q
ارتفعت أسهم الفكرة الداعية إلى تشكيل "حكومة طوارئ في العراق"، لتجاوز فشل القوى السياسية في تشكيل الحكومة وفقاً للاستحقاقات الدستورية، إذ مرت ثمانية شهور على إجراء انتخابات تشرين دون القدرة على جمع الفرقاء على كلمة واحدة، ولا يوجد أمل باتفاق زعماء الأحزاب العراقية الكبيرة على صيغة تؤدي إلى ولادة حكومة جديدة...

ارتفعت أسهم الفكرة الداعية إلى تشكيل "حكومة طوارئ في العراق"، لتجاوز فشل القوى السياسية في تشكيل الحكومة وفقاً للاستحقاقات الدستورية، إذ مرت ثمانية شهور على إجراء انتخابات العاشر من تشرين الأول 2021 دون القدرة على جمع الفرقاء على كلمة واحدة.

ولا يوجد أمل باتفاق زعماء الأحزاب العراقية الكبيرة على صيغة تؤدي إلى ولادة حكومة جديدة، فالخلافات عميقة والخطوط متناقضة ومتباعدة.

وقد تلوح في الأفق بوادر للحل بعد استقالة نواب الكتلة الصدرية بأمر من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر واستبدالهم بنواب من الإطار التنسيقي الشيعي الذي كان نداً قوياً للتيار ومطالباً بحكومة التوافق، وهو (الإطار) جزء من العقدة التي وقفت بوجه تشكيل حكومة الأغلبية التي أرادها الصدر.

كان الصدر برفقة تحالف انقاذ وطن يخططون للسيطرة على حكومة أغلبية وطنية، يقودها رئيس وزراء صدري، وفشلت محاولتهم بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا الذي فسر أغلبية الثلثين لانتخاب رئيس الجمهورية بوجود أكثر من 220 نائباً، ولم يستطع التحالف جمع هذا العدد من النواب، ليضطر الصدر إلى إصدار أوامره لنواب الكتلة الصدرية لتقديم استقالاتهم.

الفكرة السائدة قبل استقالة نواب التيار وبعدها، أن أي حكومة سيشكلها التيار الصدري سوف تفشل، بل أن محاولات التيار لتشكيل كانت رفيقة الفشل إذا كانت بدون الإطار التنسيقي، والعكس صحيح أيضاً.

وكانت الآراء السائدة قبل الاستقالة أن التيار حتى لو استطاع تشكيل الحكومة سوف يتعرض للفشل، ونفس الأمر ينطبق على الإطار التنسيقي، لأمور تتعلق بطبيعة التوازنات السياسية والعسكرية والشعبية، التي لم تنتج أي رابح حقيقي ولا خاسر حقيقي.

كما قد يضاف إلى ما سبق عقدة عدم الاحتكام إلى الدستور في قضايا عديدة وتغليب الرأي الأجنبي لفك الاختناقات السياسية.

الحقيقة التي يجب أن لا ننكرها أننا نعيش دولة المكونات الصغيرة غير المتجانسة بالشكل الكافي الذي يجعلها غير قابلة لتطبيق المعايير الديمقراطية المتمثلة بحكم الأغلبية، التوافق صار دستوراً عرفياً موازياً للدستور المكتوب، ولا نبالغ إذا قلنا أن مخالفة الدستور العرفي هذا يعد جريمة أشد من مخالفة الدستور المكتوب نفسه، حيث تستطيع الكتل السياسية مخالفة بنود الدستور الرسمي للبلاد، وتمضي بالعادة بدون أثر على علاقاتها السياسية، لكن يصعب كسر عرف معمول به منذ سنوات، لأننا شعب يلتزم بالعرف أكثر من التزامه بالنصوص.

والمعادلة السياسية الحالية لم تفرز أي فائز حقيقي في البرلمان، كل طرف يحتاج إلى الآخر، ومن منطق الواقعية السياسية فإن الوضع الحالي بحاجة إلى التوافق أكثر من حاجته لحكومة أغلبية سياسية، ففي بلد تكون القوة موزعة بين جميع الأطراف فإن أي محاولة أحادية للتوفق على الآخرين تبوء بالفشل، ولنا في محاولة التيار الصدري مثالاً.

صحيح أن التوافقية السياسية تعرقل عمل الحكومة وتشلها تماماً، بينما الأغلبية السياسية غير ممكنة لأنه من الصعب الانتقال من عرف سياسي راسخ إلى أسلوب جديد بالحكم، ففي وقت التغيير الجميع يشعر بالخطر ويقفون بالضد منه.

نحن نعيش في عقدة كبيرة، لا توافق ينفعنا، ولا أغلبية تنجح، لا سيما بعد انسحاب أكبر كتلة برلمانية واستقالة نوابها، وتوقع عدد من المتابعين بفشل أي حكومة لا يكون فيها التيار الصدري، لترتفع مؤخراً بعض الأصوات التي تروج لحكومة الطوارئ، بحجة الانسداد السياسي وغياب الحلول.

هذه الفكرة خطيرة وعلينا محاربتها، فمن يطرحها، أما يكون فقيراً معرفياً ويدعو لشيء لا يفهمه، أو يكون صاحب مشروع حقيقي لتأليف حكومة الطوارئ، وكلاهما خطير على العراق، لأن أي حكومة طوارئ تعني دفن الديمقراطية في مقابر التاريخ، وانبعاث الديكتاتورية من جديد.

فحينما تتشكل حكومة الطوارئ لن تكون هناك أصوات معارضة ولو بشكل نسبي، ولا وسائل إعلام مستقلة، ولا حرية للرأي، وسوف تنبعث الديكتاتورية كالوحش بسرعة هائلة.

علينا الحذر كل الحذر من طرح مثل هذه الأفكار لأنها خطيرة وتعرض لمهالك الديكتاتورية.

اضف تعليق