q
{ }
سياسة - تقارير

مركز المستقبل ناقش دور التظاهرات في التحول الاجتماعي بالعراق

في ملتقى النبأ الأسبوعي

ناقش مركز المستقبل للتنمية والدراسات الستراتيجية ضمن ملتقى النبأ الأسبوعي (التظاهرات والتحول الاجتماعي في العراق)، المجتمعات دائما تعيش حالة من الحركة والتطور المتجدد، وتجدد نشاطاتها وحركتها اعتمادا على الظروف والبيئة المحيطة بها سواء كانت داخلية أو خارجية، فطبيعة المجتمعات هي التكيف مع ما يستجد من...

ناقش مركز المستقبل للتنمية والدراسات الستراتيجية ضمن ملتقى النبأ الأسبوعي الذي تستضيفه مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في مقرها بمدينة كربلاء المقدسة، حلقته النقاشية الموسومة (التظاهرات والتحول الاجتماعي في العراق)، بمشاركة العديد من الشخصيات الأكاديمية والقانونية ومدراء المراكز البحثية.

افتتح الجلسة الدكتور قحطان حسين الحسيني، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، قائلا:

المجتمعات دائما ما تعيش حالة من الحركة والتطور المتجدد، وهي تجدد نشاطاتها وحركتها اعتمادا على الظروف والبيئة المحيطة بها سواء كانت داخلية أو خارجية، فطبيعة المجتمعات هي التكيف مع ما يستجد من احداث ومن تطورات، وقد أكد تلك الحقيقة (ابن خلدون) في مقدمته وكذلك الكثير من كتاب علم الاجتماع السياسي ونخص بالذكر منهم (موريس دوفرجيه)، عندما أكدوا على أن المجتمع يمر بأطوار ومراحل مختلفة.

فعلى سبيل المثال المجتمع عند ابن خلدون: بدأ في مجتمع البداوة ثم تطور إلى مجتمع الريف ومن ثم إلى مجتمع المدينة، وايضا موريس دوفرجيه حدد انواع المجتمعات من خلال جزئية صغيرة وهي: (مجتمع اللاوعي، مجتمع الوعي)، وبناءً على هذه الافكار نرى أن المجتمع العراق قد انطبقت عليه بعض هذه الرؤى والافكار النظرية، التي وضعت من مدة ليست بالقصيرة، فالمجتمع العراقي في الحقيقة يعد من المجتمعات الحية، وهو مجتمع متحرك متغير يتجدد مع الاحداث والظروف والمتغيرات.

إن هذه المجتمعات تعرضت للكثير من الانعطافات التاريخية والسياسية والاجتماعية الحادة جدا، وهذه الظروف حاولت في بعض الاحيان أن تحول هذا المجتمع إلى مجتمع غير انتاجي ومنقاد لنظريات سواء كانت دينية أو سياسية، لكن الواقع أثبت فشل هذه الفكرة، كون المجتمع العراقي يستطيع أن يقرر وأن يحدد موقفه، ويستطيع أن يعترض على كل ما هو متناقض مع مصلحته ومطالبه.

والنقطة الاخرى التي اثرت بشكل سلبي على المجتمع العراقي، إن المجتمع العراقي كتركيبة سكانية، يعد من المجتمعات غير المنسجمة، فنلاحظ انه يتركب من (طوائف، اعراق، قوميات ومذاهب) متعددة، هذه الطبيعة التكوينية للمجتمع العراقي يبدو انها قد اثرت عليه سلبا في هذا الموضوع، لأنها اوجدت حالة من عدم الثقة المتبادلة بين المكونات، وبالتالي عندما يحدد مكون معين من ظاهرة أو حالة أو ازمة، تجد أن المكون الآخر يكون مختلفا معه في المواقف، انطلاقا من رؤى فلسفية أو براغماتية...الخ.

