q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

كيف نربي قادة الحاضر والمستقبل؟

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

من لا يفكر في كسب المستقبل، فهو لم يحقق درجة النجاح في كسب الحاضر، هذه قاعدة أو قانون وضعه الحكماء والمختصون في علوم السياسة والاجتماع والنفس أيضا، فالأمم التي تسعى الى كسب المستقبل وتخطط له، لابد أن ترتكز على حاضر مشجّع يدفع بها نحو التفكير بكيفية إدارة الأمة في المستقبل، هل فعلت الأمم المتقدمة بهذا القانون، وهل فعلنا نحن به؟.

في ال‘جابة عن الشطر الأول من السؤال نعم الأمم المتطورة ما كانت لتبلغ المرتبة التي هي عليها الآن من تقدم وتطور وتصدّر للركب العالمي المتقدم، لو لا أنها باشرت منذ البدء بالتخطيط والعمل على إعداد قادة الحاضر والمستقبل معا، لذلك نجحت وتصدرت وأخذت المكانة التي تستحق، أما الإجابة عن الشطر الثاني من السؤال، فإن الامم التي لم تأبه للحاضر ولم تخطط للمستقبل، بقيت تراوح في مكانها أو تراجعت الى الوراء.

النقص الأول هو فقدان العلم والتعليم وقلة الإعداد اللازم، او انتفائه بشكل تام، فالمسلمون وكما يدل واقع مجتمعاتنا، لم يهتموا بإعداد الأجيال الحالية ولا القادمة، وإنما هم يتقاتلون اليوم على غنائم الحاضر الزائلة متناسين حقوق الأجيال القادمة من موارد الأمة وثرواتها، واذا أردنا أن نكون أمة متقدمة علينا بالتعليم وتهيئة قادة الحاضر والمستقبل من أبنائنا بالعلم.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (إعداد الأجيال)، حول هذا الموضوع المهم: إن (ما يحصل عليه الإنسان من أدب وحكمة، وعلم وحلم، إنما هو عبر ما يتعلمه ويتلقاه عن طريق سمعه وبصره وفؤاده؛ وعبر التعليم والتجربة وما أشبه، فتكوين الشخصية الاجتماعية والنفسية ـ في الغالب ـ ليس إرثاً ينتقل من الآباء إلى الأبناء).

ويطالب سماحته من يهمه الأمر من المسؤولين والآباء قائلا: (على الوالدين وغيرهم من المسؤولين، من العلماء والحكام ـ أن يوفروا لأبنائهم مناهج التربية الصحيحة، ويهيّؤوا لهم وسائل تقدمهم وبناء شخصيتهم ومستقبلهم، أما الأمم التي لا تهتم بتربية وتنشئة أجيالها فلا توفر لأبنائها مثل هذه الأجواء الصحيحة والهادفة، فليس لها إلا أن تتخلف عن مواكبة الأمم المتقدمة).

كيف تتقدم الأمم وتزدهر؟

لا تحتاج الإجابة عن هذا السؤال عقل حاذق، او ذكاء متميز، او عناء طويل، فالأمم المتقدمة، عرفت كيف يمكنها تحقيق التقدم، وتمسكت بالمقوّم الأول ونعني به العلم، فقامت بتعليم أبنائها أفضل تعليم، وأعدت لهم كل الظروف والوسائل التي تساعدهم على أن يكونوا قادة متميزين، وهذا يعني أن الأمة المتقدمة سعت بجدية في مجال إعداد القادة الجيدين لادارة حاضر الأمة، وسيكون التقدم المستقبلي تحصيل حاصل للحاضر المتقدم.

تُرى هل بذل المسلمون ما يكفي من تعليم الأبناء، وإعدادهم لادارة الحاضر جيدا، وتهيئة الشباب لقيادة المستقبل بصورة واعدة ومتميزة؟، في الحقيقة لا يوجد شيء من ذلك، اي لم يسعَ المعنيون في هذا الاتجاه ولم يقم المسؤولون بدورهم المطلوب في إعداد القيادة المستقبلية، مثلما أخفقوا في ادارة الحاضر.

لذا يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إن الأمم إذا أرادت أن تتقدم وتزدهر وتبلغ أهدافها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، فلابدّ لها أن تهتم بالأجيال القادمة، فتقوم بتربية وتنشئة جيل صحيح قوي، مهيأ لتحمل مسؤولية قيادة الأمة وتسلمها من الآباء).

هذا يعني أن الركن الأهم في بناء القيادة المستقبلية تكمن في تهيئة الأجيال قياديا وفي المجالات كافة، وهو أمر يستدعي التخطيط وتوفير البيانات اللازمة وإقامة الدورات الخارجية والداخلية التي تضاعف من خبرات الشباب القيادية في السياسة والاقتصاد والتجارة والتعليم والصحة وما شابه، فضلا عن ادارة العملية الانتاجية بصورة ناجحة.

على العكس من ذلك، أي في حالة إهمال مقوم التعليم والتدريب والتطوير والاعداد ضمن برامج علمية دقيقة، فإن مصير مثل هذه الأمم والمجتمعات والدول، هو الفشل والضمور والتراجع الى المراتب الخلفية في تسلسل الدول المتقدمة، هل يمكن أن نتدارك مثل هذه النتائج الخطيرة، الجواب نعم، أما كيف يمن ذلك، فالاجابة تحتاج الى رؤية دقيقة متخصصة على أن تتبعها ارادة تنفيذية حاسمة.

أن نتعلم بلا تطبيق هذا لا يجدي نفعا، فعندما ندرب الاجيال الحالية والقادمة، ينبغي أن نجد لهم فرصة التطبيق لما تدربوا عليه وتعلموه، علينا أن نهيّئ كل شيء من أجل تطوير الأجيال وإعدادهم الإعداد اللازم لادارة شؤون الأمة مستقبلا بنجاح لا يقبل الريب.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: (على المسؤولين، من العلماء والحكام أن يوفروا لأبنائهم مناهج التربية الصحيحة، ويهيّؤوا لهم وسائل تقدمهم وبناء شخصيتهم ومستقبلهم، أما الأمم التي لا تهتم بتربية وتنشئة أجيالها فلا توفر لأبنائها مثل هذه الأجواء الصحيحة والهادفة، فليس لها إلا أن تتخلف عن مواكبة الأمم المتقدمة).

رفع المستوى المعنوي للإنسان

المسلمون ينبغي أن يكونوا في مقدمة الدول التي تعد الأجيال للمستقبل أفضل إعداد، لأن الإسلام دعا بصورة واضحة وصريحة الى العلم، والى تربية الشباب، والى اعداد جيد لقادة الحاضر والمستقبل، فالحياة التي نعيشها تنطوي على تناقضات وصراعات توجب علينا البقاء في المقدمة دائما من خلال العلم الذي يبقى أثره عميقا وكبير في صقل النفس وتحسين ادائها العملي الإنساني الناجح والمشروع.

يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: (إن من أبرز المسائل التي حازت على أهمية خاصة في الدين الإسلامي هي التربية الصحيحة في كل جوانبها والاهتمام بها؛ وذلك لما لـها من أثر عميق في صقل النفس الإنسانية ورفع مستواها المعنوي).

من هي الجهات المسؤولة عن التعليم والتربية الصالحة للأجيال؟، هنالك جهات عديدة تشترك في هذه القضية المهمة، بل والأساسية في جعل الأمة في المقدمة دائما، فما هي هذه الجهات التي تقع عليها مسؤولية الاعداد الجيد والتطوير اللائق والمستمر؟.

أولا: الأسرة

لا يخفى على أحد ذلك الدور الجوهري الذي تتصدى او ينبغي أن تتصدى له الأسرة في المجال التربوي، اذ يترتب على الأسرة أن تمد الأبناء بالتربية الصحيحة، وبالأسس العلمية القادرة على تهيئة هؤلاء الأبناء لادارة الحاضر والمستقبل بطريقة سليمة وناجحة، وهذا يعني أن دور الأسرة في هذا المجال هو الدور الأساس، وما يأتي من أدوار للجهات الأخرى فهي ادوار مكملة ومهمة لكن يبقى الأساس هم الأهم والأكثر تأثيرا في قضية النجاح والفشل.

ثانيا: المدرسة

من يستطيع أن يقلل من تأثير دور المدرسة في اعداد قادة الحاضر والمستقبل؟ لا احد يمكنه تهميش هذا الدور او التقليل من شأنه، لذلك فإن الأمة المتعلمة هي الأكثر نجاحا من سواها قربا الى النجاح، من هنا ينبغي التركيز على الأسرة بأن تفهم دورها هذا وتؤديه على أكمل وجه.

أما الجهات الأخرى في المجالات العملية الاخرى التي يتواجد وينشط فيها الانسان، أماكن العمل والأسواق والتجمعات كالمنظمات وما شابه، فهذه جميعا مسؤولة عن اعداد الاجيال الحالية والقادمة وتدريبها وتهيئتها لدورها القيادي السليم والمتميز.

كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله: (إن تربية الأبناء تبدأ من خلال الأسرة، وتستمر في أجواء المجتمع.. في المدرسة والسوق والتجمعات الاجتماعية وما أشبه. مما يعلم أن لكل من الأسرة والمجتمع الأثر العميق على المدى القريب والبعيد في تحديد ملامح شخصية الإنسان، لأن الإنسان يستند إليها في سنه المبكر ويعتمد عليها في شبابه وكبره).

اضف تعليق