q
تفاقمت معاناة المهاجرين الافارقة في اسرائيل بشكل كبير، بسبب قرارات وخطط رئيس الوزراء نتنياهو التي تهدف الى ترحيلهم من اسرائيل، التي سعت الى عقد صفقات خاصة مع بعض الدول الافريقية من اجل ايجاد اماكن لهم، وهو ما أثارت انتقاد الأمم المتحدة وجماعات حقوقية...

تفاقمت معاناة المهاجرين الافارقة في اسرائيل بشكل كبير، بسبب قرارات وخطط رئيس الوزراء نتنياهو التي تهدف الى ترحيلهم من اسرائيل، التي سعت الى عقد صفقات خاصة مع بعض الدول الافريقية من اجل ايجاد اماكن لهم، وهو ما أثارت انتقاد الأمم المتحدة وجماعات حقوقية خصوصا بعد ان بدأت إسرائيل في وقت سابق، تسليم إخطارات إلى اكثر من 20 ألف مهاجر افريقي، تمهلهم شهرين للرحيل إلى بلد ثالث في أفريقيا أو مواجهة السجن لأجل غير مسمى. كما عرضت إسرائيل على المهاجرين، ومعظمهم من السودان وإريتريا، 3500 دولار وتذكرة سفر بالطائرة إلى ما تقول إنه مقصد آمن، وأبلغت السلطات المهاجرين أن بإمكانهم الاختيار بين الذهاب إلى رواندا أو أوغندا، وأعلنت السلطات الإسرائيلية أنها ستسمح للمهاجرين الآخرين، وكثير منهم من طالبي اللجوء، بالبقاء لما لا يقل عن خمسة أعوام مقبلة في إسرائيل بعد أن دخلوها متسللين عبر الحدود مع مصر.

كما سعت اسرائيل ايضا وكعادتها الى الغاء وتجاهل بعض الاتفاقات الدولية الخاصة بقضايا المهاجرين وحقوقهم، فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلغاء اتفاق مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بشأن إعادة توطين آلاف المهاجرين الأفارقة، مذعنا لضغط التيار اليميني عليه لإلغاء الاتفاق. وعبرت المفوضية عن أملها في أن تعيد إسرائيل النظر في القرار قريبا وعرضت العمل معها لتحديد ”متطلبات الحماية“ لطالبي اللجوء في البلد والتعامل معها.

واستغل منتقدون تراجع نتنياهو عن الاتفاق، الذي كان سيمنح آلاف المهاجرين الآخرين الحق في البقاء في إسرائيل، قائلين إن ذلك علامة على ضعف سياسي. ويخضع نتنياهو لتحقيقات تجريها الشرطة في مزاعم فساد، وهو ما ينفيه رئيس الوزراء. وألقت سلسلة من التصريحات بشأن مستقبل 37 ألف مهاجر أفريقي، معظمهم من إريتريا والسودان، وضعهم في غياهب النسيان.

وكان نتنياهو أعلن ترتيبا مع مفوضية اللاجئين لنقل نحو 16250 مهاجرا إلى دول غربية. لكن حقيقة أن آلافا آخرين سيسمح لهم بالبقاء أثارت غضب الساسة اليمينيين وحالة من السخط على وسائل التواصل الاجتماعي من قاعدة نتنياهو من القوميين الذين يريدون طرد المهاجرين. ثم نشر رسالة في صفحته على فيسبوك قائلا إنه قرر تعليق الاتفاق لحين إجراء مراجعة أخرى قبل أن يعلن إلغاء الاتفاق.

وكان من المتوقع أن يستغرق تنفيذ الاتفاق خمس سنوات وكان تراجع نتنياهو متوقعا إلى حد كبير في إسرائيل كمحاولة لإرضاء قاعدة ناخبيه والحفاظ على دعمها في وقت يسوده غموض سياسي. وقال نتنياهو في بيان أصدرته رئاسة الوزراء ”لقد استمعت باهتمام للتعليقات الكثيرة المتعلقة بالاتفاق، ومن ثم وبعد أن وازنت مرة أخرى بين المزايا والعيوب، قررت إلغاء الاتفاق“. وأدلى بتصريحاته تلك في اجتماع مع ممثلين لسكان جنوب تل أبيب، وهي منطقة فقيرة تجتذب أكبر تجمع للمهاجرين وحيث يريد كثير من سكانها خروج الأفارقة.

تظاهرات واحتجاجات

وفي هذا الشأن تظاهر مئات الاشخاص في القدس احتجاجا على إلغاء رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو اتفاقا مع الامم المتحدة لتسوية أوضاع عشرات آلاف المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، ورفع المتظاهرون وبينهم مهاجرون أفارقة لافتات كتب عليها "اوقفوا الترحيل" و"نعم لتنفيذ الاتفاق" وصورا لمهاجرين خلف القضبان، وأطلقوا هتافات تطالب نتانياهو بالعودة عن قراره الغاء الاتفاق الذي ابرمه مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ولكنه ما لبث ان قرر إلغاءه بعد مرور ساعات فقط على اعلانه شخصيا عن تفاصيله.

وتحوّل وجود مهاجرين سودانيين وإريتريين في اسرائيل إلى قضية سياسية رئيسية فيما يواجه نتانياهو ضغوطا عدة على خلفية سلسلة من التحقيقات المرتبطة بالفساد. وبحسب وزارة الداخلية الإسرائيلية هناك نحو 42 ألف مهاجر افريقي غير شرعي، معظمهم من السودان واريتريا، في إسرائيل. وأمرت الحكومة الالاف منهم بالمغادرة او مواجهة احتمال سجنهم لأجل غير مسمى ثم ترحيلهم قسرا، قبل ان تتراجع عن الامر.

ومع مواجهة المهاجرين خطر السجن في حال عودتهم إلى بلدانهم الأصلية، عرضت اسرائيل نقلهم إلى دولة افريقية لم تسمّها لكن تبيّن لاحقا انها رواندا. وأوضح نتانياهو أنه اضطر إلى الموافقة على الاتفاق مع الأمم المتحدة بعدما أعلنت رواندا أنها لم تعد قادرة على الاستمرار في الخطة السابقة. وقال في تعليق على صفحته على فيسبوك ان رواندا تعرضت "لضغوط هائلة" من قبل "جهات في الاتحاد الاوروبي" وجهات اخرى لرفض الاتفاق. بحسب فرانس برس.

وبعد فشل خطة الترحيل الى رواندا ابرم نتانياهو الاتفاق مع مفوضية اللاجئين، لكنه اضطر الى الغائه بسبب الاعتراضات الشديدة التي قوبل بها من سكان الاحياء الجنوبية للقدس حيث تقيم غالبية هؤلاء المهاجرين وكذلك ايضا من ساسة يمينيين هم حلفاء لرئيس الوزراء او حتى اعضاء في حكومته. وقال نتانياهو في معرض تبريره لالغاء الاتفاق مع الامم المتحدة "بعد الاستماع باهتمام الى ملاحظات وتصريحات حول الاتفاق وبعد تقييم الايجابيات والسلبيات والمزايا والعيوب، قررت إلغاء الاتفاق".

وحمل نتنياهو الصندوق الجديد لإسرائيل، وهو منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة، مسؤولية تخريب الاتفاق مع رواندا، قائلا إنها أقنعت الدولة الأفريقية عبر دول أوروبية رفض استقبال مهاجرين. وأضاف في منشور بالعبرية على فيسبوك أنه ”منذ عقود والصندوق يقدم إسهامات لمنظمات مناهضة للصهيونية ومؤيدة للفلسطينيين“ وطالب لجنة برلمانية بالتحقيق في ذلك. ونفى الصندوق زعم نتنياهو وقال على صفحته على فيسبوك إنه لم يؤثر على قرار رواندا وإنه ”مرة أخرى لجأ للكذب بشان الصندوق الجديد لإسرائيل لإحراز نقاط سياسية رخيصة“. وأضاف ”الصندوق الجديد لإسرائيل لا علاقة له بقرار رواندا رفض المشاركة في خطة رئيس الوزراء القاسية للترحيل الجماعي“.