لعل السؤال الابرز هنا، ما الذي حصل كي يخرج الشعب العراقي وبجميع اطيافه ومكوناته الطائفية والمذهبية والقومية على موقف يكاد يكون موحدا؟، ضد حالة ليست طارئة بل هي مترسخة ومتجذرة فلماذا هذه السكوت طيلة هذه السنوات، ولكن فجأة نرى الموقف الجمعي يكاد يكون متكاتف وملتحم، من اجل اعلان موقف جريء وغير مسبوق، ضد ظاهرة اضرت كثيرا بواقع المجتمع العراقي بكل مكوناته وبكل افراده، هذا السؤال بحد ذاته بحاجة إلى الكثير من التفكير وبحاجة إلى رؤية وإلى بحوث بعينها، خصوصا من قبل المتخصصين في علم الاجتماع.

إن هناك عوامل خارجية وداخلية ساهمت في تغيير نمط التفكير لدى الفرد العراقي، وبالتالي هي حددت موقفه اتجاه السياسات الحكومية الفاشلة منذ ما يقرب من (16) عام، الفساد ليس بجديد بل هو نشأ مع نشوء النظام التوافقي في العراق، لكن يبقى السؤال الابرز من الذي اجج الشارع وفي هذا التوقيت بالذات، الاسباب يمكن ايجازها على النحو الاتي:

- ازدياد واضح في درجة الوعي السياسي لدى الفرد العراقي.

- حالة اليأس والاحباط الكبيرة التي وصل اليها الفرد العراقي نتيجة سياسيات خاطئة طيلة الفترة الماضية.

- غياب القيادة الصالحة المتفق عليها والرشيدة التي تضمن حقوق جميع مكونات الطيف العراقي دون تمييز وتعمل وفق مبادئ العدالة والمساواة.

- المجتمع العراقي على طول الخط ومنذ تأسيس جمهورية العراق دائما ما تكون العلاقة بين الشعب والحكومة متوترة.

- دور وسائل الاعلام بشقيها التقليدي وشبكات التواصل الاجتماعي.

- استلهام التاريخ في السلوك المعاصر.

- الشعب العراقي تأثر بتجارب الشعوب الاخرى، بالنتيجة أن المجتمع العراقي هو من المجتمعات المتحركة والمتحولة دائما في المواقف والسلوكيات والقناعات والتقاليد والاعراف، فالمجتمع العراقي الان هو ليس كمجتمع ما قبل (2003)، ومجتمع التسعينيات ليس هو بالضرورة مجتمع سبعينيات القرن الماضي، فهذه هي طبيعة المجتمعات البشرية دائما ما تتغير وتتكيف مع ما يحدث في الحياة البشرية.

- الطبقات المحرومة هي التي اججت التظاهرات في العراق والتحق بها الاكاديميين والنخب الثقافية وحتى المسؤولين والوزراء ايضا يؤيدون التظاهرات، وهذا امر عجيب!، فغياب الوحدة الاقتصادية في المجتمع العراقي أفرزت لدينا افراد المجتمع العراقي على النحو التالي: (طبقة معدومة، طبقة متوسطة قل حجهما نوعا ما، طبقة اخرى متنعمة مترفة)، لذلك الإنسان المحروم والمعدوم في طبيعته يشعر بأن هذا الإنسان المترف هو قد سلب حقوقه من الثروات ومن الخيرات، عندها من الطبيعي سوف يكون ناقم على هذا الشخص، وأفضل وسيلة لسلب هذا الترف وهذه الثروة التي اكتسبها بطريق غير مشروع، لذلك الثورة على هذا النظام الذي سهل له هذا الترف ومكن للمسؤول من الحصول على هذه الثروات بشكل غير مشروع، فهذه الفئة بالتحديد هي التي تطالب بإسقاط النظام واسقاط الحكومة والثورة، والمجيء بنظام آخر تعتقد بأنه أكثر عدالة ينصفها من هؤلاء المترفين والاثرياء.

- التعبئة والتحشد الفكري والديني الذي تقوم به المرجعية الدينية والنخب الفكرية وقنوات وسائل الاعلام ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات وبشكل متواصل، دائما ما ترجع لفكرة أن كل مسؤول في الحكومة هو فاسد وسارق، جعل المجتمع وبكل افراده ينظر للحكومة على انهم مجموعة لصوص وسراق، وهذه حقيقة ولكن لا تخلو من بعض الاستثناءات، لكنها لا تقوى على فعل شيء لأنها مكبلة ومقيدة بطبيعة النظام السياسي الذي تغلب عليه سمة سرقة الثروات الوطنية، فهذه التحشيدات والتعبئة الفكرية جعلت في نهاية المطاف قرار اللجوء للتظاهرات العنيفة هي الوسيلة الوحيدة والخيار الافضل.

في الختام، إن المجتمع العراقي الآن يمر في مرحلة تحول في القيم وفي السلوكيات وفي الثقافة، وأيضا تحول في التحليل بالسلوك السياسي وآلية مواجهة إنحراف السلطة عن مسارها الحقيقي والإنساني والقانوني، وبالتالي هذا التحول قد يكون له تبعات في المستقبل القريب، وقد يفضي بنا أما إلى نظام سياسي آخر جديد مختلف، وأما -لا سامح الله- إلى انهيار النظام السياسي الحالي دون أن يتبلور نظام سياسي آخر بديل أفضل منه.

ولإثراء هذا الموضوع بالكثير من الأفكار القيمة تم طرح السؤالين التاليين:

السؤال الأول: لماذا تحولت التظاهرات في العراق إلى ظاهرة اجتماعية بعدما كانت ظاهرة سياسية؟

الحراك الاجتماعي حراك سياسي

- الدكتور خالد عليوي العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يعتقد أن التظاهرات في الأصل كانت ظاهرة اجتماعية وتم التلاعب بها سياسيا، بالتالي نحن لا نستطيع أن ننكر على بعض القوى السياسية انها تتلاعب بخيارات الانسان العراقي، مقابل فكرة البقاء على النظام، بالنتيجة أي حركة اجتماعية ينطوي في داخلها إرادة سياسية، بمعنى آخر لا توجد حركة عمياء خالية من الجانب السياسي، فنحن لا نتكلم عن خلاف اجتماعي حول الأزياء والملابس والقيم والعادات حتى نسميها حركة اجتماعية، نحن اليوم لدينا حركة اجتماعية تطالب بتغيير سياسي، وهي منذ عام (2005) وما بعدها فكل حركة اجتماعية في الساحة العراقية هي في داخلها حركة سياسية، اي يعني هناك طموح سياسي، وهناك شعب يشعر بأن نظام الحكم الذي يحكمه غير عادل، فلذلك كان يتم التلاعب بهذه الحركات الاجتماعية سياسيا، وهي ايضا تنطوي على رغبة سياسية، وهذه القوى السياسية لا تريد أن تصل في مبتغاها لإسقاط الحكم وإيجاد نظام حكم جديد، وإنما هذه الحركات السياسية في داخلها تريد البقاء على الوضع القائم، الشيء الآخر أن قليل من الحرية خير من قليل من التقييد والاستبداد.

ما يحصل في العراق في الوقت الحاضر كله هو نتائج لمرض كبير يسمى (فشل بناء الدولة في العراق)، وفشل نظام الحكم أن يكون معبرا عن إرادة الناس ويحقق طموحاتهم، وللأسف أن الطبقة المثقفة دائما ما تنطوي على نفسها عندما يقتضي الأمر مواجهة الحقيقة بالكامل، لذلك فإن هذا الحراك الاجتماعي هو في حقيقة الامر حراك سياسي يقوده جيل جديد في العراق، جيل يختلف في عاداته وتقاليده وفي نمط تفكيره، هذا الجيل يريد تغيير حقيقي لمصلحة الانسان، في الوقت الذي تريد فيه احزاب دينية وسياسية تغيير لمصلحة السلطة ومنافع السلطة، لذا لابد أن نحترم هذا الحراك بشكل كبير وإلا سوف نتحول لطور جديد من الاستبداد والدكتاتورية، وهو طور قصير الأمد ولن يطول.

الجيل الجديد يريد أن يعبر الجسور نحو المستقبل

- الشيخ مرتضى معاش، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يرى أن سبب من أسباب تشكل الثورات في العالم، يبدأ من عدم إدراك النظام السياسي والسلطة السياسية الحاكمة للتحولات الاجتماعية التي تطرأ في المجتمع، وهذا دليل أكيد على فشل السلطة الحاكمة، فليس المشكلة في العراق هوشكل النظام السياسي، بل المشكلة الحقيقية تتمحور حول عدم إدراك السلطات الحاكمة للتحولات الاجتماعية التي تحدث في المجتمع.

الدول الناجحة هي الدول القادرة على ادراك التحولات الاجتماعية ومسايرتها بشكل مستمر، بالتالي السلطة في العراق مصدومة من حجم تلك التحولات الاجتماعية التي شكلها الجيل الجديد، والشيء الآخر فسحة الحرية القليلة الموجودة في العراق، والمناسبات الاجتماعية الكبيرة كزيارة الاربعين والزيارات المليونية، والقليل من حرية الاعلام ووجود شبكات التواصل الاجتماعي وظهور منظمات المجتمع المدني ووجود الجامعات، هذه كلها أدت إلى وجود حالة من التحول الاجتماعي الكبير، بالنتيجة هذا التراكم الثقافي والمعرفي أوجد جيلا جديدا يسعى لخلق تحول اجتماعي كبير في العراق، هذا الجيل يريد أن يعبر الجسر نحو المستقبل، والسلطة تقف عائقا أمام هذا العبور.

حرب الجسور في بغداد هي أيضا حرب رمزية للانتقال نحو المستقبل، هذا المجتمع هو مجتمع شاب وحيوي لان الشباب العراقي يشكل ما نسبته (60%) من المجتمع العراقي، بالنتيجة هذا المجتمع الحيوي والتواق للديمقراطية وللانتخابات يجعل الامة أمام خيارين، أما الاستثمار الامثل والكامل لتلك الطاقات أو الذهاب نحو المحرقة الكبيرة، والمحرقة هي عبارة عن حروب العراق السابقة والنموذج السوري الذي صدر للعالم الغربي اليد العاملة المنتجة، بالتالي تحول المجتمع السوري إلى مجتمع ميت، لذلك عندما يتعرض الشباب العراقي للكبت فهو أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الهجرة نحو الخارج، أو الذهاب نحو المحرقة والانفجار والانتحار، لذلك لابد من ادراك التحولات الاجتماعي الجارية في العراق إدراكا حقيقيا ومشاركة هذا التحول، ولا يمكن الابقاء على غلق الجسور بل لابد من رفع الحواجز الكونكريتية والجدران، فقد اثبتت ثقافة الجدران والقطع والسيطرات فشلها في إيقاف حركة التغيير نحو المستقبل.

التحول الاجتماعي سيفاجئنا بشكل أكبر

- عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يطرح الاستفسار التالي من منا يتصور أن هذا الجيل سينتج تظاهرات بهذه القوة وبهذه الشدة، بالتالي هذا الجيل فاجئ الجميع على اعتباره هو من يقود التحول والكل يتبعه بلا استثناء، بل الكل يحاول أن يجاريه ويماشيه بما فيها المرجعية الدينية والنخب الاكاديمية والثقافية، طبعا التحولات الاجتماعية ليست حكرا على العراق بل في العالم.

ولذلك من أهم الخطوات التي تحاول الحكومات إيجادها هي قطع شبكات التواصل الاجتماعي والانترنت، لأن الأعم الأغلب في التظاهرات كان البعض يقلد الآخر، حيث كانت هناك حملة تواصل بين رواد العالم الافتراضي، لذا التحول في العالم سيستمر بهذا الطريقة وبشكل متنامي، علما أن التحول الاجتماعي سيواجه بحملة كبرى من القمع الممنهج والمبرمج كما يحصل في العراق اليوم، والأمر لا يتوقف عند حد معين بل هناك التصفية الجسدية والاغتيالات والاختطاف، ولكن الأسلوب الذي تستخدمه السلطات بشكل عام وليس في العراق فحسب هو أسلوب بداية السبعينيات، وهذا ليس ببعيد عن الذاكرة العراقية التي طالما شهدت الكثير من عمليات الاغتيال للشخصيات المعارضة والمناوئة للسلطة، فالسلطات تعمل بعقلية بداية السبعينيات وهذا الجيل يعمل بعقلية نهاية 2019، فهناك فرق كبير، ولذلك فإن القضية لن تدوم طويلا؛ لأن الزمان والمكان اختلف والعقلية اختلفت والعالم تطور، فلن تنجح أساليب السبعينيات في معالجة مشاكل العصر الحالي، لذا من الطبيعي أن التحول الاجتماعي سيفاجئنا بشكل أكبر، وسيفاجئ القيادات السياسية والاجتماعية والدينية بشيء اكثر ما لم نقرأه قراءة حثيثة وصحيحة، ولذلك سنجد في كل يوم هذا الجيل سيفاجئنا بقضية ليست في الحسبان.

