q
المشكلة الأساسية في هذا المجتمع هي مشكلة أفكار بالدرجة الأولى، وأن المجتمعات السليمة والمتقدّمة تقوم على ثلاث ركائز هي: الأفكار والأشخاص والأشياء مع حفظ التوازن بينها، لأن حدوث أي ميل في كفّة الميزان لصالح أحد هذه الركائز كفيل بأن يُؤخر المجتمع ويمنعه من التقدّم والتطور...

عقد مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حلقته النقاشية في ملتقى النبأ الأسبوعي موضوعا تحت عنوان (البناء الثقافي بين عالم الأشياء وعالم الأفكار). شارك في الملتقى افتراضيا عدد من الكتاب والباحثين ذوي التوجهات المختلفة.

وكان نص الورقة التي قدمها المركز من اعداد الباحث محمد علاء الصافي على الشكل التالي:

من الواضح ان هناك حالة من البؤس عندما نرصد واقع مجتمعنا الإسلامي هذه الأيام، وما يعانيه من تقهقر وتفكك ومصاعب متعددة تزداد يوماً بعد يوم، ونحن حيال ذلك لا نفعل شيئاً سوى التحسّر على أمجاد مضت أو التعلّق بشخصيات نظنها خارقة وتستطيع تخليصنا مما نحن فيه، أو تحميل الغرب سبب تدهور احوالنا ومنظومتنا الفكرية.

يقال إن نصف العلاج هو اكتشاف الداء، وهنا جاء مالك بن نبي، أحد أبرز المفكّرين الإسلاميين، ليضع يده على سبب تراجع المجتمع الإسلامي، ويرى أن المشكلة الأساسية في هذا المجتمع هي مشكلة أفكار بالدرجة الأولى، وأن المجتمعات السليمة والمتقدّمة تقوم على ثلاث ركائز هي: الأفكار والأشخاص والأشياء مع حفظ التوازن بينها، لأن حدوث أي ميل في كفّة الميزان لصالح أحد هذه الركائز كفيل بأن يُؤخر المجتمع ويمنعه من التقدّم والتطور. والعجب أن المشاكل التي طرحها وحلّلها لا تزال قائمة وفي تفاقم مستمر.

لو لاحظنا الطفل، منذ لحظات حياته الأولى، فإننا سنجد أنه يستأنس أولاً بعالم الأشياء ويتعرف عليها، ثم بعد ذلك يتحول الى عالم الأشخاص، الى أن تتكامل مداركه شيئاً فشيئاً فينتقل الى عالم الأفكار، فإنه ومنذ ولادته وبدايته لا يدرك إلا الأشياء التي حوله: الحليب الذي يرضعه من ثدي أمه، أو يد الأم التي تلمسه، ثم يبدأ يدرك عالم الأشخاص بالتدريج، وأول من يدركه هو أمه كموجود حي حنون يحيط به ويرعاه، ثم يدرك أباه وأخاه والمحيطين به بالتدريج، وبحسب درجة تماسه بهم.

وفي مراحل من التطور والتكامل الذهني، تبدأ الأفكار بالتولد في دماغه، كفكرة العداوة، وفكرة الصداقة وغيرها، الى أن يصل الى الأفكار المجردة، وتبدأ الأسئلة تحاصر ذهنه، حول وجوده ووجود بقية الخلق، وكيفية الخلقة والهدف من الخلقة، أو حول هذا البناء ومن هو مهندسه وهكذا من الأسئلة الوجودية.

وكما في الطفل، كذلك الحال في الأمم، عادة فإنها تعيش في بداية نشوئها مرحلة الأشياء المادية المبصرة أو المسموعة والملموسة، وهكذا أمة هي أمة بدائية متخلفة، والمفترض أن ترتقي بعد ذلك الى عالم الأشخاص فعالم الأفكار.

وهذه المراحل الثلاث قد تشمل العشيرة أو الحزب أو الحكومة، وكل تكتل بنيوي في عالمنا بفارق أن بعضها قد تبدأ من العالم الثاني مباشرة أو حتى العالم الثالث.

نماذج من عالم الأشياء والانغماس فيه

إن مرحلة النمو البدني والتقدم في سني العمر لا يعني أن الإنسان بالضرورة قد تجاوز العالم الأدنى الى العالم الأرقى؛ فقد نجد أستاذاً جامعياً أو طبيباً جراحاً مشهوراً أو رئيسًا أو وزيراً أو حتى طالب علم، وهو في مرحلة عمرية كبيرة -سناً أو علماً أو مقاماً- ولكنه لازال غارقاً في بحر الأشياء، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة الواقعية:

1- كثيراً ما نرى أن بعضاً جلّ اهتمامه هو هذا البدن الفاني وملذاته الآنية وما يغطيه من أنواع الثياب والملابس وأنواع قماشها وطرز تفصيلها ونقوشها و(موضتها) وغير ذلك مما هو زائل وسطحي.

2- كما نجد بعضاً آخر يتلف الكثير من أوقاته وأمواله في الديكورات وأنواع الأثاث والفرش والبسط، حتى أن بعضاً يقوم بتغيير أثاث منزله سنوياً من غير ضرورة ولا حاجة، وذلك كله يمثل نوعاً من أنواع التخلف والبهيمية، فإن "الْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا" كما قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع).

3- كما نجد أن بعض النساء تقف لفترات طويلة جداً أمام المرآة، وهي تتفنن في زج الحواجب أو رش الألوان على وجهها أو غير ذلك، من هوّس انتشار عمليات التجميل التي أصبحت ظاهرة زماننا، كي تكون أكثر جمالاً، مع أن كل شيء جاوز حدّه انقلب إلى ضده ومع أن عمر الإنسان أثمن من ذلك بكثير، والله تعالى لم يمنح الإنسان الوقت والعمر كي يصرفه في هذه الأمور البعيدة عن مدارج الكمال.

وهذا لا يعني بحال من الأحوال الدعوة إلى عدم المحافظة على مقدار الضرورة، مما تقتضيه الآداب الاجتماعية من حسن المظهر أو ما تقتضيه ضرورات الحياة الزوجية بين الزوج والزوجة، إلا أن الذي نريد أن نؤكده هو أن على الإنسان ألا يغرق في عالم الأشياء ليكون حاله حال الحيوانات والبهائم، بل إن بعض الحيوانات لا تهبط إلى المستوى الذي يهبط إليه هذا الإنسان المسكين، فإننا لا نجد مثلاً حيواناً ينام أكثر من اللازم أو ينفق جهداً أكثر من الطبيعي ليقف أمام المرآة لساعات طويلة.

والغريب أن نجد نفس الظاهرة في بعض شبابنا في الوقت الحاضر؛ إذ أن بعضهم يقف أمام المرآة لمدة ساعة أو ساعتين، منشغلين بهندامهم وتسريحة شعرهم، بل وتزجيج حواجبهم! وهذا ما يمثل قمة التخلف، والابتعاد عن الجادة الصحيحة في حركة الإنسان نحو كماله.

بينما أن الصواب يكمن في أن الانسان لا يقاس غناه بمقدار ما يملكه من أشياء بل بما يملكه من أفكار وأثر تنتفع منه البشرية جمعاء، وافراد مجتمعه بشكل أساس.

وفي المقابل نجد زهد علمائنا الأخيار على مر التاريخ، ومن نماذج ذلك السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله، حيث كانت له صاية واحدة فقط وعمامة واحدة أيضاً، وكان يقول: إن الصاية والعمامة الثانية إضافية لا حاجة لها، رغم صعوبة الاكتفاء بصاية أو عمامة واحدة، وكان أحياناً يتعطل عن بعض البرامج لمدة ساعة أو ساعتين ريثما تغسل.

لذلك عندما انفصل عن الانغماس بعالم الأشياء استطاع ان يقدم نتاجا علميا وفكريا وثقافيا تجاوز الالف كتاب، وساهم بتأسيس الكثير من المؤسسات الفكرية والثقافية والدينية وتخرج على يديه المئات من طلبة العلم الذين انتشروا في ارجاء العالم لنشر أفكار الوسطية والاعتدال واللاعنف وثقافة تقبل الآخرين والبحث العلمي والتواصل الإنساني.

إن من الخطب المهمة جداً لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، خطبة الوسيلة التي ذكرها صاحب الكافي، ومن الضروري مطالعتها والمداومة عليها والعيش في مضامينها وأهدافها؛ حيث إنها تتضمن التركيز على نقل الإنسان من عالم الأشياء إلى عالم القيم، وهو العالم الرابع بعد العوالم الثلاثة السابقة، والذي لم يتطرق إليها مالك بن نبي.

يقول أمير المؤمنين (ع):

"أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا كَنْزَ أَنْفَعُ مِنَ الْعِلْمِ، وَلَا عِزَّ أَرْفَعُ مِنَ الْحِلْمِ، وَلَا حَسَبَ أَبْلَغُ مِنَ الْأَدَب". وهنا نجد أمير المؤمنين يجمع هذا الثلاثي الرائع: العلم والحلم والأدب، فإنها كمجموع تعدّ كشرط مركب لمن يريد أن يكون إنساناً كاملاً، فقد نجد عالماً ولكنه ليس بحليم، ولو استشكلت عليه لغضب بسرعة، وهذا نوع نقص، أو حليماً غير عالم وهذا نقص، أو عالماً حليماً غير ذي أدب وهذا نقص أيضاً، كما نلاحظ أن أمير المؤمنين يشير الى أن الكنز الحقيقي هو العلم، وهو النافع، وإلى أن العز الحقيقي هو بالحلم وليس بالسيارات الفارهة والكراسي الوفيرة والمناصب الراقية كما يتوهمها الكثير من الناس.

ثم يقول: "وَمَنْ أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ ضَلَّ، وَمَنِ اسْتَغْنَى بِعَقْلِهِ زَلَّ، وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى النَّاسِ ذَلَّ". فعلى الإنسان ألا يعجب برأيه ولا يغتر بعقله، بل يكون من أهل المشورة والتكامل النوعي مع بقية الخلق.

والدقيق في تعبيره: إن المعجب برأيه (ضلّ)، أما المستغني بعقله (زلّ)، والضلال أسوأ من الزلل، فإن الإنسان إذا أضاع الطريق في الصحراء مثلاً فقد ضلّ، أما إذا لم يضل عن الطريق، وإنما تعثر في بعض الأشواك والحفر فقد زلّ، فالمعجب برأيه أخطر من المستغني بعقله، إذ عقله يسعفه عن الضلال، ولكنه لا ينجيه من الزلل، بل المشورة هي الكفيلة بذلك، أما المعجب برأيه فانه يضل تماماً.

وفي مقطع آخر يقول: "وَلَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلَا عِبَادَةَ كَالتَّفَكُّرِ، وَلَا مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِنَ الْمُشَاوَرَةِ، وَلَا وَحْشَةَ أَشَدُّ مِنَ الْعُجْبِ، وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَلَا حِلْمَ كَالصَّبْرِ وَالصَّمْت".

وهذا السداسي العجيب –إيجاباً وسلباً- والذي ذكره أمير العقل والبلاغة، هو حقاً وصفةُ نجاحٍ مذهلة، وإذا عمل الإنسان على سياسة حياته كلها، في ضمن هذا المركب الفريد، فإنه سيتعالى عن عالم الأشياء ويصل إلى عالم القيم العليا والأفكار السامية، بإذن الله تعالى.

والخلاصة، إن على الإنسان أن يعرض عن عالم الأشياء، إلاّ ما وقع طريقاً للقيم والأفكار، وعليه أن يوجه مسيرة حياته كلها نحو عوالم البقاء والرقي والتقدم، وهي عالم الأفكار النبيلة والقيم السامية.

للاستزادة من الأفكار والمداخلات نطرح السؤالين الآتيين:

س1: كيف نستطيع نقل المجتمعات من الانغماس في عالم الأشياء نحو الارتقاء الى عالم الأفكار؟

س2: ما هي الوسائل العلمية الواقعية لتحول المجتمع من عوالم الاستهلاك والاشياء نحو عوالم الإنتاج والأفكار؟

المداخلات

الدكتور اسعد كاظم شبيب:

ان مهمة نقل المجتمع من عالم الماديات والشكليات او لنقل عالم الاشياء والموجودات ليس بالمهمة السهلة لسبب اساسي ان المجمتعات عادة ما تكون ميالة الى التحفظ وتتحكم فيها عدد من العناصر العرفية والميثولوجية وتكون هذه المسائل يقينيات صلدة ليس من السهولة الطرق عليها او تهديمها اذ انها تمثل حجما من دلائلها الاطلاقية والحقانية، لذا هذه العناصر تشكل عامل انسداد ومن هنا فان تغيير هذه العناصر لابد ان تبدأ وقبل كل شيء بنقل المجتمع من عالم الاشياء الى عوالم الفكر كون الفكر والتفكير هو من يدع المجال الأرحب في النقد والابداع وايجاد الحلول لما تمثله من استنتاجات عقلية بشرية متجددة، فالوسيلة الاساسية بنقل المجتمع من خاصية الركود الى خاصية الفكر يبدأ من اتاحة جو من الحريات والنقاش العلمي.

وتتمثل مجالات ومراحل عالم التفكير من خلال المراحل الاولى لنشأة الاطفال وطلاب المدارس في الصفوف الاولى والصعود معهم في المراحل المتوسطة والثانوية، لدخول الطالب فيما بعد للجامعة وهو على مستوى مؤهل وقادر على قبول الفكر وتعلمه ومن ثم نشره بين ابناء المجتمع بما يمثله هذا الفكر من قيم معنوية وانسانية.

الكاتب علي حسين عبيد:

ج١: توحي طريقة طرح هذا السؤال بشكل مباشر.. بأن إمكانية الانتقال من عالم الأشياء إلى الأفكار سهلة ومتاحة لمن يرغب بها... لكن حقيقة هذا الأمر غير ذلك تماما، لأن هذا النوع من التحول لن يتم بجرة قلم أو بين ليلة وضحاها، بل لابد من وضع الممهدات والمستلزمات التي تكفل هذا النوع من التحول على مدى زمني طويل وبشكل متدرج ومدروس يقوم على أسس علمية وتخطيط منظم يرسم خرائط طريق طويلة الأمد وذات نفس تنفيذي واع ودقيق ومتأنٍ.

وهذا يحتاج إلى أن يصبح الفرد على استعداد لفهم الأفكار والتعامل معها شريطة تسهيل عملية وصوله وحصوله على الأفكار، بمعنى على المعنيين بصناعة الأفكار التخطيط لتهيئة السبل التي توصل الأفكار للناس وتجعلها بين أيديهم وأمام أبصارهم، فلا فائدة بأفكار لا تصل للناس.

المنظومة التربوية والعلمية لها دورها الحاسم في جعل الأفكار متاحة، كذلك وسائل الإعلام المختلفة والمنظمات الفكرية بمختلف مسمياتها، ولابد أن يدرك المعني بهذا الشأن بأن صناعة الإنسان المفكر لا تعني إلغاء الإنسان الشيئي، بل هي عملية موازنة بين الميل للأفكار وبين إشباع حاجات الفرد الاستهلاكية.

ج٢: في مقدمة الوسائل الواقعية لتعويد الإنسان على التفكير وانقاذه من الغرق في مستنقع النزعة الاستهلاكية، هو تحسين ثقافة السلوك.

عمليا يمكن ذلك من خلال إطلاق حملات دائمية منتظمة ومخطط لها بصورة عملية واضحة، تسهم في ضخ الأفكار لعقول الناس من الفئات العمرية المختلفة بدءاً بالطفولة صعودا. ولعلنا لا نخطئ إذا قلنا بأن المدرسة هي المصنع الأول للفرد المفكر بعد تخليصه من هيمنة أسلوب التلقين السائد في التعليم. للأسرة دور رئيس في جعل العقل يفكر قبل أن يستهلك. الإعلام تقع عليه مهمة كبرى في هذا المضمار. إذن هي عملية تشاركية جماعية تقع على عاتق الجميع، ولكن يجب أن تقوم على التنظيم المسبق، ولا تترك للأمزجة أو العشوائية في التخطيط والتطبيق.

الشيخ مرتضى معاش:

الجواب عن السؤال الأول: منهجية التفكير هي التي تحدد مسيرة الأمم ارتقائها او انحطاطها، فأساليب التفكير تحدد مدى انغماسية المجتمعات في العوالم الثلاثة، لذلك تتغير الأمم بتغير أساليب التفكير ومستوياته.

والعوالم الثلاث لها مستويات مختلفة واسوءها ذلك الذي ينغمس مطلقا في عالم الأشياء ويعيش في العدمية المادية. وأفضلها هو عالم ما بعد الأفكار حيث تتحول الأفكار الى نهضة حقيقية.

بعض الأمم التي يقال انها متقدمة تستخدم الأفكار لتطوير عالم الأشياء لكنها تبقى أسيرة عالم محدود غير متطور في الجوهر، وتكون بناءه الثقافي ماديا.

كل العوالم في مسيرها تتجه نحو عالم ما بعد الأفكار وهو عالم المعنى، عالم الأشياء هو مجرد وسيلة لارتقاء الانسان لذلك لن يخسر ان فقدها ولن يربح ان حصل عليها كما في قوله عزوجل: (لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم)، وعالم الأشخاص كما في قول الامام علي (ع): (قيمة كل امرء ما يحسنه)، وعالم الأفكار كما في قوله عزوجل: (قل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، والعلم هنا قد يكون في احد مستوياته بمعنى ادراك المعنى.

أسلوب التفكير الذي يهدف للوصول الى عالم المعنى هو الذي يجعل كل العوالم ناجحة ومثمرة في وظائفها، وهذا النجاح يعطي الانسان والمجتمع كل الفوائد الحقيقية من العوالم المختلفة، وفي مضمون الحديث: من أراد الدنيا خسر الدنيا والآخرة ومن أراد الآخرة ربح الدينا والآخرة. فالخاسرون هم اللاهثون بسرعة لإلتقام الماديات مهما كانت النتائج، والرابحون هم الصابرون.

الجواب عن السؤال الثاني:

1- ان نجعل الزهد أسلوب في التفكير وان يكون منهجا في الحياة لعبور العوامل المعرقلة للارتقاء نحو عالم الأفكار، فالتفكير بطريقة الزهد يحجم عالم الأشياء ويجعله مجرد وسيلة، وما أكثر الناس الذين غرقوا في طموحاتهم الشخصية للصعود المادي فضاعت ارواحهم وانسانيتهم واصبحوا عبيدا للأشياء.

2- العلم كاستراتيجية موضوعية لبناء النفس وتقوية الجوهر وليس كوسيلة للوصول الى الأشياء، والاذكياء بحق هم الذين يستفيدون من علومهم للارتقاء نحو عالم المعنى، والاذكياء الذين هم ليسوا بأذكياء هم الذين جعلوا من العلم وسيلة للاستهلاك المادي واللذائذ الفانية.

3- اليقين باليقين الإلهي هو الذي يوصل الانسان الى عالم المعنى والسعادة الحقيقية، اما الذين يعيشون بأفكار الشك والتشكيك فهم يغرقون في جحيم أفقهم المظلم، حيث الشك مجرد حياة عدمية نهايتها ظلام دامس، واكثر الشكاكون يعيشون بكآبة في عالم الأشياء، ويستغرقون بعبادة الأشخاص.

4- التأمل الذاتي الذي يتصاعد فيه الانسان نحو عوالم متسامية تضعه في خريطة الأهداف التكوينية.

5- اختيار النماذج الصالحة التي تقود الانسان نحو الوصول الى عالم الأفكار وعالم المعنى، وما اكثر الذين تاهوا في الدنيا بسبب اتباعهم لنماذج سيئة شوهت مسيرة الناس في الحياة وجعلتهم يتعبدون بأفكار مضللة لم تنتج الا البؤس.

6- ان نفهم ان عالم الأشياء لا يشبع بل هو مجرد وهم وفقاعة، فكم من اشخاص تعبوا ستين عاما لأجل بناء مستقبلهم المادي ولكنهم لم يستفيدوا ويفرحوا بهذه الخاتمة.

7- القلق والخوف من ضياع المستقبل هو الذي يجعل الناس يغرقون في عالم الأشياء الذي لن يحقق لهم الامن النفسي والاطمئنان، التوكل على تعالى هو طريق للاطمئنان والارتقاء.

8- الاماني المزيفة هي التي تضلل الانسان بطموحات وهمية، الاماني الحقيقية هي التي تكون بحجم وهدفية الكون، وعمق المعنى، وبحجم الامة وارتقائها، فلايمكن للطموحات الشخصية الا تقود الانسان نحو الانانية والجشع واحيانا نحو الطغيان.

الدكتور عدي حاتم المفرجي:

كمجتمع عراقي نحن بأمس الحاجة إلى إثارة هكذا عناوين وابدأ بمقدمة صغيرة كمدخل معرفي باللقاء. بالصدفة إحدى قيادات الأحزاب الإسلامية الحاكمة عام ٢٠١١ والحديث عن واقع المجتمع العراقي والتراجع الفكري والحضاري فيه وكان رده الصادم أن هذا المجتمع جائع ومحروم وعليه لدينا خطة لإغراقه بالأشياء من الاكل والشرب والأجهزة الكهربائية ونجعله مثل دول الخليج وفق جدول زمني لعام ٢٠٢٠. ضحكت في قلبي وعرفت اننا في محنة طالما هناك جهل سياسي مثل هذا فإن المجتمع سيدور في فلك هذا الجهل.

يجب أن لا نحمل المجتمع الانغماس في عالم الأشياء بل نحمل من اوصل المجتمع إلى هذه المرحلة وهم ولاة الأمر السياسيين والنخب والمثقفين وأصحاب الفكر والرأي وغيرهم كلهم شركاء في إدارة بوصلة المجتمع. وهناك مشكلة أخرى الانفتاح الكبير للمجتمع العراقي هذا البلد مستقبل للتيارات والأفكار الوافدة، ليس فقط العولمة والاندماج الفكري والاقتصادي بل تيارات الإلحاد والمثلية والشذوذ والانحلال الخلقي ومعاول هدم التدين والعقيدة وغير ذلك ومن اساليبها هو الانغماس في عالم الأشياء فنلاحظ الإكثار من برامج الطبخ والموديل والمكياج وغير ذلك وأن هذا البلد مستهدف فكل محافظة عراقية لديها برنامج لتطبيق ذلك.

للإجابة عن السؤال الأول:

١- وضع الشخص المناسب بالمكان المناسب واقصد هنا صاحب السلطة سواء كانت سياسية أو اجتماعية.

٢- اشاعة روح الثقافة الخاصة بالسلوك البشري والتي تنظم حياة الفرد العراقي في جميع مفاصل الحياة والحد من انغماسه في عالم الأشياء.

٣- محاربة جراثيم الفوضى والانحلال والتردي الفكري والغربنة التي تستنزف المجتمع إلى حد الإدمان.

٤- إشاعة العقلانية وهي فلسفة اجتماعية مهمة تنظم حياة الفرد وتحد من اعتماده الكلي على عالم الأشياء.

٥- الحصانة الإسلامية التي تساعد الفرد في ضبط ميزان تصرفاته وبالتالي التقليل من الاعتماد على الأشياء.

جواب السؤال الثاني:

١- تعميق الوعي الإسلامي العقائدي بالتذكير بقادة الزهد عن طريق التثقيف المباشر وغير المباشر.

٢- فتح مراكز أبحاث خاصة بالمجتمع فمع شديد الأسف أكثر مراكز الأبحاث سياسية ولا تحقق الفائدة المرجوة.

٣- الاهتمام بالتراث وإحياء جذوره، فالتراث هوية مجتمع والعراقيون لديهم تراث زاخر إسلامي وعقائدي واجتماعي سليم هذا الأمر يساعد على تحقيق ضبط اغراقه في عالم الأشياء وتحويله للتفكير في عالم للأفكار الصالحة من التراث.

٤- الاعلام الإيجابي، أرى أن الإعلام وسيلة من وسائل التأثير المباشر على ضبط السلوك وعليه رفع توصية دعم السلوك المجتمعي.

٥- استغلال مؤسسة التربية والتعليم فمن خلالها بالإمكان التثقيف المباشر وضبط التفريط الاستهلاكي وفي الوقت نفسه دعم التفكير في عالم الأفكار.

الأستاذ جواد العطار:

ليس غريبا ان تنغمس مجتمعاتنا في عالم الاشياء والاستهلاك والكماليات وتترك الجوهر والأفكار وتهتم بالشكليات والفرعيات وتبتعد عن الأساسيات، ويقف وراء ذلك عدة اسباب اهمها:

١. التأثر بالغرب والتطورات التكنولوجية والتقدم العلمي الحاصل وعالم الرفاهية الذي وصله، وألقى بظلاله من خلال المقارنة بين العالمين والرغبة بالوصول الى الرفاهية والكمال عبر تقليد الاشياء.

٢. التربية والتنشئة الاجتماعية من الطفولة الى الصبا، تحتاج الى اعادة نظر وتأمل لان الخلل يكمن من البدايات.

٣. الكبت السياسي الذي تعاني منه اغلب المجتمعات الاسلامية، يدفع الى تضييق فسحة الإبداع والافكار لمصلحة القولبة الجامدة وتقييد حرية التفكير.

٤. التطرف في كل شيء سمة تغلب على مجتمعاتنا بشكل يحد من التغيير والتجديد.

ان تغيير المجتمعات من عالم الاشياء الى عالم الأفكار ومن الجمود الى الحركة ومن الاستهلاك الى الانتاج يحتاج الى اعادة بناء وترميم طويلة للأجيال الناشئة بالعودة الى تعاليم الدين الاسلامي والاقتداء بسير الائمة الأطهار وتقاليد المجتمع الأصيلة عبر بوابة العائلة اولا؛ والمؤسسة التعليمية والدينية ثانياً.

وتبقى القدوة المعاصرة اساسا في تحفيز عملية التحول مع السيطرة على الأفكار الهدامة الواردة من المجتمعات الأخرى، وان كان لنا في مراجع الدين قدوة حسنة في الخلق والتصرف والحياة البسيطة، فان ما نحتاجه فعلا اضافة لما تقدم، هو تقديم القدوة الحسنة من فئة الشباب ذاتها نماذج مقبولة لديهم يحتذى بها وتكون اساسا للانطلاق والتغيير نحو الافضل، وهي عملية ليست بالسهلة.

الباحث جميل عودة:

ان ربط فكرة تطور الأفراد والجماعات والشعوب والأمم وانحطاطهم بفكرة العلاقة بين هؤلاء من جهة، وبين ما اٌصطلح عليه بالعوالم الثلاثة (الأشياء والأشخاص والأفكار) من جهة ثانية، فمن يتعامل مع عالم الأشياء (مثل الأطفال) هو أقل نموا وأقل تطورا ممن يتعامل مع عالم الأشخاص، ومن يتعامل مع عالم الأشخاص هو أقل نموا وأقل تطورا ممن يتعامل مع عالم الأفكار، ليس ربطا صحيحا تماما.

وأظن أن نمو الأفراد والجماعات والشعوب وتطورها أو تأخرها لا يعود إلى طبيعة علاقاتها مع هذه العوالم المفترضة، بل يعود بالأساس إلى عملية فهم وتنظيم هؤلاء لكل ما في داخلهم (أفكار) ولكل ما يحيط بهم من أشياء وأفراد. وعليه؛ فالرقي والسقوط مرهون بالأساس بثلاثة أمور:

1. تنظيم الأفكار: إن الأفكار هي قاعدة النمو والتقدم، وهي قاعدة التوقف والتأخر، فكلما كانت الأفكار كبيرة وشاملة وملهمة حصل النمو البشري، وحصل التقدم وحصل التطور، وكلما كانت الأفكار صغيرة ومحصورة ومحبطة حصل الانحطاط البشري. انظر إلى أقوام الأنبياء والرسل وتأمل في حالهم قبل البعثة وبعدها، كيف ارتقى الاتباع والأنصار والحواريون بأنفسهم، وفي بعض الأحيان بمجتمعهم، فقط عندما تغيرت أفكارهم من خلال أفكار اولئك الرسل.

انظر إلى شبه الجزيرة العربية كيف كانت قبل البعثة؟ وكيف أصبحت بعدها؟ انظر إلى كل الثورات الكبيرة والشاملة في هذا العالم، كيف نقلت الشعوب من حالة الخمول والكسل والفقر إلى حالة النشاط والحركة والإنتاج والغنى، مع أن الطبيعة والمحيط الجغرافي هي هي لم تتغير، ولكن عندما تغيرت أفكار الناس تغير كل شيء من حولهم. (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا).

2. ترتيب العلاقات: من أهم أسباب تطور الأفراد أو تأخرهم، وتطور المجتمعات أو تأخرها هي مدى القدرة على ترتيب العلاقات مع الأفراد والمجتمعات الأخرى، وكلما استطاع الفرد أو المجتمع من تمتين علاقته بالآخرين استطاع أن يحصل على النمو والتقدم والتطور والعكس صحيح تماما، فالأفراد والمجتمعات المغلقة تظل راكدة في مكانها يتجاوزها الزمن في كل لحظة من لحظاته. والأفراد والمجتمعات العدوانية هي أكثر من غيرها تأخرا وتخلفا فهي لا تصاب بالانحطاط فقط، بل هي تؤثر على تقدم الآخرين وتطورهم. انظر إلى الشعوب العدوانية فهي دائما مشغلة بنفسها، تأكل أبناءها وتتعدى على الشعوب الأخرى وتسبب إزعاجا دائما لجيرانها. بينما الشعوب التي رتبت علاقتها مع جيرانها ومحيطها والآخرين واستوعبت درس ترتيب العلاقات تعيش بأمن واستقرار وازدهار.

3. تسخير الأشياء: إذا تمكن الفرد أو المجتمع من تنظيم أفكاره، وترتيب علاقته مع المحيطين به تمكن من تسخير الأشياء بل من إبداع الأشياء بل من اختراع الأشياء، وتسخيرها لمصلحته ولمنفعته، وطبيعة من يمتلك الأفكار الإيجابية وله علاقات طيبة مع الآخرين لا يرضى إلا بنقل خبرته وصنعته وخيره إلى الآخرين، فيحصل التقدم والتطور للجميع. ومن لا يستطيع أن ينظم أفكاره، وتربطه علاقات متوترة لن يتمكن من تطويع الأشياء وتسخيرها.

الباحث حسن كاظم السباعي:

الجواب عن السؤال الأول:

مبدئياً؛ لو أدرك الإنسان أن مقدار عمره وحياته الحقيقية لا ينحصر في الحوالي المائة عام من العمر على الكرة الأرضية وأنَّ الأرقام والأعداد تعجز عن عدّ مقدار عمره الحقيقي، فإنّه تلقائيًا سيخلص نفسه من سفاسف الأمور ويرتقي إلى معاليها.

يُنقل عن أحد رجال الدين والسياسة؛ بعد أن أُبعد عن الساحة واعتزل السياسة وصار حبيس البيت، سألوه لماذا لم تسعَ للحفاظ على موقعك الاجتماعي والسياسي وغيرك استطاع بحنكته وحكمته أن يحصل على مواقع راقية في السلطة؟ ‎فأجابهم قائلًا: بأن الآخرين يريدون أن يضمنوا مواقعهم لعشرين عام أو ثلاثين أو حتى خمسين أو أكثر بقليل، ولكنني لا أفكر بالخمسين والستين عام، بل أفكر في الأبعد من الألف والألفين بالحياة الأبدية الخالدة التي لا نهاية لها، ‎وقد يُتصور أن هذه النظرة تختص بالمؤمن أو بمن يعتقد بالعالم الآخر، أو أنها تدعو إلى الرهبانية لكنها مع ذلك تظل نظرة ثاقبة لكل من ينظر إلى الأفق الأبعد، بغض النظر عن هويته الدينية أو الدنيوية.

الجواب عن السؤال الثاني:

هنالك عاملان أساسيان؛ ‎الأول هو العلم؛ فلو نظر الفرد إلى كل شيء بنظرة علمية فإنَّ طريقة تفكيره ونظرته إلى الأمور ستختلف، وكمثال: ما نرى من تقدم الغرب في كثير من المجالات هو بسبب تلك النظرة العلمية. ففي حين ينظر إلى بعض المهن بنظرة احتقار أو ازدراء في مجتمعاتنا نجدها ‎ تُدرَّس في المعاهد والجامعات وتخصص لها الدورات والشهادات، ومثالها: "أعمال البناء والحمالة والنظافة"؛ ‎الغرب يعتبرها مهن تخصصية ويجري لها دورات تدريبية لمن يريد ممارستها وذلك من جميع النواحي الصحية والتقنية، ويعطي شهادة علمية بعد التخرّج ويحفظ كرامة العامل بها ولا ينسى فضله وأثره في الخدمة ..‎ فينشأ الفرد منتجا محبا للاتقان والاخلاص في عمله ساعيا إلى تثقيف نفسه في مجاله ببصيرة وثقة، وبالتالي فإنَّ الفرد ينشئ بيئة صحية سواءً من حيث الجمال الفني أو البنية التحتية.

