q
تشهد حقول زراعية في شمال العراق منذ حوالى شهر مع موسم الحصاد حرائق متكررة تسببت في ضياع الآف الهكتارات من حقول تمثل سلة الحبوب الرئيسية للبلاد، ما يثير تساؤلاً حول وقوف جماعات جهادية أو نزاعات عرقية وربما صراعات بين أصحاب المزارع، وراء تلك الحرائق...

(رويترز) - استيقظ المزارع العراقي رياض يوم 13 مايو أيار على اشتعال النار في محصوله من القمح، وعثر في حقوله بمحافظة ديالى على هاتف محمول وزجاجة بلاستيكية يعتقد أنها شحنة متفجرة تم تفجيرها خلال الليل لإشعال الحريق، أخمد رياض وجيرانه في قرية الشيخ طامي الحريق وأنقذ معظم محصوله، غير أن مئات غيره من المزارعين في العراق كانوا أقل حظا منه منذ أن حث تنظيم الدولة الإسلامية أنصاره على شن حرب اقتصادية بإشعال الحرائق، ومنذ بدأ الحصاد في أبريل نيسان، انتشرت الحرائق في محافظات ديالى وكركوك ونينوى وصلاح الدين، في حين لا تملك الحكومة التي تعاني من آثار سنوات الحرب والفساد موارد تذكر للتصدي لحملة الكر والفر الجديدة التي يشنها رجال التنظيم.

وتهون الحكومة في بغداد من شأن الأزمة، وتقول إن الحرائق التي تم إشعالها عمدا قليلة جدا، وإن المساحة التي شبت فيها الحرائق من الأراضي الزراعية ضئيلة للغاية، غير أن مسؤولين في محافظة نينوى، التي تعد سلة غذاء العراق، حذروا من أنه إذا امتدت الحرائق إلى مواقع تخزين الغلال فقد يصبح ربع المحصول الوفير هذا العام عرضة للخطر، بما قد ينطوي على وضع نهاية لحلم الاكتفاء الذاتي الذي يراود العراق بعد سنوات اضطرب فيها المحصول بسبب الجفاف وحكم تنظيم الدولة الإسلامية.

كان العراق قد أعلن النصر على التنظيم في ديسمبر كانون الأول 2017، غير أن المتشددين أعادوا تنظيم صفوفهم في سلسلة جبال حمرين التي تمتد إلى المحافظات الشمالية، وهي منطقة يطلق عليها المسؤولون اسم ”مثلث الموت“.

وفي الأسابيع الأخيرة، نشر التنظيم تعليمات مفصلة على الإنترنت عن كيفية شن عمليات كر وفر وإضعاف العدو بعمليات الاستنزاف دون تكبد أي خسائر، وقال التنظيم في جريدة النبأ التي ينشرها الشهر الماضي ”يبدو أنه سيكون صيفا ساخنا، سيحرق جيوب الروافض والمرتدين، إضافة إلى حرق قلوبهم وأفئدتهم“، وذلك في إشارة إلى المسلمين الشيعة وكذلك المسلمين السنة الذين لا يتفقون مع التنظيم في تفسيره للإسلام.

وفي الأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إن حوالي عُشر الحرائق فقط ناتج عن عمليات تخريب وإن بقية الحرائق ترجع إما إلى خلل كهربائي أو أعقاب السجائر أو أعطال الآلات الزراعية، وأضاف أن الحرائق دمرت 40 ألف دونم (عشرة آلاف هكتار) فقط مزروعة بالقمح والشعير على مستوى البلاد تمثل جزءا يسيرا من مساحة الأرض الزراعية التي تقدر بنحو 13 مليون دونم، وقال في مؤتمر صحفي أسبوعي يوم 11 يونيو حزيران الجاري إن الحكومة تتابع القضية لكنه طالب بعدم تضخيمها.

الأيدي الخفية

غير أن الأرقام التي ذكرها مسؤولون اتحاديون لا تتفق مع البيانات التي قدمها المسؤولون والمزارعون في عشر مناطق زارتها رويترز بمحافظات ديالى ونينوى وصلاح الدين. فبناء على أرقامهم، قضت الحرائق على ما لا يقل عن 145 ألف دونم في تلك المناطق وحدها حتى 16 يونيو حزيران.

وقال رئيس الوزراء إن عدد الحرائق على مستوى البلاد بلغ 262 حريقا هذا العام. غير أن رئيس الدفاع المدني في محافظة صلاح الدين قال لرويترز إن عدد الحرائق في محافظته بلغ 267 حريقا في شهر مايو أيار وحده، وقال مسؤولون في ديالى أيضا إن الأرقام الاتحادية منخفضة للغاية.

