q
أكاد أجزم ان نسبة لا يستهان بها من مقدمي برامجنا لا يجيدون الحديث او التعبير عن أفكارهم بالعربية الفصيحة، ولا أرغب بذكر الأسماء لكي لا يعد ذلك تشهيرا، او تقليلا من الشأن، والمقدمة التي لم تسطع لفظ بعض الكلمات القرآنية وليس الآيات بالشكل الصحيح مثالا صارخا على ذلك...

من أكثر الكلمات التي تزعجني وتشعرني بالقرف الكلمة العامية (هسه) التي تتردد العديد من المرات في اليوم الواحد من على فضائية ( MBC عراق) والتي يراد بها معنى (الآن)، ولا أدري ما الذي يعجبهم في هذه الكلمة، مع ان كلمة (الآن) أجمل منها، وأكثر وقعا على مسامع المشاهدين، وليس بالضرورة أن تكون اللهجة العامية طريقة جاذبة لجمهور وسائل الاعلام، او جعله أشد تفاعلا معها، بل قد يكون العكس من ذلك في أحيان كثيرة، فمن بين ما تخسره تلك الوسائل الجمهور العربي الذي يتعذر عليه فهم مضمون الكلام الذي يرد بالعامية، وان كان بعضها من حيث الهدف موجها لجمهور محلي بحسب تصوري لاعتراض القائمين على تلك الوسائل، او التذرع: نريد لبرامجنا أن تكون مماثلة لما يجري في الاتصال الشخصي من حيث الفاعلية والتأثير في المستقبلين، مع ان اللغة الفصيحة لم تقف عائقا أمام المشاهدة الواسعة والفاعلة، وهناك العديد من الوسائل المؤثرة مع تشددها في منع مقدمي برامجها بالحديث العامي حتى في البرامج الحوارية التي يُغض الطرف عنه بحدود معينة.

ان لباقة المقدمين ورصانة ثقافة مدراء الحوارات تتضح جلية في العربية الفصيحة وليس في اللهجة العامية، ومن خلال المتابعة نلحظ للأسف الشديد حرصا واضحا على العربية الفصيحة من وسائل اعلامية أجنبية ناطقة بالعربية حتى في برامجها الموجهة لجمهور بلد معين، بينما تقف وسائلنا لامبالية تماما.

أكاد أجزم ان نسبة لا يستهان بها من مقدمي برامجنا لا يجيدون الحديث او التعبير عن أفكارهم بالعربية الفصيحة، ولا أرغب بذكر الأسماء لكي لا يعد ذلك تشهيرا، او تقليلا من الشأن، والمقدمة التي لم تسطع لفظ بعض الكلمات القرآنية وليس الآيات بالشكل الصحيح مثالا صارخا على ذلك، ومن أمثالها اللواتي يتصدرن الشاشات لاعتبارات الشكل، او لكثرة المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، وليس على أساس التخصص او اجادة اللغة، ولم تضع الادارات بالحسبان، او لم تدرك خطورة ما تفعل.

لا أريد الكلام عن تلك المخاطر، لكني ألفت الأنظار الى ان اللغة هي الآلية التي يفكر بها دماغ الانسان، فسلامة الفكر والابداع فيه مرتبطة بسلامة اللغة، فركاكتها تقود الى هشاشة الفكر، كما ان اللهجة العامية عاجزة تماما عن التعبير عن الفكر العميق، ولذلك بدأت تتسع مساحة التلوث اللغوي التي يُقال فيها كلام سطحي ولا ينطوي على معنى، بينما نريد للناس التدرب على التفكير العميق. لذلك قيل: (اذا أريد النهوض بالأمم لابد من الارتقاء بلغتها)، ولم يأت هذا القول عبثا او ترفا، بل حصيلة دراسات علمية أنجزها مفكرون خبروا دور اللغة في بناء الانسان السليم.

لقد تميعت وسائلنا الاعلامية مع الجمهور لغة واهتمامات وافكارا، وهذه أبرز مؤشرات الانحدار، وما يعزز تداعيات التميع عدم اكتراث الجهات المكلفة بالحفاظ على سلامة اللغة العربية للإعلانات التي تكتظ بها الفضائيات وشوارع المدن، ويبدو لي ان اعلانات الشوارع تجري بحسب الهوى دون تنظيم او مراجعة جهات مختصة، بينما الافتراض يذهب الى وجوب حصول المعلن على اجازة والالتزام بالتعليمات التي تقف سلامة اللغة في مقدمتها.

لا أُبريء مدارسنا على الاطلاق من هذه الكارثة، فقد أهملت لغتنا اهمالا لا تستحقه لغة الضاد، لغة القرآن الكريم، وعدم تأهيل الطلبة لغويا، فالعوز لها صار مريعا، وكان باحثون اعلاميون أكدوا في دراساتهم عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في اللغة العربية: ان المستخدمين غير مؤهلين لغويا بالأصل، ما ينعكس في لغة تواصلهم، اي أن التأثيرات السلبية لا تعود لمواقع التواصل فقط، وختاما، أخذت (هسه) كل مساحة المقال، ولم يبق (للطسه) شيئا، لذا ليس أمامي سوى تأجيل الحديث عنها الى مقال قادم، اعذروني.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق