q

الحصول على الطاقة المتجددة أصبح الشغل الشاغل للكثير من دول العالم، التي سعت في ظل ما يشهده العالم من ازمات ومشكلات بيئية واقتصادية متفاقمة، الى تجنيد كل طاقاتها في سبيل الحصول على الطاقة الرخيصة من خلال الاعتماد على مصادر انتاج متنوعة ومنها الوقود الحيوي الذي يعد أحد أسرع مصادر الطاقة المتجددة نمواً في العديد من الدول كما يقول بعض الخبراء.

والوقود الحيوي هو الطاقة المستمدة من الكائنات الحية سواء النباتية أو الحيوانية منها. وهو أحد أهم مصادر الطاقة المتجددة، على خلاف غيرها من الموارد الطبيعية مثل النفط والفحم الحجري وكافة أنواع الوقود الأحفوري والوقود النووي. وبدأت بعض المناطق بزراعة أنواع معينة من النباتات خصيصاً لاستخدامها في مجال الوقود الحيوي، منها الذرة وفول الصويا في الولايات المتحدة. وأيضا اللفت، في أوروبا. وقصب السكر في البرازيل. وزيت النخيل في جنوب شرق آسيا.

أيضا يتم الحصول على الوقود الحيوي من التحليل الصناعي للمزروعات والفضلات وبقايا الحيوانات التي يمكن إعادة استخدامها، مثل القش والخشب والسماد، وقشر الارز، وتحلُل نفايات المنازل ونفايات الورش والمصانع، ومخلفات الأغذية، التي يمكن تحويلها إلى الغاز الحيوي عن طريق ميكروبات ذات الهضم اللاهوائي. وتعد البرازيل والولايات المتحدة الأميركية وكما تشير بعض المصادر الاعلامية، أبرز منتجي الوقود الحيوي بين دول العالم، فالبرازيل تنتج مادة الإيثانول من قصب السكر منذ العام 1975 لاستخدامه وقوداً للسيارات، بينما تنتج الولايات المتحدة هذا الوقود من الذرة، وتستأثر هاتان الدولتان بـ 90 في المئة من الإنتاج العالمي. وتشكل مادة الإيثانول التي تنتج أساساً من قصب السكر والذرة أكثر من 90 في المئة مجمل إنتاج الوقود الحيوي في العالم، بينما مادة البيوديزل فتأتي في المرتبة الثانية من الوقود الحيوي.

وتستخدم الدول الوقود الحيوي لتقليص اعتمادها على الوقود النفطي، فالولايات المتحدة مثلاً تسعى إلى تقليص اعتمادها على النفط بمقدار 20 في المئة في العام 2017 وتعويضه باستخدام الوقود الحيوي، وقد تم مثلاً إجبار مصافي النفط في ولاية كاليفورنيا على مزج البنزين بمادة ببيوايثانون.

وتواجه تقنية انتاج الوقود الحيوي كما يقول بعض الخبراء على الرغم من اهميتها الكبيرة، الكثير من الانتقادات بسبب التوسع المستمر الذي تقوم به بعض الدول من اجل الحصول على هذا النوع من الطاقة والذي كان له آثار ضارة على البيئة الطبيعية، والأمن الغذائي وكربونية التربة، ويواجه العالم اليوم وحسب ما أوردت مجلة نيوزويك وفاة 25 ألف شخص يوميا لأسباب مرتبطة بالجوع. لكن هذا الرقم قابل للازدياد والتناسل، ليس فقط بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ولكن لتوقع انكماش اقتصادي عالمي ولدور الولايات المتحدة والمتقدمة في تطوير وإنتاج الوقود الحيوي من المنتجات الزراعية (الذرة وقصب السكر..) الذي كان في السابق المادة المصدرة والمستهلكة من البلدان المعوزة والفقيرة.

ويقدر نصيب الوقود الحيوي في سوق الطاقة العالمية حالياً بنحو 1.5 في المئة، لكنه يعتبر مسئولاً عن 70 في المئة من ارتفاع السلع الغذائية وخاصة القمح والذرة وقصب السكر وهي التي يستخرج منها مادة الإيثانول. لدرجة أن الإحصاءات تشير إلى أن ثلث إنتاج الولايات المتحدة من الذرة في العام 2008 سيذهب إلى خزانات الوقود، وهو ما يمثل انتكاسة قوية لإمدادات الغذاء في العالم.

البن كمصدر جديد

وفي هذا الشأن تطبق منظمة غير حكومية هولندية وصفة جديدة في 19 مزرعة في اميركا اللاتينية تهدف الى جعل انتاج البن اقل استهلاكا للمياه واقل تلويثا وتطمح الى توسيع هذا البرنامج ليشمل مناطق اخرى. فمن مطبخ ساراهي باستران البدائي في تعاونية البن في هيرمانداد في سان رامون دي ماتابالغا (نيكارغوا)، ينطلق قسطل عابرا النبات الوافر في الخارج وصولا الى مولد يعمل بالغاز الحيوي على بعد عشرات الامتار.

وتغذي هذا المولد المياه الملوثة الناجمة عن عمليات انتاج البن في اطار مشروع بدأت تنفيذه المنظمة غير الحكومية الهولندية "يو تي زد سيرتيفايد" العام 2010 في نيكاراغوا وهندوراس وغواتيمالا. ويقوم مبدأ المشروع على تحسين غسل كرز البن وهي عملية اساسية في نوعية بن ارابيكا، من اجل خفض استهلاك المياه. ويؤخذ بعد ذلك الميثان الموجود في هذه المياه والناجم عن تخمر البن، لصنع الغاز الحيوي الامر الذي يسمح بالتوصل الى مياه خالية من غالبية الشوائب.

وحتى الان كانت المياه المستخدمة والتي يطلق عليها السكان المحليون اسم "مياه العسل" لطعمها الحلو، غالبا ما تنتهي مباشرة في الانهر. ويقول فرانسيسكو بلاندون (39 عاما) وهو اب لأربعة اطفال ويدير مزرعة عائلية على بعد اقل من 80 كيلومترا شمال سان رامون "كان هذا الامر يتسبب بكثير من التلوث وبرائحة قوية جدا". ويروي قائلا "الكثير من العائلات تعيش قرب النهر وتستحم فيه وتغسل ثيابها في مياهه وكان الامر يتسبب لهم بحكاك جلدي وبطفليات بالأمعاء عندما كانوا يشربون مياه النهر".

ويوازي التلوث الناجم عن انتاج 1,3 مليون كيس من البن سنويا على المستوى الوطني، مستوى التلوث الصادر عن عوادم 20 ألف سيارة. ويقول فرانسيسكو انه في العام 2010 اتى فريق من المنظمة الاهلية الهولندية ليطرح عليه المشروع. ويوضح "في البداية كانت لدي شكوك حول فرص النجاح لكنهم أصروا كثيرا. وبعد اقل من شهر على ذلك انطلق المشروع". وينظر اليه اليوم في بلدته سان سيبستيان دي يالي الواقعة على ارتفاع ألف متر لكنها تتمتع بمناخ استوائي، بحسد.

وتقول زوجته فاتيما فالينثويلو التاميرو (23 عاما) "جاراتي يحسدني على وضعي". ففي السابق كان عليها ان تطبخ على موقدة تعمل بالخشب يهدد دخانها صحة النساء. وكان زوجها يقطع ما معدله خمس اشجار في الموسم لهذا الغرض. وتتذكر عندما بدأ الغاز الحيوي يتدفق من القسطل للمرة الاولى "كان الامر مؤثرا. وفوجئنا كثيرا عندما ظهرت الشعلة الاولى!".

وقد مولت هذه المنشأة التي تكلف الاف الدولارات، بنسبة 75% من قبل الحكومة الهولندية و25% من قبل تعاونيات محلية. واقامت هذه المنشأة "يو تي زد" اهم منظمة غير حكومية لإصدار الشهادات في مجال البن والتي تضمن شارتها احترام المنتجين لبعض القواعد مثل عمل الاطفال واستخدام معقول للمبيدات الحشرية واجور مطابقة للقانون المحلي. وتؤكد فيرا اسبيولا رافاييل منسقة المنظمة في اميركا اللاتينية "الحصيلة جيدة جدا. لقد حققنا كل الاهداف المحددة من انتاج الغاز الحيوي الى خفض التلوث واستخدام اقل للمياه". بحسب فرانس برس.

ويقول مارفن مايرينا المسؤول التقني عن مزرعة هيرمانداد "كنا في السابق نستهلك 1500 ليتر من المياه لكل قنطار بن (اي 46 كيلوغرما من حبوب البن) والان بتنا نستخدم 240 الى 250 ليترا". وعلى الارض اضطرت المنظمة غير الحكومية الى التكيف مع حجم المزارع المتفاوتة واضعة الية مختلفة تبعا للحجم. وبعض هذه المزارع ينتج الغاز الحيوي فقط عند توافر البن خلال الحصاد، في حين تواصل اخرى انتاجه على مدار السنة مستبدلة البن بروث حيوانات. وبدأت المنظمة الاهلية الهولندية خلال السنة الحالية توسيع مشروعها ليشمل كولومبيا والبيرو والبرازيل وتبحث عن شركاء ماليين اخرين لاقامة مشاريع مماثلة في كينيا وفيتنام.

الإيثانول بدون الذرة

من جانب اخر قال علماء إنهم ابتكروا طريقة جديدة لإنتاج الإيثانول بكفاءة دون استخدام الذرة أو غيرها من الحبوب المستخدمة في الطريقة التقليدية لصنع الوقود الحيوي. وقال العلماء إن طريقتهم تعتمد على تحويل غاز أول أكسيد الكربون إلى إيثانول سائل بمساعدة قطب كهربي مصنوع من النحاس. وقالوا إن التقنية الجديدة قد تكون أفضل في مراعاة اعتبارات البيئة وأكثر كفاءة من الطريقة الحالية.

ويقول منتقدون إن زراعة المحاصيل من أجل انتاج الوقود الحيوي ينطوي على استخدام الطاقة بكثافة ويتطلب مساحات شاسعة من الأراضي غير الزراعية مع استخدام كميات كبيرة للغاية من المياه والمخصبات. وهم يقولون أيضا ان استخدام الذرة وقصب السكر في صنع الوقود الحيوي يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء. وتظهر إحصاءات رابطة الوقود المتجددة ومقرها واشنطن والتي تمثل صناعة الإيثانول الأمريكية أن الولايات المتحدة أكبر دولة في العالم في إنتاج الإيثانول إذ بلغ نصيبها 13.3 مليار جالون في عام 2013 تلتها البرازيل 6.3 مليار جالون.

ووصفت مجموعة من العلماء يقودهم ماثيو كانان عالم الكيمياء في جامعة ستانفورد الطريقة الجديدة في بحث نشر في دورية نيتشر. وقال كانان إنه قد يتم صنع نموذج أولي للتقنية الجديدة في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام وهو ما يساعد على تقييم ما إذا كانت العملية مجدية من الناحية التجارية. بحسب رويترز.

وقال كانان "إنني أؤكد أن هذه مجرد تجارب معملية اليوم. ولم نقم بعد ببناء جهاز. ولكنه يظهر جدوى استخدام الكهرباء التي يمكن الحصول عليها من مصدر طاقة متجددة في إنتاج وقود صناعي -وهو في هذه الحالة الإيثانول. وتوجد منافع حقيقية لعمل ذلك بالمقارنة باستخدام الكتلة الحيوية في إنتاج الإيثانول." ويتم إنتاج وقود الإيثانول بوجه عام في منشآت تخمير في درجات حرارة عالية تقوم في عملية كيميائية بتحويل الذرة أو قصب السكر أو نباتات أخرى إلى وقود سائل.

دماء ومخلفات المجازر

في السياق ذاته توصلت المجتمعات الرعوية من قبائل الماساي الى اسلوب مبتكر لتصنيع الغاز الحيوي: إذ استعانت بدماء الحيوانات والمخلفات الناتجة عن مجازر منطقة كيكونيوكي في انتاجه. وتستخدم المنشأة القائمة في مقاطعة كاجيادو الكينية الغاز الحيوي المنتج في توليد الكهرباء التي تستخدم بدورها في توفير الطاقة لوحدات تبريد اللحوم ومعدات التصنيع الاخرى. كما تضخ المنشأة هذا الغاز عبر انابيب الى فنادق بالمنطقة فيما يستخدم الوقود السائل ذو العوالق الصلبة كسماد للمراعي.

وتأمل قبائل الماساي الآن بالتوسع في هذا المشروع لتصبح المجموعة أكبر كيان في البلاد يقوم بتعبئة الوقود الحيوي البديل في اسطوانات مع ابتكار اساليب اخرى لنقله في المستقبل. وقال مايكل كيبوي مدير المشروع إن الجماعات الرعوية تتوقع انه بحلول مارس آذار القادم فانهم سيبيعون غاز كيكو الحيوي في اسطوانات زنة ستة كيلوجرامات.

وسيصل سعر الاسطوانة الواحدة الى 700 شلن كيني (ثمانية دولارات) اي نصف سعر اسطوانة الغاز المسال التقليدية. وأضاف ان بوسع المجزر بيع الغاز الحيوي بأسعار زهيدة للغاية لأنه مع ذبح 120 بقرة و200 من الخرفان والماعز بالمجزر يوميا في المتوسط "نكفل المدخلات الخام وبتكلفة صفرية". ومضى يقول إن عملية تعبئة الغاز في انابيب لا تتكلف شيئا لأنها تتم بالاستعانة بالطاقة الناتجة من الغاز الحيوي للمجزر.

وقال ايراستوس جاتيبي من المعهد الكيني للبحوث الصناعية والتنمية الذي يقدم الدعم الفني لمشروع كيكو للغاز الحيوي إن الغاز المنتج أكثر فاعلية اذا قورن بالغاز المسال "وهو قابل للاحتراق بكفاءة عالية لذا فانه يتيح لك الطهي بسرعة". واضاف جاتيبي ان هذا الغاز الحيوي يتميز بكفاءة أعلى في الطاقة بنسبة تتراوح بين 30 و40 في المئة عن غازي البروبان او البيوتان.

وقبل بدء انتاج الغاز الحيوي عام 2005 كان مصنع كيكونيوكي ينفق 36 الف شلن كيني (400 دولار) كل اسبوع في التخلص من فضلات المجزر من اجل استيفاء معايير الهيئة الوطنية للادارة البيئية. ومن خلال انتاج الوقود من مخلفات المجزر وبيع الفائض عن الحاجة من الوقود الحيوي فبوسع المجزر الآن التوسع في مصادر الدخل وذلك علاوة على بيع اللحوم.

وبمقدور المنشأة المقامة على مساحة اربعة فدان توليد ما يكفي من الغاز الحيوي لتعبئة مئة اسطوانة يوميا زنة ستة كيلوجرامات للواحدة. وقال المعهد الكيني للبحوث الصناعية والتنمية إنه اذا تمكن المجزر من تحديث منشآته بإنشاء وحدات ثانوية لهضم الغاز الحيوي فبوسعه انتاج ثلاثة امثال الكم الحالي. ويقدم مركز كينيا للإبداع الخاص بالمناخ وهو عبارة عن مبادرة من البنك الدولي تمويلا للمساعدة في تطوير المنشأة.

ويرى كابوناي اولي توندا رئيس مجلس ادارة مجزر كيكونيوكي في هذا المشروع فوائد بيئية واقتصادية على حد سواء من خلال بيع الغاز في اسطوانات اذ يرى ان هذا المشروع الاستثماري ينقذ الاشجار في قرى الماساي وحولها. وقال "نقطع الكثير من الاشجار للحصول على الفحم النباتي ونأمل بان نحد من ذلك لأنه سيجعل الهواء نظيفا." وقال كيبوي إن المشترين بدأوا يتقدمون بالفعل باستفسارات عن اسطوانات كيكو من الغاز الحيوي. بحسب رويترز.

وقال جون مينا المسؤول الرئيسي عن الطاقة المتجددة بوزارة الطاقة والبترول في كينيا إن الحكومة تشجع مثل هذه المشروعات الاستثمارية على غرار غاز كيكو الحيوي التي تقلل من كميات غاز الميثان الذي ينطلق في الجو مع تحلل المخلفات الحيوانية ما يؤثر بدوره على تغير المناخ. ويتوقع الرعاة في الماساي الذين يديرون مجزر كيكونيوكي سوقا واعدة للغاز الحيوي المعبأ في كينيا. وقال كيبوي إنه بمجرد ان ينتهي المعهد الكيني للبحوث الصناعية والتنمية من اختبارات الامان لاسطوانات الغاز "فسنبدأ في تسويقها".

البكتريا تنتج وقودا

على صعيد متصل يقول علماء في بريطانيا إنهم تمكنوا من التوصل إلى مجموعة من البكتريا التي يمكنها أن تنتج الوقود. وأجرى الباحثون تعديلات وراثية على بكتريا تسمى "إي كولي"، لتحويل السكر إلى وقود، يتطابق إلى حد كبير مع الديزل التقليدي. وقال الباحثون الذين نشرت دراستهم في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم إنه إذا اتسع في هذا الأمر، فربما يصبح هذا الوقود الصناعي بديلا مجديا للوقود الأحفوري.

وقال جون لوف، أستاذ البيولوجيا الاصطناعية في جامعة إكستر "بدلا من التوصل إلى بديل للوقود مثل بعض أنواع الوقود الحيوي، توصلنا إلى صنع وقود أحفوري بديل". وأضاف "تعتمد الفكرة على أن شركات تصنيع السيارات، والمستهلكين، وبائعي الوقود بالتجزئة لن يلاحظوا الفرق، وقد يصبح ذلك جزءا آخر من سلسلة إنتاج الوقود".

وهناك مساعٍ لزيادة استخدام الوقود الحيوي حول العالم، ففي الاتحاد الأوربي، استهدف استخدام أنواع الوقود القائمة على المحاصيل الزراعية في قطاع النقل والمواصلات بنسبة عشرة في المئة بحلول عام 2020. لكن أغلب أشكال الديزل الحيوي والإيثانول الحيوي التي تستخدم حاليا، لا تتوافق تماما مع المحركات الحديثة. فهناك نسبة من المواد (تصل إلى ما بين 5 و10 في المئة) يجب خلطها بالبنزين قبل أن تستخدم في أغلب المحركات الموجودة حاليا.

ومع ذلك، يختلف شكل الوقود المنتج من خلال بكتريا "إي كولي" المعدلة. وقال جون لوف "ما توصلنا إليه هو وقود يماثل تماما طول السلسلة المطلوبة للمحركات الحديثة، وكذلك نفس التركيبة المطلوبة". وقال لوف إن هذا النوع من الوقود يمكن أن نسميه "وقود أحفوري حيوي". واستخدم الباحثون -الذين مولت دراستهم شركة شل للنفط، ومجلس بحوث العلوم الحيوية والتكنولوجيا الحيوية- في التوصل إلى هذا النوع من الوقود سلالة من بكتريا "إي كولي" التي عادة ما تستهلك السكر وتحوله إلى دهون.

وباستخدام البيولوجيا الصناعية، حول الباحثون آليات عمل خلايا البكتريا حتي يُحول السكر إلى جزيئات وقود صناعي، بدلا من ذلك. ومن خلال تغيير جينات البكتريا، تمكن الباحثون من تحويل هذه البكتريا إلى مصانع لإنتاج الوقود، لكن مع ذلك، لم تقم بكتريا "إي كولي" بإنتاج الكثير من وقود الألكان.

وقال لوف إن استخدام 100 لتر من البكتريا يؤدي إلى إنتاج مقدار ملعقة صغيرة من الوقود. وأضاف "التحدي الذي أمامنا هو أن نزيد من الإنتاجية قبل أن نتمكن من الاتجاه نحو أي شكل من أشكال الإنتاج الصناعي، وقد حصلنا على نطاق زمني من ثلاث إلى خمس سنوات تقريبا من أجل القيام بذلك، ولمعرفة إن كان الأمر يستحق أن نمضي قدما في هذا الاتجاه". كما يتطلع فريق البحث إلى معرفة إن كانت البكتريا تستطيع أن تحول أي منتجات أخرى إلى وقود، مثل النفايات البشرية أو الحيوانية.

ويعد الوقود الحيوي بديلا للوقود الأحفوري، وأكثر توافقا مع البيئة، بينما يؤدي استخدام البنزين والديزل إلى انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يخزن في أعماق الأرض. ومع ذلك، فإن الطاقة المستهلكة في زراعة ومعالجة المحاصيل المطلوبة من أجل عمل الوقود الحيوي هي أمر يجب أن يؤخذ في الاعتبار، إذ ذكر تقرير صدر مؤخرا عن مؤسسة تشاتام هاوس أن الوقود الحيوي مكلف، وأسوأ للمناخ من الوقود الأحفوري. بحسب بي بي سي.

ووفقا لجيرانت إيفانز، مستشار الوقود الحيوي بمؤسسة NNFCC، المعروفة سابقا باسم المركز الوطني للمحاصيل غير الغذائية، فستحتاج هذه الأمور إلى النظر فيما يتعلق بالوقود الذي ينتج من خلال البكتيريا. وأضاف إيفانز "هذا يُوسع من المصادر المحتملة التي يمكن أن تستخدم لعمل الديزل، لكننا لا نزال في حاجة إلى التفكير في أن هذا يأتي من الأرض، وأن عامل الاستدامة يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار". وأشار إلى أن "هذه ليست الرصاصة السحرية، لكنها وسيلة أخرى من بين الوسائل المتاحة".

الوقود الحيوي والتلوث

من جانب اخر اظهرت دراسة ان برامج زراعة الاشجار لمكافحة التغير المناخي من خلال انتاج مزيد من الوقود الحيوي قد تؤدي بشكل فعلي الى تفاقم نوع غير معروف بشكل يذكر من تلوث الهواء والتسبب في الوفاة المبكرة لنحو 1400 شخص سنويا في اوروبا بحلول عام 2012. وقال التقرير ان الاشجار التي تزرع لإنتاج اخشاب الوقود والتي ينظر اليها على انها بديل أنظف من النفط والفحم تطلق مادة كيماوية في الجو يمكن ايضا ان تقلص انتاج المحاصيل الزراعية لدى اختلاطها بملوثات اخرى.

وقال هيك هيويت الذي عمل على هذه الدراسة مع زملاء من جامعة لانكستر بانجلترا "يعتقد ان تنمية الوقود الحيوي سيكون شيئا جيدا لانه يقلل من كمية ثاني اكسيد الكربون في الجو. "ما نقوله هو نعم هذا شيء عظيم ولكن الوقود الحيوي قد يكون له ايضا تأثير ضار على جودة الهواء." ونظر التقرير الذي نشر في دورية طبيعة التغير المناخي في تأثير برنامج للاتحاد الاوروبي لإبطاء التغير المناخي من خلال انتاج مزيد من الوقود الحيوي.

وقال هيويت انه سيكون هناك تأثير مماثل في أي مكان يتم فيه انتاج الوقود الحيوي بكميات ضخمة في مناطق تعاني من تلوث الهواء بما في ذلك الولايات المتحدة والصين. وقالت الدراسة ان اشجار الحور او الصفصاف او الأوكالبتوس التي تستخدم كلها كمصادر سريعة النمو لأخشاب الوقود المتجدد تطلق مستويات عالية من مادة الايزوبرين الكيماوية مع نموها. ويشكل الايزوبرين مادة اوزن سامة لدى اختلاطه بملوثات هواء اخرى في ضوء الشمس.

وقال هويت ان "انتاج الوقود الحيوي على نطاق واسع في اوروبا سيكون له تأثير صغير ولكن مهم على معدل وفيات البشر وانتاج المحاصيل. "على حد علمنا لم يبحث أحد في جودة هواء زراعة محاصيل الوقود الحيوي من قبل." وقدر التقرير ان الاوزون المنبعث من الطاقة التي تعتمد على الاخشاب للوفاء بهدف الاتحاد الاوروبي لعام 2020 ستؤدي الى الوفاة المبكرة لنحو 1400 شخص سنويا مكلفة المجتمع 7.1 مليار دولار. بحسب رويترز.

واضافت الدراسة ان الخطة الاوروبية ستقلص ايضا القيمة السنوية لانتاج القمح والذرة بنحو 1.5 مليار دولار لان الاوزون يعيق نمو المحاصيل. واشارت الدراسة الى ان انشاء مزارع جديدة للوقود الحيوي في مناطق بعيدة عن المراكز السكانية الملوثة ستساعد في الحد من تكوين الاوزون. وقالت انه قد يتم استخدام الهندسة الوراثية للحد من انبعاث الايزوبرين. ويمكن ان يسبب الاوزون مشكلات في الرئة وينحى باللائمة عليه ايضا في قتل نحو 22 ألف شخص سنويا في اوروبا. وتقول وكالة البيئة الاوروبية ان تلوث الهواء بشكل عام ولاسيما من الوقود الاحفوري يؤدى الى الوفاة المبكرة لنحو 500 ألف شخص في اوروبا سنويا.

قوانين أوروبية

في السياق ذاته صوت البرلمان الأوروبي لصالح تقييد استخدام أنواع الوقود المصنوع من محاصيل غذائية نظرا لمخاوف من أن يدفع الوقود الحيوي أسعار الحبوب للارتفاع أو يسبب أضرارا للمناخ وهو ما يشكل ضربة جديدة لصناعة كانت مزدهرة في الماضي. وجاء تصويت المشرعين في ستراسبورج ليضع حدا أقصى لاستخدام تلك الأنواع من الوقود عند ستة في المئة من إجمالي الطلب على الوقود المستخدم في النقل في الاتحاد الأوروبي في عام 2020.

ورغم أن ذلك جاء أعلى قليلا من الحد الأقصى الذي فرضته المفوضية الأوروبية في أكتوبر تشرين الأول الماضي عند خمسة في المئة إلا أنه يشكل ضربة لمنتجي الوقود الحيوي في الاتحاد لأنه يمنعهم فعليا من زيادة مستويات الإنتاج الحالية. وفي عام 2009 وضع الاتحاد الأوروبي مستوى مستهدفا للطاقة المتجددة في النقل عند عشرة في المئة على أن يأتي معظم تلك الطاقة مما يسمى بالجيل الأول من الوقود المصنع من المحاصيل. بحسب رويترز.

ويتم مزج أنواع الوقود الحيوي مثل الإيثانول المصنوع من السكر أو الديزل الحيوي المصنوع من بذور اللفت مع الوقود التقليدي المستخدم في النقل. وكان الوقود الحيوي يهدف أساسا إلى خفض انبعاثات الكربون من وسائل النقل وتقليص اعتماد أوروبا على النفط المستورد. لكن المفوضية الأوروبية اضطرت لإعادة النظر في الأمر بعد مزاعم بأن تعطش اوروبا للوقود الحيوي دفع أسعار الغذاء العالمية للصعود إضافة إلى أدلة علمية على أن بعض أنواع الوقود الحيوي تسبب أضرارا للمناخ أكثر حتى من الوقود الأحفوري التقليدي. وقالت كورين ليباج العضوة الليبرالية الفرنسية في البرلمان الأوروبي التي قادت المناقشة البرلمانية عقب التصويت "لا يمكن أن نتمسك بسياسة لها مثل هذا التأثير السلبي على دول الجنوب وعلى أسعار الغذاء. في نهاية المطاف صوت البرلمان لصالح وضع حد أقصى مقبول."

اضف تعليق