q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

الفصل بين السلطات في الفكر الاسلامي

قراءة من أفكار السيد مرتضى الشيرازي

الدافع الرئيسي لظهور هذا المبدأ السياسي هو الخوف من الاستبداد الذي يترتب على تركيز السلطات الثلاث في يد واحدة أو هيئة واحدة. و(لكن التطبيق العملي لهذا المبدأ على مستوى الحكم الواقعي اثبت استحالة الفصل المطلق بين السلطات الثلاث مما جعل من المبرر واقعيا حدوث تداخلات بين السلطتين...

تنبع السلطة من حاجة الحياة الاجتماعية إلى النظام والسلم والأمن، وإلى أهمية توافر الاستقرار والاستمرار الاجتماعي، وتحديد الحقوق والواجبات الاجتماعية، وإيقاف التنافس بين الأفراد والجماعات عند حدود عدم الإخلال بذلك كله... وقد يتعدد استخدام كلمة (سلطة) في إطار الهيئات والتنظيمات الاجتماعية المختصة، فيقال سلطة دينية وسلطة عسكرية... ولكن (السلطة) العليا تبقى في يد الدولة صاحبة الحق في إصدار القوانين وفرضها.

وعٌرفت السلطة السياسية بـ: (تلك الهيئة المنظمة التي تتولى حكم الشعب والإشراف على مصالحه ورعايتها، وإدارة الإقليم وحمايته، وتعميره وتنظيم استغلال ثرواته) وهناك من عرفها على أنها (المرجع الأعلى، المسلم له بالنفوذ أو الهيئة الاجتماعية، القادرة على فرض إرادتها على الإرادات الأخرى، بحيث تعترف الهيئات الأخرى لها بالقيادة والفصل، وبقدرتها وبحقها في المحاكمة وإنزال العقوبات، وبكل ما يضفي عليها الشرعية، ويوجب احترامها والالتزام بقراراتها).

وفي الدول الحديثة يجري التمييز بين سلطات ثلاث هي: السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية، على وفق ما يُعرف بمبدأ (الفصل بين السلطات) وهو مبدأ سياسي يقوم على أساس فصل السلطات الرئيسية الثلاث للحكم (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بعضها عن بعض بهيئات تنظيمية، مستقل كل منها عن الأخرى.

والدافع الرئيسي لظهور هذا المبدأ السياسي هو الخوف من الاستبداد الذي يترتب على تركيز السلطات الثلاث في يد واحدة أو هيئة واحدة. و(لكن التطبيق العملي لهذا المبدأ على مستوى الحكم الواقعي اثبت استحالة الفصل المطلق بين السلطات الثلاث مما جعل من المبرر واقعيا حدوث تداخلات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وجوازا نسبيا لكل منها للقيام بمهام الأخرى، أما السلطة القضائية فقد بقيت مستقلة نسبيا باعتراف جميع أنظمة الحكم والدول الديمقراطية لنزاهتها وعدالتها)

يناقش السيد مرتضى الشيرازي مبدأ (الفصل بين السلطات في الإسلام) من خلال ثلاث مستويات هي:

1. هل إن نظرية فصل السلطات تعارض أحكام الشريعة الإسلامية وكلياتها أو أنها من الموضوعات المسكوت عنها؟

2. هل هناك إشارات في الآيات والروايات يمكن أن نستنطق منها نوعا من فصل السلطات؟

3. هل إن الرسول الأعظم (ص) في حكومته التي استمرت عشر سنين واشهرا، وأمير المؤمنين علي (ع) في حكومته التي استمرت أربع سنوات واشهرا أساسا لنوع من فصل السلطات؟

ويجيب السيد مرتضى الشيرازي بالتفصيل الآتي:

1. فيما يتعلق بالسلطة التشريعية التي هي سلطة استنباط الأحكام الشريعة من النصوص الدينية فيما لم يرد به نص، فقد قال الله تعالى (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فالتفقه في الدين يشمل معرفة نصوصه، كما يشمل استنباط الأحكام من كلياته وقواعده العامة. كذلك ورد عن النبي قوله (إذا جاءكم من حديث؛ فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالفه فاطرحوه أو ردوه علينا)، بإضافة إلى ما ورد عن روايات الأئمة المعصومين (ع) والتي تصرح بـ(علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع) حيث كان الأئمة يأمرون أصحابهم بالاجتهاد، وكانوا يأمرون الناس بالرجوع إليهم.

2. وفيما يتعلق بالسلطة التنفيذية: فقد كانت موكلة للولاة. وقد عين الرسول (ص) العديد من الولاة لمكة والبحرين واليمن، وغيرها.

3. وفيما يتعلق بالسلطة القضائية: وقد كانت لا مركزية، بمعنى أن كل من جمع الشرائط من الناس كان له أن يتصدى للقضاء، وتعين النبي لبعض القضاة لم يكن يفيد الحصر بل كان تأييدا لهم، ودليلا على استجمع أهم للشروط. وكان لأي فقيه عادل أن يتصدى للقضاء.

ويضرب السيد مرتضى الشيرازي مثلا على الفصل بين السلطات وهو ما كانت عليه حكومة الإمام علي حيث كانت السلطة موزعة على كل من:

1. الولاة: هم اعلي سلطة تنفيذية في الولايات التابعة للدولة الإسلامية، ويتمتع الوالي بصلاحيات واسعة في الولاية.

2. الوزراء والمستشارون، وهم الذين يسددون للوالي بالرأي ويتناقشون معه في أمر البلاد والعباد.

3. رئيس الجند، وهو الذي يتولى إدارة الجيش.

4. العمال، وهم عماد السواد والصدقات والوقوف والمصالح وغيرها.

5. الكتاب، وهم موظفو الديوان وحفظة سر الوالي.

ويضيف الشيرازي أنه من أجل ضمان استقامة رجال الدولة يتم مراقبتهم عبر ثلاث طرق:

1. بواسطة الإمام نفسه، وقد اشتمل نهج البلاغة على عشرات النصوص التي هي رسائل محاسبة وعتبا موجه من أمير المؤمنين إلى ولاته.

2. تشكيل أجهزة سرية تقوم بمراقبة كبار الموظفين والولاة.

3. عبر الوعي المستمر والنصح الدائم الذي يحرك الضمائر ويجعلها أقدر على المحاسبة.

...........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2022
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق