q
يعتمد التعلم المرئي على التدريس التفاعلي بين المدرسين والطلاب، ويزرع في نفوس الطلبة حب التحدي والسعي إلى تحقيق طموحاتهم، قد يبدو للبعض أن المدرسة المتميزة هي التي تهتم بتكثيف الواجبات الدراسية، وتتيح للطلاب فصولًا دراسيةً صغيرةً نسبيًّا وتوفر لهم يومًا دراسيًّا طويلًا، لكن الأبحاث العلمية...
بقلم: هبه حسين

قد يبدو للبعض أن المدرسة المتميزة هي التي تهتم بتكثيف الواجبات الدراسية، وتتيح للطلاب فصولًا دراسيةً صغيرةً نسبيًّا وتوفر لهم يومًا دراسيًّا طويلًا، لكن الأبحاث العلمية أكدت أن أهم عامل مؤثر في عملية التعليم هو التدريس التفاعلي، وفق ما انتهى إليه "جون هاتي"، الخبير المشهور عالميًّا بإجراء أكثر الأبحاث شمولًا حتى الآن حول أفضل الممارسات في الفصول الدراسية.

يُعتبر "هاتي" أحد أشهر الباحثين على مستوى العالم في مجال التدريس، ويُعد كتابه الصادر عام 2008 تحت عنوان "التعلم المرئي" (Visible Learning) من أهم الكتب في مجال العملية التعليمية؛ إذ تضمَّن نتائج أكثر من خمسة عشر عامًا من البحث، وشارك فيه ملايين الطلاب ومثَّل أكبر مجموعة على الإطلاق من الأبحاث القائمة على الأدلة حول ما يصلح بالفعل في المدارس لتحسين العملية التعليمية.

ومن واقع دراساته المكثفة، لا يرى "هاتي" أن العوامل الشائعة، من الواجبات المنزلية إلى حجم الفصل الدراسي، ذات تأثير كبير على نتائج التعلم، مؤكدًا أن "العوامل الرئيسة المؤثرة هي الأطر الذهنية للمعلم، وما إذا كان الطلاب قد تم إعطاؤهم هدفًا واضحًا، ومدى فهمهم لرحلة التعلم".

يقول "هاتي" في تصريحات لـ"للعلم": تم تطبيق السياسات التعليمية التي وضعتها في كلٍّ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، وكندا، وماليزيا ونيوزيلاندا، كما بدأ العمل بها في إفريقيا وأمريكا الجنوبية واليابان وليتوانيا والمجر والدانمارك وألمانيا، وذلك بخلاف دول أخرى استفادت من هذه السياسات.

صدر كتاب "هاتي" الأول في عام 2008، ولقي إشادة كبيرة من النقاد، ويحتوي على التحليل الأكثر شمولًا لما تم تجميعه في المدارس على الإطلاق، مع أنظمة تصنيف سهلة الفهم، وكان مفهوم الكتاب بسيطًا؛ إذ قام على استخدام أكبر قدر ممكن من البيانات لفهم أفضل تقنيات الفصل الدراسي لتحسين تعلُّم الطلاب.

وحظي الكتاب بأهمية بالغة لدى المعلمين وصانعي السياسات في السنوات الخمس عشرة الماضية؛ إذ بِيع منه أكثر من مليوني نسخة في جميع أنحاء العالم وتم نشره بـ27 لغة، والجديد هو صدور ملحق لهذه السلسلة التعليمية في 20 فبراير 2023، تتعمق بشكل أكبر في الإحصائيات لاستخلاص أفضل الأفكار الممكنة.

في نسخته الأولى من الكتاب، استخدم "هاتي" 870 تحليلًا إحصائيًّا للدراسات، ودمج نتائج 95 ألف دراسة بعناية شملت أكثر من 300 مليون طالب على مستوى العالم، لفهم مدى تأثير الثقافة المدرسية وأسلوب التدريس على عملية "التعلم".

أما الملحق الجديد للكتاب والصادر عن دار نشر "تايلور آند فرانسيس جروب"، فهو نتيجة البحث في 2100 تحليل إحصائي على مدى 40 عامًا، تم استخلاصها من 130 ألف دراسة شملت 400 مليون طالب من جميع أنحاء العالم، وفق بيان صحفي حصلت مجلة "للعلم" على نسخة منه.

ويوضح "هاتي" في البيان المصاحب للإعلان عن ظهور ملحق الكتاب أن "الأمر لا يتعلق بتلميحات ونصائح يتم توجيهها إلى الطلاب كي يحصلوا على درجات عالية، وإنما يتعلق الأمر بتغيير ثقافة التعليم بحيث يكون المعلمون متحمسين للتدريس، ويكون الطلاب متحمسين ومشاركين في التعلم.

يضف "هاتي" في تصريحات لـ"للعلم": كل طفل يستطيع أن يتعلم وينمو، ويمكن تعليمه حب التعلم، وأهم شيء يقوم به المدرس هو أن تكون لديه توقعات كبرى لجميع الطلبة، وأن يرى الفروق بينهم وكأنها فرص للتعلم بطرق مختلفة، وأن يزرع في نفوس الطلبة حب التحدي ليحققوا طموحاتهم، نريد أن يثق الطلبة بمعلميهم ويعرفوا ماذا يدرسون ولماذا، ويدركوا مدى تقدمهم في أثناء التعلم.

ويتابع: تدريب المعلمين وتغيير ثقافة التعليم يحتاجان إلى قيادة عظيمة تركز على الخبرة، وتقيم العملية التعليمية بشكل موثوق به، والاستعانة بالخبرات التعليمية -التي تبين أنها موجودة في كل مدرسة وبلد- من أجل تطبيق سياسات "التعلم المرئي"، ويمكن البدء بمساعدة المدارس والأنظمة في التشخيص العميق لمشكلاتها، لتحديد نوعية التدخلات، فعلى سبيل المثال، إذا كانت هناك رغبة في عمل تحسينات مستدامة في مادة الرياضيات والقراءة، فإن ذلك يتطلب مدة من 3 إلى 4 سنوات، ولدينا أدلة على إمكانية تحسين الأنظمة بكاملها في هذا الوقت.

يقول "هاتي": يمكن التغلب على المعوقات التي تحول دون التعليم الجيد من خلال جرأة الزعماء بالتركيز على العامل المؤثر في تعليم الطلبة وهو الاستثمار في خبرة المعلمين، وهناك كثير من الإلهاءات مثل العبث بالمنهج الدراسي، والقلق بشأن هياكل المباني وأشكال الفصول الدراسية، والمجموعات والمسميات، بينما يحتاج الأمر إلى تدريب المعلمين وتحسين كفاءتهم وتنظيم زيارات لهم إلى المدارس التي اتبعت سياسات التعلم المرئي للاقتداء بها، وينطبق الأمر نفسه على المدارس في مصر، ولكن غالبًا لا توجد الشجاعة الكافية لاتخاذ مثل هذه الإجراءات، إنه عمل شاق بالفعل، ولكنه العمل الصحيح.

اضف تعليق