وفي محافظة نينوى التي تمثل ما يقرب من نصف مساحة الأرض الزراعية في العراق، إذ تخصص مساحة ستة ملايين دونم فيها لزراعة القمح، سجل المسؤولون 180 حريقا في الفترة من 18 مايو أيار إلى 11 يونيو حزيران، وبحلول العاشر من يونيو حزيران كانت النيران قد التهمت 65 ألف دونم من القمح والشعير في المحافظة أي ما يتجاوز المساحة التي قدرتها بغداد للعراق كله.

وقال دريد حكمت مدير الزراعة في نينوى لرويترز بمكتبه في الموصل ”في بعض الأيام نتلقى بلاغات عن نشوب 25 حريقا“، وخلال زيارة استغرقت 48 ساعة لمحافظة نينوى، شهدت رويترز نشوب خمسة حرائق كبرى ودخانا أسود كثيفا يغطي السماء.

ومع ذلك فلا تزال نينوى تتوقع حصاد 1.3 مليون طن من الحبوب هذا العام، الأمر الذي سيسهم في استعادة مكانة سلة الغذاء العراقية، وفي مدينة العلم بمحافظة صلاح الدين، أمضى جاسم خلف رئيس مجلس المدينة جانبا كبيرا من موسم الحصاد هذا العام في مواساة المزارعين المنكوبين الذين بلغت خسائرهم المجمعة 250 هكتارا بسبب الحرائق.

وفي 15 مايو أيار، شب حريق في أرضه التي تبلغ مساحتها 50 دونما بالكامل والتهم ما يقدر بنحو 60 طنا من القمح كانت ستدر عليه 40 مليون دينار عراقي (34 ألف دولار)، وقال وهو يقف في حقله المحترق ممسكا بكمية من القمح الذهبي لم يبق غيرها إن النيران أتت على المحصول في لحظات.

وأصر خلف على أن بعض الحرائق من صنع البشر، وأن من الممكن أن يكون وراءها تنظيم الدولة الإسلامية أو جماعات أخرى، وقال ”في الماضي كنا نسمع عن احتراق حقل واحد كل بضع سنوات. أما هذه السنة فالوضع غير عادي. ربما تماس كهربائي، لكن هناك أيضا مذنبين وأيد خفية“.

حكاية مخربين كثيرين

رغم أن الارتفاع الشديد في درجات الحرارة والجفاف الشديد في الحقول يؤدي كل عام إلى اشتعال حرائق، فإن المسؤولين المحليين قالوا إن عدد الحرائق أكبر بكثير من المعتاد هذا الموسم، وإنهم يكتشفون أدلة أكثر على أن الحرائق متعمدة.

أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن حرق مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية في محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين بالإضافة إلى سوريا. غير أن من المستحيل تحديد عدد الحرائق التي أشعلها المتطرفون.

وقال مزارعون إن التحدي الذي تواجهه الحكومة أكبر لأن البعض استغل الحرائق التي أشعلها المتطرفون وأشعل حرائق أخرى لتسوية حسابات أو خلافات عرقية ودينية، واتهم بعض المزارعين فصائل شيعية بحرق أراضي المزارعين السنة الذين يعتقدون أنهم أيدوا تنظيم الدولة الإسلامية في الفترة التي حكم فيها المنطقة. وقالوا أيضا إن بعض أفراد الأمن يحرقون الحقول لإخراج المتمردين من مخابئهم في المزارع.

ورفض علي الحسيني، المتحدث باسم الفصائل الشيعية شبه العسكرية في شمال العراق والمعروفة أيضا بالحشد الشعبي، هذه الاتهامات وقال إنه ساعد في كثير من الأحيان على إخماد حرائق في ديالى وكركوك، وأضاف ”ماكينة إعلام داعش الإرهابية ولأكثر من مرة بثت صورا لعمليات حرق محاصيل الحنطة في العراق وكذلك أعلنوا عن مسؤوليتهم. لماذا نقوم بتدمير غذائنا؟ ألن تتحول كل هذه الحنطة إلى خبز يأكله أطفالنا“.

وقال العقيد محمد الجبوري، الضابط بالجيش والذي تتمركز فرقته بين كركوك وتكريت، إن جميع تقارير وتحقيقات المخابرات وقوات الأمن تقريبا أثبتت أن معظم الحرائق قد أشعلها تنظيم الدولة الإسلامية، وأبلغ رويترز قائلا ”في بعض الأحيان نقوم بحرق مناطق أحراش مهجورة لضمان عدم قيام الإرهابيين باستخدامها للاختباء، ولكن نحن لا نقوم بذلك أبدا قرب المزارع وحقول الحنطة“، ”كل الاتهامات الموجهة إلى الجيش حول قيامه بأعمال حرق بطريقة غير محسوبة هي جزء من الدعاية المغرضة للعدو“.

وقال المسؤولون المحليون إن الشحنة التي اكتشفها رياض في حقله المحترق في ديالى مثال على أسلوب واحد فقط يستخدم في إشعال الحرائق هذا العام، وقدم رياض، الذي رفض ذكر اسمه بالكامل خشية الانتقام منه، صورة للشحنة. ولم تستطع رويترز التحقق من صحة هذا الدليل من مصدر مستقل، وقال حكمت مدير زراعة نينوى إن الشحنة لا تنفجر في اتجاه واحد بل في عدة اتجاهات لنشر النيران في مساحة كبيرة.

وتمت زراعة شحنات متفجرة لاستهداف عربات الإطفاء لدى وصولها لمكافحة الحرائق. وقال العقيد حسام خليل رئيس وحدة الدفاع المدني في نينوى إن اثنين من بين 53 عربة إطفاء تعمل في محافظة نينوى أصيبتا، الأمر الذي فرض مزيدا من الضغوط على الموارد الشحيحة.

مخاطر على الصوامع

يعلم حازم جبو المزارع في بلدة قراقوش المسيحية إلى الجنوب الشرقي من الموصل أن الحريق الذي أتى على معظم محصوله لم يشعله تنظيم الدولة الإسلامية. وهو يقول إن السبب هو إهمال السلطات، فر جبو (63 عاما) في العام 2014 عندما أحرق التنظيم أشجار الزيتون المئة التي كان يملكها واستخدم حظيرة الدجاج ساحة للرماية وحفر أنفاقا تحت بيته. وعاد ليلتقط ما تبقى في 2017، ولم يستطع زراعة شيء على مدار عامين بسبب الجفاف ثم نزل المطر وازدهر المحصول، غير أن عامود كهرباء انتشرت فيه ثقوب الرصاص وسط أحد الحقول سقط في 31 مايو أيار وتسبب السلك العاري في اشتعال حريق. ووصلت عربة الإطفاء الوحيدة في المنطقة بسرعة، غير أن مضخة المياه بها لم تعمل وخسر جبو 122 دونما تمثل أغلب محاصيله، ومني 40 مزارعا آخرين بخسائر في ذلك اليوم بسبب انتشار الحريق.

وقال جبو إنه ظل يتوسل للسلطات المحلية لإصلاح عامود الكهرباء المعطوب لأكثر من عام. ولم تصلحه السلطات إلا بعد ساعة من إخماد الحريق، وأضاف والدموع في عينيه وسط البقايا المتفحمة من مزرعته أن إهمال السلطات تسبب في احتراق مئات الدونمات وفي تلك الخسائر، وفي نينوى قال حكمت مدير الزراعة إن صوامع الحبوب هي شغله الشاغل الآن ويشاركه الخبراء الأمنيون قلقه، قال حكمت ”كل جهودنا مخزنة هنا. إذا حدث شيء لهذه المناطق فستصبح كارثة“.

وقال عبد الخالق جاسم مدير صومعة بازوايا إن السلطات نشرت قوات أمن عند مدخل الصومعة التي تبلغ سعتها 130 ألف طن من القمح، والمركز به نقطة أمنية وحيدة تحرسها قوة شبه عسكرية من الشبك منتسبة لفصائل شيعية مدعومة من إيران.

وقال جاسم إنه مطمئن إلى أن الأمور تحت السيطرة، بينما كان دخان أسود كثيف يتصاعد من حريق جديد في الحقول خلف الصومعة. واستغرقت أجهزة الطوارئ ساعة للوصول، وبنهاية ذلك اليوم كان الحريق قد تسبب في سقوط قتيل.

تساؤلات حول الجهة المسؤولة

(أ ف ب) - تشهد حقول زراعية في شمال العراق منذ حوالى شهر مع موسم الحصاد حرائق متكررة تسببت في ضياع الآف الهكتارات من حقول تمثل سلة الحبوب الرئيسية للبلاد، ما يثير تساؤلاً حول وقوف جماعات جهادية أو نزاعات عرقية وربما صراعات بين أصحاب المزارع، وراء تلك الحرائق، وانتعشت الزراعة في عموم أنحاء البلاد بعد موسم أمطار غزيرة لكن خلال موسم حصاد، بين مطلع أيار/مايو وحزيران/يونيو، وقع "236 حريقا" حولت محاصيل، خصوصا الحنطة والشعير، في خمسة الآف و 183 هكتاراً الى رماد، وفقا الدفاع المدني، ووقعت تلك الحرائق، فيما أخمد مئات منها قبل اتساع رقعتها، في أربع محافظات في شمال العراق، كانت جميعها معاقل لتنظيم الدولة الإسلامية بين عامي 2014 و 2017، وما زال هناك جهاديون يختبئون في البعض منها، ووقع أمس الخميس فقط "16 حريقا" في حقول تتوزع في محافظة نينوى ، حسبما ذكر دريد حكمت مسؤول مديرية زراعة المحافظة لفرانس برس.

الإرهاب والثأر

تعرضت مساحات واسعة من تلك المحافظات، الى دمار على يد الجهاديين وخلال المعارك ونقص المعدات الزراعية، الى أضرار كبيرة بينها حرائق ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة وأخطاء بشرية وتقنيات زراعية لا تقلق كثيرًا بشأن الأضرار أو حوادث كهربائية ، كما قال اللواء صالح الجبوري رئيس الدفاع المدني في كركوك، الواقعة شمال بغداد.

لكن بالنسبة للمسؤولين والمزارعين، ففي معظم الحالات اندلعت تلك الحرائق بفعل أشرار يهدفون لإيقاع الضرر بالبلاد، وقال ضابط في الشرطة في محافظة كركوك رفض كشف هويته إن عددا من الحوادث نفذها "مقاتلو داعش حيث أضرموا النار في الحقول لأن المزارعين رفضوا دفع الزكاة لهم".

ويقوم هؤلاء الجهاديون "بركوب الدراجات النارية وإشعال الحرائق وترك المتفجرات التي يتم إطلاقها بمجرد وصول المدنيين أو رجال الإطفاء إلى الموقع"، وفقا للمصدر، وأكد ان تلك الحرائق أدت الى "مقتل أربعة أشخاص في بلدة العباسي ومقتل شخص وإصابة عشرة بجروح في داقوق" وتقع كلاهما في كركوك، من جانبه، تحدث رئيس الوزراء عادل عبد المهدي خال مؤتمر صحافي عن تلك الحرائق، قائلاً بانها تحدث "لأسباب جنائية أو إرهابية" مشيراً الى "وقوع حرائق لاسباب عرضية سواء تماس كهربائي أو نزاع أو إنتقام".

وفي محافظة كركوك المتنازع عليها بين اقليم كردستان والحكومة المركزية، تقع صراعات متكررة على 200 ألف هكتار من الأراضي المخصصة للزراعة ، بسبب الصراعات بين الأعراق، وذكر برهان العاصي رئيس اللجنة الزراعية في مجلس محافظة كركوك الغنية بالنفط، بان محافظته تنتج سنويا 650 الف طن من الحبوب.

حرائق هي الأكبر

يرى العاصي بإن الحرائق التي حدثت هذا العالم بلغت رقماً قياسياً " لا مثيل له" في بلد تمثل الزراعة فيه المورد الرئيسي للعيش لواحد من كل ثلاثة من السكان، وفيما كان يتوقع "وصول الإنتاج الى أربعة أطنان للهكتار الواحد بفضل تساقط الامطار، مقابل طنين في العام الماضي بسبب الجفاف" وفقا للعاصي، واضاف ان "حرائق العام الحالي ،هي الأكبر والأوسع وشملت معظم مساحات محافظة كركوك ووحداتها الادارية وأقضيتها ونواحيها".

وتعرض المزارع رعد سامي الى خسائر فادحة بعد أن احترق حوالى 90 هكتارا من مزرعته الواقعة في قريته الربيضة ، جنوب كركوك.

وقال بأسف شديد، "أحرق رجال داعش كل شيء ولم نتمكن من فعل أي شيء لأن النار كانت قوية"، وأضاف بحسرة "نحن المزارعون ، ننتظر نهاية الموسم" ، بين أيار/مايو وحزيران/يونيو "للحصاد والبيع من أجل سداد ديوننا"، وتابع "يجب على الحكومة أن تساعدنا وتعوضنا" فيما كان يأمل ببيع محصوله بمبلغ يتراوح بين 400 الى 500 دولار للطن الواحد للدولة، بدوره، قال يوسف أحمد وهو مزارع تركماني ، لا يعرف بالضبط من كان يحرق حقوله، لا يهمه "سواء كان تنظيم الدولة الإسلامية أو الأشخاص الذين يريدون الاستيلاء على أرضنا أو نتيجة النزاع بين بغداد والأكراد".

وبالنسبة لهذه المزارع النتيجة ذاتها، وقال "لقد تمكنوا جميعاً من تدمير الاقتصاد والزراعة في العراق"، وأضاف بمرارة "بسببهم، سنجبر على القمح"، رغم إن حقولها كانت تعرف ومنذ مدة طويلة بسلة حبوب البلاد.

اضف تعليق