q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

متى نفوزُ بلقاء الإمام الحجة عجَّل الله فرجه؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

ونحن نعيش هذه الذكرى المباركة، من المستحسن أن نستثمرها الاستثمار الأمثل، فقد يكون اللقاء قريبا أو في أية لحظة إذا التزم الإنسان بما مطلوب منه، وفي هذه الحالة يضمن الإنسان نتيجتين كبيرتين، الأولى النجاح والسعادة في الدنيا لأنه لم يلوّث نفسه بالذنوب وأنواع الأوساخ الأخرى، والثانية وهي الفوز الأعظم بالدار الأخرى بشفاعة الإمام (عجل الله فرجه)...

(الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه، فاتح بابه لكلّ إنسان، ولكنه يطلب منّا

أن نتطهّر أوّلاً ثمّ نأتي للقائه) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

أرى مدينتي كتلة من الضوء، كأنها شعلة هابطة من قلب السماء، ومعالم الزينة والابتهاج تملأ شوارعها وساحاتها وبيوتها وعماراتها، ليس هناك مكانا من هذه المدينة المباركة إلا وتجد الضوء يتدفق منه، مع تيارات للبهجة متواصلة، تلامس القلوب قبل العيون، ولا يحتاج الأمر أن تسأل ما هي أسباب هذه البهجة والحبور والمسرّة الطافحة في الوجوه، ولماذا هذه الأضواء التي تبعث السرور في كل مكان.

إنها ولادة الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه)، لهذا ترى الوجوه متبسّمة وبشائر الخير تتدفق منها وأنوار الرضى تسطع فيها، وأمواج الحبور والمسرات ترافقها، هكذا يفرح الناس هنا بالزيارة الشعبانية، وهي التي تستدعي الزائرين من مدن العالم ومن عموم الدول الإسلامية لكي يتدفقوا على مدينة كربلاء المقدسة، ويحيوا مراسيم الزيارة الشعبانية.

إنها ولادة سليل النور النبوي، وخاتم أئمة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام)، الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)، هذه الولادة التي ينتظرها مئات الملايين في ربوع الأرض، حتى يتجدد في نفوسهم وقلوبهم وأرواحهم الأمل بحياة أجمل وأكثر عدالة وإنصافا، وقصاصا من أرباب الفساد والظلم والطغيان، لكي ينتشر العدل والإنصاف والمحبة في ربوعها.

الكل يحلم بلقاء الإمام المهدي (عجل الله فرجه) حتى يضمن مرضاة الله تعالى، ويحجز مكانا له في جنان النعيم، ولكن هناك شروط لكي يتحقق هذا اللقاء بالإمام، وهذه الشروط ليست تعجيزية ولا مستحيلة، إنها تتطلب نظافة الإنسان من الذنوب، عندها يتحقق اللقاء.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى محاضراته القيمة بمناسبة ولادة الإمام الحجة (عجل الله فرجه):

(إنّ الذنوب قاذورات وأوساخ وحيّات وعقارب تحيط بنا من الرأس إلى القدم وتكون مانعاً من تشرّفنا بلقاء صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، أي أننا لا نكون جديرين بسببها للقائه عليه السلام فنحرم هذا التوفيق).

تُرى هل هو طلب تعجيزيّ، الجواب كلا، إنه شرط ممكن التطبيق فيما لو تحصَّل الإنسان على الإرادة والإيمان، بأن يكون نظيفا من الذنوب، هذا يعني إن يده يجب أن تبقى بيضاء، ونفسه تكون نظيفة على الدوام، وقلبه يبقى منبعا للنور والإيمان وإنصاف الناس قبل نفسه، فالنظافة تعني العيش بأمن نفسي تام، ولام واطمئنان، للنفس التي تحمل هذه النظافة وللآخرين على حدا سواء، فالإنسان حين يكون نظيف النفس هو أول المستفيدين.

نظافة الجسد والنفس والروح

لابد أن الناس جربوا نظافة الجسد، ونظافة الروح، وعرفوا ما هي النتائج التي يحصلون عليها من هذه النظافة، فالإنسان حين يكون نظيف القلب والروح والجسد، سوف يعيش بكامل الاطمئنان والاستقرار النفسي، لأنه يحصّن نفسه وقلبه ويده من التجاوز على حقوق الآخرين، وبالتالي يكون محميا من ارتكاب الذنوب، وهذا هو المطلوب لكي نفوز بلقاء الإمام الحجة (عجل الله فرجه).

كنْ نظيفا من الذنوب تكن قريبا من إمام زمانك، هذه المعادلة يجب أن نحفها كما نحافظ على حياتنا وأولادنا وممتلكاتنا، فمن يريد الفوز عليه تطبيق شرط النظافة، وهذا السلوك فيه فائدة له، وهل تقبل أن تستقبل إنسانا ملوّثا بالأوساخ؟؟

لا يمكن ذلك، والذنوب هي أكثر الأوساخ تلويثا للإنسان، تلويثا لقلبه ولنفسه ولروحه، فيرفضه الإمام، لأنه ليس نظيفا، كما يتم رفض أي إنسان ملوَّث، لهذا يجب أن نحتاط كامل الحيطة من أن نلوث أنفسنا بالذنوب الوسخة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(لو أنّ رجلاً دقّ عليك الباب وأنت في غرفتك. وعند فتحك الباب رأيته كريه المنظر والرائحة لكثرة ما علق به من قاذورات ونجاسة وأوساخ وديدان وعقارب وحيات.. فهل ستسمح له بالدخول إلى المكان النظيف الذي تجلس فيه؟ كلاّ بالطبع).

ويضيف سماحته قائلا: (هذا يعني أنّك لو كنت في مكان صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف لما أذنت بلقاء رجل يحمل كلّ هذه القاذورات العالقة بلسانه وعينه وأذنه وأنفه ويده ورجله وبطنه وفكره.. وهي الذنوب).

وهو أمر بديهي إذ من غير المعقول أن تقبل بلقاء شخص مليء بالأوساخ، وهي الذنوب التي ارتكبها بحق الآخرين، مما يفقده فرصة اللقاء بإمام زمانه وتكون خسارته فادحة، فهو يخسر دنياه، ويفرّط بآخرته، ويصبح أتعس المخلوقات البشرية، كونه عجز عن صون نفسه من تلوث الذنوب لأنه لم يحمِ نفسه منها، ولم يحترز ولم يحتطْ ولم يبذل ما يكفي من المسعى المطلوب كي يحمي نفسه من أوساخ الدنيا، فخسر بذلك الفرصة التي كانت من الممكن أن توفر له الخلاص من شر الدنيا والفوز بخير الآخرة.

ردع النفس واليد عن أذى الآخرين

وهكذا تتضح لنا أسباب ضياع فرصة اللقاء بالإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، وهو أمر ممكن، إذا تمكن الإنسان من ردع نفسه وكفَّ لسانه ويده عن إلحاق الأذى بالناس، وهي أمور ليست صعبة على الإنسان الذي يمكنه السيطرة على نفسه، وهنا لابد من معرفة نتائج كفّ النفس واليد عن أذية الآخرين، فالإنسان في هذه الحالة يحقق فوائد ذاتية له بالإضافة إلى الفائدة التي يحصل عليها الناس في حالة حمايته لحقوقهم المختلفة.

وإذا عُرفَ السبب بطل العجب كما يُقال، والآن بعد أن عرفنا أسباب عدم قبول الإمام بلقاء الناس، فلابد لمن يرغب منهم، أن يردع نفسه من تلويثها بالذنوب حتى يكون الطريق سالكا أمامه إلى اللقاء بالإمام الحجة (عجل الله فرجه).

لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(عرفنا إذن لماذا لا نرى الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، فكلّ المشكلة تكمن هنا.. فينا نحن).

وأمر طبيعي أن يكون الإنسان نظيفا لكي نسمح له بلقائنا، فمن منّا يقبل باستقبال المتّسخين الملوثين؟، لا يمكن ذلك، وحتما إنك سوف تطلب منهم أن يتخلصوا من الأوساخ حتى يتسنى لهم إمكانية اللقاء، كذلك الأمر مع إمام الزمان (عجل الله فرجه)، فإنه يطالب بالنظافة والتخلص من أسباب التلوث كي يتم اللقاء، وحتى هذا الشرط هو يصب في فائدة من يقوم به قبل غيره من الناس، ولهذا فإن الإمام فاتح بابه للجميع ولكن الملوثين بالذنوب لا يمكنهم تحقيق هذا البقاء، وهو أمر منطقي ينطبق مع الأمور الصحيحة والمقبولة.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله يقول) عن هذه النقطة:

(كما أنّك تطلب من الشخص المنتن الذي أتى لزيارتك أن يذهب أوّلاّ ويزيل عنه الأوساخ والقاذورات ويرمي العقارب والديدان عنه ثم تقول له: تفضّل أهلاً وسهلاً فبابنا مفتوح لك، فكذلك الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف فاتح بابه لكلّ إنسان ولكنه يطلب منّا أن نتطهّر أوّلاً ثمّ نأتي للقائه).

في الختام، ونحن نعيش هذه الذكرى المباركة، من المستحسن أن نستثمرها الاستثمار الأمثل، فقد يكون اللقاء قريبا أو في أية لحظة إذا التزم الإنسان بما مطلوب منه، وفي هذه الحالة يضمن الإنسان نتيجتين كبيرتين، الأولى النجاح والسعادة في الدنيا لأنه لم يلوّث نفسه بالذنوب وأنواع الأوساخ الأخرى، والثانية وهي الفوز الأعظم بالدار الأخرى بشفاعة الإمام (عجل الله فرجه) عند الله تعالى.

اضف تعليق