فالتحول الاجتماعي في العراق تحول مهم جدا، خرج من إطار العشيرة ومن إطار التدين، بل بدأ ينذر بحالة هي أقرب ما تكون للمزاج الشبابي الذي لا يمكن التنبؤ به في أي لحظة، ولذلك من المهم جدا أن نقرأ ماذا بعد هذه التظاهرات التي ربما ستنتهي بعد فترة وجيزة من الزمن ولأسباب دولية ومحلية، ولكن هل ستنتهي التظاهرات ام ستستمر في وقت آخر وبشيء آخر.

الشباب يسعون لتغيير حقيقي وملموس

- الدكتور حسين السرحان، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، يجد أن التظاهرات ومنذ انطلاقتها الاولى في يوم (25) تشرين، بدأت بزخم عالي اشتمل على المهندسين والمحامين والاكاديميين وحتى الاطباء البيطريين ناهيك عن اصحاب البسطيات والمزارعين والشباب العاطل، بالتالي نستشف من خلال ذلك بأن التظاهرات بدأت بمسار اجتماعي وهذا امر طبيعي لأي حركة احتجاج في العالم، حيث تبدأ بفئة معينة، في العراق بدأت بأكثر من فئة ثم اتسعت التظاهرات لتضمن جميع فئات المجتمع العراقي، بالتالي لا يجوز لنا كنخب اكاديمية أن نزايد على مطالب هؤلاء الشباب المقهورين والمحرومين، خصوصا وانهم اصحاب مطالبة حقة وعلى اصحاب القرار السياسي الاستماع لوجع الناس، أما نحن كنخب اكاديمية لا يحق لنا أن نكابر على اولئك الشباب، الذين هم اصحاب الحقيقة، ونحن اصحاب زيف وتنظيرات فارغة بدون أي شيء.

هؤلاء الشباب يريدون تغييرا حقيقيا وملموسا يحاكي واقعهم الاقتصادي المجهول، هذا مما جعل الشباب العراقي أمام خيار واحد وهو النزول للشارع وبصدور عارية لمواجهة الرصاص، بالتالي لا مجال هنا للمساومة فأما العيش بكرامة واما الموت، لذا على النخب الاكاديمية والمثقفة أن تثبت حضورها في ساحات الاعتصام وأن تتصدر المشهد، وإلا سوف تبرز لنا شخصيات مشبوهة لتحرف مسار هذا الحراك إلى غير وجهته، بالتالي على النخب الاكاديمية والمثقفة واجب اخلاقي ووطني لمساندة هؤلاء الشباب والوقوف معهم، وذلك كي نفوت الفرصة على السلطة الغاشمة وعلى الفصائل المسلحة التي تضطهد هؤلاء الشباب، الأمر الآخر لابد أن نوعي هؤلاء الشباب بضرورة إدامة الزخم الجماهيري وسلمية التظاهرات كي نطيح بأكبر الدكتاتوريات، فعلينا أن نتجاوز خطوة التنظيرات الفارغة، وأن نصوب وجهة التظاهرات نحو المطالب المحقة للشباب العراقي، اما بخصوص إشكالية المطالب فهي واضحة وصريحة وهي لا تحتاج للكثير من الفلسفات، فالمواطن العراقي يريد ابسط مقومات العيش الكريم كالسكن اللائق والتعليم والصحة وامور اخرى تمس كيانه كانسان، لذلك نوصي جميع الاساتذة والمثقفين للنزول للساحات ودراسة الواقع العراقي دراسة متأنية ومدروسة خدمة للصالح العام.

صحوة وطنية عابرة لكل الانتماءات

- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، يؤكد على أن السبب الحقيقي الذي حرك الشارع بإتجاه نبذ الأحزاب هي الخيانة، فهؤلاء الناس طالما ناصروا الأحزاب في مواقف كثيرة، ومنها على سبيل الاستدلال الانتخابات الاولى التي خرجت إليها الناس رغم المفخخات والقتل على الهوية، ولكن خرجت تلك الحشود المليونية بدعوة كريمة من المرجعية الدينية للمشاركة بالانتخابات وإنجاح التجربة الديمقراطية، فضلا عن تجربة داعش وخروج الناس لساحات الوغى، لكن عندما خرج هؤلاء الناس للمطالبة بحياة حرة وكريمة لم تجد تلك الاحزاب، بل الجميع تخلى عن القاعدة الجماهيرية كشخوص وكأحزاب ولم يقدموا استقالاتهم على اقل تقدير.

بالنتيجة هناك تحول ملحوظ بالفكر الاجتماعي يقابله جمود في فكر القابض على السلطة، بالتالي الناس ترتب اثر على تلك التصرفات وتصنفها على انها خيانة، الامر الآخر نحن في العراق نفتقد للرمز الوطني العابر للمصالح الآنية والحزبية، بالتالي تشكل حالة التظاهرات صحوة وطنية عابرة لكل الانتماءات.

صراع بين طبقة الشباب وبين السياسيين

- علي حسين عبيد، كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، يوثق حالة الصراع بين طبقتين طبقة الشباب تحديدا وبين الطبقة السياسية، في هذه التظاهرات ثمة اضاءات مهمة سجلها المتظاهر العراقي حيث سمعنا عن (التكتك) و(رسم اللوحات الفنية المعبرة في الانفاق وعلى الكتل الخرسانية) و(مشاركة العنصر النسوي)، هذه الحقائق دليل قاطع على روح الشباب الجديد، والذي يتقاطع كليا ويتناقض بشكل شديد مع الطبقة الحاكمة، هذه المشاهد والصور الانسانية الخالدة التي اختطتها التظاهرات.. حيث التكتك الناقل للمصابين والشهداء والجرحى وبناء سرادق الخدمة والايواء والتكافل الاجتماعي، يقابلها على الطرف الآخر اي على مستوى الطبقة السياسية حي يتم تمرير(98) اسم للدرجات الخاصة مستغلين حالة انشغال الحكومة والناس بالتظاهرات، علما أن الكثير من الفاسدين كان موجود من بين تلك الاسماء، ايضا يقابلها استبدال (60) معلم قد صدر امر تعينهم وفي اليوم الثاني تستبدل تلك الاسماء بأجمعها بأسماء اخرى، نستشف من خلال ذلك ان الطبقة الحاكمة ما تزال تتبع ذات الاساليب القديمة، ولم ولن تبدي اي استعداد للتغيير، بالتالي هذا الصراع سوف يستمر والنصر للحرية.

التظاهرات تحولت من مطلبية إلى سياسية

- حامد عبد الحسين الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يشخص حالة التظاهرات اليوم بانها مختلفة عن التظاهرات السابقة حيث تحولت من مطلبية إلى سياسية، بالنتيجة أن استمرار الاهمال الحكومي هو الذي صعد سقف المطالب الجماهيرية نحو اسقاط النظام أو اسقاط الحكومة.

