q

يرى العلماء والمهتمون بأن المبدأ هو القانون أو القاعدة التي يجب أن تكون، أو عادة هي التي ينبغي اتباعها، أو يستحسن اتباعها، أو هو نتيجة حتمية لـ شيء ما، مثل القوانين التي لوحظت في الطبيعة أو الطريقة التي يتم عن طريقها بناء نظام معين، ومبادئ أي نظام هي ما يُفهم من قبل مستخدميه بأنها خصائصه الأساسية، أو تعكس الغرض من تصميمه، أو آلية تشغيله الفعالة التي سيكون من المستحيل تجاهل أي من مبادئها، وثمة تعريف آخر يرى أن المبدأ هو النقطة الأولى التي ينطلق منها تفكير الإنسان.

من هذا التعريف وسواه، نستطيع أن نخمّن ونفهم مدى أهمية المبادئ في حياة الانسان الفرد والجماعة، الأمة والمجتمع، ويمكن القول أن أهمية المبادئ في حياة الانسان تكمن في كونها تمثل جوهر القيم والأفكار التي يؤمن بها، والأهم من ذلك، أن سلوكه يستند بصورة حاسمة الى ما يرد في هذه المبادئ من توجيهات ومضامين تنطوي على خرائط عمل يتحرك الانسان في ضوئها، بل يتحرك المجتمع كله في ضوء المبادئ التي يؤمن بها.

ولهذا السبب يقول العارفون في هذا الشأن أن الانسان بلا مبادئ، كالساعة بلا عقارب، ويراد من هذا القول، ما فائدة الساعة حتى لو تتحرك، وحتى لو كانت دقيقة في عملها، طالما أنها لا تنتج شيئا، ولا تهدي الآخرين الى ضبط الوقت؟؟، وبعضهم يقول أن الانسان بلا مبادئ كالنهر بلا ماء، فما فائدة النهر عندما يجف مجراه من المياه ويكون غير قادر على منح الأرض أسباب النماء والبقاء والاستمرار في العطاء.

وقد بالغ بعض المهتمين والعلماء المختصين في أهمية دور المبادئ بحياة الناس، الى درجة التدخل في أدق تفاصيل حياة الانسان، فهي في هذه الحالة ليست كمالية ولا هامشية، بل المبدأ هو جوهر الانسان والحياة معا، اذ يتدخل في ادق تفاصيل حياته اليومية والدائمة، من هنا قال المعنيون أنك تستطيع أن تتعرف على مبادئ و قيم أية أمة من خلال مشاهدة إعلاناتها، فلغة هذه الاعلانات وتفاصيلها واهتمامها وافكارها والمشاريع التي تطرحها، ونوع الخدمات التي تقدمها، يمكن أن نستقي منها معرفة مبادئ تلك الأمة وطرائق تفكيرها.

ولهذا السبب يؤكد العلماء المختصون، أن المبادئ، على الرغم من أنها تبدأ مكتوبة بكلمات ولغات مختلفة، تطرح مضامين وأفكارا متعددة، لكنها في الوقت نفسه ليست شيئاً ميتاً يرقد في بطون الكتب، بل هي شيء حي يسكن في كيان الانسان الفرد والمجتمع، من دون أن يقصد هذا الامر، فيتم الايمان بالمبادئ بصورة آلية بعد الايمان بها.

العلاقة بين النموذج والمبدأ

 لكل مجال من مجالات الحياة نموذج يتصدر الجميع ويكون مثالا أفضل لهم، في الاقتصاد يوجد نموذج، وفي السياسة، وفي الادارة والاخلاق وسوى ذلك، فالنموذج هو الذي يسير في ضوئه الآخرون، يهتدون بأفكاره وسلوكه، ويخطون وفق خطواته، فكرا وعملا، كونه النموذج الأفضل لهم، فأخلاق النموذج على سبيل المثال، تصلح أن تكون أخلاق أمة بأكملها، وسلوكه سوف يكون سلوكا لملايين الناس، كونه النموذج الذي يقتدي به الشعب.

ويؤكد العلماء المختصون، أن ثمة ترابطا وتداخلا كبيرا بين المبدأ والنموذج، ولا يمكن الفصل بينهما، على أنهم يربطون نجاح المبادئ بنجاح النموذج، وهذا يجعل من الاخير بدرجة عالية بل قصوى من الأهمية، لأن فشل النموذج يعني فشل المبادئ، وفشل الأخيرة فشل لأمة وشعب بأكمله، فضلا عن فشل الفرد الذي ينتهي بجمع حاصل فشل الأفرد الى فشل المجتمع برمته.

من هنا تأتي أهمية أن يستوعب القائد (في أي مجال كان)، بأنه دائما يكون محط أنظار الأمة، وأن جميع الأفراد ومن كل الأعمار يستمعون الى أقواله وافكاره وينظرون الى افعاله، على أنها نموذج لهم، فهؤلاء جميعا يحاولون تقليد القائد (النموذج)، ويحاولون أن التشبّه به والتماثل معه في كل ما يقوم به من أفعال، كذلك يهتمون بمظهره ويقلدونه ايضا، كونه نموذجا لهم، هذه هي بالضبط أهمية ومكان من يقود الآخرين.

وعندما يقول العلماء بأن الأب هو النموذج الأول والأهم لأولاده لا يخطئون في ذلك، وكذلك هو موقع الأم، لهذا ينصح العلماء المختصون، أن يحذر الأب من الأفعال الشائنة أم أولاده، وكذلك يحذر الأقوال الخاطئة، لأن فعل الأب وقوله يبقى راسخا في عقلية الطفل ومخياله ويكبر هذا الأمر معه، وينطبق ذلك على الأم ايضا، لهذا ينبغي أن يحرص الأبوان كل الحرص في القول والسلوك، حيث ينعكس ذلك على شخصية الطفل ويكبر معه، ويتشبّه به في الحالتين، كون الأبوين هما النموذج الأول للأبناء.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فكل من يتبوّأ مكانا قياديا في مجال ما من مجالات الحياة، هو نموذج للآخرين، وخاصة من يتبعون له، ويكونون في أمرته، فهؤلاء يتأثرون بصورة مباشرة بمن يقودهم، حيث ينظرون له، في موقع المثال والنموذج لهم، وتصل درجة التأثير في تقليد القول والفعل والملبس، وأحيانا يتفوهون بنفس المفردات التي يتفوه بها النموذج، إعجابا به وتقليدا له، الى هذه الدرجة تصل خطورة القائد والأب والأم في حياة الآخرين.

كيف تنجح المبادئ؟

ثمة سبل كثيرة تسهم بصورة حتمية في نجاح المبادئ، ولكن درجة تأثير النموذج في نجاح المبادئ هي الأكبر والأكثر تأثيرا، فعندما تكون هناك مبادئ كثيرة وجيدة من حيث المضامين والأفكار والمصادر، هذا أمر جيد، ولكن ما فائدة المبادئ الجيدة، عندما لا يكون هناك إقبال عليها من المجتمع والأفراد؟؟، أليس من الأفضل أن تتم دراسة هذه الظاهرة ومعرفة أسبابها وكيف تتم معالجتها، لو أتينا الى المجتمعات الاسلامية ومنها المجتمع العراقي، فإننا نجد مبادئ اسلامية وانسانية جيدة في مضامينها، وهي كثيرة ومطروحة في الكتب وفي الخطب والأقوال وما شابه، بل يمتلك المسلمون تراثا هائلا من المبادئ الانسانية، ولكن عندما يخلو الواقع من النموذج الذي يلتزم بتلك المبادئ، سوف لن يكون لها تاثير مهم في المجتمع.

إذا هذه هي مشكلة المجتمعات الاسلامية والعربية، إننا نمتلك كم هائل من التراث المبدئي الانساني الكبير، لكننا في الحقيقة نفتقر الى الى القائد النموذج، ولهذا نعاني من مشكلات واضحة في حياتنا، ولعل أبسط مثال يمكن نأخذه من تأريخنا الساطع، عندما كان رسولنا الكريم (ص)، نموذجا لشعبه ابان ظهور الرسالة الاسلامية وانطلاقها، فالنجاح الهائل الذي حققه المسلمون بقيادة قائدهم النموذج النبي محمد (ص)، يأتي بالدرجة الاولى من دعم القائد للمبادئ ونشرها وترسيخها من خلال أقواله وأفعاله.

اليوم نحن لا نمتلك القائد النموذج، وقد لا نبالغ عندما نقول أننا لا نطبق مبادئنا، مع أننا نتمسك بها ونرددها كثيرا بالأقوال فقط، والسبب ليس في الناس البسطاء، بل يكمن السبب بالدرجة الأولى في ضعف او غياب النموذج، فلا يجد الناس من يسيرون في هديه قولا وسلوكا، وعندما يكون القائد فاشلا بسبب تمسكه بالمنصب والجاه والنفوذ وحماية مصالحه الشخصية والعائلية والحزبية، فإنه سوف يكون نموذجا سيئا، وقد يقلده الناس ولكن بطريقة لا تعود عليهم بالفائدة، لذا وضع العارفون في هذا المجال معادلة تنص على ما يلي: (كلما كان النموذج حاضرا بين الناس، كلما ازدهرت المبادئ وازداد تأثيرها في تطوير حياتهم).

اضف تعليق