q
بعد غياب 15 عاما عاد من جديد مهاتير محمد 92 عام إلى قيادة ماليزيا، حيث أعلن القصر الملكي في ماليزيا عن \"تكليف مهاتير محمد بتشكيل حكومة جديدة\"، بعد ان استطاع تحقيق فوز ساحق في اشرس انتخابات تشهدها البلاد، وحصل تحالف المعارضة الذي يقوده مهاتير محمد...

بعد غياب 15 عاما عاد من جديد مهاتير محمد 92 عام إلى قيادة ماليزيا، حيث أعلن القصر الملكي في ماليزيا عن "تكليف مهاتير محمد بتشكيل حكومة جديدة"، بعد ان استطاع تحقيق فوز ساحق في اشرس انتخابات تشهدها البلاد، وحصل تحالف المعارضة الذي يقوده مهاتير محمد على 112 مقعدا في البرلمان من إجمالي 222، وهو ما يكفل له تشكيل الحكومة القادمة والعودة إلى المنصب الذي سبق أن شغله على مدى 22 عاما. والجدير بالذكر أن مهاتير محمد عاد إلى السياسة منذ عامين كمعارض لرئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق الذي يواجه فضائح فساد واتهامات بتمرير مئات ملايين الدولارات عبر حساباته المصرفية بطرق غير شرعية. وشهدت البلاد نهضة اقتصادية كبيرة إبان فترة حكم مهاتير التي بدأت عام 1981 وانتهت في أكتوبر/تشرين الأول 2003 باستقالته طواعية.

تلك العودة التي جاءت من خلال تحالف المعارضة "الأمل"، وكما نقلت بعض المصادر لم تكن مفاجئة للكثير من المراقبين؛ كونها لرجل يمتلك تاريخا طويلا من التحديات والصدامات التي استطاع أن يحسمها لصالحه. وأطاح مهاتير، الذي يلقب بـ"Dr.M"، بتحالف "الجبهة الوطنية" الذي يتزعمه رئيس السابق نجيب عبد الرزاق، والذي تربع على رأس السلطة لنحو 60 عاما. ويضم تحالف "الجبهة الوطنية" 14 حزبًا سياسيًا، أبرزها حزب "منظمة الملايو الوطنية المتحدة" (المعروف اختصاراً باسم "أمنو" UMNO الذي يقود التحالف)، و"الجمعية الصينية الماليزية" وحزب "المؤتمر الهندي الماليزي"، وتوافقت هذه الثلاثة على ما يعرف بعقد اجتماعي لحكم الاتحاد الملاوي قبل الاستقلال سَنَة 1957.

والإطاحة بـ"أمنو" (حزب مهاتير السابق) بهذا الشكل وبتلك النتيجة، لم يكن بالأمر السهل على مهاتير وتحالفه، كذلك على الْجانب الاخر يظن البعض؛ فالحزب ليس مجرد منظمة تنافسيه أو حزب سياسي يشارك في الانتخابات، لكنه صاحب تاريخ سياسي طويل في البلاد. وظهر "أمنو" مع بداية مطالبة الملايو بالاستقلال عن بريطانيا عقب الحرب العالمية الثانية، وقاد الحزب بعد ذلك محادثات الاستقلال عام 1957، ممثلًا للملايو المسلمين -الأغلبية العرقية والدينية في تلك المنطقة- في ذلك الوقت قبل أن تنتهي للشكل الحالي لدولة ماليزيا، وفي غضون ذلك فقد كانت رئاسة الحكومة حكرًا على الحزب الذي يشكل الحكومة إما منفردًا أو بتحالف. غير أن شعبية الحزب والحكومة واجهت تناقصًا كبيرًا مع تصاعد الاتهامات المتعلقة بمزاعم "فساد" تحيط بنجيب عبدالرزاق، الذي اهتم بالاستمرار في منصبه، رغم المظاهرات والاحتجاجات والانتقادات، رافضا الاتهامات الموجهة له بوقائع "الفساد" المرتبطة بشكل رئيسي بالصندوق الماليزي السيادي "1MDB".

اليمين القانوني

وفي هذا الشأن أدى الزعيم الماليزي مهاتير محمد اليمين القانونية ليكون رئيس الوزراء السابع لماليزيا في أعقاب فوزه كبيرا على التحالف الذي يحكم البلد الواقع في جنوب شرق آسيا منذ الاستقلال عن بريطانيا قبل ستة عقود. وأدى مهاتير اليمين أمام السلطان محمد الخامس في مراسم بثها التلفزيون الرسمي على الهواء. واصطف مئات الماليزيين على جانبي الطريق المؤدي إلى القصر ولوحوا بأعلام التحالف الذي يقوده مهاتير.

وأعلنت مفوضية الانتخابات النتيجة وكان هناك بعض القلق في العاصمة بشأن توقيت أداء اليمين. وقال مهاتير في مؤتمر صحفي في وقت سابق”هناك حالة طارئة هنا. نحتاج لتشكيل الحكومة الآن، اليوم“. ونفى القصر الملكي في بيان سابق تلميحات إلى تأجيل تعيين رئيس الوزراء. وجاء في البيان ”جلالته يدعم ويحترم بشدة العملية الديمقراطية ورغبات مواطنيه“.

