q
الخلافات حول سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان، ماتزال محط اهتمام واسع خصوصا مع تعثر المفاوضات وغياب الحلول، وعقدت الدول الثلاث إثيوبيا ومصر والسودان وكما نقلت بعض المصادر، جولات عديدة من المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي ولكن دون التوصل إلى اتفاق نهائي وملزم للأطراف الثلاثة...

الخلافات حول سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان، ماتزال محط اهتمام واسع خصوصا مع تعثر المفاوضات وغياب الحلول، وعقدت الدول الثلاث إثيوبيا ومصر والسودان وكما نقلت بعض المصادر، جولات عديدة من المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي ولكن دون التوصل إلى اتفاق نهائي وملزم للأطراف الثلاثة. وسعت إثيوبيا في الفترة السابقة الى تنفيذ المرحلة الأولى لملء السد بقرار أحادي دون اتفاق مع مصر والسودان أو إبلاغهما بالأمر. وأعلنت مصر في وقت سابق تأييد مقترح سوداني باستئناف المفاوضات بين الدول الثلاث بمشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى جانب الاتحاد الأفريقي كوسطاء لإنجاز اتفاق السد. غير أن إثيوبيا رفضت هذا المقترح واعتبرت أن الاتحاد الأفريقي كاف لرعاية المفاوضات، وأعلنت إصرارها على تنفيذ المرحلة الثانية لملء خزان السد في موسم الفيضان المقبل الذي يبدأ في يوليو/ تموز سواء اتفقت مع دولتي المصب أم لا.

ويذكر أن الحكومة الإثيوبية بدأت في بناء سد النهضة في أبريل/ نيسان 2011 بهدف إنتاج الطاقة الكهرومائية بولاية بني شنقول الإثيوبية القريبة من الحدود السودانية، لسد النقص الذي تعاني منه إثيوبيا في مجال الطاقة الكهربائية ولتصدير الكهرباء إلى دول الجوار. هذه الخلافات اثارت قلق ومخاوف الكثير من الدول والجهات، التي تخشى من حدوث صراع بين اثيويبا ومصر، التي تخشى أن يؤثر السد الإثيوبي على حصتها من مياه النيل البالغة 55 ونصف مليار متر مكعب سنويا وهو ما تنفيه إثيوبيا وتقول إنها تهدف لتوليد الطاقة وليس حجز المياه، بينما يتخوف السودان من معايير أمان السد التي قد تكون سببا في انهياره، وهو ما قد يتسبب في غرق مساحات شاسعة من البلاد وتضرر الملايين.

وحذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اكثر من مره من المساس بحصة مصر من نهر النيل. وكان السيسي قد حذر أيضا من أن القيام بملء السد بدون اتفاق ملزم قانونياً سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي على نحو لا يمكن تخيله. كما أعلن الجيش المصري عن تنفيذ تدريب مشترك بين القوات الجوية المصرية والسودانية في قاعدة مروى الجوية تحت اسم "نسور النيل 2".

ويدور الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول فترة ملء وكيفية تشغيل سد النهضة الذي أقامته إثيوبيا على نهر النيل. وتطالب مصر بأن تمتد فترة ملء السد إلى عشر سنوات مع الأخذ في الاعتبار سنوات الجفاف، بينما تتمسك إثيوبيا بأربع إلى سبع سنوات وذلك بدلاً من سنتين إلى ثلاث، حسب مصادر حكومية إثيوبية. وكانت مصر قد تقدمت بمقترح قالت إنه يهدف إلى تجنب الجفاف ويقضي بأن لا تبدأ إثيوبيا بملء السد دون موافقة مصر، وهو ما رفضته إثيوبيا.

مفاوضات الفرصة الأخيرة

وفي هذا الشأن فشلت المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، والتي عقدت على مدار أيام في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية، في تحقيق أي تقدم نحو حل أزمة سد النهضة. وصرح السفير أحمد حافظ المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، بأن المفاوضات لم تحقق أي تقدم ولم تفض إلى اتفاق حول إعادة إطلاق المفاوضات، إذ رفضت إثيوبيا المقترح الذي قدمه السودان وأيدته مصر بتشكيل رباعية دولية، تقودها جمهورية الكونغو الديمقراطية التي ترأس الاتحاد الإفريقي للتوسط بين الدول الثلاث.

وأكدت الخارجية المصرية أن إثيوبيا رفضت كذلك خلال الاجتماع كافة المقترحات والبدائل الأخرى، التي طرحتها مصر وأيدها السودان، من أجل تطوير العملية التفاوضية لتمكين الدول والأطراف المشاركة في المفاوضات كمراقبين من الإنخراط بنشاط في المباحثات، والمشاركة في تسيير المفاوضات وطرح حلول للقضايا الفنية والقانونية الخلافية، وذلك حسب الدبلوماسي المصري.

وأفادت مصادر في وقت سابق بأن مصر والسودان يتمسكان بمطلب توسيع الوساطة الدولية، لتشمل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بينما تتمسك إثيوبيا بوساطة الاتحاد الأفريقي فقط. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية إن "هذا الموقف يكشف مجددا عن غياب الإرادة السياسية لدى إثيوبيا للتفاوض بحسن نية، وسعيها للمماطلة والتسويف من خلال الاكتفاء بآلية تفاوضية شكلية وغير مجدية، وهو نهج مؤسف يعيه المفاوض المصري جيدا ولا ينطلي عليه".

في غضون ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية، منصور بولاد، إن "تعنت إثيوبيا عطل التوافق حول منهجية مشتركة لمفاوضات سد النهضة". وقال بولاد، إن هناك تباعدا بين مواقف وفود السودان ومصر وإثيوبيا، وخلافا كبيرا على مضمون البيان الختامي لجولة مفاوضات كينشاسا. وقال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في وقت سابق إن هذه الجولة تعتبر "فرصة أخيرة" يجب أن تقتنصها الدول الثلاث من أجل التوصل لاتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، خلال الأشهر المقبلة، وقبل موسم الفيضان المقبل، وأكد على أنه إذا توافرت الإرادة السياسية والنوايا الحسنة لدى كل الأطراف، فإنه سيكون من الممكن التوصل لحل للأزمة.

وأكد السفير أحمد حافظ أن مصر شاركت في مفاوضات كينشاسا من أجل إطلاق مفاوضات، تجري تحت قيادة الكونغو الديمقراطية (التي ترأس الاتحاد الأفريقي) وفق جدول زمني محدد، للتوصل لاتفاق عادل ومتوازن وملزم قانونًا حول السد، إلا أن الجانب الإثيوبي "تعنت ورفض العودة للمفاوضات، وهو موقف معيق وسيؤدي إلى تعقيد أزمة سد النهضة وزيادة الاحتقان في المنطقة". بحسب بي بي سي.

وكانت وزيرة الخارجية السودانية، مريم المهدي، قد قالت إن الجولات السابقة من المفاوضات التي جرت تحت رعاية الاتحاد الأفريقي "لم تكن مجدية وأهدرت 200 يوم من المفاوضات، وكانت نتيجتها تراجعا حتى عما تم تحقيقه بالفعل والاتفاق عليه في الجولات السابقة". وكانت الكونغو الديمقراطية قد دعت إلى عقد جولة المفاوضات الحالية بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، بعدما تعثرت المفاوضات التي كانت تقودها جنوب أفريقيا طيلة العام الماضي.

تهديدات ومخاوف

الى جانب ذلك قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في وقت سابق، إن أحدا لا يستطيع المساس بحق مصر في مياه النيل، محذرا من أن المساس بها "خط أحمر" وسيكون له تأثير على استقرار المنطقة بكاملها. وأضاف السيسي "لا أحد يستطيع أن يأخذ قطرة ماء من مياه مصر، ومن يريد أن يحاول فليحاول وستكون هناك حالة من عدم الاستقرار في المنطقة بكاملها ولا أحد بعيد عن قوتنا". وأشار السيسي إلى أنه لا يهدد أحدا بتصريحاته، مؤكدا أن "العمل العدائي أمر قبيح وله تأثيرات طويلة لا تنساها الشعوب".

وقال إن التفاوض هو الخيار الذي بدأته مصر وأنها في مسألة التفاوض بخصوص أزمة سد النهضة وتأمل في التوصل إلى اتفاق قانوني منصف وملزم يحقق الكسب للجميع. وأوضح السيسي أنه سيكون هناك تحرك في مسار المفاوضات في الفترة القريبة المقبلة، مضيفا أن الأمور تحكمها القوانين الدولية ذات الصلة بالمياه العابرة للحدود. ودخلت السودان ومصر في محادثات غير مثمرة مع أثيوبيا بخصوص سد النهضة، منذ أن بدأت العمل فيه عام 2011. بحسب بي بي سي.

