتبار هذا المعنى يشكل حالة إنسانية لابد من الالتفات إليها، كما حال المؤسسات الأخرى المعنية بهذا المجال على المستوى المحلي والدولي".

الاختفاء هو مقدمة للإخفاء

- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات أوضح، "أولا الفرق ما بين الاختفاء والخطف، خصوصا وأن الاختفاء هو مقدمة للإخفاء، بالتالي شخص ما يختفي يتم البحث عنه يتبين بان جهة ما هي التي اخفت هذا الشخص قسرا، فالفرق بين الاختفاء والخطف، هو إن الخطف تقوم به جهات لغرض الابتزاز والمساومة ويتم الإعلان عنه، لكن الإخفاء القسري دائما ما تقوم به أجهزة الدول والمنظمات المرتبطة بهذه الدول، ودائما تتوجه هذه الجريمة ضد الأشخاص الذين يعارضون نظام تلك الدولة فتقوم بإخفائهم، هنا الفرق يتعلق بقضية الإنكار، فالاختطاف يعلن عنه، أما الإخفاء فيتبعه إنكار لهذه الجريمة التي تتبعها حقوق لهؤلاء الناس المغيبين، المفارقة اللطيفة هنا أن رئيس منظمة الانتربول الدولية يتم إخفاءه قسرا أثناء دخوله إلى بلاده، بالتالي فان المسؤولية الجنائية تنشئ على الأنظمة ذات المصلحة ووفق النظام الدولي، خصوصا وأن الجريمة أي جريمة الإخفاء القسري أصبحت ظاهرة حاضرة على مستوى العالم، لاسيما وأن الدولة السعودية اليوم وهي تحاكي حادثة إخفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي –على سبيل المثال- كانت قد استغلت القوانين الدولية في ارتكابها لجريمة الإخفاء".

تفعيل المساءلة الوطنية والدولية

- حيدر الاجودي باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، "يعتبر التكلفة السياسية لجريمة الإخفاء القسري وجميع الجرائم التي تقع ضد الإنسانية أصبحت باهظة، وذلك بسبب التطور التكنلوجي وسرعة وصول المعلومة ووجود المحاكم الجنائية الدولية، لذلك السؤال المطروح اليوم هو كيف محاسبة الجناة، خصوصا وأنهم أصبحوا في دائرة ضيقة بسبب التطور الحاصل، ناهيك عن تكريس حالة المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، فهذان الأمران كفيلان بحماية حقوق الإنسان، وبالتالي تكريس المساءلة الوطنية والدولية".

جريمة ناقصة الأركان

- الدكتور حسين أحمد السرحان، رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، "يرى إن المشكلة الأساسية في موضوع الإخفاء والاختفاء في ميثاق روما تعود إلى الترجمة، مع ذلك فالدول ذات الأنظمة البوليسية تعتمد هكذا نوع من الجرائم وأيضا الدول ذات الهشاشة الأمنية كالعراق وسوريا، ففي العراق مثلا اختفى أكثر من ناشط ولا يعلم عن مصيرهم شيء، قبل هذا لماذا الأنظمة السياسية وأجهزة المخابرات في الدول الديكتاتورية تلجأ لهذا العمل الإجرامي، فهذا العمل عادة ما يحصل وينتهي بدون أن تكتمل عناصر الجريمة المتعارف عليها سواء في القانون الدولي أو في القوانين المحلية".

 أضاف السرحان "مثلا شخص اخفي سواء من قبل الدولة أو من قبل مجموعة مسلحة معينة، فطبيعة الأدلة والأركان المادية للجريمة تكون غير واضحة، وبالتالي يكون القضاء أو المدعي العام أو النيابة العامة وحسب الدولة التي تعتمد هكذا أنظمة، لذا القضية لا تتعلق في كيفية معالجة أو محاسبة هذه الدولة، خصوصا وأن الكثير من الدول هي ليست أعضاء في اتفاقية روما، فالعراق مثلا موقع على هذا النظم لكنه غير مصادق عليه، بالتالي لا يمكن لأي سلطة سياسية أو حزب أو منظمة ممكن أن تحاسبها وتقدم عليها شكوى في اتفاق روما، فالمشكلة تكمن في كيفية الوقاية من هكذا جرائم، لاسيما، إن هذا المعنى يتحقق من خلال نبذ الأنظمة الديكتاتورية وتعزيز مبدأ الشفافية، وأيضا شفافية الإجراءات الأمنية في هذه الدولة، لذا فان هذا المنحى هو الأكثر تأثيرا في مواجهة هكذا جرائم".

السؤال الثاني: ما هي السبل واجبة الإتباع لإنصاف ضحايا جرائم الإخفاء القسري؟

- الدكتور علاء إبراهيم الحسيني "يصنف الضحايا بأنهم نوعان وهما ضحية مجنى عليه أي من وقع عليه فعل الاختطاف والاحتجاز، وأيضا قد يكون الضحية الآخر هو أسرته وعائلته وأفراد المجتمع الذي كان يعيش فيه، فهؤلاء أيضا سوف يفتقدون المعيل الذي كان يعيلهم كالأب والأخ، وهذه سوف تسبب لهم أضرار مادية وأضرار معنوية ونفسية جسيمة لا يمكن التخلص منها بسهولة، بالتأكيد الإنصاف سيكون باتجاهين أيضا، فالاتجاه الأول هو إنصاف الضحايا أنفسهم، الذين هم مجنى عليهم وذلك من خلال الكشف عن مصيرهم، سواء كانوا أحياء فيتم إطلاق سراحهم أو كانوا أمواتا فيكشف عن أماكن دفنهم، أو التستر عليهم فيقوم أفراد أسرهم بزيارتهم ومعرفة مصيرهم والتخلص من الآثار النفسية، التي استطالت بسبب ضياع الأخبار منهم".

 أضاف الحسيني "هنا نبحث في كيف يتم الإنصاف؟، خصوصا وإن الإنصاف يكون هو من يحقق العدالة، والعدالة لا تتحقق إلا بمحاكمة الجناة، فمحاكمة الجناة أمام المحاكم الدولية والمحاكم الوطنية يتطلب منا الإشارة لبعض الأمثلة، فالنظام الدولي والعالمي غير منصف وليس عادل، فالحرب العالمية الثانية كل الدول شاركت في عمليات الإخفاء القسري، لكن من حوسب فقط الطرف الخاسر، حيث تشكلت (محكمة نورمبيرغ) وهي لمحاكمة كبار المجرمين النازيين، وأنزلت عقوبة الإعدام بالكثير من الضباط والجنرالات الألمان، لأنهم اشتركوا في جرائم الإخفاء القسري لليهود ولبعض رعايا الدول التي كانت في حرب ضدهم، فهنا حصل إنصاف ولكن من جانب واحد".

 يكمل الحسيني "فالطرف الرابح لم يتم إخضاعه للعدالة فالحلفاء لم يكونوا ملائكة منزهين من ارتكاب هذه الجريمة، في رواندا أيضا ارتكب النظام الديكتاتوري هذه الجريمة، فشكلت الأمم المتحدة في قرار من مجلس الأمن محكمة وتم محاكمة كبار القادة وتم إنزال العقوبة بهم، كذلك في قضية كوسوفو وفي غيرها من القضايا، لكن هذه العدالة عرجاء لأنه تحاكم هذه الدول وهذا الطرف وتهمل طرفا آخر، وبالتالي لم تتحقق العدالة في محاكمة المجرمين الذين ارتكبوا مثل هذه الجريمة، النوع الآخر من المحاكم هي المحاكم الوطنية، واقرب مثال على ذلك هي (المحكمة الجنائية العليا في العراق) حيث حاكمت رموز النظام السابق عن بعض الجرائم ومنها (الانتفاضة الشعبانية)، والناس الذين تم تغيبهم قسرا في تلك الانتفاضة ووصل عددهم ما يقارب (400) ألف شخص".

 أضاف أيضا "لكن ليس هو الأمر المطلوب، فهناك الكثير من الدول ولم يتم محاسبة رموز ذلك النظام عن جرائم الإخفاء القسري، في مصر مثلا تم التكتم عن الكثير من جرائم الإخفاء القسري وتم محاسبة رموز النظام السابق عن مسائل ثانوية وهامشية، فإذا لم يكفل النظام الدولي لنا العدالة الحقيقية ولا النظام المحلي كفل لنا العدالة الحقيقية، فعلى مستوى الضحايا من بقي منهم على قيد الحياة من يدفع لهم التعويضات، فلابد أن تكون هناك محاكم تسمع دعواهم للمطالبة بالتعويض عن الآلام النفسية، التي تكبدوها وعن الأضرار المادية التي لحقت بهم، هذه مسألة يحتاج لها إعادة نظر وذلك من خلال تفعيل هذه الاتفاقية، بشكل عادل ومنصف ولا يراعي مسألة التداخلات السياسية".

 كما وأوضح الحسيني "إن القضايا التي بين أيدينا اليوم نجد فيها نوع من الازدواجية في التعامل، فحقيقة النظام الدولي والنظام العالمي نظام غير منصف خصوصا في مثل هذه الحالة أي الإخفاء القسري، لأنها تطال المعارضين السياسيين أصحاب الرأي الذين يخشى منهم رأس النظام على نظامه وعلى سلطته".

- الشيخ مرتضى معاش "يتعرض إلى الإخفاء القسري المؤقت الذي تمارسه الأجهزة الأمنية في مختلف الدول، وهي تحاول اختطاف المواطن في منتصف الليل واحتجازه لمدد متفاوتة دون أن يعرف أهاليهم أين هم!، وهذا أيضا يصنف ضمن فقرة الإخفاء القسري حتى لو كان يوم واحد، لاسيما وان الله سبحانه وتعالى أعطاه الحياة فلابد أن تحترم هذه الحياة لأنها من قوانين الله، خصوصا وأن غالبية جرائم الإخفاء القسري كان هناك إفلات من العقاب ولم يكون هناك ردع عن الاستمرارية، بالتالي لابد أن يتحمل النظام السياسي المسؤولية الجنائية".

- الدكتور قحطان حسين الحسيني "يجد بان نفس التعقيدات والمشاكل التي تواجه تحديد مسؤولية الجهات عن عملية الإخفاء القسري، نفس التعقيدات تواجه قضية إنصاف الإخفاء القسري، فالقضية هنا متعددة الجوانب وفيها أكثر من بعد، فلو كان الضحية احد رعايا هذه الدولة وقامت هذه الدولة بارتكاب الجريمة بحقه وعلى أراضيها، من الطبيعي أن تنكر ولا تعترف وبالتالي فلن يكون هناك أي إنصاف لهذه الضحية، لكن لو كانت القضية تمس رعايا دولة أخرى وقامت دول أخرى بارتكاب الجريمة بحقه، فاعتقاد الإنصاف مرتبط باختلاف القوة ما بيد الدولتين وطبيعة العلاقات ما بين الدولتين، فإذا كانت دولة الضحية قوية وتمتلك من القدرات السياسية والاستخباراتية والاقتصادية، بالتالي من المحتمل وبطرق معينة ستكون قادرة على إنصاف الضحية الذي هو احد رعاياها".

 أضاف حسين "وذلك من خلال إجبار الدولة المرتكبة للجريمة بالاعتراف أو تحقيق لجان مشتركة أو تحديد المسؤولية على هذه الدولة، وبالتالي ستكون قادرة على إجبارها بمنطق القوة على إنصاف الضحية، ما عدى هذه الحالة لم يكون هناك إنصاف وسوف تتهرب الأنظمة الحكومية القائمة بهذه الجريمة من خلال أجهزتها والجهات التابعة لها، ولن يكون هناك إنصاف بالمرة".

- علي حسين عبيد "يعتقد أن التعويض المادي والمعنوي لا يشكل نوع من الإنصاف في مواجهة هذه الجرائم، ففي العام (91) تم استدعاء أحد الأقارب ولم يظهر لهذه اللحظة، علما إن زوجته استمر انتظارها للعام (2003) وبعد هذا التاريخ وافتها المنية، فأي نوع من الإنصاف يعيد لهذه المرأة طول انتظارها والنتيجة التي وصلت إليها".

- الحقوقي احمد جويد "يرى أصعب ما تعاني منه أسرة المختطف أو الإنسان الذي يمارس ضده حالة الإخفاء القسري هو قضية عدم معرفة مصيره، بالتالي الإنصاف الحقيقي هو معرفة جثة هذا الشخص، أيضا الإنصاف الآخر هو كيفية محاسبة الجهة التي اختطفت هذا الشخص وإخفاءه، وإلا فإن مسالة التعويضات هي شيء ثانوي".

- الدكتور حسين أحمد السرحان "يجد أن المطالبة بالتعويض المادي والمعنوي من قبل الدولة فهذه إشكالية بحد ذاتها، فالأجهزة الأمنية إذا ما قامت بفعل هذا الشيء لا يمكن الإفصاح عن ذلك، بالتالي لا يمكن للدولة أن تقدم التعويض المادي او المعنوي، ففي حالة تقديم هذا الدعم يشكل حالة إقرار بالتقصير، لذا فالعلاج الأجدى أن ينتبه المشرع ويهتم بتعريف هذه الجريمة وتوضيح أركانها وتوضيح مصير المدد الزمنية اللازمة طبيعة الأدلة، الأفضل حتى نكافئ الناس أن يكون هناك إجراءات لمنع هذا السلوك نهائيا داخل أجهزة الدولة".

....................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-2018
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه إلى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
[email protected]

اضف تعليق