وحكم مهاتير محمد (92 عاما) ماليزيا بقبضة حديدية خلال الفترة بين 1981 و2003. وأصبح الآن أكبر زعيم منتخب في العالم. وهزم تحالفه المؤلف من أربعة أحزاب الجبهة الوطنية (تحالف باريسان) بزعامة رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق الذي كان مستشارا لمهاتير في وقت ما قبل أن يتحول إلى ألد خصومه. وفي وقت سابق بدا أن نجيب يثير شكوكا بشأن تولي مهاتير السلطة على الفور حيث لم يفز أي حزب بمفرده بأغلبية بسيطة من المقاعد في البرلمان الذي يضم 222 مقعدا وترك القرار للملك.

وأظهرت النتائج الرسمية أن التحالف الذي يقوده مهاتير حصل على 113 مقعدا في البرلمان أي ما يزيد بمقعد واحد عن العدد المطلوب لكي يتولى السلطة. لكنه لم يسجل رسميا كتحالف. وقال مهاتير، الذي بدا مبتهجا لحد إطلاق النكات، إنه حصل على تأكيد بالدعم من مجموعة أحزاب سيؤيد 135 عضوا منها في البرلمان حكومته. وحصل تحالف باريسان الذي يتزعمه نجيب على 79 مقعدا وهو ما يقل بشدة عن 133 مقعدا فاز بها التحالف في الانتخابات التي أجريت في عام 2013 والذي كان آنذاك أسوأ أداء انتخابي للتحالف على الإطلاق.

ولم يتوقع كثيرون فوز مهاتير على تحالف باريسان الذي يعتمد منذ أمد طويل على دعم من أغلبية الملايو العرقية في ماليزيا. لكن مهاتير تحالف مع الزعيم السياسي المسجون أنور إبراهيم الذي كان نائبه قبل أن تبدأ خصومة بينهما في عام 1998 واستغل تحالفهما الغضب الشعبي بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وفضيحة مالية بمليارات الدولارات تلاحق نجيب منذ عام 2015.

وقال مهاتير إن واحدا من أوائل تحركاته سيكون طلب عفو ملكي عن أنور. وتعهد قبل الانتخابات بأنه سيتنحى فور إطلاق سراح أنور ليفسح له المجال لتولي رئاسة الوزراء. وسُجن أنور خلال فترة حكم مهاتير بتهمة الفساد واللواط ثم أطلق سراحه في عام 2004 قبل أن يسجنه نجيب مجددا في عام 2015. بحسب رويترز.

وكان مهاتير مناصرا لنجيب لكنهما اختلفا بسبب فضيحة تتعلق بصندوق (1.إم.دي.بي) الحكومي للتنمية الذي يشتبه في أنه جرى اختلاس مليارات الدولارات منه. وتجري ست دول على الأقل تحقيقات بشأن الصندوق برغم أن نجيب ينفي ارتكاب أي جرم كما أن المدعي العام الماليزي برأ ساحته. وتعهد مهاتير بالتحقيق في فضيحة الصندوق الحكومي بعد انتخابه وإعادة الأموال المفقودة إلى ماليزيا. وقال إنه إن كان نجيب ارتكب أي جريمة ”فعليه مواجهة العواقب“.

الاقرار بالهزيمة

من جانب اخر دون أي جلبة استسلم نجيب عبد الرزاق في نهاية الأمر ليكون أول رئيس وزراء ماليزي على الإطلاق يمنى بهزيمة في انتخابات عامة. وبعد حملة ملتهبة تبادل خلالها الانتقادات والإهانات مع معلمه السابق مهاتير محمد تكبد تحالف الجبهة الوطنية (تحالف باريسان) الذي يتزعمه نجيب هزيمة كبيرة في الانتخابات التي أجريت.

وقال نجيب (64 عاما) أثناء إعلان الهزيمة في مؤتمر صحفي وقد غالبه التأثر ”بالطبع سيكون هناك تغيير. كنت أنا وأصدقائي محظوظين بأن نحكم البلاد كل تلك المدة“. ونجيب هو ابن ثاني رئيس وزراء لماليزيا وابن أخ الثالث. وكان هو نفسه سادس رئيس وزراء يتولى السلطة في البلد الواقع جنوب شرق آسيا منذ استقلاله عن بريطانيا قبل ستة عقود.

لكن ربما سيكون أكثر ما سيتذكر به الناس نجيب، الخبير الاقتصادي الذي تلقى تدريبا في إنجلترا، هو فضيحة بمليارات الدولارات لصندوق (1.إم.دي.بي) الحكومي الماليزي. وكانت أنباء ترددت في عام 2015 عن مزاعم بشأن سرقة 700 مليون دولار من الصندوق وأنها ذهبت إلى حسابه المصرفي الشخصي. وينفي نجيب ارتكاب أي جريمة. وبرأ المدعي العام الماليزي ساحته على الرغم من أن السلطات الأمريكية تقول إن أكثر من 4.5 مليار دولار سرقت من الصندوق في عملية احتيال خطط لها خبير مالي معروف بصلته الوثيقة بنجيب وأسرته.