التمرد عنوان اساسي لحالة الابداع في الشباب العراقي

- الشيخ علي الرميثي رجل دين، يؤكد على أن التظاهرات اليوم ان لم تعطي ثمارها في الحاضر سوف لن يكتب لها النجاح في المستقبل، لان بعض الذين يسوسون العراق اليوم هم عبارة عن مجموعة لصوص وفاقدي للمشروعية، وهؤلاء لا يمتلكون المؤهلات الكافية كي يديروا ابسط الامور فكيف لهم ادارة الوضع العراقي المعقد، بالنتيجة القابضين على السلطة وبمساعدة الدول الاقليمية والدولية قد يقضون على تلك الانتفاضة، علما ان تلك الجهات السلطوية لا تستطيع ان تجهض حالة التمرد التي انبثقت داخل المجتمع العراقي، بالتالي التمرد بحد ذاته عنوان اساسي لحالة الخلق والابداع في الشباب العراقي.

التحول الاجتماعي تحول طبيعي

- الدكتور حيدر آل طعمة، الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يعتقد أن التظاهرات في العراق ومنذ العام (2003) مرت بمسارين، المسار الاول يحركه النظام السياسي، والمسار الثاني هو مسار تلقائي تحركه عواطف الجمهور، هذه المسارات كانت تلتقي احيانا وتفترق احيانا كثيرة، فنلاحظ أن المسار السياسي سير العديد من التظاهرات للحصول على المكاسب، والجانب الثاني هو التظاهرات الاجتماعية فكل المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كانت تنذر باحتقان قريب، على مستوى فرص العمل وعلى مستوى الفساد، فلذلك الامور كانت بديهية وهي اشبه ما يكون بمعادلة رياضية فكان هناك نفق مسدود، ففرص العمل في تضاءل، مؤسسات الدولة مترهلة، لا يوجد دعم وعناية ورعاية للقطاع الخاص، يقابها فساد كبير وتزايد في اعداد الخريجين والعاطلين عن العمل.

لذلك كل هذه المسارات تنذر باحتقان مقبل وازمة مقبلة، فالتحول الاجتماعي هو تحول طبيعي وكان مشخص ومعروف، اما بالنسبة للاكاديميين فالكل يعرف بانه كل (100) استاذ الكادر النشط فيهم لا يتعدى (5) اساتذة حتى على مستوى الجامعة وعلى مستوى المحاضرة وعلى مستوى الدفاع عن الحقوق، وهذا امر معروف وهي مشكلة يمكن رصدها على الجانب الاكاديمي، لكن مع ذلك كانت هناك قنوات خاصة للتعبير عن الرفض على مستوى النقاشات العلنية وفي الندوات وفي المقالات، بالتالي لقد تم تشخيص كافة هذه الامور وبشكل فصيح، الا ان هذا المعنى لا يعد حالة القصور التي سجلها الجسد الاكاديمي في بعض مفاصله.

الصراع مع الشعوب هو دائما صراع خاسر

- كمال عبيد، مدير تحرير شبكة النبأ المعلوماتية، يصف أن مشكلة العراق ما بعد التغيير هي مشكلة التحولات وعلى كافة الصعد، فمثلا على المستوى الاقتصادي بقى الاقتصاد العراقي اقتصادا ريعيا، وبالنسبة للتحول الاجتماعي هو ايضا لم يحدث، فبعد مضي عقد ونصف على التغيير جاءت هذه التظاهرات لتوثق حالة التحول الاجتماعي، والتي جاءت من جراء تنامي حالة الوعي السياسي لدى الناس هذا اولا وتلقيهم لوسائل الاعلام التقليدية.

وبالنسبة للوعي السياسي فالجمهور العراقي دائما ما يتابع الاخبار السياسية، لكنه في ذات الوقت لا يحبذ البرامج الحوارية لأنها تحمل بين طياتها افكار واراء مكررة، عندها نستشف بان الوعي الجماهيري في حالة تطور متصاعد، على الجانب الاخر الكثير من الآراء صنفت وسائل الاعلام التقليدية بان ليس لها دور، لكن المفصل الحيوي الذي حصل في العراق وفي بلدان عربية اخرى هي وجود شبكات التواصل الاجتماعي، التي استطاعت أن تكون اداة من ادوات التحول الاجتماعي الذي انتج تحول سياسي، فإذا استثمر هذا التحول الاجتماعي ونمى بشكل صحيح، ممكن أن يحصل تغيير ايجابي، علما ان الصراع مع الشعوب هو دائما صراع خاسر.

السؤال الثاني: ما هو الخطوات المطلوبة لتجذير ثقافة التظاهر السلمي كحالة تحولية للمجتمع نحو التجدد؟

- الشيخ مرتضى معاش، يخشى على التظاهرات من خطر عدم وجود النفس الطويل والاستدامة المستمرة، فلا يمكن التعويل على هذه التظاهرات بل هي خطوة نحو المستقبل كي يحصل التراكم، وندعو للكثير من الانسجام والتفاهم وعدم الانشطار الاجتماعي تحت مسميات ضيقة، وهذا التحول الاجتماعي لابد أن يؤدي إلى بناء تحول اقتصادي جيد، وكذلك التحول الاقتصادي الجيد يؤدي لنظام تعليمي جيد، لذلك لابد من دراسة كل تلك العوامل بشكل عقلاني وليس عاطفي.

- عدنان الصالحي، يعتقد اننا نحتاج لبناء جسور مع هذه الطبقة، التي اوجدت تلك الظاهرة، وهنا نستنطق مراكز الدراسات والبحوث ومنظمات المجتمع المدني، فجميع هذه الافكار التي كانت تطرح سابقا والان وفي المستقبل جميعها تحتاج إلى من يترجمها على ارض الواقع، الان اصبحت لدينا شريحة في المجتمع تستطيع أن تترجم تلك الافكار بسرعة فائقة، في السابق الاباء عندما يتحدث معهم الابناء يرددون عبارة (اسكت انت لا تعرف بالأمور)، اما الان فالأمور تغيرت تماما فهناك جيل يقول للإباء أنتم لا تعرفون بالأمور هناك جيل يعرف الكثير.

هذا ما انتجته التظاهرات فالكل يركض وبنفس مقطوع المرجعيات الدينية الحكومة الاحزاب السياسية للحاق بركب الشباب، ولكن إلى الان لم تصل وتحاول أن تجاريه، لذلك علينا أن نبني جسور مع هؤلاء الشباب كي نعطيهم فكرة مما لدينا من افكار ويترجمونها على ارض الواقع.

- الحقوقي احمد جويد، يجد أن الفرصة مواتية أمام أصحاب القرار السيادي في العراق من أجل تصحيح المسار، فاذا استطاعوا استثمار هذه التظاهرات لصالح استمرارهم في السلطة ولصالح الناس، عندها سوف تصحح المسارات وبكافة الاتجاهات.

- علي حسين عبيد، يحث الكوادر الثقافية والاعلامية والسياسية التركيز على القيم الشبابية التي ظهرت اثناء تلك التظاهرات وتعزيزها بشكل متواصل.

- حامد الجبوري، يتصور أن قيام مراكز الابحاث ومنظمات المجتمع المدني بعقد ندوات ومؤتمرات وحلقات نقاشية وفعاليات ثقافية ضمن ساحات التظاهر، سوف يزيد من زخم التظاهر ويزيد الداعم لأولئك الشباب المتظاهرين.

- الدكتور حسين السرحان، يدعو إلى استثمار هذه الازمة إلى فرصة عسى أن تكون بداية للتغيير، الامر الاخر أن من يتمعن بالمطالب الشعبية يدرك حقيقة انها تصب في خدمة الطبقة السياسية بالدرجة الاولى عندما تريد أن تبني بلد، لكنهم يخشون من خسارة تلك المكاسب التي حصلوا عليه خلال تلك الفترة، الشيء الاخر أن الكتابة هي نوع من انواع الاحتجاج ولكن في بعض الاحيان يصبح التنظير الفكري والثقافي لا طائل منه أمام إصرار تلك الحكومات على استنزاف مقدرات الامة، بالتالي يصبح الضغط الشعبي والاحتجاج والتجمهر حالة صحية ولا مناص منها لتحقيق المطالب.

وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة، بالشكر الجزيل والإمتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع، وتقدم بالشكر أيضا إلى وسائل الإعلام التي شاركت بتصوير الملتقى الفكري الأسبوعي لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2019Ⓒ
http://mcsr.net

 

اضف تعليق