‎أما العامل الثاني فهو؛ الإيمان: ‎فلو وضعنا العامل الغيبي نصب أعيننا فإننا سنختار ما هو الأفضل والأرقى، وهذا لا يعني أنه يجب أن تؤمن بديانة خاصة، بل حتى إن الضمير الداخلي يدعو صاحبه ‎للتحلي بمكارم الأخلاق ليشعر بالاطمئنان فيحفز صاحبه ليختار الأعلى ويرتفع عن صغائر الأمور، وإنها لمهمة حضارية كبرى، أن نضع المناهج التعليمية والتربوية اللازمة، وتحقيق -ولو الحد الأدنى من- المثل العليا، بما يشبه التمثيل الضوئي في النبات بمزيد من صب الإهتمام على النقاط المشتركة للمساهمين حضاريًا معنا في دائرة تذويب الأنا المتدنية، ورفع شأن "أنا الاعلى" كما صارح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتباعه قائلًا: "ميدانكم الأول أنفسكم، فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها أقدر".

الباحث حامد الجبوري:

الجواب عن السؤال الأول: المشكلة لا تتعلق بذاتية عالم الأشياء لأنه عالم مهم ولا يمكن الاستغناء عنه، حيث أسهمت الأشياء -من الإبرة إلى الطائرة- في تسهيل حركة المجتمع واختصار الزمن وتوفير التكاليف، ولكن المشكلة تتعلق في نظرة المجتمع لعالم الأشياء بالمقارنة مع عالم الأفكار من حيث الوسيلة والهدف.

فإذا ما جعل المجتمع عالم الأشياء هو الهدف وعالم الأفكار هو الوسيلة ستكون النتيجة تراجع المجتمع وتخلفه، لان المجتمع في هذه الحالة، من سوء ترتيب الأولويات بين الهدف والوسيلة؛ سيعمل على إنتاج أفكار منخفضة القيمة -إنسانياً وأخلاقياً- أفكار تنتهك خصوصية وحرية أفراد المجتمع من أجل تحقيق الهدف الذي وضعه لنفسه وهو عالم الأشياء.

إن المجتمع الذي يضع عالم الأشياء كهدف لا كوسيلة ويسعى لتحقيقه هو مجتمع غرائزي، أي سيادة الغريزة لا الروح والعقل كما في دورة الحضارة التي أوضحها مالك بن نبي في كتابه "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي"، حيث يسعى لاكتساب كل شيء من أجل إشباع غريزته، بل ويعمل على توظيف عقله في إنتاج الأساليب التي تستطيع أن تشبع غريزته الشيئية، كتوظيف العقل في إنتاج وامتلاك أسلحة الدمار الشامل.

بينما المجتمع الذي يضع الأفكار هي الهدف والأشياء ما هي إلا وسيلة تسهم في تحقيق ذلك الهدف هو مجتمع عاقل، كونه يضع الأمور في نصابها ولا يُقدم عليها دون أن يتدبر عواقبها فإذا ما كانت جيدة، تسهم في نهوض المجتمع وتقدمه، سيُقدم على تحقيقها وإلا فلا.

فإذا ما أردنا أن ننقل المجتمعات من عالم الأشياء إلى عالم الأفكار، لا بُد من إعادة ترتيب الأولويات لديها، أي جعل عالم الأفكار هو الهدف دون إقصاء لعالم الأشياء لأنه كما ذكرنا بدايةً إن عالم الأشياء مهم ولا يمكن الاستغناء عنه، أي جعله وسيله لتحقيق الهدف (عالم الأفكار).

الجواب عن السؤال الثاني: في تقديري، إن أغلب المشاكل التي تعيشها مجتمعاتنا هي مشاكل تاريخية - دينية لم يتم إصلاحها ودائماً ما يتم ترحيلها للمستقبل حتى تندمج مع المشاكل اللاحقة وتصبح معقدة تحتاج لوقت طويل–على الأقل نفس المدة التي استمرت حتى وصلت لما هي عليه الآن- لإصلاحها، فالحلول العلمية الواقعية تحتاج مدة زمنية طويلة.

إن عدم إصلاح المشاكل في حينها واستمرار ترحيلها، يعني عدم الإنتاج وبقاء حاجة المجتمع الفكرية والمادية بلا إشباع، في الوقت الذي أصلحت المجتمعات الأخرى مشاكلها وانطلقت بالإنتاج الفكري والمادي، بل وأصبحت مجتمعات مُصدرة للأفكار والمادة، ومجتمعاتنا نظراً لعدم إشباعها؛ أصبحت مستوردة لتلك الأفكار والأشياء.

وإذا ما تم إصلاح المشاكل التاريخية-الدينية وصولاً لحرية التفكير وحرية الاعتقاد وحرية التعبير عن الاعتقاد الناجم عن التفكير وإجراء الحوار والقبول بالآخر المُختلف وصيانة حقوقه، في هذه اللحظة سيتم استعادة ثقة المجتمع بنفسه ويغادر الانغماس في عالم الأشياء واستخدامه كوسيلة لا كهدف بحد ذاته، ويبدأ مشواره الجديد في عالم الأفكار والإنتاج.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2021
http://shrsc.com

اضف تعليق