q

واسع الصدر والافق، لا يميز حين يتساقط بين قصور الاغنياء واكواخ الفقراء، يسقي حدائق الاغنياء وحقول الفقراء، خلق ليكون منه كل شيء حي وكيف يحيى من انقطعت عنه اسباب الحياة من منابعها؟ تشير التقارير والتصريحات لمسؤولين عن ملف المياه بأن العراق يواجه ازمة مائية تهدد حياة الثروة النباتية والحيوانية وكذلك انحسار الزراعة وتتسبب في التهجير البشري من مناطق مختلفة وخاصة الاهوار.

على موعد مع الجفاف

يعيش العراق تحديات على جميع الاصعدة ما ان تنتهي ازمة حتى تطفو اخرى الى السطح فبعد مواجهة داعش والانتصار يواجه اليوم الجفاف الحاصل الذي بدأ بالمناطق الجنوبية باختفاء الانهر وضياع الملايين من الدونمات الزراعية بسبب شحة المياه، ازمة المياه بدأت بتناقص كميات الحصة المائية التي تسيطر عليها دول المنبع من خلال السدود التي أنشأتها، اذ تبلغ حاجة العراق المائية (72مليار م3 الواصل منه 52 مليار م3)، إلا ان تلك النسب يتوقع ان تصل الى (38 مليار م3)، بعد اكمال سدود كل من تركيا و ايران وسوريا وخاصة سد اليسو الذي صرحت تركيا لأكثر من مرة بانها ستباشر بملء السد مطلع حزيران المقبل، وهذا يعني ان العراق في دائرة خطر التصحر والجفاف وان الامور تتعقد اكثر اذ باشرت تركيا بتفعيل سد اليسو، ولان العراق ليس دولة منبع وانما مصب لذلك اي نشاط مائي لأي دولة تؤثر على كمية الحصص المائية له.

سوء الادارة

تتعرض الموارد المائية في العراق لعدة مشاكل منها التلوث والاستنزاف والتمليح اضافة الى تقصير من قبل الجهات المسؤولة في انشاء السدود ومنع الهدر الحاصل في مياه الأنهر، الامر الذي ادى الى تنقاص مستمر في الموارد المائية.

ويعد تغيير ايران لمجاري عدد من الروافد وشق القنوات وانشاء البحيرات الذي قدم عليها العراق احتجاجأ عام 1961، ويضاف لها انشاء السدود على نهر الطيب ونهر زرين ، وقامت كل من سوريا وتركيا ايضا بإقامة سدود على الانهر داخل حدود اراضيها ، اذ يعد مشروع غاب الذي دشنته تركيا عام 1992 اضخم مشروع مائي على مستوى العالم اذ يضم 22 سداً في 19 محافظة وتسعى تركيا من خلاله الى الوصول لموازاة الثروة المائية بالثروة النفطية للدول المجاورة لها... وكان هناك دور لبعض المنظمات والمسؤولين اذ ندد المشروع الوطني برئاسة امينه العام جمال الضاري بالتقصير الحكومي الفادح في ملف المياه الذي لا يتحمل تبرير ولا تأخير على حد قوله، واكد المشروع ان الحكومات المتعاقبة تتحمل ما الت اليه الاوضاع وما ستؤول في هذا الملف الحساس والمرتبط بحياة الناس، وطالب الجهات الحكومية بمكاشفة الشعب واطلاعهم على حجم المشكلة لتلافي كارثة بيئية بدأت ملامحها بالظهور الفعلي، كما اكد المختصون ان سوء ادارة الموارد المائية لا تقل خطرا عن تحركات دول الجوار في فرض هيمنتها المائية على المنطقة، ويذكر ان خلافا حصل حول الحصص المخصصة للمحافظات الجنوبية ميسان و واسط وذي قار.

الارهاب القادم

شبح بات يهدد العراقيين وعلى وجه الخصوص الفلاحين والمزارعين اذ اجبر على الهجرة القسرية، وسجلت محافظات ميسان والنجف والبصرة نزوح أكثر من 2000 عائلة بسبب انعدام الزراعة ونفوق الحيوانات، والشعب يتساءل عما اذا كانت الحكومة عاجزة عن بناء سدود كمفاعلة بقية الدول؟، ام ان الحكومات المتعاقبة فشلت في وضع استراتيجية للتصدي للنقص المتوقع حدوثه منذ 2003؟ ، ام ان الميزانيات التي وصف بعضها بالانفجارية لم تستطع ان تغطي نفقات بناء سد لمواجهة المشكلة؟، ام ان الحكومة ستذهب الى خصخصة الموارد المائية كما قررت خصخصة الكهرباء ؟، ام سنشهد استجواب يدوم لأكثر من سنة ويؤجل سبع مرات؟ ام ستشهد الكراسي على عدم القناعة بأجوبة الوزير؟ والسؤال المهم الذي يشغل ويقلق الاهالي هو هل سيصبح مصيرنا كما حال اهالي الغربية؟ ام ان داعشنا هذه المرة فتاكاً ولا يرد بالسلاح؟

ليست الأولى وقد تكون الاصعب

رئيس الوزراء حيدر العبادي صرح "سيتم متايعة الموضوع مع الجهات ذات العلاقة والتوجيه بإيجاد حلول للازمة خصوصا وان هذا الموسم سيشهد شح الامطار" ويذكر مختصون ان الجهات ذات العلاقة معروفة تماما وهي تركيا وايران، وبعد ان تراجعت تركيا عن وعودها بتأجيل ملئ سد اليسو لحزيران المقبل بطلب عراقي لغرض الاستفادة من موسم الامطار، فيما اعلن وزير الموارد المائية انها ليست المرة الاولى التي يتعرض فيها حوض الرافدين للجفاف وحذرنا منذ نهاية العام 2017 من قلة ايرادات العراق المائية واصدرت رئاسة الوزراء توصيات ونعمل على تنفيذها.

واضاف ان الازمة حقيقة وستتفاقم خلال الصيف المقبل علما ان النظام الاروائي قديم ولن يحل المشكلة سريعا، من جانبها اللجنة العليا لمتابعة ملف الاهوار اصدرت تحذيرا منذ16 من تشرين الثاني الماضي من هجرة جماعية لسكان المناطق الجنوبية وبالاخص الزراعية ومربي المواشي والمزارعين بسبب الجفاف، الازمة تلقي بظلالها على واردات البلد المائية، اذ اكد مسؤولون اقتصاديون ان العراق يتعرض لخسائر بعشرات الملايين من الدولارات سنويا بسب الانخفاض في مستويات نهر الفرات غير المسبوقة.

#عراق_ بلا _رافدين

تندفع الامواج نحو الصخور تارة تلو الاخرى يوما تلو الاخر اسبوع بعد اسبوع حتى تترك اثارها في الصخر الاصم، في كل ازمة وفي كل تقصير حكومي وفي كل حدث جديد في العراق ومنذ ان دقت الديمقراطية ابواب بغداد يتدافع المتظاهرون في ساحات الاعتصام لايصال صوت الشعب الى من هم خلف الحواجز الكونكريتية، الا ان لا اثار لذلك التدافع والامر قد يسوء احيانا...فبعد خصخصة الكهرباء شهدنا موجة احتجاجات اجتاحت البلاد من الشمال حتى الجنوب، وبعد استقطاعات الرواتب وتأخرها...وبعد سوء الخدمات المستمر، وبعد صفقات الرز التالف، وبعد شبه قطع البطاقة التموينية، وبعد المطالبة بالإصلاحات، ونتيجة العجز في شريان الحياة الابهر وهو الماء سكان الجنوب ينظمون تظاهرات تحت عنوان عراق بلا رافدين مطالبين بإيجاد حلول سريعة لمعالجة شحة المياه التي تفتك بالمنطقة والتي اكدوا فيها ان العراق سيخسر ثروته الحيوانية والنباتية، واضاف الفلاحون انهم تعرضوا لخسائر مادية كبيرة ونفوق المواشي وتصحر الارض بسبب انقطاع المياه ، وعزو الاسباب الى عجز الحكومات المتعاقبة على اقامة اتفاق دولي طويل الامد مع دول الجوار ،اضاف البعض ان عدم وجود خطة حكومية للاستفادة من المياه اذ انها تاتي من تركيا وتصب في الوسط وتذهب للخليج عدم وجود سدود للخزن ادى الى هدر كبير خلال السنوات الماضية.

المشكلة والحل.. دبلوماسي_سياسي

الانهر الجارية المتفرقة تتحد مع بعضها البعض في عناق اخوي حميم بعد طول فراق ،مكبرة ومهللة بصخب جميل يطرب الاسماع ويحرك نسمات البرودة العذبة ، دجلة في الجنوب يلفظ انفاسه الاخيرة والفرات يحارب من اجل البقاء، ربما يطول الفراق اذا ما نزلت بنا الرحمة الالهية ،او تحركت الحكومة العراقية للتفاوض مع حكومات دول المنبع لايجاد حل ينقذ العراق من كارثة سيصعب حلها فيما بعد.

مراقبون قالوا ان المشكلة والحل مسالة دبلوماسية بين البلدان المشتركة بالمياه واكدوا ان على الحكومة العراقية ارسال وفد رفيع المستوى من وزارة الخارجية والموارد المائية والزراعة للنقاش ووضع صورة حل نهائية للازمة التي باتت تهدد امن المنطقة اذ اعتبر اسماعيل سيراجيلدين نائب سابق للبنك الدولي ان الحرب القادمة ستكون بسبب المياه ،كذلك التفاوض مع ايران من اجل اعادة فتح الروافد التي اغلقتها ،ومساومة الحكومات الاخرى باغلاق الحدود العراقية امام البضائع الايرانية والتركية اذا ماتم حل ازمة الجفاف في العراق ، فيما تبقى الحلول المحلية الان مؤقتة اذ استعانت وزارة الموارد المائية باليات وزارة النفط لحفر ابار في محافظات الجنوب لمنع هجرة الفلاحين... وحين اتى موسم الحصاد ماتت السنابل ... واصفرت الارض بلا اشجار.. وانقطعت اصوات البلابل ... كسرت مجاذيف الزوارق ونزعت انهارنا عنها الحلائل... لا مواشي ترعى ولا فراشات تزين أطراف الجداول ... وطني بلا قصب ولا بردي ولا مناحل.

اضف تعليق