q

الاوضاع الصعبة التي يواجهه المهاجرون الأفارقة في ليبيا، بسبب العنف المنظم والاتجار والابتزاز الذين يمارس ضدهم من قبل عصابات التهريب والجماعات المسلحة في هذا البلد الذي يعيش حالة من عدم الاستقرار الأمني منذ سنوات، هي اليوم قضية مهمة أثارت قلق ومخاوف العديد من المنظمات الحقوقية، خصوصا مع ازدياد اعداد الضحايا حيث يموتون سنويا في البحر المتوسط مئات الافارقة اثناء محاولاتهم الوصول للضفة الاوروبية. وقد دقت منظمات متخصصة وعلى رأسها المنظمة الدولية للهجرة كما نقلت بعض المصادر، ناقوس الخطر بخصوص تنامي الظاهرة خصوصا بعد ان سعت بعض الدول الاوروبية الى تشديد اجراءاتها الامنية والقانونية في سبيل منع المهاجرين من الوصول الى ارضيها.

ويرى البعض ان المسؤول الأول عن الفظاعات التي تعرض مهاجرون افارقة في البحر المتوسط بحسب متخصصين في قضايا الهجرة هي عصابات تهريب البشر. ومآسي المهاجرين كانت وراءها ايضا سياسة للهجرة غلب عليها الطابع الأمني سواء سياسات الاتحاد الاروبي او بعض الدول الافريقية التي وقعت اتفاقيات مع الاتحاد لمراقبة الحدود والحد من تدفق المهاجرين نحو اوروبا، التي ستبقى الوجة الاساسية لهم. حيث قال رئيس وكالة حماية الحدود الأوروبية (فرونتكس) إن حدود الاتحاد الأوروبي الجنوبية على البحر المتوسط ستظل تشهد ضغطا شديدا هذا العام بسبب المهاجرين الأفارقة الساعين للوصول إلى أوروبا. وقال فابريس ليجري إنه جرى ضبط نحو 119 ألف أفريقي وهم يحاولون الوصول إلى الاتحاد الأوروبي على متن قوارب مهاجرين أبحرت من ليبيا العام الماضي علاوة على أكثر من 42 ألفا انطلقوا من تركيا إلى اليونان و23 ألفا آخرين وهم في طريقهم إلى إسبانيا قادمين من الجزائر والمغرب.

وأوضح ليجري في مؤتمر صحفي قائلا ”إن الضغط، ضغط الهجرة غير النظامية على شواطئنا الجنوبية بمنطقة (البحر) المتوسط سيظل عند مستوى مرتفع للغاية (في 2018)“. وفي الوقت الذي تراجع فيه عدد المهاجرين عبر طريق ليبيا-إيطاليا منذ يوليو تموز الماضي بعدما منعت الفصائل والسلطات الليبية انطلاق رحلات خاصة من صبراتة التي تعد بؤرة للتهريب وذلك تحت ضغوط من إيطاليا والاتحاد الأوروبي إلا أن ليجري قال إن السفر إلى إسبانيا زاد أكثر من ضعف عدده في 2016 حين سجل أقل من عشرة آلاف.

وقال إن استخدام قوارب مطاطية أعلى جودة عبر ما يسمى بمسار غرب المتوسط زاد من نشاط مهربي البشر. وجعل الاتحاد الأوروبي وقف الهجرة غير النظامية من الشرق الأوسط وأفريقيا أولوية منذ عام 2015 عندما وصل إلى أراضيه أكثر من مليون شخص مما زاد الدعم للجماعات القومية والشعبوية والمناهضة للهجرة في أنحاء التكتل. ومنذ الاتفاق بين تركيا والاتحاد في عام 2016 الذي أوقف تقريبا كل رحلات اللاجئين السوريين بين تركيا واليونان، قالت فرونتكس إن المواطنين الأفارقة شكلوا نحو ثلثي المهاجرين البالغ عددهم مائتي وخمسة آلاف فرد الذين ضبطوا وهم يحاولون الوصول إلى أوروبا بشكل غير قانوني العام الماضي.

وقالت فرونتكس إن 511 ألف شخص عبروا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2016. ووصل عدد السوريين والنيجيريين إلى تسعة في المئة من إجمالي الوافدين في 2017 يليهم مواطنو ساحل العاج وغينيا والمغرب. وفي ظل تشديد الاتحاد الأوروبي قوانين اللجوء والرقابة على الحدود الخارجية، حذرت فرونتكس من ارتفاع محتمل في استخدام وثائق سفر مزورة والعبور دون رصد مستشهدة بأمثلة عن أناس يسعون للعبور في مقصورات مصممة خصيصا لهذه الأغراض داخل سيارات فان ونقل وسيارات خاصة وقطارات شحن.

كما يحاول الاتحاد تعزيز إجراءات إعادة الناس الذين ليس لديهم أسبابا جوهرية للجوء في أوروبا. وقال ليجري إن فرونتكس ساعدت في ترحيل أكثر من 14 ألف شخص العام الماضي. وعانى الاتحاد لإعادة أناس لا يحق لهم اللجوء وهم في أغلب الحالات أفارقة يسعون للفرار من الفقر وليس الحرب أو الاضطهاد. وقالت الوكالة إن أكثر منذ 18 ألف نيجيري حاولوا الوصول إلى الاتحاد الأوروبي عبر إسبانيا العام الماضي مقارنة بنحو 14 ألف سوري الذين سعوا للدخول عبر اليونان. واتهمت جماعات لحقوق الإنسان الاتحاد الأوروبي بعدم الالتزام بالتزاماته القانونية الأساسية تجاه المهاجرين واللاجئين.

عصابات التهريب

على صعيد متصل قال مسؤول بإحدى السفارات في طرابلس إن مجموعة من مهربي البشر أعادوا نحو 20 شخصا إلى الشاطئ بعد غرق قاربهم قبالة ساحل ليبيا واحتجزوهم في موقع غير معلوم. ومن بين المجموعة ثمانية باكستانيين اتصل أحدهم بالمسؤولين وأبلغهم بأن المهربين يحتجزونه في غرفة مغلقة مع ناجين آخرين. وكانت تقارير أشارت في السابق إلى نجاة ثلاثة فقط من بين أكثر من 90 شخصا كانوا على متن القارب الذي غرق قبالة بلدة زوارة في غرب ليبيا. وتم انتشال جثث 12 باكستانيا لقوا حتفهم في الحادث ونُقلت إلى مشرحة في طرابلس بانتظار إعادتها إلى باكستان.

وقال المسؤول بالسفارة، الذي طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، إن معظم الضحايا من مدينة جوجرات بشمال باكستان. وأضاف أن 32 باكستانيا في المجمل يعتقد أنهم كانوا على القارب ولم يعرف حتى الآن عدد من لقوا حتفهم في الحادث. وليبيا هي البوابة الرئيسية للمهاجرين الذين يحاولون عبور البحر إلى أوروبا رغم أن الأعداد انخفضت بشدة منذ يوليو تموز بعدما بدأت السلطات الليبية وفصائل مسلحة منع المهاجرين من المغادرة تحت ضغوط من إيطاليا والاتحاد الأوروبي. بحسب رويترز.

وكانت زوارة نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين حتى شنت جماعة محلية حملة قوية على التهريب في 2015. ووفقا لوزارة الداخلية الإيطالية تم تسجيل عبور ما يربو قليلا على 3500 مهاجر من ليبيا إلى إيطاليا منذ بداية العام وهو ما يقل بنحو 60 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. ويمثل الباكستانيون ثالث أكبر جنسية من بين هؤلاء المهاجرين بعد الإريتريين والتونسيين.

الى جانب ذلك قال خفر السواحل الليبي إنه احتجز 324 مهاجرا يحاولون عبور المياه الإقليمية للبلاد على متن قاربين مطاطيين. وقال المتحدث باسم القوات البحرية أيوب قاسم إن المهاجرين الذين جرى اعتراضهم على بعد 12 كيلومترا تقريبا من ساحل مدينة زوارة بغرب ليبيا بينهم 35 امرأة و16 طفلا وأغلبهم ينتمون لأربع دول من أفريقيا جنوب الصحراء هي تشاد ونيجيريا ومالي وساحل العاج. وأضاف قائلا ”كان هناك بعض آخرون (مهاجرون) من تونس وباكستان والمغرب. كان من بينهم أيضا 32 شخصا منهم ثماني نساء وستة أطفال من بينهم ثلاث عائلات“.

اليمين المتطرف

من جانب اخر اسفر اطلاق نار نسب الى شاب ايطالي من انصار اليمين المتطرف عن ستة جرحى جميعهم من اصول افريقية في ماتشيراتا بوسط ايطاليا، ما اثار موجة من الردود السياسية تزامنت مع الاستعداد في ايطاليا لاجراء الانتخابات التشريعية الشهر المقبل. وافرغ الشاب الحليق الرأس مشطين من مسدسه فيما كان ينتقل وحيدا في سيارته بوسط المدينة، وفق العناصر الاولى للتحقيق التي كشفتها الصحافة. ونقلت وكالة آغي للانباء انه قال لعناصر الشرطة "ايطاليا للايطاليين".

من جهته، قال رئيس بلدية المدينة رومانو كارانشيني "سقط ستة جرحى جميعهم اجانب". واجبر المسؤول على فرض حظر تجول جراء هذا الهجوم العنصري الذي اثار طوال ساعتين الذعر في وسط المدينة التي يقطنها 43 الف شخص والواقعة على بعد 30 كلم من سواحل الادرياتيكي. ويتحدر المصابون الستة، وهم خمسة رجال وامراة، من مالي وغانا ونيجيريا، بحسب وكالة آغي.

وروى شخص من اصل نيجيري اصيب في فخذه في الشارع فيما كان يبتاع سجائر، من سريره في المستشفى انه شاهد مطلق النار خلف المقود يصوب عليه. واكد وهو يظهر اصابته لصحافي في قناة "راي نيوز" انه يتالم كثيرا. وقالت وسائل الاعلام ان شابا اصيب بجرح بالغ في صدره فيما اصابات الخمسة الاخرين اقل خطورة.

وذكر المصدر نفسه ان الجاني يدعى لوكا تيريني (28 عاما). واعتقل المهاجم من دون مقاومة بينما كان واقفا على درج نصب كبير في وسط ماتشيراتا، بعد ان قاد سيارته من نوع الفاروميو سوداء في المدينة. وعثرت الشرطة على مسدس في السيارة. وبعد ان اوقف سيارته امام النصب خلع الشاب سترته وارتدى شالا بلون العلم الايطالي، قبل ان يلقي تحية على الطريقة الفاشية وهو يهتف "تحيا ايطاليا"، بحسب ما نقلت الصحافة الايطالية عن شهود في المكان.

وتبين ان لوكا تيريني كان عام 2017 مرشحا عن حزب رابطة الشمال المناهض للهجرة ولاوروبا، خلال انتخابات المقاطعات في بلدة قرب ماتشيراتا. وعلق زعيم حزب رابطة الشمال ماتيو سالفيني على ما حدث قائلا "ان الشخص الذي يطلق النار يكون منحرفا بمعزل عن لون بشرته"، قبل ان يندد ب"اجتياح" المهاجرين لايطاليا. واضاف سالفيني "اتوق للوصول الى الحكومة لاعادة الامن واقرار العدالة الاجتماعية في كامل ايطاليا".

من جهته قال رئيس الحكومة الايطالية باولو جنتيلوني "ان الحقد والعنف لن يقسمانا"، داعيا الى الهدوء والامتناع عن اي استغلال سياسي قبل الانتخابات. وصرح سيلفيو برلوسكوني الذي يتحالف حزبه اليميني مع رابطة الشمال بزعامة سالفيني "اعتقد انه فعل شخص مختل يستحق اكبر قدر من الادانة ولكن يمكن القول ان له بعدا سياسيا واضحا". ولم تثبت حتى الان اي علاقة بين اطلاق النار هذا وجريمة قتل وقعت قبل يومين تناقلتها وسائل الاعلام بكثافة. بحسب فرانس برس.

فقد اعتقلت الشرطة قبل ايام طالب لجوء نيجيريا وتاجر مخدرات في مدينة ماتشيراتا اثر الاشتباه بمسؤوليته عن قتل ايطالية في ال18 من العمر. وقد عثر على جثتها مقطعة وموزعة على حقائب عدة. كما عثرت الشرطة في منزل النيجيري (29 عاما) على ثياب الضحية مع سكين يحمل اثار دماء. ووجهت اليه رسميا تهمة ارتكاب جريمة قتل بعد بضع ساعات من حادث ماتشيراتا. وتبين ان الفتاة الضحية كانت فرت من مركز لمعالجة مدمني المخدرات يقع في منطقة كوريدونيا التي اختارها لوكا تيريني لتقديم ترشيحه للانتخابات.

الاتجار بالبشر

على صعيد متصل أرسلت لجنة خبراء في الأمم المتحدة تقريرا إلى مجلس الأمن تحدثت فيه عن ازدياد عمليات الاتجار بالبشر في ليبيا، بالإضافة لتواطؤ محتمل بين القوات الليبية والجماعات المسلحة لإحكام السيطرة على طرق التهريب. وأشار التقرير إلى شهادات لمهاجرين من إريتريا اعتقلوا عام 2016 في طرابلس على يد عناصر من قوة خاصة مرتبطة بوزارة الداخلية الليبية سلمتهم مجددا إلى المهربين "مقابل أموال".

وذكرت اللجنة أيضا في التقرير الذي أرسل إلى مجلس الأمن الدولي أن تنظيم داعش يسعى للانضمام إلى مهربي البشر في جنوب ليبيا بعد طرده من سرت عام 2016. وأورد التقرير المكون من 157 صفحة أن "الاتجار بالبشر آخذ في الازدياد في ليبيا ويؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان". كما أثارت اللجنة المخاوف "حيال إمكان استخدام منشآت الدولة وأموالها من قبل الجماعات المسلحة والمهربين لتحسين سيطرتهم على طرق الهجرة".

وتحولت ليبيا منذ وقت طويل إلى معبر للمهاجرين، وقد زاد مهربو البشر من وتيرة عملهم المربح هذا في السنوات التي تبعت الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي عام 2011. وبات المهاجرون في ليبيا يخضعون لإجراءات أمنية مشددة منذ أن تسربت مادة مصورة العام الماضي تظهر بيع أفارقة كعبيد هناك، ما أثار غضب بلدان أفريقية.

وأشار التقرير الأممي إلى شهادات لمهاجرين من إريتريا اعتقلوا عام 2016 في طرابلس على يد عناصر من قوة خاصة مرتبطة بوزارة الداخلية الليبية سلمتهم مجددا إلى المهربين "مقابل أموال". وأنشأت السلطة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة جهازا لمكافحة التهريب غير الشرعي مسؤولا عن 24 مركز احتجاز ويعمل فيه 5 آلاف موظف. وقال التقرير "وفقا للوكالات الدولية، فإن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية لا يملك سيطرة على مراكز الاحتجاز التابعة له".

واعترف وزير من حكومة الوفاق للجنة بأن "الجماعات المسلحة أقوى من السلطات في التعامل مع تدفق المهاجرين". ووجدت اللجنة أن خلايا تنظيم داعش تستمر بالعمل في وسط ليبيا وجنوبها على الرغم من هزيمة التنظيم في سرت. ويحاول التنظيم الجهادي المكون بغالبيته من مقاتلين أجانب إيجاد موطئ قدم له في أقصى الجنوب، وهو يرسل مبعوثين مع "كميات من النقد"، بحسب التقرير. وذكر التقرير أن "المبعوثين حاولوا أيضا التواصل مع جماعات التهريب، مقدمين الدعم وساعين إلى مصادر تمويل طويلة الأمد". بحسب فرانس برس.

وعلى الرغم من الدعم الدولي إلا أن الحكومة في طرابلس ظلت غير قادرة على بسط سيطرتها في الشرق، حيث توجد جماعة مناوئة ترفض الاعتراف بالإدارة المدعومة من الأمم المتحدة. واعتبر التقرير أن أي "حل سياسي في ليبيا يبقى بعيد المنال في المستقبل القريب"، مضيفا أن "الحركات العسكرية في ليبيا وجداول الأعمال الاقليمية المتناقضة تظهر نقصا في الالتزام بحل سلمي".

اضف تعليق