q

المدير العام كويظم، في احد الأيام توفت زوجته، وفي العزاء كان عمال الخدمات لدائرته كلهم مسخرين لعزائه، أما خطوط الدائرة فتحولت للعزاء لنقل المعزين، وموظفو مكتبه جلسوا في العزاء لاستقبال المعزين، أما مصاريف العزاء فتم تقييدها على حساب تخصيصات الدولة، ويعيش كل أشهر السنة سعادة كويظم عالة على مخصصات الضيافة، فكل وجباته ووجبات عائلته من أشهر المطاعم، بل حتى حاشيته المتملقة تقتاد فتات كويظم، ولا يتحرك الا بسيارة الدولة وبوقود الدولة، وبما وفرت له من صلاحيات تحولت الدائرة الى بستان بيد كويظم وزبانيته وحفنة المتملقين.

الغريب انه لم تتم مسألته يوما ما عن كل ما فعل، ولم يكن هنالك تقييم حقيقي، كان الأهم تحقق رضا حزبه عنه، فالمدراء العامين معصومين ومحصنين من أي سؤال، الى أن يتقاعدوا ويأخذوا غنائمهم ويستمتعوا.

● نظام فاسد يدعم الخطيئة

أنتج النظام الجديد طبقة مترفه حد التخمة، وهي طبقة نتنة جدا تدعى بطبقة المدراء العامين، جاءت بهم المحاصصة الحزبية لتضعهم على كرسي ادارة دوائر الدولة، مع صلاحيات واسعة، فعاثت فسادا كبيرا عبر قضم التخصيصات المالية بغطاء التعليمات، النظام الجديد جاء ليتقاسم جسد الدولة، وهذا لا يتم الا عبر تقاسم مراكز المسؤولية من منصب الوزير ثم الوكيل ثم المدير نزولا حتى مدراء الشعب والأقسام، وهكذا تصبح دوائر الدولة مشلولة تماما، كما هي ارادة الكتل التي تقاسمت الكعكة.

المدير العام بيده التعاقدات الداخلية، وبيده الخطة الاستثمارية، وبيده مصادر الإيراد المرتبطة بالدائرة، وبيده تنفيذ صرف المخصصات المالية بكل أبوابها، وبيده حتى التعيينات والعقود، مما يجعله ذو صلاحيات واسعة، الأغرب كل هذا يجري من دون مراجعة أو مراقبة أو حتى تقييم للعمل، ولا يترك منصبه الا بسبب السن التقاعد أو الموت، أما قضية فشله أو فساده فهذا الموضوع لا يطرح، لان السيد المدير معصوم ومحصن من أي ملاحقة أو محاسبة.

الأحزاب الحاكمة تدافع عن مدرائها، لأنهم جزء منها، فلا يكون خوف عليهم مهما فعلوا من فساد وهدر للمال العام.

● اغلب المدراء لهم تاريخ مع حزب البعث

بعد سقوط الطاغية صدام كان التوجه العام الى إقصاء حزبه من الحياة العامة، نتيجة عقود من الفساد والتدمير الذي مارسه حزب البعث بحق الوطن والشعب، فكان القرار مهم لكل العراقيين لأنه يمثل العدل، وهو نفس ما حصل للنازية والفاشية، لان حزب البعث ذو فكر اجرامي، فكان الخطر الأكبر أن يستمر المدراء العامين المنتمين لحزب البعث في دوائرهم، أو صعود البعثيين السابقين الى مناصب المسؤولية، لأنهم يشكلون حجر عثرة أمام أي جهد اصلاحي.

أما حزب البعث فكان قد أعطى أوامر لأعضائه، بتسهيل وصول أعضائه لكراسي المسؤولية، مع مهمة واحدة وهي نشر الفساد، فكل بعثي سابق يحمل معه مخطط الفساد والإفساد، أين ما حل في مراكز مؤسسات الدولة.

وبعد هذا كان من العجيب أن يستمر مئات المدراء البعثيين في مناصبهم، بعد الحصول على استثناءات من الاجتثاث، والعجيب أن الساسة يتساءلون من أين يأتي الفساد! وهم الذين هيئوا الفرصة لرجال الفساد "المدراء البعثيون"، فالعلة في النخبة الحاكمة التي لا تعرف أن تحكم الا وهي مطية للبعثيين.

الأمر الأخر تسلم الادارات لرجال كانوا بعثيين ثم تغلغلوا في الأحزاب، أو حصلوا على صكوك الغفران لاعتبارات أنهم ذوي شهداء أو مسجونين في زمن ارتفاع وتيرة التزوير وغياب العقل.

مما سمح بصعود زمرة من المدراء بعثيين سابقا ومنتمين للأحزاب حاليا، وفعلوا فعلتهم في تدمير الحياة، عبر فساد لا ينتهي خصوصا أنهم تحت حماية أحزاب السلطة، فجرى ما جرى على مدار 13 سنة، بوتيرة متصاعدة واختلط البعثي بالسلطة الجديدة، مع سنوات التزوير والكذب، وغياب الاعلام الحقيقي الذي يعري الفاسدين.

وطبقة ثالثة من المدراء، وهم ليسوا بعثيين لكن وصوليين وانتهازيين، جاءت بهم الأحزاب الحاكمة للمنصب، كي يمثلوها في الدوائر الحكومية، فالمناصب مغانم في العراق وليس مسؤوليات.

وهكذا فسدت مؤسسات الدولة بفعل فاعل "المدراء العامين".

● الحل

سنوات طويلة ونسمع حديث لا ينتهي، ومن أعلى منصب في العراق الى أدناه، وهو حديث محاربة الفساد، وعقدت عشرات مؤتمرات والاجتماعات، وصرف المليارات على كورسات ودورات ولجان وايفادات على أساس حرب الفساد.

لكن بقي الأمر على ما هو عليه، ببساطة لان الفاسدون هم من يرفعون شعار حرب الفساد، وحيث كانت النخبة الحاكمة تتجاهل علة الفساد عن قصد، لأنه أصبح جزء منها، فكل مدير فاسد بقي بمنصبه بمباركة حزب مؤثر، وهكذا تمدد جسد الفساد ليشل الحياة في العراق ويتوقف النمو والتطور، بفعل سرطان لا يرحم ولا يملك قيم أو أخلاق.

اعتقد الحل الان هو :

أولا: القيام بعملية إقصاء واسعة لكل المدراء البعثيين السابقين، ولا يشفع لهم انتمائهم الحالي.

ثانيا: إقصاء كل مدير مر عليه ثلاث سنوات.

ثالثا: الصعود بالشباب لكن مع تشديد الرقابة عليهم، والتقليل من الصلاحيات.

رابعا: المدراء الجدد يجب أن يكونوا مستقلين عن الأحزاب، والصعود حسب الكفاءة والنزاهة.

خامسا: الأهم أن يكون هنالك تقييم حقيقي سنوي للمدراء، ويكون بعده إقصاء او استمرار.

سادسا: ملاحقة قضائية لكل المدراء المتقاعدين، ومن سيتم إقصائهم، وفتح الملفات، مع مقارنة بما كانوا يملكوه وما هم عليه ألان.

سابعا: كشف الذمم لكل مدير جديد، مع ملاحقة شديدة لكل ما يملك سنويا هو وأقاربه من الدرجة الأولى والثانية.

لو تم هذا الحل سيكون موت وحش الفساد قريبا، والفعل على ارض الواقع بيد السلطة، فهل تتجه لمحاربة الفساد فعليا، أم تستمر بحمايته؟

* كاتب واعلامي عراقي

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق