q
نصف البشرية يعيش بالفعل في منطقة الخطر بالنسبة لتغير المناخ. الدول الجزرية الصغيرة وأقل البلدان نموا والفقراء والضعفاء على وشك الهلاك، في عالمنا المترابط عالميا، لا يمكن لأي دولة ولا شركة عزل نفسها عن مستويات الفوضى هذه. ارتفعت انبعاثات الفحم إلى مستويات قياسية. نحن نسير نائمين نحو كارثة مناخية...

بعد أكثر من قرن ونصف قرن من التنمية الاقتصادية باستخدام الوقود الأحفوري، اكتسب العالم حوالى 1,1 درجة مئوية في المتوسط مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية ما أدى إلى مضاعفة موجات الحرّ والجفاف والعواصف والفيضانات المدمرة.

وبعد مفاوضات مغلقة محتدمة عبر الانترنت استمرت أسبوعين، تختتم الجولة الجديدة من مناقشات الخبراء في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الرابع من نيسان/أبريل بإصدار الجزء الأخير من ثلاثية تقارير، يفصل المعارف العلمية المتعلقة بالتغير المناخي.

وقال ستيفن كورنيليوس من الصندوق العالمي للطبيعة والمراقب في المفاوضات "سيرسم التقرير صورة قاتمة حول إدماننا الوقود الأحفوري".

وكان التقرير الأول الذي نشر في آب/اغسطس 2021 سلط الضوء على تسارع الاحترار المناخي متوقعا أن ارتفاع الحرارة ب1,5 درجة مئوية مقارنة بمرحلة ما قبل الثورة الصناعية قد يحصل بحدود العام 2030 أي قبل عشر سنوات مما كان متوقعا. وكان اتفاق باريس للمناخ المبرم العام 2015 نص على السعي إلى حصر الاحترار بـ1,5 درجة مئوية كحد أمثل.

أما التقرير الثاني الصادر في نهاية شباط/فبراير والذي وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على أنه "موسوعة للمعاناة البشرية" فقد رسم صورة قاتمة جدا للتداعيات الماضية والحاضرة والمستقبلية على سكان العالم والأنظمة البيئية مشددا على أن التأخر في التحرك يخفض من فرص توافر "مستقبل قابل للعيش".

أما الفصول السبعة عشر وآلاف صفحات التقرير الثالث، فتتناول السيناريوهات الممكنة للجم الاحترار المناخي مع عرض الاحتمالات في القطاعات الرئيسية مثل الطاقة والنقل والزراعة وغيرها والتطرق إلى مسائل القبول الاجتماعي للتدابير المتخذة ودور التكنولوجيا مثل امتصاص الكربون وتخزينه.

وأوضحت الخبيرة في اقتصاد المناخ سيلين غيفارش التي شاركت في إعداد التقرير لوكالة فرانس برس "نحن نتحدث عن تحول واسع النطاق لكل الأنظمة الرئيسية: الطاقة والنقل والبنى التحتية والبناء والزراعة والغذاء".

وأضافت أن تحولات كبرى يجب أن "تبدأ اعتبارا من الآن" إذا أردنا أن نكون قادرين على تحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2050، مشيرة إلى أن "الأوان لم يفت للتحرك" وتجنب الأسوأ.

وهذه التساؤلات التي تؤثر على تنظيم أساليب حياتنا واستهلاكنا وإنتاجنا، قد تثير مناقشات محتدمة خلال هذين الأسبوعين عندما تراجع الدول الـ195 سطرا بسطر وكلمة بكلمة "ملخص صناع القرار "، وهو التقرير العلمي الذي يضم آلاف الصفحات.

وقال ألدن ميير المحلل في مركز الأبحاث E3G "رسالة (الهيئة) بمجملها تفيد أن العلم واضح للغاية وأن التداعيات ستكون مكلفة ومتزايدة، لكن لا يزال بإمكاننا أن نتجنب الأسوأ إذا تحركنا الآن. سيحدد هذا التقرير ما نحتاج إليه إذا ما كنا جديين في معالجة هذه المسألة".

ويشدد ألدن ميير على أن التقرير الحالي "سيوفر معلومات مهمة تغذي النقاش الحاصل في أوروبا والولايات المتحدة بشأن التخلي عن الغاز والنفط الروسيين". ويعرب عن أمله في أن تعطي الحرب الدائرة في اوكرانيا "على المدى الطويل دفعا أكبر للحاجة إلى التخلص من الغاز والنفط عموما".

بدورها قالت كايسا كوسونين من غرينبيس "هذا تقرير حاسم ينشر في وقت حرج فيما تقوم الدول والشركات والمستثمرون بإعادة وضع معايير لخططهم من أجل تسريع عملية التخلي عن الوقود الأحفوري والانتقال إلى أنظمة غذائية مستدامة وأكثر مرونة".

وأضافت "الآن أكثر من أي وقت مضى، يجب أن توفر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أدوات ملموسة وعملية للإنسانية التي تقف عند مفترق طرق".

وتفيد الأمم المتحدة أن الالتزامات الراهنة للدول ستؤدي إلى احترار "كارثي" يبلغ 2,7 درجة مئوية لذا ينبغي على البلدان الموقعة على اتفاق باريس ان تعزز أهدافها في مجال خفض انبعاثات غازات الدفيئة بحلول مؤتمر الأطراف السابع والعشرين حول المناخ في تشرين الثاني/نوفمبر في مصر.

وأشارت تارين فرانسن من معهد الموارد العالمية إلى أنه "مع أننا نعرف ما ينبغي القيام به منذ فترة طويلة" ولا سيما التخلي اولا عن مصادر الطاقة الأحفورية، فإن تحقيق الأهداف المنصوص عليها في اتفاق باريس "لا يمر عبر سبيل واحد". وأضافت "التقرير سيعرض سبلا مختلفة وعلى قادتنا بعد ذلك أن يعتمدوها" وفقا للظروف الوطنية المختلفة.

نحن نسير نائمين نحو كارثة مناخية

من جهته قال الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريش، إن الهدف المتمثل في الحفاظ على 1.5 درجة مئوية يمر بمرحلة حرجة وهو في "العناية المركزة،" محذرا من أننا "نسير نائمين حول كارثة مناخية."

وقال الأمين العام إن العالم خرج من قمة غلاسكو للمناخ ببعض "التفاؤل الساذج."

وتساءل السيد أنطونيو غوتيريش: كيف يمكننا إبقاء هدف 1.5 درجة مئوية في متناول اليد؟

ثم أجاب قائلا: "من خلال تسريع التخلص التدريجي من الفحم وجميع أنواع الوقود الأحفوري، وتنفيذ انتقال سريع وعادل ومستدام للطاقة ... من خلال احترام التعهد الذي تم قطعه في غلاسكو بتعزيز خطط المناخ الوطنية كل عام حتى تتوافق مع 1.5 درجة مئوية. من خلال تحقيق نتائج ملموسة هذا العام بشأن تحالفات المناخ لمساعدة الاقتصادات الناشئة على التخلص التدريجي من الفحم.... من خلال الإسراع في إزالة الكربون من القطاعات الرئيسية مثل الشحن، والطيران، والصلب، والأسمنت. ومن خلال حماية الفئات الأكثر ضعفا وضمان التركيز المتساوي على التكيف (مع آثار المناخ)."

وفقا للالتزامات الوطنية الحالية، يقول الأمين العام إنه من المقرر أن تزيد الانبعاثات العالمية بنسبة 14 في المائة تقريبا خلال القرن الحالي. "في العام الماضي وحده، زادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة العالمية بنسبة 6 في المائة لتصل إلى أعلى مستوياتها في التاريخ. ارتفعت انبعاثات الفحم إلى مستويات قياسية. نحن نسير نائمين نحو كارثة مناخية."

وتحدث عن ارتفاع درجة حرارة كوكبنا بالفعل بما يصل إلى 1.2 درجة مئوية، مشيرا إلى أننا "نرى العواقب الوخيمة في كل مكان."

"في عام 2020، أجبرت الكوارث المناخية 30 مليون شخص على الفرار من ديارهم - أي ثلاثة أضعاف أولئك الذين نزحوا بسبب الحرب والعنف. قبل أسبوعين فقط، أكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن نصف البشرية يعيش بالفعل في منطقة الخطر بالنسبة لتغير المناخ."

وقال السيد أنطونيو غوتيريش إن الدول الجزرية الصغيرة وأقل البلدان نموا والفقراء والضعفاء على "وشك الهلاك،" محذرا من أنه في عالمنا المترابط عالميا، لا يمكن لأي دولة ولا شركة عزل نفسها عن "مستويات الفوضى هذه."

وحذر من أنه إذا لم نفعل ما ينبغي القيام به لخفض الانبعاثات "فيمكننا إعطاء الهدف 1.5 قبلة الوداع. حتى الحفاظ على درجتين مئويتين قد يكون بعيد المنال. وسيكون ذلك كارثة."

"نحن بحاجة إلى التحلي بإحساس أكبر بالإلحاح حول آليات التعاون هذه بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة للتأكد من أن جميع دول مجموعة العشرين تقوم بخفض الانبعاثات المطلوبة."

على الصعيد العالمي، قال الأمين العام إن شخصا واحدا من كل ثلاثة غير محمي من تداعيات أزمة المناخ "وستة من كل 10 أشخاص في أفريقيا ليسوا محميين بعد. هذا غير مقبول."

وأشار إلى أن البنية التحتية - في العديد من الأماكن، ولا سيما المجتمعات التي تعيش في مناطق شديدة التأثر بالمناخ- بحاجة إلى أن تكون مقاومة لآثار المناخ.

"لقد دعوت جميع الجهات المانحة والشركاء التقنيين للعمل مع حكومات هذه الدول والأمم المتحدة لتحديد المشاريع والبرامج وتمويلها. كما أنني أضغط لتذليل العقبات التي تمنع الدول الجزرية الصغيرة وأقل البلدان نموا من الحصول على التمويل الذي هم في أمس الحاجة إليه."

وشدد الأمين العام على أننا بحاجة إلى زيادات هائلة لتحقيق هذا التحول والاستثمار في التكيف والمرونة، داعيا المؤسسات المالية الدولية إلى إعطاء أولوية أكبر لهذا الجانب.

قال الأمين العام إن أزمة المناخ تحدث في سياق من التحديات، خاصة بالنسبة للفئات الأكثر ضعفا، مشيرا إلى أن التعافي من كـوفيد-19 "متفاوت بشكل فاضح."

وتعاني البلدان النامية من وطأة تضخم قياسي، وارتفاع أسعار الفائدة، وأعباء الديون التي تلوح في الأفق، وحذر من أن تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا تهدد بتقلب الأسواق العالمية للغذاء والطاقة - مع تداعيات كبيرة على أجندة المناخ العالمي.

فرص ضئيلة لقيام مستقبل قابل للعيش

حذرت الأمم المتحدة من أن نصف سكان العالم يجدون أنفسهم في موقع ضعف شديد" حيال التداعيات القاسية والمتزايدة للتغيير المناخي، فيما قد يقلص عدم التحرك "الإجرامي" للمسؤولين، الفرص الضئيلة لقيام "مستقبل قابل للعيش" على الأرض.

ويرسم التقرير الجديد لخبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ صورة قاتمة لا لبس فيها تظهر أن تداعيات الاحترار المناخي الناجم عن النشاط البشري باتت واقعا يُشعر به من الآن.

فمع موجات الجفاف والقيظ والفيضانات والحرائق وانعدام الأمن الغذائي ونقص المياه والأمراض وارتفاع مستوى المياه، يجد 3,3 إلى 3,6 مليارات شخص، أي نحو نصف سكان العالم انفسهم في وضع "ضعف شديد" على ما جاء في "الملخص الموجه لواضعي السياسات" لتقرير يقع في آلاف الصفحات تفاوضت بشأنه الدول ال195 الأعضاء في جلسات مغلقة عبر الانترنت استمرت أسبوعين واضطرت إلى تمديدها 24 ساعة إضافية.

وهذه ليست سوى البداية. ففي حال لم يتحرك العالم سريعا جدا لخفض انبعاثات غازات الدفيئة سيواجه وابلا من التداعيات التي لا هروب منها "ولا يمكن العودة عنها احيانا" في العقود المقبلة.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "اطلعت على الكثير من التقارير العلمية في حياتي لكن لا شيء يقارن" بالتقرير الحالي واصفا إياها بانه "مجلد يفند المعاناة البشرية ويشكل اتهاما حيال فشل القادة في مكافحة التغييرات البيئية".

واعتبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينك ان التقرير يشكل "تذكيرا بأن الأزمة المناخية تهددنا جميعا ويظهر أيضا لِمَ ينبغي على الأسرة الدولية الاستمرار في اتخاذ اجراءات مناخية طموحة في وقت نواجه فيه تحديات عالمية ملحة".

ووطأة هذه المعاناة أكبر على الشعوب المعرضة اكثر من غيرها مثل السكان الأصليين أو الفئات الفقيرة على ما شدد التقرير. لكن الدول الغنية ليست بمنأى عن هذه التداعيات كما تظهر الفيضانات التي اجتاحت المانيا أو الحرائق العنيفة التي انتشرت في الولايات المتحدة العام الماضي.

وتمنى هانس-أوتو بورتنر الرئيس المشارك للمجموعة التي أعدت التقرير في الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ ألا يحجب غزو روسيا لأوكرانيا أهمية التقرير، مؤكدا لوكالة فرانس برس أن شبح الاحترار المناخي "يلازمنا وتجاهله ليس خيارا".

ومع ارتفاع حرارة الأرض 1,1 درجة مئوية مقارنة بمستوى ما قبل الثورة الصناعية، التزم العالم في اتفاق باريس العام 2015 حصر الاحترار دون الدرجتين وبحدود1,5 درجة إن أمكن.

وفي الجزء الأول من تقييمها الذي نشر في آب/اغسطس، اعتبرت الهيئة أن الحرارة سترتفع 1,5 درجة قرابة العام 2030 أي قبل عقد مما كان متوقعا سابقا. إلا ان تقريرها ترك الباب مفتوحا متحدثا عن إمكان النزول إلى دون 1,5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

إلا ان الجزء الثاني من التقرير يشدد على ان هذا التجاوز الموقت ل1,5 درجة مئوية سيتسبب بأضرار جديدة "لا رجوع عنها" تطال الأنظمة البيئية الضعيفة مثل القطبين والجبال والسواحل مع سلسلة من التداعيات على المجتمعات المقيمة فيها. وينشر الجزء الثالث من التقرير في نيسان/أبريل ويتناول الحلول لخفض انبعاثات غازات الدفيئة.

وأكد التقرير أن التداعيات الكارثية ستتفاقم مع كل زيادة وإن ضئيلة في حرارة الأرض، مع تكاثر الحرائق وذوبان التربة الصقيعية.

وتوقع التقرير انقراض 3 إلى 14% من الأنواع على الأرض حتى مع ارتفاع الحرارة 1,5 درجة مئوية فقط وانه بحلول 2050 سيكون نحو مليار شخص يقيمون في مناطق ساحلية معرضة للخطر تقع في مدن ساحلية كبيرة أو جزر صغيرة.

قال رئيس وزراء أنتيغوا وباربودا غاستون بروان الذي يرئس رابطة الدول الجزرية الصغيرة إن "التكيف حيوي لاستمراريتنا" داعيا الدول المتطورة إلى احترام التزاماتها لزيادة المساعدات إلى الدول الفقيرة في مجال المناخ للسماح لها خصوصا بالاستعداد للكوارث المعلنة.

في هذا الإطار لفت التقرير إلى أن جهود التكيف التي شهدت تقدما، "لا تزال بغالبيتها مجزأة وعلى نطاق ضيق" أو الهوة بين الحاجات وما ينجز قد تزداد من دون تغيير الاستراتيجية المتبعة.

إلا أن التكييف أحيانا لم يعد ممكنا. فبعض الأنظمة البيئية دفعت "إلى ما يفوق قدرتها على التكيف" وستنضم إليها أخرى في حال تواصل الاحترار على ما حذرت الهيئة مشددة على أن التكيف وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون يجب أن يسيرا بالتوازي.

وفي "حال الاكتفاء بالالتزامات الحالية يتوقع ان تزداد الانبعاثات بنسبة 14 % تقريبا خلال العقد الحالي. وسيشكل ذلك كارثة. وسيتم القضاء على أي فرصة لانجاز الهدف المتمثل بحصر الاحترار ب 1,5 درجة مئوية" على ما حذر غوتيريش موجها اصابع الاتهام إلى الدول التي تصدر انبعاثات كبيرة "التي تضرم النار في المنزل الوحيد الذين نملكه".

ورغم هذا التقويم الكارثي، حاولت دول عدة ولا سيما الصين والسعودية والهند خلال المفاوضات حذف الإشارة الى هدف حصر الاحترار بـ1,5 درجة مئوية على ما قالت مصادر عدة لوكالة فرانس كانت مشاركة في المحادثات.

وقال إنيليه سوبواغا رئيس وزراء توفالو "يجب ألا يغيب عن ذهننا أننا في المركب نفسه. إما نسمح له بالعوم أو نتركه يغرق ونغرق جميعا معه".

السنوات السبع الأكثر حرا على الإطلاق

أكدت الأمم المتحدة أن السنوات السبع الماضية كانت الأكثر حرا على الإطلاق، مضيفة أن درجات الحرارة في العام 2021 بقيت مرتفعة رغم تأثير التبريد الناجم عن ظاهرة "نينيا" المناخية.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة في بيان "أحر سبع سنوات كانت كلها بدءا من العام 2015".

ومع أن حدثين مناخيين متتاليين من ظاهرة "نينيا" استحوذا على الاهتمام العالمي في جزء كبير من العام، فإن 2021 ما زال مندرجا في قائمة الأعوام السبعة الأكثر حرا على الإطلاق، وفق المنظمة.

وقال الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية بيتيري تالاس في بيان "ظواهر النينيا المتتالية تعني أن ارتفاع درجة كان أقل وضوحا نسبيا مقارنة بالسنوات الماضية. ومع ذلك، كان عام 2021 أحر من الأعوام السابقة التي شهدت ظواهر النينيا. وبات الاحترار العام على المدى الطويل الناجم عن زيادة غازات الاحتباس الحراري أعلى بكثير من التقلبية السنوية في متوسط درجات الحرارة الناجمة عن المحركات المناخية الطبيعية".

وأضاف "الجميع سيتذكر عام 2021 بدرجة الحرارة القياسية التي ناهزت 50 درجة مئوية في كندا فكانت قريبة من القيم المسجلة في الصحراء الجزائرية الساخنة، وأحداث الهطول الاستثنائية، والفيضانات القاتلة في آسيا وأوروبا، وأحداث الجفاف في أجزاء من أفريقيا وأميركا الجنوبية. وكانت لتأثيرات تغير المناخ والأخطار المرتبطة بالطقس آثار مدمرة غيّرت مجرى حياة المجتمعات المحلية في كل قارة".

ويشير مصطلح "لا نينيا" إلى انخفاض واسع النطاق لدرجات الحرارة السطحية في وسط المحيط الهادئ الاستوائي وشرقه، مع تأثيرات كبيرة على حالة الطقس في كل أنحاء العالم.

وعادة ما تحدث هذه الظاهرة التي غالبا ما تكون تأثيراتها معاكسة لتأثيرات ظاهرة "إل نينيو"، كل سنتين إلى سبع سنوات، لكنها حدثت مرتين منذ العام 2020.

وتوصلت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى استنتاجاتها بعد دمجها ست مجموعات من بيانات دولية رائدة، بما فيها البرنامج الأوروبي لرصد الأرض "كوبرنيكوس" والإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي التي أعلنت نتائج مماثلة الأسبوع الماضي.

وأظهرت مجموعات البيانات أن متوسط درجة الحرارة العالمية في 2021 بلغ 1,11 درجة مئوية تقريبا فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي.

وكان العام الماضي أيضا السابع على التوالي الذي تتجاوز فيه الحرارة العالمية، درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي.

وحذّرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من أن "متوسط درجة الحرارة العالمية في 2021 يقترب من الحد الأدنى لزيادة درجات الحرارة التي يسعى اتفاق باريس إلى تجنبها".

وشهد اتفاق باريس الذي أبرم في العام 2015 موافقة الدول الموقعة على حصر الاحترار المناخي ب"أقل بكثير" من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، و1,5 درجة إذا أمكن.

وشدّدت المنظمة على أن الفترة الدافئة المستمرة من دون انقطاع على مدى السنوات السبع الماضية، كانت جزءا من اتجاه طويل الأجل نحو ارتفاع أكبر لدرجات الحرارة العالمية.

وأوضحت "منذ الثمانينات، كان كل عقد أكثر دفئا من العقد السابق، ومن المتوقع ان يستمر ذلك".

وأظهرت مجموعات البيانات اختلافا طفيفا في المركز الذي احتله العام 2021 في قائمة السنوات السبع الأكثر حرا على الإطلاق، إذ جاء خامسا وفق تقييم "كوبرنيكوس" وسادسا في تقييم الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي فيما قالت هيئات أخرى إنه احتل المركز السابع.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية "الاختلافات الطفيفة بين مجموعات البيانات هذه تشير إلى هامش الخطأ في احتساب متوسط درجة الحرارة العالمية".

لكن رغم أن العام 2021 كان من أبرد الأعوام السبعة الأكثر حرا، سجّل درجات حرارة قياسية وشهد ظواهر جوية شديدة مرتبطة بالاحترار العالمي.

ودرجة الحرارة ما هي إلا مؤشر من مؤشرات تغير المناخ، إلى جانب تركيزات غازات الاحتباس الحراري؛ و‏المحتوى الحراري للمحيطات؛ ودرجة حموضة المحيطات؛ ‏والمتوسط العالمي لمستوى سطح البحر؛ والكتلة الجليدية؛ ورقعة الجليد البحري.

وتشير ظاهرة "النينيا" إلى انخفاض واسع النطاق في درجات حرارة سطح الماء في وسط وشرقي المحيط الهادئ الاستوائي، مقترن بتغيرات في دوران الغلاف الجوي في المنطقة المدارية. وعادة ما يكون لظاهرة "النينيا" آثار على الطقس والمناخ معاكسة لآثار ظاهرة "النينيو". ولظاهرة "النينيا" تأثير تبريدي عالمي مؤقت، عادة ما يكون أقوى في السنة الثانية للظاهرة.

سوء التكيّف

وأكّد تقرير للأمم المتحدة عن تبعات التغيّر المناخي أنّ تزايد ظواهر الطقس الحادة التي تتسبب بضحايا يسير بوتيرة أسرع من استعدادات العالم، محذرا من أنّ فجوة التكيّف ستستمر بالاتساع في ظل المعدلات الحالية لخطط التكيّف وتنفيذها.

وأصبح إيجاد طرق للحدّ من تداعيات الاحترار المناخي أمراً ملحّاً، سواء من خلال الزراعة المستدامة أو المحاصيل المهندسة وراثياً لتعزيز الأمن الغذائي، أو عبر استعادة غابات المانغروف أو بناء سدود بحرية لمواجهة ارتفاع مستوى المحيطات، أو من خلال إنشاء ممرات خضراء في المدن أو اللجوء إلى نظام تكييف الهواء لتخفيف موجات الحر القاتلة.

ويدق تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المؤلف من 3650 صفحة ناقوس الخطر حول فشل خطط وُضعت للتعامل مع التبعات المناخية، مطلقاً على هذه المسألة مصطلح "سوء التكيّف".

ويقول الأستاذ في جامعة كلارك إد كار الذي تولى إدارة إعداد فصل من التقرير "تبيّن لنا أنّ مشاريع التكيّف غير فاعلة في حالات كثيرة"، مشيراً إلى أنّ "بعضها جعل الأمور تسوء".

وعلى سبيل المثال، قد يساعد بناء سد لمنع الفيضانات في المدن في حماية منطقة صغيرة لفترة زمنية محدودة.

وشرحت فريدريكا أوتو من "إمبيريال كولدج لندن" أن "أي إجراء يؤدي إلى عواقب سلبية ويجعل الأمور أسوأ على المدى البعيد، يندرج في إطار سوء التكيّف".

وترى أوتو أنّ الناس لا يدركون غالباً دور الخيارات السيئة في الكوارث، كبناء منازل في سهل فيضي مثلاً.

وتضيف في حديث لوكالة فرانس برس أنّ "الاكتفاء بإلقاء اللوم على التغيّر المناخي يؤدي الى سوء تكيّف".

وتنتج عن التدابير المتخذة لمواجهة ظواهر التغير المناخي عواقب غير مقصودة في بعض الأحيان.

وأجرى الأستاذ المساعد في جامعة ويست فلوريدااكوامي أوسو-داكو تحقيقاً عن عواقب إقامة جدران بحرية أمام قرية صيد صغيرة قرب مصب نهر فولتا في غانا لمنع تآكل الشواطئ الناجم عن العواصف وارتفاع منسوب المياه.

وأسفر تشييد هذه الجدران البحرية عن نتائج إيجابية، إذ عملت بشكل جيّد لدرجة أنّ مطوّراً عقارياً مهماً استثمر الأرض بالتعاون مع الحكومة المحلية وبنى شاليهات فخمة.

وقال أوسو-داكو في مقابلة إنّ "الأشخاص الذين كانوا يعيشون هناك طُردوا من الأرض"، واصفاً النتيجة بأنّها مثال على "انتهازية سوء التكيف".

واعتبر تقرير الهيئة الاممية أنّ الأمر لم ينطوِ على ظلم فحسب، بل قد لا يعطي أيضاً النتيجة المستدامة المتوخاة.

وأضاف أنّ الجدران البحرية والسدود وبوابات التحكم في الفيضانات "توجِد ارتهاناً طويل الأمد للهشاشة والمخاطر التي يصعب تغييرها وينطوي على كلفة كبيرة".

وفيما يمكن للإنشاءات ذات الهندسة الصلبة أن تحمي من الكوارث إلى حدّ معين، تحمل كذلك "وهماً بعدم وجود مخاطر".

ويمثّل نقص البيانات مصدراً آخر لسوء التكيّف.

وقال مؤسس مركز "أفريكا باور شيفت" محمد أدو إن "من الممكن التكيّف فقط مع الأمور التي تتوافر معرفة بها"، مضيفاً "لا نعرف في أفريقيا مثلاً إلّا القليل، فكيف تنشئ أنظمة إنذار مبكر لظواهر الطقس الحادة من دون بيانات؟".

ومع أن البنى التحتية الحديثة من طرق ومبان وأنظمة صرف صحي يفترض أن تخدم أهداف التنمية والتكيف على السواء، قد لا تتناسب إنشاءات كثيرة مع عالم ترتفع درجة حرارته 1,5 درجة مئوية، ويمكن أن يصل هذا الارتفاع إلى درجتين أو ثلاث درجات مئوية مقارنةً بمستويات عصر ما قبل الصناعة، بحسب الخبراء.

وارتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض حتى الآن 1,1 درجة مئوية مقارنة بما كانت عليه خلال هذا العصر.

وقال باتريك فيركوين من المركز العالمي للتكيف "يحدث سوء التكيف عند محاولة حل مشكلة ما وينتهي الأمر بالتسبب في مشكلة أخرى".

وبيّنت دراسة أجريت على أكثر من 300 مبادرة للتعامل مع التغير المناخي ذُكرت في التقرير الاممي، أنّ ثلث هذه المبادرات قد تحمل عواقب غير مقصودة وسلبية.

وأظهر تحليل مفصّل لثلاثة مشاريع في كمبوديا لتعزيز الري وحماية الغابات وزراعة الأشجار أنها انطوت على "انتهاك حقوق المجتمعات المحلية وتدمير الموائل الحيوية".

ولاحظ التقرير "تجاهل المانحين الدوليين والسلطات الوطنية على السواء" لاحتمال حدوث سوء تكيف.

وتتكرر أنماط أخرى من سوء التكيف خصوصاً في جنوب الكرة الأرضية.

ويُروى ثمانون في المئة من الأراضي المستخدمة لزراعة المحاصيل الغذائية بمياه الأمطار، وهي معرضة بالتالي لموجات الجفاف التي تفاقمت بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

ويمثّل الريّ استجابة التكيف الأكثر شيوعاً للجفاف، لكنّ هذا الحلّ الحيوي المحتمل يمكن أن يسبب مشاكل تتعلق به.

مؤتمر الأطراف للتكيّف

ويمكن أن يؤدي استخراج المياه الجوفية للريّ إلى استنفاد طبقات المياه الجوفية، ما يجعل المياه غير مناسبة للاستهلاك البشري ويفاقم ظروف الجفاف.

أما بالنسبة إلى موجات الحر، فيمكن أن يمثّل اللجوء إلى تكييف الهواء حلّاً منقذاً للحياة، خصوصاً في مناطق يُتوقع أن تشهد زيادة في ما يُطلق عليه أيام الحر القاتلة.

وقال التقرير في هذا الإطار "على المستوى المجتمعي، إنّ تكييف الهواء غير تكييفي لأنه يتطلّب الكثير من الطاقة ويُقترن بانبعاثات الغازات، وخصوصاً في المدن ذات الكثافة السكانية العالية".

وتكييف الهواء باهظ الثمن كذلك، إذ وجدت دراسة أجريت في العاصمة الفيتنامية هانوي أنّ بعض الأشخاص لا يستخدمون مكيفات الهواء لأنّ تشغيلها مكلف جداً.

ولم تولِ مفاوضات الأمم المتحدة في شأن المناخ التي انطلقت قبل ثلاثين عاماً اهتماماً بمسألة التكيّف بهدف الحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة.

لكنّ قمة كوب-26 التي اتعقدت في غلاسكو الخريف الماضي، ساعدت في استعادة التوازن، وأطلقت عملية مدّتها عامان لتحديد أهداف التكيّف وتوفير التمويل اللازم.

وقال أدو "ينبغي النظر إلى شرم الشيخ على أنّه مؤتمر الأطراف للتكيّف"، في إشارة إلى الاجتماع المناخي المعتزم عقده نهاية العام في مصر.

وسيمثّل تجنّب أنواع سوء التكيّف التي ركّزت عليها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي في تقريرها الهدف الرئيسي للعملية السياسية.

اضف تعليق