ومثل مصير المهاجرين الذين دخل معظمهم إسرائيل بطريقة غير مشروعة من مصر معضلة أخلاقية لدولة تأسست كملاذ لليهود من الاضطهاد ووطن قومي لهم. ونددت جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية في بيان بقرار إلغاء الاتفاق متهمة نتنياهو بممارسة ”ألعاب سياسية“. وقالت الجماعات إن إسرائيل قادرة على استيعاب كل المهاجرين، واصفة إياهم بأنهم ”طالبو لجوء أتوا يطرقون بابها“.

مركز احتجاز

الى جانب ذلك أفرجت إسرائيل عن مجموعة صغيرة من المهاجرين الأفارقة الذين كانوا ينتظرون ترحيلهم بعد انهيار اتفاق دولي كان سيفضي إلى نقلهم إلى رواندا. ولا يزال نحو 200 مهاجر آخرين محتجزين في مركز صحارونيم في جنوب إسرائيل بانتظار ترحيلهم إلى أوغندا لكن ذلك يعتمد على ما إذا كان المبعوث الإسرائيلي الذي زار هذا البلد تمكن من التوصل لاتفاق لاستقبالهم هناك.

وفي حال لم يتم التوصل لاتفاق سيتم الإفراج عنهم أيضا على الأرجح. ومصير المهاجرين المفرج عنهم غير واضح لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قال إنه يسعى إلى التوصل إلى اتفاق جديد لإعادة التوطين دون أن يقدم تفاصيل. وقال نتنياهو إنه ألغى اتفاقا مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بشأن إعادة توطين آلاف المهاجرين الأفارقة، مذعنا لضغط التيار اليميني عليه لإلغاء الاتفاق.

وتسببت سلسلة من التصريحات خلال الأيام القليلة الماضية في مزيد من التعقيد لمستقبل نحو 37 ألف مهاجر أفريقي، معظمهم من إريتريا والسودان، في إسرائيل. واستقل 58 مهاجرا أفرج عنهم من صحارونيم في جنوب إسرائيل حافلات إلى تل أبيب. وقد أطلق سراحهم لأن الحكومة لا تستطيع تقديم تأكيدات للمحكمة العليا بأنها وجدت ملاذا آمنا لهم في الخارج. وقال موسيا بارا من إريتريا للقناة الأولى الإسرائيلية ”جرى احتجازي لمدة ستة أشهر واليوم جاءت الشرطة وأبلغتني إنه قد تم الإفراج عني. ولا أعرف إلى أين سأذهب“. ونظم مئات من المهاجرين مظاهرة في وسط القدس يطالبون بالسماح لهم بالبقاء ووقف إجراءات الترحيل الإجبارية.

وفي فبراير شباط بدأت إسرائيل تسليم إخطارات إلى 20 ألفا من المهاجرين الأفارقة من الرجال، تمهلهم شهرين للرحيل إلى بلد ثالث في أفريقيا أو مواجهة السجن لأجل غير مسمى. وعرضت حكومة إسرائيل على المهاجرين في وقت سابق، ومعظمهم من السودان وإريتريا، 3500 دولار وتذكرة سفر بالطائرة إلى ما تقول إنه مقصد آمن. وأبلغت السلطات المهاجرين أن بإمكانهم الاختيار بين الذهاب إلى رواندا أو أوغندا. بحسب رويترز.

لكن جماعات مدافعة عن حقوق المهاجرين تقول إن كثيرا منهم فروا من بلادهم من إساءة المعاملة والحروب وإن طردهم، حتى وإن كان لبلد أفريقي آخر، من شأنه أن يعرضهم لمزيد من المخاطر. وكانت المفوضية حثت إسرائيل على إعادة النظر في خطتها الأصلية قائلة إن مهاجرين جرت إعادة توطينهم في أفريقيا جنوبي الصحراء خلال السنوات القليلة الماضية لم يكونوا في أمان وانتهى بهم المطاف إلى درب المهاجرين الخطر إلى أوروبا وتعرض بعضهم لإساءة المعاملة والتعذيب بل والموت خلال رحلتهم.

