q
ان النظام الانتخابي المختلط له تطبيقات دولية كثيرة تعد ناجحة وظروف البلدان التي لا زالت تطبقه مستقرة سياسيا وانتخابيا، مما لهذا النظام من قدرة على تحقيق حالة جيدة من الاستقرار السياسي وتحجيم المحاصصة والتوافقية الواسعة من جهة، ومعالجة حالة التشظي واتساع نطاق القوائم الفردية والفائزين الآحاد من جهة...

يشهد العراق جدلا سياسيا ونيابيا وشعبيا حول اعتماد نظام انتخابي جديد عبر ما طرح إزاء القراءة الأولى لتعديل ثالث لقانون انتخابات مجالس المحافظات رقم (١٢) لسنة ٢٠١٨ داخل مجلس النواب يكون مدخلا لتعديل قانون الانتخابات البرلمانية رقم (٩) لسنة ٢٠٢٠ بالاستناد الى ما قررته المحكمة الاتحادية بقرارها ١٥٩ اتحادية لسنة ٢٠٢١، اذ اوجبت حصول تدخل تشريعي من قبل مجلس النواب الحالي لتعديل قانون الانتخابات النيابية واعتماد نظام العد والفرز اليدوي بدل الالكتروني ووضع نظام انتخابي ينال ثقة الجميع عن طريق تشريع القوانين الموجبة لذلك، ما يعني ان القانون اعلاه يجب ان يعدل او يغير وهذا بحد ذاته سيثير جدل حول المتمسكين به والرافضين له.

اذ تتمسك الجهات النيابية التي وصلت الى البرلمان الحالي عن طريق القوائم الفردية كمرشحين مستقلين او قوائم انتخابية مستقلة بالقانون النافذ رقم (٩) لسنة ٢٠٢٠ المعتمد على نظام اعلى الاصوات (الصوت الواحد غير المتحول)، والدوائر الانتخابية المتعددة (٨٣) دائرة انتخابية، في حين تسعى القوى السياسية الحزبية التقليدية في الغالب الى عودة نظام التمثيل النسبي المعتمد على طريقة سانت ليغو المعدل وفق صيغة ١.٩، واعتماد نظام دائرة انتخابية واحدة لكل محافظة، في مسعى منها لاستعادة مكانتها الانتخابية وتكريس هيمنة زعماء الكتل السياسية من جديد ليكون صعود النواب عن طريق الاصوات التي يحصل عليها زعيم القائمة الانتخابية عند عدم حصولهم على العتبة الانتخابية المطلوبة، ويخدم ايضا قادة هذه الكتل الذين عزفوا عن الترشح في اخر انتخابات بسبب محدودية عدد الناخبين للدوائر المصغرة ما يحرجهم امام رمزيتهم الانتخابية التي كانوا سابقا يحصلون اضعافها بعشرات عشرات المرات وفقا لنظام التمثيل النسبي.

اذ تحاول القوى التقليدية استغلال غياب الكتلة الصدرية في مجلس النواب لإعادة التوازن لمجلس النواب عبر تضييق مجال فوز النواب المستقلين والقوائم الفردية اضافة الى عودة الوزن الانتخابي للصدريين وفق نظام التمثيل النسبي بما لا يتجاوز ما كانوا يحصلون عليه (ان لم يكن اقل) في الدورات السابقة لاعتماد نظام اعلى الاصوات في الانتخابات المبكرة الاخيرة، اضافة الى تحجيم وجود المستقلين في مجالس المحافظات مع الصدريين ان قرروا المشاركة فيها.

حقيقة لا تشكل مسألة تعديل وتغيير الانظمة الانتخابية بين الحين والاخر في الدول الديمقراطية غير المستقرة مثلبة وهذا ما اكده روبرت دال في كتابه عن الديمقراطية اذ اوصى باستبدال النظام الانتخابي فيها كلما وجدت انه لا يلبي احتياجاتها، والبحث عن نظام انتخابي يتلائم مع خصوصيات هذه الدول من كل النواحي، كما اوصى بضرورة دراسة جميع البدائل والخيارات المتوفرة بعناية عن طريق الاستعانة بخبراء في مجال الانظمة الانتخابية لوضع نظام انتخابي مقبول ومفهوم وسلس ويفسح المجال للجميع للوصول الى السلطة التمثيلية.

وهذه الامور تنطبق على الحالة العراقية باستثناء المقبولية وفسح المجال للجميع، اضافة الى تغييب دور الخبراء والاكاديميين في تشريع الانظمة الانتخابية باستثناء قانون الانتخابات الاخير النافذ حاليا رغم ان الرؤية السياسية كانت الاكثر حضورا في تشريع هذا القانون.

لا ينطلق العراق من الصفر في قوانينه الانتخابية، لكن ثمة حاجة إلى الاستفادة من التجارب الانتخابية الماضية، لا تجاهلها لتجاوز الاخفاقات فبعد ان جربنا نظام التمثيل النسبي وفق قاعدة سانت ليغو المعدل ونظام اعلى الاصوات وجربنا نظام الدائرة الانتخابية الواحدة ولكل محافظة دائرة انتخابية والدوائر المتعددة في اخر انتخابات (٨٣ دائرة، كل دائرة (٣-٥) مقاعد، ولكل نظام ايجابياته وسلبياته، فهما لم يكونا موضع قبول من قبل الجميع ولم يعكسا طبيعة وزن التمثيل الانتخابي بشكل صحيح لكل القوى السياسية كما انهما لم يكونا موضوع رضا شعبي رغم تحقق ذلك بشكل اكثر بقليل في القانون النافذ مع انه لم يحفز على المشاركة الانتخابية للمواطنين على الرغم من تعبيره عن رغباتهم بشكل اكثر عدلا من نظام التمثيل النسبي؛ لأمور تتعلق بمجمل العملية السياسية، وقضية الانتخابات ومخرجاتها جزءً من ذلك.

ولهذا يحتاج العراق الان قانون انتخابات جديد تتم مناقشته سياسيا ونيابيا وشعبيا على نطاق واسع دون تسرع للوصول الى نظام انتخابي يتم اعتماده وكيفية توزيع الدوائر الانتخابية بشكل يضمن التمثيل العادل للجميع، ولا بد أن يسبق أي بحث عن نظام انتخابي جديد، الاتفاق من قبل جميع القوى السياسية والاجتماعية على ان يكون هذا النظام خارج الاصطفافات الطائفية والمذهبية والمناطقية ويعمل على تجديد الحياة السياسية وبنائها على اسس وقواعد صلبة تخرج البلد من الأزمات المتلاحقة التي تعصف بمؤسساته السياسية والدستورية، لا ان يكون هذا النظام بمثابة بوابة لإعادة تموضع القوى التقليدية في السلطة. ولابد ان يتضمن هذا النظام نصوص قانونية تتلاءم مع انظمة الانتخابات العصرية المطبقة في معظم دول العالم، وبموازاة ذلك لابد من اعادة قراءة شاملة ومعمقة لمختلف النصوص القانونية التي ترعى قوانين الانتخاب المتعاقبة والتي ممكن ملائمتها للواقع الانتخابي في العراق حاليا.

وهذا الامر بحاجة الى تفعيل احترام الدستور وتطبيق المبادئ والمعايير الدستورية في الانتخابات وتحديث النظام الانتخابي المطلوب تشريعه وفقا للمعطيات والتحولات، وهذا يستلزم التفكير في أي نظام انتخابي نعتمده؟ وما هي المعايير الدستورية للانتخابات العامة في العراق؟ وأي توصيات واستراتيجيات لتحسين اداء الانتخابات العامة؟ مع وجود مفوضية عليا مستقلة للانتخابات تكون مهنية وعملية وحيادية. اذ لابد من تشريع قانون او أي تعديل يحصل ان يحدد فيه معايير دستورية لقانون الانتخابات، اذ لا يجوز أن يتعارض القانون مع الدستور وهنا يتم الاتفاق على تشريع او تعديل (لقانون الانتخابات وقانون المفوضية العليا للانتخابات) وارسالهما الى المحكمة الاتحادية للنظر بدستوريتهما لحل الاشكال الدستوري فيهما ان وجد.

في ضوء كل ما ذكر من جدل حول صيغة النظام الانتخابي المطلوب فان هذه التجارب الانتخابية التي طبقها العراق تدفع باتجاه الاستفادة من ايجابيات كل نظام انتخابي طبقه بعد العام ٢٠٠٥، ويندرج امامنا النظام الانتخابي المختلط الذي يعتمد على نوعين من الانتخاب اولهما: بالاغلبية (الصوت الواحد غير المتحول)، والثاني: عن طريق التمثيل النسبي وفق قاعدة سانت ليغو لكن بنسبة ١.٧ وليس ١.٩، وذلك لعدم هدر الاصوات في الاول وعدم تكريس هيمنة زعماء الكتل السياسية وذهاب صوت الناخب لمرشح لم ينتخبه في الثاني، وهنا يتم انتخاب ١٦٠ نائب عن طريق الاول وفق نظام الدوائر المتعددة (٨٣) وانتخاب ١٦٠ نائب اخر عن طريق نظام التمثيل النسبي الذي يقسم العراق على اساس كل محافظة دائرة انتخابية واحدة وفق نظام سانت ليغو المعدل ١.٧، ويحق لكل ناخب التصويت مرتين، مرة لمرشحي قوائم ودوائر الاغلبية، والمرة الثانية لمرشحي قوائم ودوائر التمثيل النسبي في ورقة ممغنطة واحدة، اما المقاعد التسعة المتبقية والمخصصة للاقليات فيتم التنافس فيها باعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة.

اما الكوتا النسوية فيتم ضمان تمثيلها وتحقيق الكوتا النسوية من قوائم التمثيل النسبي ان لم تتحقق عن طريق قوائم الاغلبية، مع اعتماد نظام العد والفرز اليدوي كما قررت المحكمة الاتحادية ذلك حسما لإشكالات التزوير والطعن بالنتائج وتأخير مجريات تشكيل الحكومة وما يسبقها من سياقات دستورية تتعلق بتحديد هوية الكتلة الاكبر وانتخاب رئيس الجمهورية. وهذا النظام المختلط ينسحب على انتخابات مجالس المحافظات وفق انتخاب نصف الاعضاء بالأغلبية والنصف الاخر بالتمثيل النسبي مع مراعاة الكوتا النسوية ومقاعد الاقليات حسب ما ذكرناه في مقترح النظام المختلط لانتخاب اعضاء مجلس النواب واعتماد الدوائر المتعددة في القانون (٨٣) دائرة انتخابية.

ان النظام الانتخابي المختلط له تطبيقات دولية كثيرة تعد ناجحة وظروف البلدان التي لا زالت تطبقه مستقرة سياسيا وانتخابيا، مما لهذا النظام من قدرة على تحقيق حالة جيدة من الاستقرار السياسي وتحجيم المحاصصة والتوافقية الواسعة من جهة، ومعالجة حالة التشظي واتساع نطاق القوائم الفردية والفائزين الآحاد من جهة اخرى، مما يدفع القوى الفائزة الى تشكيل تحالف واحد او اثنين لإدارة الدولة وتحقيق اغلبية برلمانية واسعة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2023 Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق