q
وعلى مدار سنوات، عانى العراق بشكل متدرج من انخفاض مستويات المياه العذبة على أراضيه، ما أدى إلى تراكم سلسلة من المشكلات تحولت مع الوقت إلى كوارث بيئية واقتصادية واجتماعية وديموغرافية. منظمات أممية ودولية حذرت من أن العراق أمام خطر وجودي إذا لم يتم التوصل لحلول بشأن إمداداته...

بلاد الرافدين وبلاد ما بين النهرين، من الأسماء القديمة للعراق الدالة على وفرة مياهه وخصوبة أراضيه، بات اليوم على رأس قائمة أكثر الدول تأثرا بالتغير المناخي وارتفاع المساحات المتصحرة (وفقا للأمم المتحدة).

وقد لا يكون التغير المناخي الخطر الوحيد الذي يهدد العراق، لكنه تحول تدريجيا ليشكل خطرا وجوديا للبلاد، مع انحسار المساحات الخضراء وانخفاض الإنتاج الزراعي (كان يشكل 5% من مجمل الناتج الاقتصادي المحلي ومصدر الدخل الرئيسي لنحو 14 مليونا من سكان البلاد البالغ عددهم 42 مليون نسمة) ونزوح الآلاف داخليا وتحول الكثيرين للتفكير بالهجرة بعيدا.

على مدى السنوات الماضية، بدأ منسوب المياه في نهري دجلة والفرات (كانا يشكلان أكثر من 90% من مصادر المياه العذبة في العراق) بالانخفاض تدريجيا، بشكل رئيسي بسبب بناء السدود وتحويل مياه النهرين وروافدهما في إيران وتركيا. إضافة لذلك، عانى خزانا مياه العراق التاريخيان من عقود طويلة من الحروب وسوء الإدارة وتدمير البنى التحتية، ما أدى أيضا إلى فقدانهما للمياه بشكل عشوائي وحرمان الملايين منها.

وعلى مدار سنوات، عانى العراق بشكل متدرج من انخفاض مستويات المياه العذبة على أراضيه، ما أدى إلى تراكم سلسلة من المشكلات تحولت مع الوقت إلى كوارث بيئية واقتصادية واجتماعية وديموغرافية. منظمات أممية ودولية حذرت في تقارير متعددة من أن العراق أمام خطر وجودي إذا لم يتم التوصل لحلول بشأن إمداداته من المياه العذبة، وأن أثر الجفاف ضرب منتجاته الزراعية وأدى إلى تكثيف حركة النزوح من الأرياف إلى المدن، التي تعاني أصلا من ضعف بناها التحتية بسبب العقود الطويلة من الحروب والحصار.

انقراض مهنة الصيد

ويتخلى الصيادون والمزارعون وصناع القوارب وآخرون في جميع أنحاء البلاد عن الحياة التي تعتمد على المياه ويبحثون عن وظائف في المناطق الحضرية التي ترتفع فيها بالفعل معدلات البطالة، ويؤدي الاستياء إلى احتجاجات متكررة.

وقالت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة إن أكثر من 62 ألف شخص نزحوا داخل العراق حتى سبتمبر أيلول الماضي بسبب ظروف الجفاف المستمرة منذ أربع سنوات، وهو عدد من المرجح أن يرتفع مع تدهور الأوضاع.

ويقول مسؤولون عراقيون وسكان محليون إن التغيرات وراءها مجموعة كبيرة من العوامل تشمل بناء تركيا وإيران سدودا على الأنهار، وسوء إدارة الموارد المائية، والتلوث الشديد للأنهار، وتغير المناخ الذي أدى إلى قلة هطول المطر.

ومع جفاف الأنهار والأهوار، تراجع الاقتصاد القائم عليها.

وفي بلد تدير الدولة معظم اقتصاده، يعني هذا زيادة عدد الأشخاص الذين يبحثون عن وظائف حكومية، مما يضع مزيدا من الضغط على الموارد المالية المعتمدة على النفط والتي قال وزير المالية السابق إن رواتب سبعة ملايين موظف تُدفع منها.

اين اختفت جنة عدن؟

على شاطئ تحت الشمس الحارقة في منطقة الأهوار بجنوب العراق، يسحب الصيادون من الماء صيدا هزيلا عبارة عن أسماك صغيرة نافقة لا تصلح إلا كعلف للحيوانات.

كان السكان المحليون يتمتعون بالاكتفاء الذاتي في المناطق شاسعة المساحة التي تغطيها المياه العذبة في الأهوار المدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ويملؤون شباكهم بأنواع مختلفة من الأسماك ويربون قطعان الجاموس.

لكن في السنوات الأخيرة، أدت موجات من جفاف الأنهار، التي تغذي الأهوار، إلى انحسارها مع زيادة نسبة ملوحة المياه بسبب تسلل مياه البحر المجاور، مما أسفر عن اختفاء الأسماك وتهديد نمط حياة يعود إلى قرون.

وقال خميس عادل، وهو صياد سمك من عرب الأهوار الأصليين من مدينة الخورة في البصرة، "حاليا لا يوجد ماء".

وأشار إلى أنواع كثيرة من الأسماك التي لم يبق منها شيء بسبب نقص المياه وزيادة الملوحة والسدود.

وأضاف "أنواع السمك كان موجود هنا بني.. سمتي.. أنواع.. حاليا كله ذهب، مات من قلة الماء، والماء أصبح مالح لأن أصبحت سدود علينا وجميعه مات السمك الأعشاب ماتت كله انتهى"

ووقف يحدق في المساحة القاحلة الممتدة، التي كان يطلق عليها تاريخيا "جنة عدن"، لكنها أصبحت الآن مساحة رمادية بها زوارق خشبية مهجورة وهياكل عظمية لجاموس لم يتحمل العطش والجوع.

"أين نذهب الآن؟".. سؤال يطرحه كثيرون ممن كانوا يعيشون قبالة سواحل أهوار العراق، ومجاري الأنهار والممرات المائية الغنية حيث خرجت حضارة بلاد ما بين النهرين القديمة.

انهار للصرف الصحي فقط

وكان الشقيقان محسن وحسن موسى يعيشان على الصيد من نهر الفرات في النجف كما فعل أسلافهما.

وترك حسن الصيد قبل سنوات، واختار بدلا منه قيادة سيارة أجرة وبيع الطيور على جانب الطريق، لكنه لا يزال يواجه صعوبات في تغطية نفقاته.

وقال "منذ 1995 صارت قطوعات بالماء نرجع نعمل وفترة لا وبعدين شحت المياه 2011 ماكو مياه بعد وآلاف الصيادين تركت العمل، ولا يوجد وظائف، بالنسبة إلي إذا حصلت على وظيفة تفيدني أستطيع أن أسد معيشتي، بالنسبة لهذا العمل لا يسد شي بسيط حالة اضطرارية مدبرين حالنا كيف ما كان".

ولا يزال شقيقه يحاول كسب عيشه عن طريق النهر، الذي بات ضحلا ومليئا بمياه الصرف الصحي، لكنه يقول إن صيد ما يصل إلى خمسة كيلوجرامات من الأسماك يوميا مقارنة بنحو 50 كيلوجراما في الماضي قد يدفعه إلى ترك المهنة قريبا.

وقال وهو يدفع قاربه على طول القناة في ظروف طقس صعبة مع زيادة الرطوبة إن الأوضاع المادية للصيادين باتت شديدة الصعوبة حتى أنهم قد لا يستطيعون تدبير ضروريات الحياة.

كان عندنا كل شيء

يترتب على قلة عدد الصيادين بالنسبة للعراقي نعمة حسن، صانع القوارب الذي كانت ورشته تبني في السابق ستة قوارب كل شهر، تراجع النشاط وتدهور العمل. وبعد أن كان يعمل لديه في السابق ما يصل إلى عشرة عمال، أصبح يكدح الآن بمفرده في ورشته التي تغطيها الأتربة محاولا تغطية نفقاته الخاصة.

وقال "قبل كان العمل موجود (الطلب على القوارب)، كان الماء موجود، والعمال كانت تعمل ونطلع إنتاج بالشهر، نطلع زوارق كبيرة.. (أما الآن) العمل ليس مثل قبل حقيقة من ناحية حتى الإيجار ما نستطيع إخراجها من وراء الماء".

وكافح عادل البطاط، وهو في أواخر الستينيات من عمره، للعثور على عمل منذ أن نزح في البداية من الأهوار عندما جفف الرئيس العراقي السابق صدام حسين أجزاء كبيرة منها في التسعينيات لطرد المتمردين.

وحتى بعد الغزو الأمريكي عام 2003، عندما غمرت المياه أجزاء من الأهوار مرة أخرى، لم يعد مستوى المياه بشكل كامل.

وقال من منزله البسيط الواقع على أطراف مدينة البصرة "نزحنا بعد الهور أيسنا منه نزحنا من عنده وجئنا هنا للمدينة، نريد أن نطور أمورنا، أولادنا يشتغلون إحنا نحصل رزق ونريد نعيش عيشة كريمة، منطقتنا عزيزة علينا ونتمنى لو يوجد ماء نرجع حتى لو الأمور هنا تحسنت للمعيشة لازم نرجع هناك".

وأضاف "كان عندنا كل شيء".

نزوح الفلاحين الى المدن

وتصنّف الأمم المتحدة العراق من بين الدول الخمس الأكثر تأثراً بالتغيّر المناخي، في حين يندّد العراق بالسدود التي تبنيها تركيا وإيران المجاورتان والتي تسبّبت بنقص ملحوظ بمنسوب الأنهار الوافدة إلى أراضيه.

مع تراجع الأمطار، استفحل الجفاف بقوّة في السنوات الأربع الأخيرة، ما دفع السلطات إلى الحدّ بشكل كبير من مساحات الأراضي المزروعة بما يتناسب مع كميات المياه المتوفرة.

كان حيدر محمد يزرع القمح والشعير في أرضه في جنوب العراق، كما كان يفعل والده من قبله، لكنه اليوم يكسب قوته كعامل بناء، بعدما أرغمه الجفاف على هجر أرضه والنزوح إلى المدينة في محافظة أخرى.

ويقول الرجل الأربعيني الذي يقطن منذ العام 2017 في كربلاء التي تضمّ مراقد دينية هامّة وتعدّ مركزاً للسياحة الدينية، إن "الانتقال كان صعبا، فنحن لسنا معتادين على المدينة".

في الحيّ العشوائي الذي بنى فيه محمد منزله، تصطف على طول الشوارع الضيقة المباني كتلة رمادية اللون. على مدخل الحيّ الذي تمدّه البلدية مجاناً بالمياه والكهرباء، ترعى بضعة أبقار من الأرض التي تنتشر فيها القمامة، وتمرّ فوقها أسلاك كهربائية متشابكة.

يروي محمد الذي نزح من قرية آل خنيجر في محافظة الديوانية أن "لا عمل في منطقتنا التي تعتمد على الزراعة وتربية الحيوانات. الزراعة والحيوانات انتهت. ورأينا أن لا لقمة عيش لنا إلا في كربلاء".

ويضيف "نحن نريد أن نأكل الخبز، كل شخص يريد أن يكدّ لعائلته، عندي أربعة أولاد بالمدارس، يحتاجون إلى مصروف ومال للنقل والثياب".

ومحمد الآن عامل مياوم حينما يجد فرصة في مواقع بناء. ولكي يتمكن من جني 15 دولاراً في اليوم، يعمل كذلك سائق سيارة أجرة.

ويضيف الرجل، صاحب الشاربين المشذبين والذي ارتدى عباءة سوداء أنيقة، "إن لم تعمل، لا تأكل".

في قريته، كان حجم محاصيل السنوات الخيّرة يصل إلى 40 و50 طناً. لكن "شحّ المياه أثّر على الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية"، كما يقول.

المدن الكبرى لا تستطيع تحمل تداعيات النزوح

وفقا للأمم المتحدة، يعاني تقريبا واحد من كل خمسة أشخاص في العراق من نقص المياه، ما أثر على السياسة المائية للسلطات التي آثرت الحد من تدفقاتها على المناطق الزراعية.

نزيف الريف راكم ضغطا كبيرا على المناطق الحضرية، التي كانت تعاني أصلا من تدهور بناها التحتية نتيجة عقود من الحروب والحصار. هذا الأمر كانت قد حذرت منه الأمم المتحدة الشهر الماضي، معتبرة أن الاضطرابات المناخية ستؤدي إلى "اضطرابات اجتماعية"، إذ يمكن للتوسع المدني الذي "تتسبب به التغيرات المناخية وحركة النزوح في ظل غياب الخدمات العامة والفرص الاقتصادية، أن يعزز أن يعزز ممارسات التهميش والإقصاء".

وحتى منتصف آذار/مارس، كانت هناك "12 ألفاً و212 عائلة (73 ألفاً و272 شخصاً) نازحةً بسبب الجفاف في عشر محافظات عراقية" في وسط وجنوب العراق، بحسب تقرير نشرته مؤخراً منظمة الهجرة الدولية.

ومن بين المحافظات الأكثر تأثراً، محافظات ذي قار وميسان والديوانية، وفق المنظمة، مشيرةً إلى أن 76% من العائلات النازحة تذهب إلى مناطق حضرية.

في نيسان/أبريل، حذّر تقرير أممي من خطر "الاضطرابات الاجتماعية" التي قد تنشأ عن العوامل المناخية.

ونبّه التقرير إلى أنه "في ظلّ غياب الخدمات العامة والفرص الاقتصادية الكافية... قد يؤدي التحضّر والانتقال إلى العيش في المدينة بفعل المناخ إلى تعزيز هياكل قائمة مسبقاً من التهميش والإقصاء".

لكن كيف يمكن وقف هذا النزوح من الريف؟ في العراق الذي يبلغ عدد سكانه 42 مليونا، يعيش عراقي واحد من خمسة في منطقة يضربها نقص المياه، وفق التقرير نفسه.

ويشكّل ذلك تحدياً كبيراً في بلد يعتمد بشكل كبير على النفط ويجد صعوبةً في تنويع اقتصاده. وتمثّل الزراعة نسبة 20% من الوظائف وتعتبر ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5%، بعد النفط.

بالنسبة لمحافظ الديوانية ميثم الشهد، قد يعزّز هذا النزوح مشكلة "البطالة لعدم وجود فرص عمل تكفي الأعداد الكبيرة التي هاجرت إلى المدينة".

وحذّر من أن "هجرة السكان من الأرياف للمدينة تسبّب اكتظاظاً في عدد السكان وبالتالي قد لا تلبّي الخدمات احتياجات هذه الأعداد"، علما أن البنى التحتية في المدن متهالكة بفعل سنوات من الحروب والفساد وسوء الإدارة.

أراضي مهجورة

وبسبب الجفاف، باتت "آلاف الدونمات الزراعية" في الديوانية مهجورة، وفق المحافظ، بعضها منذ خمس سنوات. وتعيش 120 قريةً في المحافظة من دون ماء للشرب والاستعمال اليومي، مقابل 75 في 2022. ومنها قريتا آل خنيجر وآل بو زياد حيث قناة الري الرئيسية جافة بالكامل.

في آل بو زياد، لا تزال هناك 170 عائلةً في القرية، وفق مختارها منذ 12 عاماً ماجد رحام. وخلال عامين، هجرت مئة عائلة القرية نحو كربلاء أو نحو مدينة صغيرة أخرى تبعد نحو ساعة.

عند مدخل آل بو زياد، بيوت من الطين تركها سكانها، وأخرى من الآجر قيد الإعمار، تُركت كما هي. بعضها يعود لعائلة المختار الذي ترك خمسة من أولاد أعمامه القرية.

ويقول المختار بحرقة "لم يحصل هذا هنا من قبل، وُلد أجدادنا هنا وعشنا هنا منذ عمر... الناس يعيشون هنا منذ مئة سنة، لم تحصل هجرة مماثلة من قبل".

ويعيش الناس في القرية على المياه الموزعة من صهاريج تابعة للبلدية لا تكفي حاجتهم.

كما يحصلون على إعانات من الدولة، بينما يقطع بعض أفراد العائلات كل يوم مسافات شاسعة ليعملوا في مدينة مجاورة، كما يروي المختار.

ويضيف "لا توجد مياه، الناس يريدون أن يهاجروا لكن من لا يملك القدرة لا يستطيع أن يذهب ويستأجر منزلاً في مكان آخر".

أثر السدود التركية

وانخفضت مستويات المياه في كل من دجلة والفرات بعد بناء تركيا لعدد من السدود على منابع وروافد النهرين، ما أثر على تدفقاتهما ليس على العراق وحده، بل على سوريا أيضا.

وكانت تركيا قد بدأت مطلع نيسان/أبريل بضخ المزيد من المياه في نهر دجلة لمدة شهر بناء على طلب الحكومة العراقية.

وزارة الموارد المائية العراقية قالت في حينه إن أنقرة ستضخ 1500 متر مكعب في الثانية، وهذا ضعف الكمية التي كانت تضخها مسبقا.

وزير المياه والموارد عون ذياب عبد الله كان قد صرح أن الجفاف الذي شهدته البلاد العام الماضي كان الأسوأ منذ عام 1930، مشيدا بخطوة الحكومة التركية، ومحذرا من "التحديات" التي ستواجهها بلاده في الصيف المقبل فيما يتعلق بتأمين الكميات الكافية من المياه.

وبحسب اليونيسيف، تحتوي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على 11 دولة، من بينها العراق، من أصل 17 هي الأكثر تأثرا بأزمة شح المياه على مستوى العالم.

وكان البنك الدولي قد ذكر بأنه إذا لم يتخذ العراق إجراءات جدية لمواجهة ذلك الخطر بحلول 2050، و "في حال ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة وانخفاض الأمطار بنسبة 10%، سيفقد هذا البلد البالغ عدد سكانه 42 مليون نسمة 20% من مياهه العذبة".

استنزاف آبار الصحراء

اعتاد أمين صلاح زراعة القمح قرب ضفاف نهر الفرات في العراق لكن الجفاف المستمر دفعه إلى التحول إلى زراعة أراضٍ جديدة غير متوقعة في عمق صحراء النجف القاسية.

وقال إن أرضه التي تُروى بالرشاشات المجهزة على آبار محفورة على عمق يزيد عن 100 متر تحت الأرض تنتج الآن ضعف ما كانت تنتجه عندما اعتمد على الأساليب القديمة التي تغمر الحقول بمياه الأنهار.

وأضاف صلاح وهو يسير في حقله "هذه السنة هي السنة الذهبية، أو الموسم الذهبي بسبب ارتفاع مستوى الإنتاج بسبب الأجواء والأمطار"، وأشار إلى الفوائد وهي إنفاق أموال أقل واستهلاك مياه أقل فضلا عن حصاد كمية أكبر وأفضل جودة.

وتقول الحكومة العراقية إن هذا التحول المدعوم رسميا سمح للبلاد بمضاعفة المساحات المزروعة بالقمح هذا العام إلى نحو 2.1 مليون فدان (850 ألف هكتار) مقارنة بنحو 400 ألف هكتار العام الماضي.

وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي إن ذلك أدى إلى محصول بلغت كميته حوالي أربعة ملايين طن من القمح وهو الأكبر منذ سنوات ويغطي نحو 80 بالمئة من احتياجات بلد يبلغ عدد سكانه 43 مليون نسمة يأكلون الخبز في كل وجبة تقريبا.

والتحول في الأساليب مدفوع بالضرورة، إذ فقد نهرا العراق الرئيسيان اللذان نشأت الحضارة على طولهما منذ آلاف السنين أكثر من نصف مياههما بسبب انخفاض هطول الأمطار والإفراط في استخدام السدود.

ومن شأن التنقيب عن المياه في الصحراء أن يوفر إغاثة فورية في بلد تقول الأمم المتحدة إنه من بين الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ في العالم وحيث بدأت الهجرة الناجمة عن تغير المناخ بالفعل.

لكن خبراء في مجال الزراعة ومختصون بحماية البيئة يحذرون من أن الاستخدام المكثف لمياه الآبار قد يؤدي إلى جفاف طبقات المياه الجوفية الصحراوية. ولاحظ بالفعل بعض المزارعين، أحدهم قرب مرقد الإمام الحسين في كربلاء، أحد أقدس المزارات الشيعية، انخفاضا في منسوب المياه الجوفية.

وألغت السعودية المجاورة في عام 2009 برنامجا لزراعة القمح مدته 30 عاما بالاعتماد على الآبار الصحراوية حقق الاكتفاء الذاتي لكنه استنزف إمدادات المياه الشحيحة في المملكة.

وقال كريم بلال وهو مهندس زراعي ومدير سابق لمديرية الزراعة في النجف إن العراق به أكثر من 110 آلاف بئر لكن نسبة ضئيلة فقط تبلغ نحو 10 آلاف بئر مزودة بأنظمة حديثة تمنع هدر المياه.

ويقول هادي فتح الله مدير السياسة العامة في مجموعة نامية الاستشارية التي تجري أبحاثا حول الزراعة في العراق إن اللجوء إلى آبار الصحراء أمر يدل على وضع بائس.

وقال "تستغل طبقات مياه جوفية تجمع المياه منذ آلاف السنين وستختفي في غضون بضع سنوات إذا استخدمت بهذه الطريقة".

ويرى فتح الله أن على العراق التركيز على تحديث وتطوير الزراعة والانخراط في دبلوماسية المياه مع جيرانه لزيادة تدفق الأنهار وتنشيط المناطق الزراعية التي لم تتعاف بعد من تبعات الحرب.

وقلل الخزاعي من احتمال أن يسلك العراق مسارا مشابها للسعودية، وقال إن الحكومة تركز على الاستخدام المستدام ودعم تركيب أنظمة الري بالتنقيط والرش.

واشترت مؤسسات كبيرة أساليب التحول إلى آبار الصحراء. فالهيئة التي تشرف على مرقد الإمام الحسين (العتبة الحسينية) تزرع الآن 400 هكتار من القمح في الصحراء على بعد 55 كيلومترا من المرقد بعد أن كانت تزرع 100 هكتار فقط عام 2019.

وقال قحطان عوز، وهو مسؤول زراعي في الضريح، إنه جرى تحويل الصحراء إلى واحة خضراء، لكنه أشار إلى أن منسوب المياه الجوفية قد انخفض بين 12 إلى 15 مترا منذ الموسم الماضي.

ومن خلفه كان زوج من آلات الحصاد يسحب القمح المزروع في دوائر كبيرة ثم يحول الحبوب المعالجة إلى شاحنات بانتظار تسليمها إلى الصوامع الحكومية.

ومن الصوامع يدخل جزء كبير من الحبوب في أحد أكبر برامج الغذاء التي تديرها حكومة في العالم والذي يوفر حصصا شهرية لمعظم الأسر. لكن البرنامج تعرض لضغوط تريد الحكومة تجنبها، منها فشل موسم محصولي عامي 2021 و 2022 بسبب الجفاف وارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقال فتح الله "تحاول الحكومة تخفيف الكثير من الآلام، لكن هذا ليس تكيفا مع تغير المناخ بل هو نوع من المسكنات".

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس

اضف تعليق