q
لا يخلو الامر من مسحة فساد، نقول هكذا لان ما يمر به القطاع التعليمي وبالأخص في المراحل الأولية، لم يكن ببعيد عن انظار المسؤولين عن هذا الملف، ابتداء من وزارة التربية وصولا الى اللجان البرلمانية المختصة، اذ ينم ذلك عن ضعف الدور الرقابي والمتابعة المستمرة لما حل بالكيان العلمي...

لا يُبالي أولياء الأمور في العراق بدفع الملايين من الدنانير لأجل تعليم ابناءهم ووصولهم الى مستوى علمي مقبول يمكنهم من صنع مستقبل أفضل لهم، وهو ما جعل الاقبال على المدارس الاهلية كبير جدا مقارنة بالتسجيل على المقاعد في نظيرتها الحكومية، ويجري ذلك دون التعرف على نوع التعليم في هذه المدارس (أي الاهلية)، وماهي إمكانية الطواقم التربوية فيها.

المدارس الحكومية تحولت في السنوات الأخيرة الى كابوس يطارد الأشخاص الذين يرغبون بأن يحصل ابناءهم على فرص تعليمية جيدة، ومن حقهم ان يكون تردي القطاع التعليمي بالنسبة لهم كابوس مخيف، والسبب في ذلك يعود الى الخوف على مستقبلهم، وهم يعون أهمية التسلح والتحصن بالعلم الذي يعتبر النقطة الأساسية للانطلاق نحو كل شيء.

وطبقا للسبب السابق تحولت المدارس الاهلية في عموم العراق الى قبلة مباشرة لأولياء الأمور الذين يبحثون عن وسيلة ما، تجعل ابناءهم أكثر تعلما من غيرهم، وبالنتيجة لا تجد سبيل سوى الانخراط في المقاعد الاهلية التي يدفعون من اجلها ملايين لمختلف المراحل الدراسية ولا يوجد ضامن حقيقي للتفوق والتميز لهؤلاء الذين كلفوا ذويهم مبالغ طائلة في مراحل الاعداد لمستقبل مزدهر.

فطرة الانسان التي جُبل عليها هي البحث عن التميز في كل شيء، ولعل البحث في متاهات المدارس الاهلية عن الضالة هو تفسير منطقي لذلك الهدف، لكن وتحديدا في السنوات الأخيرة تغيرت النظرة الإيجابية عن هذه المدارس الى حد ما، اذ حصل تفاوت كبير ما بين المصاريف المكلفة والنتائج العلمية الطبيعية او الأقل من ذلك، فالكثير ممن أنهى دراسته الابتدائية والمتوسطة جلس مع اقرانه في المدارس الحكومية على نفس المقاعد الجامعية.

وهذا الجلوس بحد ذاته يعتبر كالصعقة الكهربائية التي اصابت أولياء الأمور الباحثين عن التفرد والصاقه بأبنائهم، وقد قرر الكثير منهم بأن يعدل طريقة التعاطي مع المدارس الاهلية، والا يعتبرها المصباح السحري والمارد الذي ينهض بالأبناء ويغير احوالهم نحو الأفضل بعيدا عن الظروف المحيطة بهم.

التغيير الجذري والتحسن الحقيقي له العديد من القواعد التي لابد من اتباعها، فالأهل هم حجر الزاوية التي يتوقف عليها تطور المستوى العلمي والدراسي للأبناء، فلا يمكن ان تنهض شريحة من الطلبة خارج دائرة اهتمام الاهل، مهما بلغت الطواقم التربوية من الحرفية والاهتمام الكبيرين.

لعل البعض وانا واحد من أبناء المجتمع الذين لا يعرفون كل ما يتعلق بالتعليم في المدارس الاهلية، لكن وبحسب الاطلاع ويمكن القول بالمختصر البسيط، انه أصبح مجال استثماري أكثر منه تربوي، فالأموال الطائلة والعائدات المغرية اسالت لعاب أصحاب رؤوس الأموال الباحثين عن الربح الكبير والسريع في نفس الآن، لذا تحولت هذه المنافذ التربوية الى دكاكين ربحية.

او ربما يصح ان نطلق عليها مولات تجارية، ومن يتابع هذه الأماكن التجارية يجدها بين الحين والآخر تقوم بعروض مغرية من اجل التسوق، بما توفره للأهالي من تسهيلات في التسديد وتخفيض بالأجور، وهكذا الحال بالنسبة للكثير من المجموعات التربوية، فهي تعمد الى هذا الأسلوب لترغيب الأهالي في زج الأبناء ضمن فصولها الدراسية، وبالتالي الاهل يبحثون عمن يتساهل معهم ولو بمبلغ بسيط نظرا لقسوة الحياة وصعوبتها.

التعامل مع المرفق التربوي والتعليمي وفق هذه الصورة يعني المباشرة بهدم وخلخلة المنظومة التعليمية في البلاد، وجميع المؤشرات تؤكد الذهاب بهذا الاتجاه، ولا حاجة لأجراء دراسة مقارنة، الأمور واضحة للعيان والتفوق بالعدد مؤشر ودليل على وضع المرافق التربوية الحكومية بالمرتبة الثانية، نظرا لافتقارها مقومات التعليم الرصين وترهل بناها التحتية.

ولا يخلو الامر من مسحة فساد، نقول هكذا لان ما يمر به القطاع التعليمي وبالأخص في المراحل الأولية، لم يكن ببعيد عن انظار المسؤولين عن هذا الملف، ابتداء من وزارة التربية وصولا الى اللجان البرلمانية المختصة، اذ ينم ذلك عن ضعف الدور الرقابي والمتابعة المستمرة لما حل بالكيان العلمي.

ومما يؤسف له هو عدم جدية وجدوى اللجان المكلفة بالمراقبة الفعلية لعمل هذه المؤسسات التربوية الاهلية، وكل لجنة تشكل يمكن اختراقها بالأموال واسكات صوتها المطالب بتحسين وجودة العملية التعليمية، وبالنتيجة يقع الطالب وذويه ضحية الفساد وخيانة الضمير الذي تمارسه اللجان المتعاقبة.

نتيجة حتمية لكل ما سبق، هو عدم انتظار تقدم او ازدهار علمي في السنوات القادمة، ولعل العكس هو المتوقع الحصول، فالتراجع واقع لا محالة، ما لم تكن هنالك صحوة جادة لتجنيب الأجيال القادمة دفع الاثمان الباهظة التي يأتي في مقدمتها ضياع سمعة البلد العلمية وتخلف الأجيال جيلا بعد آخر.

اضف تعليق