السجن او الترحيل

على صعيد متصل وفي مركز احتجاز اسرائيلي في صحراء النقب، يقول مهاجرون أفارقة يواجهون الترحيل إنهم يفضلون السجن على إرسالهم الى بلد لا يعرفون شيئا عنه. ويقول ابدا ايشمايل، اريتري عمره 28 عاما، متحدثا بالعبرية بطلاقة أمام مركز حولوت حيث يحتجز 1200 مهاجر في إطار سياسة الترحيل الحكومية، "لن أذهب هناك". ويضيف "الأشخاص الذين كانوا هنا وذهبوا الى رواندا واوغندا، شاهدنا ما حل بهم".

ويروي ايشمايل الذي وصل اسرائيل في 2011 بعد رحلة مروعة من اريتريا، ما سمعه عن مصير الذين ارسلوا الى رواندا او اوغندا. ويضيف إنهم عانوا من صعوبات في مساكنهم الجديدة وسلكوا طرقا محفوفة بالمخاطر في اوروبا أملا في الحصول على وضع لاجئ. ويقسم على عدم العودة الى المجهول طوعا. ويقول إيشمايل "سمعنا عن أشخاص قُتلوا (على يد تنظيم داعش) قضوا في طريقهم الى ليبيا، عطشا وجوعا في الصحراء"، مضيفا "كانوا يسعون لطلب اللجوء فقط".

وبالنسبة لشيشاي تويلدي مديهين (24 عاما)، فإن روندا واوغندا "بلدا موت" واسرائيل "تعرض حياتي للخطر". وانتقد مساعدات إغاثية ذكرت تقارير ان اسرائيل تخطط لتقديمها لدول افريقية لقاء استيعابها مهاجرين. ويقول تويلدي مديهين إنه يخطط للبقاء "إلى أجل غير مسمى" في سجن سهارونيم حيث يتوقع إرسال المهاجرين في حال رفضهم الرحيل.

وبدأ المهاجرون دخول إسرائيل عبر الحدود المصرية التي كان يسهل التسلل منها في 2007. وتم تدعيم الحدود منذ ذلك الحين لكنها لم توقف الدخول غير الشرعي. وانتهت رحلة معظم المهاجرين في جنوب تل ابيب حيث وجدوا عملا كطهاة أو في غسيل الاطباق. لكن تزايد أعدادهم أغضب العديد من الاسرائيليين.

ويعتبر بعض السياسيين المحافظين والمتدينين وجود افارقة مسلمين أو مسيحيين تهديدا للطابع اليهودي لإسرائيل. ويدعو رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو تكرارا لطردهم ويصفهم "بالمتسللين". ويسمح للمهاجرين المحتجزين في حولوت بمغادرة المركز خلال النهار. وأثناء انتظاره حافلة امام المركزن يرى أحمد جمال (25 عاما) إن الخطة الحكومية حيلة من نتانياهو لتحويل الانتباه عن تحقيقات بالفساد تطاله. ويقول بمرارة "نحن واعون لحيله". بحسب فرانس برس.

ويتساءل ايشمايل بدوره كيف يتم اعتباره مهاجرا اقتصاديا إذا كان من غير الممكن ترحيله الى بلده الأم بسبب المخاطر هناك. ويقول "إذا كانت الحكومة فعلا تعتقد انني تسللت لأكون من العمال المهاجرين، يتعين عليها إعادتي الى بلدي الام". ويفتقد كل من ايشمايل وتويلدي بلدهما، لكنهما يقولان إن ليس لديهما خيارا سوى الفرار مما وصفوه بنظام دكتاتوري. ويقول تويلدي مديهين "إذا كانت الأمور أحسن حالا هناك، لن ابقى ولا دقيقة هنا. أشعر بالاشتياق لبلدي وامي وأهلي"، مضيفا "لم أشأ أن أكون لاجئا". ويؤكد انه سيرفض المال المعروض عليه، مضيفا "الله سيحرسني، لا أحد آخر". ويتابع "لسنا خائفين من أي شيء. مررنا في ظروف أسوأ بكثير".

اضف تعليق