q
تبرز الحاجة لإجراء دراسات وابحاث علمية معاصرة، لإظهار قيم التعايش الإنساني في الإسلام، معتمدة على المنهج النبوي، حيث يهدف بحثنا اليوم إلى تقديم هذا المنهج كنموذج فاعل للتعايش الإنساني، ويقوم هذا المنهج على تتبع أحاديث النبي (ص) وسيرته العملية من مصادرها الأصلية، وبناء منظومة قيم للتعايش الإنساني، وعرض...

عقد مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث الجلسة الحوارية الشهرية في ملتقى النبأ الاسبوعي تحت عنوان، (التعايش واحتواء الصراعات قراءة في نهج الرسول (ص))، بمشاركة عدد من الباحثين، وقدم ورقة النقاش الباحث في المركز محمد علاء الصافي، جاء فيها:

في الوقت الذي تواجه فيه الأمة الإسلامية الكثير من الشبهات والاتهامات التي تشكك في أصالة دينها وقيمها ومبادئها، وإظهارها بصورة مشوهة، أبرز ملامحها التشدد والتطرف والعدائية وخطاب الكراهية، وعدم القدرة على التعايش مع الآخر، نتيجة بروز بعض حركات التشدد والغلو والتطرف والجهل التي تقوض مسار السلم والتعايش الإنساني. تبرز الحاجة لإجراء دراسات وابحاث علمية معاصرة، لإظهار قيم التعايش الإنساني في الإسلام، معتمدة على المنهج النبوي، حيث يهدف بحثنا اليوم إلى تقديم هذا المنهج كنموذج فاعل للتعايش الإنساني، ويقوم هذا المنهج على تتبع أحاديث النبي (ص) وسيرته العملية من مصادرها الأصلية، وبناء منظومة قيم للتعايش الإنساني، وعرض نماذج تطبيقية لتلك القيم من واقع حياة النبي.

قبل البحث بنظام التعايش السلمي لدى الرسول محمد (ص) يجب علينا ان نُعرف التسامح والتعايش السلمي ومعرفة معناه اللغوي والاصطلاحي وكذلك لبيان اهميته لدى الرسول الكريم محمد (ص).

التسامح كما يبدو من دلالة صيغته فهو المساهلة والجود من الطرفين اذ يتبادلان الجود والسهولة بعضهما البعض، ولا يكون التسامح تسامحاّ إلا إذا صارت الملاينة من الطرفين سجيةً.

بينما مفهوم التعايش الإنساني، فمعناه: "العيش مع الآخر المختلف جنساً أو ديناً أو لغة أو حضارة، والقدرة على ذلك العيش بيسر دون صعوبة أو حرج".

التعايش السلمي لغة: تعبير مركب واضح المعنى، إذ التعايش يعني الاشتراك في العيش وبهذا يكون التعايش السلمي بمعنى العيش المشترك بين شخصين فأكثر على اساس الود والحب والوئام وسيراً على المعنى اللغوي تكون كلمة السلمي وصفاً مؤكداً لطبيعة التعايش. وعلى فرض وجود نوع من التعايش غير السلمي يكون الوصف مقيّدا يخرج به نوع التعايش غير السلمي.

اما اصطلاحا: فهو نبذ الحرب أو النزاعات كوسيلة لتسوية الخلافات الدولية واعتماد المفاوضات والتفاهم المتبادل واحترام السيادة للدول الأخرى والإقرار بالتكافؤ والمنفعة المتبادلة كأساس في العلاقات الدولية.

وثيقة المدينة والتأسيس لمجتمع التعايش

بعد هجرة النبي إلى المدينة المنورة، أقام قواعد المجتمع الإسلامي الجديد على قاعدة التعايش السلمي والتسامح والتعاون بين المسلمين وبقية الطوائف الأخرى، فدخل المسلمون في ميثاق مع القبائل العربية واليهودية المقيمة هناك، فكانت «وثيقة المدينة» هي الدستور الذي ينظم العلاقات بين مكونات المجتمع الجديد وبين من انضوى تحته من الطوائف، والتزموا جميعاً بموجبها مسلمين أكانوا أم غير مسلمين بالتعاون فيما بينهم على إقامة العدل، والحفاظ على الأمن وحماية الدولة الجديدة من أي عدوان خارجي.

لذا فهي أول دستور مدني متكامل في التاريخ الإسلامي وحتى البشري أرسى قواعد المواطنة وثبت أركان العدل بين مكونات المجتمع وطوائفه، ونظم العلاقات بينهم لكي يسود التسامح والمحبة ويدخل الناس في السلم كافة.

لقد كانت المؤاخاة التي نادى بها الإسلام على لسان الرسول الكريم تمثيلا حيا لأسمى معاني التعايش في الدين الإسلامي، وذلك حين قدم رسول الله مدينة يثرب التي كان يسكنها اليهود الى جنب القبائل العربية التي كانت من أشهرها قبيلتي الأوس والخزرج اللتان كانتا تتقاسمان صراعاً مريراً وحروب طويلة دامت لسنوات، واذا وقعت الحرب بينهما كان اليهود ينقسمون الى فريقين كل فريق يذهب مع قبيلة (خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت بنو النضير وقريظة مع الأوس يظاهر كل فريق حلفاءه على إخوانه حتى يتسافكوا دمائهم بينهم وبأيديهم)، فألف بينهما نبي الرحمة، وانصهرا معا وشكّلا حيين من الأنصار الذين استقبلوا المهاجرين القادمين من مكة المكرمة هربا من بطش قريش.

ولقد نقل لنا التأريخ صورا من التسامح والتآخي والاعتدال والتقارب بين المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة وما بعدها مما قلّ نظيره في تاريخ البشرية، إذ كانوا يتوارثون بالإسلام دون النسب، اذ رُوي عن الرسول الكريم (ص) أنه آخى بين المهاجرين والأنصار عندما وصل المدينة فكان يرث المهاجري من الأنصاري، والأنصاري من المهاجري ولا يرث وارثه الذي كان بمكة وإن كان مسلما لقول رب العباد: (إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

أهم مبادئ وثيقة المدينة:

حق حرية الاعتقاد: تنص الوثيقة في البند رقم (25) «وَإِنّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ».

وهذا فيه ضمان للحريات الأساسية للأفراد، وعلى رأسها حرية الاعتقاد، فرعاية الدولة لمواطنيها وحسن إداراتها لشؤونهم لا يؤثر فيها كون بعضهم غير مسلمين، وإنما للجميع البر وحسن الرعاية.

الأمن والعدل: وهو من المبادئ الرئيسية والمقاصد العظيمة التي يراد تحقيقها وجعلها واقعاً من خلال هذه الوثيقة، وكانت عناية الإسلام به واضحة في كل بنودها، فالإسلام جاء لينبذ ما كانت تقوم عليه المجتمعات الجاهلية من نصرة للقريب سواء كان ظالماً أو مظلوماً، وذلك بدافع الأعراف القبلية الجاهلية، فجعل نصرة الظالم بالأخذ على يديه ومَنْعِهِ من الظلم فنص البند 37 «وإن النصر للمظلوم»، وأورد مصطلح «المظلوم» غير مقيد ليعلن في الإنسانية جمعاء حق الإنسان في العدل بغض النظر عن جنسه أو لونه أو ديانته.

ومن تمثلات مبدأ العدل في هذه الوثيقة إلزام الأفراد بتحمل مسؤولية ما يقومون به ولا يعاقب فرد بجريرة فرد آخر، جاء في البند 37 «وإنه لا يأثم امرؤ بحليفه»، فقد كان الفرد قبل الإسلام يكسب للقبيلة، وكان يقترف الإثم والجريمة وتؤدي عنه القبيلة، فهو تابع لها وهي ناصرة له ظالماً أو مظلوماً، شرفه لها ووزره عليها، وتتحمل عنه عقوبات الجرائم التي قد يقترفها، فجاء الإسلام ليعلن تحرر الفرد من سلطان القبيلة بذوبان القبيلة في الوطن، فلو أن أحد أفراد المجتمع ارتكب إثماً أو خطأ ما متعمِّداً؛ فوزره في عنقه، يتحمل مسؤوليته وحده، وليس على حلفائه الذين لم يشاركوه في هذا العمل أدنى مسؤولية، ووقفت الآثار في أحيان كثيرة عند أهل بيته «فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته» وهذا يبرز ذاتية الفرد المسؤول المكلف.

أما إذا كان ما قام به عن طريق الخطأ كالقتل غير المتعمَّد، ففي هذه الحالة ومثلها على حلفائه أن يساعدوه، ويقدموا له العون؛ كالمشاركة في أداء الدية معه مثلا، وهذا - أيضا - من العدل، ومن مقتضيات التحالف.

البر والصلة: إن المنهج النبوي حرص على شمول غير المسلمين بالمشاركة الاجتماعية والمودة والمجاملة، والإكرام والزيارة والصلة، لا حواجز فيه ولا تمييز ولا طبقية مع غير المسلمين في العشرة والسلوك، وقد لخص معنى البر بقوله: "الرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وكساء عاريهم ولين القول لهم، والدعاء لهم بالهداية ونصيحتهم في جميع أمورهم، في دينهم ودنياهم".

وهكذا حرص النبي على صلة غير المسلمين وبرهم والإحسان إليهم إكراماً لهم وأداء لحقوقهم الإنسانية، ولطفاً في معاملتهم، وتأليفاً لقلوبهم على الإسلام إخراجاً لهم من الظلمات إلى النور، فالمودة والبر هي أساس العلاقات الإنسانية وهي السبيل لإقامة العدل ونشر الأمن وحماية الحرمات.

ومن مبادئ هذه الوثيقة كذلك: (الرحمة – الأمانة - التسامح والعفو – التعاون - الوفاء بالعهد والإحسان)، والكثير من المبادئ التي أصبحت على لسان البشر في وقت لاحق.

ومن التطبيقات العملية الرائدة لقيمة الإحسان في المنهج النبوي ما وقع عند فتح مكة، فمع كل ما سبق من اعتداء وظلم وتآمر، وإخراج المسلمين من ديارهم من قبل كفار قريش، وقتلوا أحب الناس إليه، ولم يدعوا فرصة لقتله واستئصال دعوته، ومع ذلك فقد عاملهم بالإحسان حين قال لهم: "ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: "أخ كريم وابن أخ كريم. قال عليه الصلاة والسلام: "أقول لكم ما قاله يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم، يغفر االله لكم وهو أرحم الراحمين".

الكرامة الإنسانية: شكلت وثيقة المدينة المنهج النبوي العملي للتعايش الإنساني، وبنت أسس التعاون بين الأمم، فهي اتفاقية عالمية للمساواة وحقوق الإنسان، ورفع الظلم ونصرة المظلوم ونشر العدل، والقضاء على الفقر والتخفيف من أثر الكوارث، وحماية الأقليات، والدفاع المشترك عن الأوطان، وغيرها من المشكلات الإنسانية العالمية.

عمل النبي على مد جسور التعايش مع الآخرين بوسائل وطرق شتى منها: التطبيق العملي لهذه القيم وانتشارها بين الناس، وحسن الجوار الذي استظل بظلاله القبائل المحيطة بالمدينة المنورة، وتلك المنتشرة في جزيرة العرب، كما ساهمت الكتب النبوية إلى ملوك الأمم مثل الفرس والروم والقبط والحبشة وأطراف بلاد العرب في العراق والشام والبحرين وحضرموت بذلك.

فساهم انتشار هذه القيم بدور فاعل في دخول الناس في دين الإسلام، أو اختيار العيش بجوار المسلمين وتحت حكمهم، لما شاهدوه من المحامد والمكارم والبر والصلة وحرية الاعتقاد، والاندماج في معظم شؤون الحياة اليومية مع المسلمين، فحفظت حقوقهم، وتحقق لهم الأمن، فجاءت الوفود الكثيرة معلنة إسلامها، أو موقعة عهداً أو ميثاقاً مع النبي. وبهذا قدم المنهج النبوي بما تضمنه من قيم وأحكام دستوراً للسلام والتعاون والتكامل العالمي بعيداً عن الانعزال والجفاء والعداء للآخر.

إن المنهج الذي خطّه الرسول للتعايش مع الآخر تناول مختلف جوانب الحياة الإنسانية، كالمجال العقدي متمثلاً بحرية الاعتقاد والجانب الاجتماعي كالصلة والبر والزيارة وقضاء الحوائج، والجانب الاقتصادي كالبيع والشراء والقرض والرهن، وعقد الاتفاقات الاقتصادية، وحفظ طرق القوافل التجارية، وتمثل في الجانب السياسي بإقامة العهود والمواثيق مع الدول والجماعات والقبائل المختلفة، كما تضمن المنهج النبوي الحرص على التعاون في كل ما من شأنه أن يحفظ كرامة الإنسانية، ويرفع قدرها وقيمتها ويمنع الظلم عنها، كما أن صور الوفاء بالعهد تدل على حرص النبي على الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية والقوانين الإنسانية.

جمع المنهج النبوي في التعايش الإنساني أصلين عظيمين وركيزتين أساسيتين هما: القوة والرحمة، فالرحمة وحدها ضعف وهوان، والقوة وحدها ظلم وقهر واستبداد. ففي جانب التعامل السلمي الإنساني قيمة الرحمة هي السائدة، وتظهر في صور شتى: كحفظ الأنفس والأعراض والأموال، وإغاثة الملهوف، والهدية والزيارة وإعانة الضعيف وغيرها، وتظهر القوة عندما يتنكب الناس طريق الحق ويعلو دعاة العدوان والبغي وعدم التسامح وعدم التعايش.

إن المنهج النبوي وما تضمنه من قيم ومبادئ وأخلاق يسعى في نهاية المطاف إلى إسعاد البشرية ونهضتها والحفاظ على كرامة الإنسان ورفعته بغض النظر عن دينه أو لونه، سواء قَبِل رسالة الإسلام وآمن بها، أو رضي طوعاً أن يعيش تحت سلطانها وحمايتها، سواء كان مواطناً داخل الدولة أو يعيش في جوارها.

إن الفهم الصحيح للمنهج النبوي في التعايش مع الآخر يساهم في انخراط المسلمين الفعال في البناء الحضاري العالمي، والتشاركية مع الآخر في حفظ الحقوق، وتحقيق الأمن والسلم العالمي. وإن أي خلل أو انحراف عن هذا الفهم، يؤدي إلى تكوين تصورات عدائية أو صدامية مما يساهم في تخلف المسلمين عن الركب الحضاري والانعزال العالمي ولن يجني منه أصحابه أي فائدة.

إن ما سبق استعراضه من قيم نبوية لتحقيق التعايش الإنساني لتعد رداً علمياً ومنهجياً على تلك النبتة التي نبتت عند بعض المسلمين بغير هدى ولا بصيرة، ولا ترقب في مؤمن إلّاً ولا ذمة، فاستباحت دماء المسلمين وبغت عليهم، فرشقت أهل القبلة بنبال الكفر من كل جانب، واستحلت حرماتهم، وروعت أمنهم، بدعاوى باطلة كتغيير المنكر والجهاد والإصلاح، ولا يرون منهجاً إلا منهجهم، ولا جهاداً إلا جهادهم، ولا عالماً إلا عالمهم. بل يرون أنفسهم الممثل الحصري للإسلام، وروج لهم كثير من أعداء الإسلام، لصد الناس عن الإسلام، فهذا الخلل الفكري في فهم المنهج تحول إلى سلوك عنفي طال الجميع. لذا فالمسلمون اليوم بحاجة إلى إعادة الفهم الصحيح للمنهج النبوي في التعايش الإنساني، لإعادة بناء الوعي الذي رسمه النبي في التعامل مع الآخر، ليكون هذا المنهج هو الإطار المرجعي، ومعيار العمل والتعايش الإنساني.

نفتح باب النقاش من خلال طرح السؤالين التاليين:

س1/ كيف نستفيد من نهج رسول الله (ص) في ترسيخ منهج التعايش واحتواء الصراعات؟

س2/ كيف يتم تطبيق منهج الرسول بصورة عملية لاحتواء الصراعات في عالم اليوم؟

المداخلات:

الدكتور اسعد كاظم شبيب:

من دون شك أن رسول الإسلام (ص) وضع نهجاً إنسانيا في ترسيخ قيم التعايش حتى مع غير المسلمين ومن ذلك نهجه ودستوره الشهير بصحيفة المدينة الي كانت نهجاً واضحا في تعايش المسلمين مع غيره بعد أن هذب المسلمين أنفسهم. بعد أن كانت هناك قيم قبلية سائدة تتحكم فيها أعراف ماقبل الإسلام. وبالتالي رسم الرسول منهجا جديدا في التعايش السلمي واحتواء الاختلافات الدينية والقبلية والشخصية.

من هنا ما أحوجنا اليوم في ظل التقاطعات الدينية والقبلية والاحتكام الى للغة القبائل والتوسل بالعنف إلى نهج وسلوك الرسول محمد في تجاوز المحن التي يمر بها المسلمين. وبناء منظومة حقوقية وإنسانية قائمة على أساس المواطنة وحقوق الإنسان.

الحقوقي صلاح الجشعمي:

نحن في أمس الحاجة اليوم الى شخصيات أيقونة تقود المجتمعات، كما كان الرسول والائمة صلوات الله عليهم اجمعين قادة على جميع المستويات، هل العلماء ومراجع الدين في زماننا لهم القدرة على اخذ هذا الدور وتوجيه المجتمع نحو الصواب أو انه خارج تكليفهم وقدرتهم؟

وهل المبدأ الذي يعيشه العالم اليوم قائم على الصراع أو التعاون؟

الدكتور علاء الحسيني:

يمكن أن نختصر الإجابة على الموضوع بعبارة (إنكار الأنا) والانسان الاناني، الحالة غير الطبيعية للإنسان وتعزيز القيم الإيجابية وتنميتها، وتشخيص القيم السلبية ومحاولة علاجها.

الرسول (ص) كان ايقونة ولكن لم يكن بعض من عاصره لم يكن بذلك النضج والفهم للمرحلة التي كان يعاصرها وارتكبوا أخطاء، ومن الجانب الآخر امتلك الرسول أدوات ممتازة من الصحابة ممن خدموا قضية الدين والمجتمع وكانوا مثالاً يحتذى به.

حتى في زماننا الحالي قد يكون بعض قادة المجتمع لهم نوايا حسنة لكن المشكلة بالأدوات التي يمتلكونها والخلل دائماً في تطبيق المنهاج وليس أصل المبدأ، وبكل تأكيد نستطيع أن نستفيد من المنهج النبوي مثل دخول مكة وكيف تعامل الرسول مع المخالفين.

الدكتور خالد العرداوي:

لا يمكن للمجتمعات ان تبني وشائجها وتتماسك بدون التعايش، 1400 عام ولم يستثمر المسلمون هذا النهج والتراث العظيم، ومما اثبتته التجارب والأيام أن المجتمع لم يكن بالمستوى والاستعداد والتحمل لتقبل هذه القيّم الأخلاقية والفضائل الرفيعة ولم يستطع المجتمع التغلب على عاداته السيئة المتوارثة والسبب الاخر وجود المنافع الخاصة سواء كانوا زعماء قبائل او قادة جيوش وتفضيلها على المنفعة العامة والمنهج القويم ولم يستطيعوا التحرر من المصالح الضيقة.

السبب الثالث هو تسييس المنهج واتخذ غطاء للمصالح السياسية كما حدث مع الامام الحسين(ع) واهل بيته عندما قال يزيد ان الحسين قتل بسيف جده!

نستفيد من المنهج النبوي في عالم اليوم من خلال:

تطبيق المنهج على ارض الواقع يعطينا الشرعية الدينية لأنه مستند على منهجية الرسول(ص) وليس مستورد من الأمم الاخرى، وأحرى بالمسلمين العودة لجذورهم الدينية الاصلية وأخذ الأشياء الجيدة وافضلها المنهج النبوي (ولكم في رسول الله اسوة حسنة).

الجانب الاخر هو يجب ادراك حجم المخاطر اذا ما اخذنا خطورة ادراك الغاء التعايش والوقوف على حافة الهاوية في مجتمعاتنا تتبنى منهج التنازع والصراع.

بناء الدولة والتأكيد على المصالح العامة دون جعل المصالح الخاصة هي الأساس.

توحيد القراءة للنص المقدس وفق قراءة وتفسير يناسب عصرنا ومتغيراته وإمكانية التطبيق هي التحدي، حتى لا نقع في إشكالية ظهور تيارات وجهات مسلحة تتبنى تطبيق الشريعة مثل داعش وامثالها وتسفك الدماء وتفسد في الأرض وفق غطاء ونصوص وتفسيرات دينية.

تحويل التعايش الى ثقافة عامة (ثقافة مجتمع)، وتدخل في ميدان السياسة والاجتماع والإدارة والاقتصاد وغيرها من مجالات الحياة.

الإنسانية أولا وأخيرا وفوق الجميع ونحن بحاجة للتواصل مع الاخر وفق هذا المبدأ.

الباحث حامد الجبوري:

منهج الرسول جاء وفق محورية ومركزية الانسان، وجميع الأديان يكون الانسان محورها وهي وسيلة لإسعاد الانسان وهو الأساس في هذا النهج.

لذا يجب أن يفهم المنهج ويلقى القبول في المجتمعات قبل الحديث عن فشله او نجاحه.

الحقوقي أحمد جويد:

المجتمع الإسلامي لم يرى النور الا في فترة حياة النبي (ص)، والسلوك الجاهلي كان لا يزال مترسخ في بداية نشوء الدولة الإسلامية وهذا كان واضح وجلّي بعد وفاة الرسول وانقلاب الكثيرين على نهجه وسيرته رغم معايشتهم ومواكبتهم الاحداث.

يجب إعادة قراءة النص المقدس ولكن ليس من قبل أناس عاديين غير مسددين، بل إعادة القراءة بحاجة الى الامام المعصوم ولا يمكن لغيره تفسيره لأنه سيكون قابلا للتلاعب وفق الاهواء.

الباحث عدنان الصالحي:

(إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق)

لو كان الانسان متمم لمكارم الاخلاق فأنه لا يعتدي، لا يأكل حقوق الاخرين، لا يعتدي على حرياتهم الى أخره من المكارم، لكن هل ترك رسول الله (ص) أن يتمم هذا المنهاج؟

بمجرد استشهاد رسول الله تم الانقلاب على منهجه وعزل وصيّه ولم يترك له تثبيت هذا المبادئ، المنهج يحتاج الى فهم واسع وإقناع وآلية واقعية تؤثر في الناس وتجعلهم ان يتقبلوه كنظام حياة.

التشويه الذي يعتري الإسلام في عالم اليوم هو من قبل المسلمين أنفسهم بالدرجة الأولى وكل ذلك نتيجة التخلي عن المسار الصحيح والمنهج القويم.

الباحث حسن كاظم السباعي:

كما هو معروف عن نهج رسول الله (ص) أنه كان يخلو من كل ما ينفر الناس عنه حيث أكد القرآن الكريم على هذه الحقيقة بقوله".. لانفضوا من حولك"

أي لايحمل ما يبعد الآخرين عنه ولو بمقدار ذرة. ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد بل إنه كان ممتلئا بما يقرب الناس حوله ويحفزهم على الالتحاق به وذلك من خلال صفته الأخرى "فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر"؛ حيث أنه كان يفعل ذلك بهم من دون أن يحتاج إليهم كما ورد عن الإمام الحسن بن علي المجتبى عليهما السلام: "قد علم الله أنه ما بهم إليه حاجة، ولكن أراد أن يستنَّ به من بعده".

وبناء على هذين الصفتين "خلوه من كل ما يبعد وتعبئته بكل ما يقرب" يمكن ترسيخ منهج التعايش واحتواء الصراعات.

ويمكن تطبيق ذلك في واقعنا المعاصر من خلال الأقوال والأفعال حيث كل قول يترجم إلى فعل، فحين إبداء المواقف حول مختلف الاحداث يمكن ممارسة الخطاب بلهجة لطيفة ولبقة خالية من الكراهية ومملوءة باللطف واللين وهذا الخطاب يتحول إلى فعل وسياسة. من هنا فإننا نرى أن المدارس أو الفئات أو الأحزاب أو الأفراد الذين يتخذون هذه السياسة فإن حظ ديموميتهم وبقائهم يكون أكثر ممن يتخذ الخطاب الثوري أو الملتهب الذي يفرض نفسه على الآخر بغض النظر عما يحمله من أفكار ونوايا محقة كانت أم باطلة. فللأسلوب والطريقة أثر أكبر وأشد من أصل الفكر والعقيدة. ولذلك نرى نجاح الخطاب اللين على المدى البعيد أكثر من الخطاب الثوري، وهذا ما يمكن لمسه من خلال التجربة التي شهدها العالم خلال حوالي نصف قرن ممن كان يرفع شعار الحق لكن أسلوبه كان على عكس المنهج النبوي الشريف إذ سرعان ما فقد مصداقيته وأصبح هشا من الداخل.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2022
http://shrsc.com

اضف تعليق