q
شهدت إيران التي تعيش ازمة اقتصادية خانقة بسبب العقوبات الامريكية، في الفترة السابقة موجة الاحتجاجات كبيرة في العديد من المدن، تخللها اعمال عنف اسفرت عن سقوط العشرات من الضحايا هذا بالإضافة الى الاعتقالات التي طالت المتظاهرين بعد قرار حجب الإنترنت وتشتد الرقابة على الإعلام....

شهدت ايران التي تعيش ازمة اقتصادية خانقة بسبب العقوبات الامريكية، في الفترة السابقة موجة الاحتجاجات كبيرة في العديد من المدن، تخللها اعمال عنف اسفرت عن سقوط العشرات من الضحايا هذا بالإضافة الى الاعتقالات التي طالت المتظاهرين بعد قرار حجب شبكة الإنترنت و تشتد الرقابة على وسائل الإعلام في البلاد، وهو ما اسهم بحسب بعض المصادر بتقيد الحصول على المعلومات الموثقة عن الوضع في إيران. وتركزت المظاهرات التي خرجت سابقا في عامي 2017 و 2018، في العاصمة طهران وما حولها.

وشارك فيها بالأساس "مواطنون من الطبقة الوسطى. لكن هذه المرة، تأججت المظاهرات بسبب الزيادة الكبيرة والمفاجئة في أسعار الوقود، والتي تلقاها الشارع بالكثير من الغضب مع حلول الشتاء وزيادة الاحتياج للطاقة. قال وزير الداخلية الإيراني: "لقد حجبنا الإنترنت لصالح الشعب الإيراني". وتسيطر الحكومة الإيرانية بشكل شبه كامل على الإنترنت، وفرضت مؤخرا حجبا تاما على الشبكة لمدة أسبوع بعد خروج المظاهرات ضد رفع أسعار الوقود. ومُنعت تطبيقات مثل إنستغرام وتليغرام منذ احتجاجات عامي 2017 و2018، في محاولة لتعطيل الاتصالات وتبادل الأفكار بين المتظاهرين.

وتقع إيران تحت ضغط اقتصادي رهيب بسبب إعادة الولايات المتحدة للعقوبات على البلاد في عام 2018. وتزيد معدلات التضخم حاليا على 40 في المئة، وبلغت نسبة البطالة حوالي 15 في المئة. والتقارير التي تنشرها وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة وتصريحات المسؤولين تقول إن "عناصر خارجية تتلاعب بالمتظاهرين". وذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن أجهزة الأمن الإيرانية اعتقلت ثمانية أشخاص على الأقل على صلة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية أثناء الاضطرابات التي شهدتها البلاد.

ونقلت الوكالة عن وزارة الاستخبارات قولها ”هذه العناصر تلقت تدريبا مولته سي.آي.إيه في عدة دول تحت ستار أن يصبحوا صحفيين... تم اعتقال ستة أثناء مشاركتهم في أعمال الشغب وتنفيذ أوامر المخابرات الأمريكية في حين تم اعتقال الاثنين الآخرين أثناء محاولتهما إرسال معلومات إلى الخارج“. وأثنى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، على قوات الأمن في خطاب عام، لنجاحها في "تحييد مؤامرة شديدة العمق ومتشعبة وخطرة". وقال علي عشتري، رئيس قسم مقاومة التجسس في الوزارة، إنه "تم التعرف على واعتقال عدد من العناصر الذين كانوا يحاولون جمع معلومات عن الاحتجاجات الأخيرة، وإرسالها إلى قوى خارجية. ولم يتمكنوا من إتمام مهمتهم". ولا توجد إحصائيات رسمية بشأن عدد المعتقلين والمصابين والقتلى في موجة الاحتجاجات الأخيرة. وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني، قدرت منظمة العفو الدولية (آمنستي) عدد القتلى بـ 161 شخصا على الأقل. وبعد إعلان الرئيس حسن روحاني الانتصار على مؤامرة "من العدو"، قال عضو بالبرلمان الإيراني إن أكثر من سبعة آلاف شخص اعتُقلوا.

مؤامرة خطيرة

وفي هذا الشأن أكد المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية آية الله علي خامنئي أن البلاد أحبطت مؤامرة "خطيرة جدا" بعد التظاهرات العنيفة التي جرت في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر واندلعت على خلفية رفع أسعار البنزين في أوج أزمة اقتصادية تشهدها ايران. وتتهم السلطات الايرانية بشكل أساسي الولايات المتحدة واسرائيل، عدوتا إيران، بالوقوف وراء الاضطرابات التي جرت خلال التظاهرات وقد أعلنت انها اعادت فرض الامن بعد بضعة أيام.

وقال خامنئي بحسب ما نقل التلفزيون الرسمي إن "الشعب الايراني أحبط مؤامرة عميقة وواسعة وخطيرة جدا وظف الاعداء أموالا طائلة لها وبذلوا جهودا كبيرة ليقوموا بمثل هذه الممارسات، اي التخريب والاعمال الشريرة والقتل". وبدأت التظاهرات في 15 تشرين الثاني/نوفمبر بعد ساعات على اعلان مفاجىء في منتصف الليل برفع أسعار البنزين فورا بنسبة تصل الى 200%. وسرعان ما تحولت الى أعمال عنف شملت إحراق محطات وقود ومهاجمة مراكز شرطة قبل أن تخمد خلال بضعة أيام. وكان خامنئي يتحدث خلال لقاء مع الباسيج، القوات شبه العسكرية.

وعلى تويتر عبر خامنئي عن "تقديره العميق وشكره" للامة الايرانية، في تغريدة أرفقها بصور لتجمع كبير مؤيد للحكومة نظم في طهران. وقال "أوجه شكري وتقديري العميق للشعب الايراني العظيم للتحرك الرائع جدا الذي قام خلال الأيام الأخيرة، اذ اثبت في الواقع مرة اخرى بانه شعب قوي وعظيم". وحملت التغريدة "الاستكبار العالمي والصهيونية" مسؤولية أعمال العنف في اشارة الى الولايات المتحدة واسرائيل.

وتمارس الادارة الاميركية برئاسة دونالد ترامب "حملة ضغوط قصوى" على ايران متهمة اياها بالسعي لامتلاك السلاح النووي وبالقيام بدور "مزعزع للاستقرار في المنطقة". واندلعت التظاهرات ضد رفع اسعار البنزين بشكل مفاجىء في بلد يشهد أزمة اقتصادية تفاقمت من جراء تشديد العقوبات الاميركية في 2018 بعد انسحاب واشنطن بشكل احادي الجانب من الاتفاق النووي المبرم بين ايران والقوى الكبرى. وهذه العقوبات تمنع ايران العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) من بيع نفطها الى الخارج، وهو ما يشكل احد ابرز عائداتها. بحسب فرانس برس.

وقالت الولايات المتحدة إنها تلقت آلاف الرسائل من إيران حول الاحتجاجات بعد مناشدة المتظاهرين تحدي القيود المفروضة على الإنترنت. وصرح وزير الخارجية الأميركي لصحافيين "تلقينا حتى الآن ما يقرب من 20 ألف رسالة ومقاطع فيديو وصور وملاحظات عن انتهاكات النظام من خلال خدمة تلغرام للمراسلة"، وهو تطبيق مشفَّر. ونُشرت أنباء عن حالات وفاة واعتقالات مع نشر قوات الأمن لكبح جماح التظاهرات. مع ذلك، لم يتضح حجم الحملة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى انقطاع شبكة الإنترنت التي حجبت خلال الاضطرابات في خطوة يعد الهدف منها الحد من انتشار أشرطة فيديو لأعمال العنف.

ارقام حكومية

الى جانب ذلك ألقت إيران بعض الضوء على نطاق أكبر احتجاجات مناهضة للحكومة منذ إعلان الجمهورية الإسلامية قبل 40 عاما إذ قال مسؤول إن 200 ألف شخص شاركوا فيها وتحدث نائب عن اعتقال سبعة آلاف. وفي أقوى تصريحات له منذ أن وصلت الاضطرابات إلى ذروتها، ولم تعلن إيران عددا رسميا لقتلى الاضطرابات لكن منظمة العفو الدولية قالت هذا الأسبوع إنها وثقت مقتل ما لا يقل عن 143 محتجا وهو عدد تنفيه طهران.

ومثل هذا العدد من القتلى سيجعل الاحتجاجات المناهضة للحكومة هي الأكثر دموية منذ أن أحبطت السلطات ”ثورة خضراء“ من الاحتجاجات على نتيجة الانتخابات عام 2009 بل ومنذ الثورة الإسلامية نفسها عام 1979. وتعذرت معرفة تفاصيل الاضطرابات خارج إيران خاصة بعد أن حجبت السلطات الإنترنت لمدة أسبوع. وحملت الحكومة ”بلطجية“ على صلة بشخصيات في المنفى المسؤولية وكذلك الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية. وقال وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي إنه جرى إحراق حوالي 731 بنكا و70 محطة بنزين و140 موقعا حكوميا. ونشرت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء تصريحات للوزير قال فيها إن أكثر من 50 قاعدة تستخدمها قوات الأمن هوجمت.

ونسبت الوكالة إلى رحماني قوله إن ما يصل إلى 200 ألف شخص شاركوا في الاضطرابات على مستوى البلاد. وقال حسين نقوي-حسيني، وهو عضو في لجنة الأمن القومي بالبرلمان، إن السلطات ألقت القبض على نحو سبعة آلاف شخص وفقا لما نشره موقع انتخاب الإخباري. ونقلت وكالة أنباء الطلبة عن وزير النفط بيجن زنغنه قوله إن الاستهلاك اليومي للبنزين انخفض حوالي 20 مليون لتر منذ زيادة الأسعار. وكانت شركة توزيع الوقود الحكومية قالت إن الاستهلاك اليومي كان حوالي 98 مليون لتر قبل الزيادة. وقالت الحكومة إن زيادة أسعار البنزين أكثر من 50 بالمئة تهدف إلى جمع حوالي 2.55 مليار دولار سنويا لتقديم دعم إضافي إلى 18 مليون أسرة منخفضة الدخل.

تستر متعمد

من جانبها اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش السلطات الإيرانية "بالتستر المتعمد" على أعداد القتلى والمعتقلين خلال قمع التظاهرات التي اندلعت في مختلف أنحاء البلاد ونُشرت أنباء عن حالات وفاة واعتقالات مع نشر قوات الأمن لكبح جماح التظاهرات التي تحولت إلى أعمال عنف في بعض المناطق، حيث أحرقت عشرات المصارف ومحطات الوقود ومراكز الشرطة. وقالت هيومن رايتس ووتش إن السلطات "تعمدت التستر على حجم القمع الجماعي ضد المتظاهرين" ودعتها إلى "الإعلان فوراً عن عدد الوفيات والتوقيفات وحالات الاحتجاز (...) والسماح بإجراء تحقيق مستقل في ما تردد عن حدوث تجاوزات".

وانتقد نائب مدير المنظمة في الشرق الأوسط مايكل بيج إيران لأنها "رفضت تقديم العدد الدقيق للقتلى وبدلاً من ذلك هددت المعتقلين بالموت". وقالت هيومن رايتس ووتش في بيان إن جماعات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، قدرت عدد القتلى بما لا يقل عن 140 شخصاً وعدد المعتقلين بنحو سبعة آلاف شخص خلال الاحتجاجات. وقال بيج إن "إبقاء العائلات بلا أنباء حول مصير أحبائها مع إشاعة جو الخوف والعقاب هي استراتيجية حكومية متعمدة لخنق المعارضة".

وقالت الولايات المتحدة إنها تلقت آلاف الرسائل من إيران حول الاحتجاجات بعد مناشدة المتظاهرين تحدي القيود المفروضة على الإنترنت. وذكرت المنظمة، ومقرها لندن، انه "وفقا لتقارير موثوق بها (...) عدد القتلى هو 143 شخصا على الاقل. وقد نجمت جميع الوفيات تقريبا عن استخدام الأسلحة النارية". وقالت إن أحد الأشخاص قضى بعد استنشاقه الغاز المسيل للدموع، وآخر بعد تعرضه للضرب. وتابعت إنها "تعتقد أن عدد القتلى أعلى بكثير" مشيرة الى ان التحقيقات حول ذلك ما زالت مستمرة. ودعت منظمة العفو المجتمع الدولي إلى إدانة إراقة الدماء. بحسب فرانس برس.

وقال فيليب لوثر، رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط في المنظمة "إن رد فعل المجتمع الدولي الحذر للقتل غير القانوني للمتظاهرين غير كافية على الإطلاق". واضاف "يجب أن يدينوا عمليات القتل هذه بأقوى العبارات الممكنة وأن يصفوا هذه الأحداث كما هي عليه- الاستخدام القاتل وغير المبرر بتاتاً للقوة بغية سحق المعارضة". وأفاد بيان منظمة العفو "إن مقاطع الفيديو التي تم التأكد منها تظهر أن قوات الأمن أطلقت النار عمداً على متظاهرين غير مسلحين من مسافة قصيرة. وفي بعض الحالات، أطلقت النار على المتظاهرين أثناء فرارهم". كما تظهر أن قوات الأمن أطلقت النار من فوق أسطح المنازل، موضحة أن الحملة نفذتها الشرطة والحرس الثوري والباسيج "وغيرهم".

خطوط حمراء

على صعيد متصل أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي في خطاب تلفزيوني أن إيران ستدمر الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية إذا تجاوزت خطوط طهران الحمراء. وقال سلامي: "لقد أظهرنا ضبطا للنفس والصبر على التحركات العدائية ضد جمهورية إيران الإسلامية التي يقف خلفها أمريكا والنظام الصهيوني والسعودية. لكننا سندمرهم إذا تجاوزوا خطوطنا الحمراء".

خطاب سلامي أتى على إثر الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء إيران وأفادت وكالة فارس الأحد نقلا عن مسؤولين في قوات إنفاذ القانون أنه تم اعتقال 180 من قادة الاحتجاجات، وتوعد مسؤولون في الحرس الثوري الإيراني بإنزال أشد العقوبات بحق قادة الاحتجاجات معتبرين أنهم "سيردون بنفس الوحشية التي ارتكبها المتظاهرون". وذكرت وكالة فارس شبه الرسمية للأنباء ايضا أن إسحاق جهانجيري نائب الرئيس الإيراني حذر دولا في المنطقة من أنها ستواجه عواقب وخيمة لم يحددها إذا ثبت تدخلها لإذكاء الاضطرابات في بلاده.

وألقت إيران من قبل بالمسؤولية على ”خارجين عن القانون“ لهم صلات بمعارضين في الخارج وأعداء أجانب، وساندت السعودية وهي خصم إيران الإقليمي وإسرائيل عدوها اللدود الخطوات الأمريكية لإعادة فرض العقوبات التي كبلت الاقتصاد الإيراني بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الموقع مع القوى الكبرى في عام 2015. وقال مسؤولون إيرانيون إن القوات الإيرانية وأفرادا من الحرس الثوري ساعدوا الشرطة في إخماد اضطرابات عنيفة في إقليم كرمانشاه قبل أيام، واتهموا ”عملاء أمريكيين“ بالاندساس وسط المحتجين المسلحين. بحسب فرانس برس.

ونقلت وكالة فارس شبه الرسمية للأنباء عن برويز توسلي زادة رئيس دائرة القضاء في كرمانشاه قوله ”كل قوات الحرس الثوري والباسيج (شبه العسكرية) ووزارة المخابرات والشرطة والجيش شاركوا بفاعلية في السيطرة على الموقف“. وأضافت الوكالة أن توسلي زادة قال إن مثيري الشغب كانوا مسلحين ”وواجهوا عناصر (الأمن)... وأحرقوا ممتلكات عامة“. وقال نائب قائد الحرس الثوري الإيراني إن إيران ستعاقب بشدة "المرتزقة" الذين اعتقلوا إثر موجة أعمال عنف في الشوارع اندلعت بعد ارتفاع حاد في أسعار الوقود. وقال نائب قائد الحرس الثوري الأدميرال علي فدوي "بالتأكيد سنرد بحسب الوحشية التي ارتكبوها". وقال "لقد قبضنا على جميع العملاء والمرتزقة الذين قدموا اعترافات صريحة بأنهم كانوا مرتزقة لأميركا والمنافقين وآخرين".

اضف تعليق