ومع إعلان نتيجة الانتخابات والتي أظهرت هزيمة تحالف باريسان سرت شائعات في العاصمة الماليزية بأن نجيب سيحاول بشكل ما البقاء في السلطة. وقال نجيب للصحفيين ”كانت هناك مزاعم بأننا عقدنا اجتماعا لمجلس الأمن القومي في العاشرة مساء لإعلان حالة طوارئ. هذا مثال على الأكاذيب المتداولة“. بحسب رويترز.

وقال مهاتير محمد، الذي وجهت له أيضا اتهامات بأنه مستبد وقمع المعارضة خلال 22 عاما في السلطة، إنه سيحقق في فضيحة صندوق (1.إم.دي.بي) لكنه لا يبحث عن كبش فداء. وأضاف ”نحن لا نسعى للانتقام. ما نريده هو استعادة حكم القانون...إذا قال القانون إن نجيب ارتكب جرما فسيكون عليه مواجهة العواقب“.

العفو عن أنور ابراهيم

في السياق ذاته وافق ملك ماليزيا على منح الزعيم السابق للمعارضة الماليزية المسجون أنور ابراهيم العفو قريباً، وفق ما أعلن الجمعة رئيس الوزراء الجديد مهاتير محمد الذي سيتخلى له عن المنصب بعد فوزه الانتخابي غير المتوقع. وحصل هذا التطور المثير غداة تكليف مهاتير الذي اصبح في الثانية والتسعين من عمره، أكبر زعماء العالم المنتخبين سناً بعد انتصار ائتلافه على الجبهة الوطنية التي كانت تتولى قيادة المستعمرة البريطانية السابقة منذ استقلالها في 1957.

بعد أن ضاق ذرعاً بفضيحة اختلاس أموال تورط فيها رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق، انضم مهاتير الى المعارضة وترأس تحالفا مؤلفا من عدد كبير من رجال السياسة الذين عارضوه عندما كان رئيس حكومة مستبداً (1981-2003). والفصل الأكثر إثارة في عودة مهاتير هو مصالحته مع أنور ابراهيم، عدوه اللدود السابق، من اجل إبعاد نجيب رزاق وتحالفه الحاكم طوال 61 عاما في هذا البلد الواقع في جنوب شرق آسيا، والمؤلف من أكثرية مسلمة.

وكان مهاتير تعهد، في حال الفوز في الانتخابات التشريعية التي تتيح له ان يصبح رئيسا للوزراء، التخلي عن المنصب لأنور (70 عاما) الذي يمضي عقوبة السجن خمس سنوات بتهمة اللواط التي ينفيها نفيا قاطعا.

وقال مهاتير ان الملك اعلن "استعداده للعفو عن داتوك سري انور على الفور". وقال رئيس الوزراء الجديد في مؤتمر صحافي "سنبدأ الاجراءات للحصول على العفو عن داتوك سري أنور. هذا يعني عفوا شاملا. يفترض الافراج عنه على الفور بعد العفو". واعلن مهاتير من جهة اخرى أنه سيتام تعيين عشرة وزراء في الحكومة الجديدة. وكان أنور اليد اليمنى لمهاتير عندما تولى رئاسة الوزراء للمرة الاولى (1981-2003)، ثم عزل في 1998 من منصبه نائبا لرئيس الوزراء لأنه تجرأ على انتقاد السياسة الاقتصادية الحمائية للحكومة في خضم الأزمة الاسيوية. وحكم عليه في 1999 بالسجن ست سنوات بتهمة الفساد واللواط، التي نفاها نفيا قاطعا. ونظمت حنيها أكبر تظاهرات ضد الحكومة. بعدها برئ أنور من تهمة اللواط. بحسب فرانس برس.

وبعد الافراج عنه، اصبح زعيما لامعا للمعارضة التي سجلت تحت قيادته مكاسب غير مسبوقة في الانتخابات، واعدة بالقضاء على الفساد والاساءة الى الحريات في البلاد. لكن أنور أدين مجددا في 2015، في عهد نجيب هذه المرة، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة اللواط، بموجب حكم مثير للجدل كالحكم السابق. وندد آنذاك ب "مؤامرة سياسية" حاكها رئيس الوزراء نجيب رزاق الذي وصل الى الحكم في 2009، لاستبعاده من الحياة السياسية.

وحث زعيم المعارضة الماليزية المحبوس أنور إبراهيم الناخبين على اختيار خصمه السياسي السابق مهاتير محمد في الانتخابات العامة. وقال أنور في بيان ”أحثكم جميعا على الانضمام لحركة الشعب للمطالبة بالتغيير“. وفي العام الماضي حدث تغير كبير في الموقف حين دفن أنور ومهاتير خلافاتهما واتفقا على حشد القوى بهدف الإطاحة بنجيب. وقال أنور إن شراكته مع مهاتير هي ”أكبر مصدر قلق“ للحزب الحاكم.

اضف تعليق