وتقول إثيوبيا التي حققت أهداف العام الأول في تخزين المياه، إنها ستمضي قدما في ملء خزان السد سواء توصلت الأطراف الثلاثة إلى اتفاق فيما بينها أم لم تتوصل. ويعد نهر النيل عصب الحياة في 10 دول يعبرها، إذ يوفر لها المياه والكهرباء. ويخشى السودان ومصر من أن يجفف السد مواردهما المائية. وتعتمد مصر على نهر النيل في الحصول على حوالي 97 في المئة من مياه الري ومياه الشرب، وتعتبر سد النهضة تهديدا للحياة فيها، بينما ترى إثيوبيا أن المشروع ضروري لتزويدها بالكهرباء ولتحقيق مشروعات التنمية فيها. وتطالب بما تسميه استفادة عادلة من مياه النيل. ويلتقي النيل الأبيض والنيل الأزرق في الخرطوم قبل أن يعبر مصر ليتدفق نحو البحر الأبيض المتوسط.

ويبدو أن القاهرة والخرطوم عازمتان على تكثيف جهودهما لمواجهة ما يعتبرانه سلوكا إثيوبيا أحاديا في ملف سد النهضة. وتتخوف العاصمتان العربيتان من إقدام أديس أبابا على تنفيذ المرحلة الثانية من ملء خزان سد النهضة دون تشاور مسبق معهما. وفي تصريحات تُعبر عن مخاوف الخرطوم، حذر وزير الري والموار المائية السوداني، ياسر عباس، من خطورة "إقدام إثيوبيا على الملء الثاني لسد النهضة بصورة أحادية في يوليو/تموز المقبل"، معتبره تهديدا مباشرا لأمن السودان.

وأوضح عباس أن خطوة الملء الثاني للسد "سيؤثر بشكل مباشر على سد الروصيرص وعلى كل الحياة بولاية النيل الأزرق". ويدعو السودان إلى توسيع مظلة التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق مرض لجميع الأطراف، وفضلا عن التوتر القائم بسبب سد النهضة، شهدت العلاقات بين الخرطوم وأديس أبابا، تصعيدا متزايدا على خلفية اتهامات متبادلة باختراقات حدودية. ويدور النزاع السوداني الإثيوبي حول منطقة تعرف باسم "الفشقة"، حيث يلتقي شمال غرب منطقة أمهرة الإثيوبية بولاية القضارف السودانية.

واتهم الجيش السوداني، منتصف يناير/كانون الثاني، طائرة عسكرية إثيوبية باختراق المجال الجوي السوداني. ووصفت الخرطوم، حينها، السلوك الإثيوبي بـ "التصعيد الخطير وغير المبرر". لكن في المقابل، اتهمت أديس أبابا القوات المسلحة السودانية بـ "التوغل في الأراضي الإثيوبية واحتلال مزارع ونهب ممتلكات". وتشترك الدولتان الإفريقيتان في حدود تبلغ نحو 1600 كيلومتر، وكانت النزاعات مستمرة بينهما على مدى عقود، لا سيما على طول منطقة "الفشقة". ويربط مراقبون بين ملف سد النهضة وتجدد التوتر الحدودي بين الخرطوم وأديس أبابا من جهة، والتقارب المصري السوداني من جهة أخرى.

ويقول عبد الباري عطوان في مقال تحت عنوان السيسي يقرع طبول الحرب ضد إثيوبيا: من الصعب التنبؤ بدقة بما يمكن أن تحمله الأيام والأسابيع المقبلة من مفاجآت في هذا الملف الشائك المتفجر الذي ترتفع درجة سخونته بشكل متسارع في ظل توصل القيادتين المصرية والسودانية إلى قناعة بعدم جدوى الاستمرار في المفاوضات، وتصريحات، أو تهديدات الرئيس السيسي هذه ربما تكون الإنذار الأخير، ليس لإثيوبيا، وإنما أيضا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبعض الدول الخليجية التي باتت تقف في الخندقين الإثيوبي والإسرائيلي ضد كل من مصر والسودان.

ملء خزانات سد النهضة بشكل كامل في غضون العامين القادمين، ودون اتفاق، يعني تهديد 20 مليون سوداني، وأكثر من 5 ملايين أسرة مصرية بخطر الموت جوعا، علاوة على فيضانات وتدمير للسدود السودانية، وتخفيض إنتاج كهرباء السد العالي إلى النصف إن لم يكن أكثر وتقليص الثروة السمكية في بحيرته إلى معدلات خطيرة. مصر، كأي دولة أخرى، لا تريد الحرب ولا تسعى إليها، ولكن إذا وصلت الأمور إلى تجويع الملايين من الأسر المصرية، فلا خيار آخر غيرها.

اضف تعليق