q
العراق الحديث بني على مراحل، وايضا تم تدميره على مراحل! البناء وان كان بطيئا لكنه كان سهلا قياسا الى الترميم الذي يحصل بعد كل جولة تدمير، ونحن نعرف المراحل التي تعرضت فيها الدولة ومؤسساتها الى تدمير ونعرف ايضا حجم الثمن الذي دفعناه...

يتفق البناؤون في العالم، وكل اصحاب الخبرة في هذا المجال، ان بناء اية منشأة او دار، اسهل بكثير من اعادة ترميمها بعد تخريب اصابها، وستكون المهمة اعقد واصعب كلما كان التخريب كبيرا.. العراق الحديث بني على مراحل، وايضا تم تدميره على مراحل! البناء وان كان بطيئا لكنه كان سهلا قياسا الى الترميم الذي يحصل بعد كل جولة تدمير، ونحن نعرف المراحل التي تعرضت فيها الدولة ومؤسساتها الى تدمير ونعرف ايضا حجم الثمن الذي دفعناه، ولا نريد ان نخوض في تفاصيل ما حدث ومسؤولية من، لان هذا يدخلنا في جدل طويل لسنا بصدد الحديث عنه الان.

فما نريد قوله هنا هو ان البعض بيننا لا يريد ان يعرف حجم التدمير والخراب الذي شمل جميع مفاصل الحياة بعد العام 2003 بلحاظ ان البلاد تعرضت الى تدمير شبه شامل في حرب العام 1991 ، وشلّ الحصار الطويل الحياة فيها لنحو ثلاثة عشر عاما.

تدمير ما بعد الاحتلال كان الأكثر قسوة، لأنه استهدف الانسان قبل البناء واستهدف روح الدولة قبل مؤسساتها، وكان الهدف منه التمهيد لتفكيكها وفقا للدستور والقوانين التي مهدت ايضا لتقسيم الشعب وخلق فجوات نفسية بين ابنائه.

وبعيدا ايضا عن التفاصيل التي رافقت ذلك وما دفعناه من ثمن، نقول ان العراق بعد ثورة تشرين بدأ يتعافى تدريجيا، ولعل اهم ما تحقق هو ان العراقيين باتوا ينبذون الأسس الثقافية التي قامت عليها (العملية السياسية) والمتمثلة بمفهوم المكونات والفدرلة وغيرها، وهذا الرفض هو الممهد الشرعي لثورة تشرين، مثلما ان الثورة نفسها هي الممهد الحقيقي لبناء البلاد من جديد، لكن البلاد وبعد سنين طويلة من التخريب المنظم اصبحت اعادة بنائها اعقد واكثر كلفة.

بعض العراقيين لم ينتبه الى عدد الدورات المتخرجة من الكلية العسكرية وكلية الشرطة وغيرها من الحلقات المفصلية للدولة، ولم ينتبه الى عودة الانضباط لهذه المؤسسات، وان ليس بالمستوى الذي كان عليه سابقا، لكن الامر لا يقارن ابدا بالسنين الاولى، حيث اللاّمهنية والضباط (الدمج) والفوضى العارمة الي اوصلتنا الى كارثة داعش والخراب المضاف للخراب السابق، او الذي جاء نتيجة طبيعية له.

هذا البعض من العراقيين يريد تغييرا شاملا في كل مفاصل الدولة بشكل فوري، وينعى ثورة تشرين لأنها، كما يزعم، لم تقدم شيئا على ارض الواقع! لا نلوم الناس البسطاء ان تحدثوا بذلك لانهم قد لا يعرفون التعقيدات التي تواجه عملية اعادة ترميم البلاد بعد كل هذا الخراب، لكن ان يكون المثقف والمتعلم هو من يبث اليأس في نفوس الناس، فإن هذا خراب مضاعف وتثبيط للعزائم وخدمة مجانية لمن يريد ابقاء الاوضاع على ما هي عليه او اعادتها للسابق.

نعم وبكل وضوح نقول، ان السلاح المنفلت لن يتم القضاء عليه الاّ بعد ان تبنى مؤسسة عسكرية وامنية رصينة، وهذا ما تسير عليه البلاد فعلا وليس تمنيا، والفساد لن ينتهي بقرار بل بإرادة سياسية والإرادة السياسية تحتاج الى آليات موضوعية ومهنية لتجسدها في الواقع، وليس للحماسة فقط.

فخراب هذه المدة الطويلة يحتاج الى مدة مناسبة لإصلاحه ولن يتم بين ليلة وضحاها، او كما كان الكثيرون يريدون ذلك من حكومة الكاظمي، بعد تسلمها لمهامها بأشهر قليلة .. علينا ان لا نسكت عن المطالبة بكل ما يحتاجه الشعب، لكن ايضا علينا ان لانطلب مالا تستطيع مؤسسات الدولة فعله الان، لأنها في طريقها للنضج وسيجد الفاسدون انفسهم امام حقيقة مختلفة، ودولة بإرادة سياسية قادرة على انفاذها في الواقع.. وهذه ليست تمنيات بل حقائق.. والعراق لن يعود الى الوراء او يكون في جيب هذه الجهة او تلك كما كان في مرحلة ما... ولن!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق