q
من المؤسف جدا أن تكون البنى التحتية للكليات الأهلية أفضل من الجامعات الحكومية، والأسف نفسه ينتابنا عندما نجد ان الجانب العلمي لهذه الكليات لا يرقى الى مستوى التعليم الحكومي، وهذا لا يعني ان المستوى العلمي في التعليم الحكومي مرضي عنه تماما، او يتناسب مع مستويات الجودة التي نتطلع اليها...

من المؤسف جدا أن تكون البنى التحتية للكليات الأهلية أفضل من الجامعات الحكومية، والأسف نفسه ينتابنا عندما نجد ان الجانب العلمي لهذه الكليات لا يرقى الى مستوى التعليم الحكومي، وهذا لا يعني ان المستوى العلمي في التعليم الحكومي مرضي عنه تماما، او يتناسب مع مستويات الجودة التي نتطلع اليها، ولكن مع ذلك مازالت الجامعات الحكومية تتسم بحدود معينة من الرصانة.

ما يُسعد في الكليات الأهلية ان غالبيتها وفرت بيئة تعليمية مثالية للطلبة والتدريسيين، ولكن ما قيمة كل ذلك عندما تكون المخرجات بائسة، وألا يحصل الطلبة على التأهيل المناسب الذي يمكنهم من خدمة وطنهم بمعرفة علمية رصينة ومهارات عالية، تتناسب مع ما أنقته الدولة عليهم من أموال طائلة في مراحلهم الدراسية المختلفة من الابتدائية وحتى دخولهم الجامعة، او أن تكون أبواب الكليات الأهلية مشرعة لكل من لا يستحق الدخول الى الحرم الجامعي المقدس، وأن تتحول الى ما يشبه الكوفيات المنتشرة في مناطق بغداد الراقية، وأن تصبح مسرحا لعروض الأزياء وأنواع قصات الشعر الشبابية، وأشكال المكياج المبهر كما هو في مواقع التواصل الاجتماعي.

الحقيقة التي يعرفها الجميع ولا يحركون ساكنا ازاءها، هي ان المستثمرين لا يستهدفون سوى الربح المالي، وان الجوانب العلمية لا تشغل أية مساحة من تفكيرهم اطلاقا وان تحدثوا بها وعقدوا لها الاجتماعات، وانهم أصبحوا سلطة يتحاشى الكثيرون التعرض لها، وان هذه السلطة وبقوة المال تتعاظم سنة بعد اخرى، وقدراتها التأثيرية تنمو باطراد، وليس بالبعيد ذلك اليوم الذي يكون لها تأثيرات مفصلية حاسمة في العملية التعليمية بما يخدم مصالحها المادية، في وقت سيتعذر فيه مع تنامي هذه القدرات أن تتخذ الجهات المعنية ما يكبح تمادي أصحابها الذين سيشكلون ( كارتلات ) تتجاوز المؤسسة الجامعية لتمد أصابعها في السياسة والاقتصاد بدءا من البرلمان وانتهاء بالحكومة، المال يا جماعة يفعل ( الهوايل ) كما يقول مثلنا، فلا تستهينوا به، هم خبراء في النفاذ من الجدران مهما كانت صلدة، فما بالك عندما تكون الأبواب مفتوحة والمال حاضرا، وعندما يكون الربح المالي هو الهدف الأسمى، فان جميع مسارات المؤسسة توظف لهذا الغرض، وهذا التوظيف هو الذي قاد الى مظاهر التراجع العلمي وغيرها مما لا أريد الحديث عنها لأنها بادية للعيان.

قد يقاطعني أحدهم بالقول : ان هذه الكليات موجودة في كل العالم، وان نظامنا السياسي يذهب باتجاه الخصخصة، وعلينا أن نكيّف أنفسنا مع هذا التوجه، ويجب ألا نثقل كاهل الدولة المعنية بما هو مهم بتفاصيل يمكن أن يقوم بها القطاع الخاص، كلام جميل، لكن تلك الدول تمكنت من ضبط العملية التعليمية الأهلية بالقوانين والتعليمات المختلفة والرقابة الصارمة جدا بحيث لم تعد سائبة وتعمل على هوى أصحابها، وهذا ما لم يتحقق لدينا لأسباب شتى لا مجال للخوض فيها.

لا أتمنى أن نبقى طافين على بحر الوهم والأمنيات، بان مؤسسات الأهلية تقوم بأدوار تعليمية محترمة، الواقع يشير الى انها تصنع جيلا يخيم على غالبيته ( وهم المعرفة ) وهو أخطر من الجهل، لذا أقترح أن تكون الدولة شريكا في كلياتنا الأهلية، وان شراكة المستثمرين لا تتجاوز المساهمة بالأموال، وتحجيم أي دور لهم غير هذا، اما الادارة بجميع تفاصيلها فتتكفل بها وزارة التعليم العالي، ليكون حالها حال الجامعات الحكومية، بمعنى ان الأمر يكون شبيها بالقطاع المختلط، وبهذا يمكن لنا حماية العملية التعليمية من الادارة الفردية ( المقاولاتية ) غير العليمة، برؤية الدولة لأهمية جودة التعليم ودورها في خطط التنمية، هذا تعليم يا اخوان، لا مجال للخطأ فيه، ثمة فرق بين ادارة الأموال التي ينتهجها المستثمرون، وادارة التعليم التي تريدها الدولة، وذلك يعني ان الهدف مختلف بين الأثنين، فبين الخراب والنهوض ليس سوى اختلاف الهدف.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق