q
ان المتابع للمشهد العراقي عموماً بعد التغيير وبكل أبعاده وتجلياته يلاحظ جملة من النقاط التي يمكن ان تؤشر على هذا المشهد، وفي المقدمة منها هو غياب روح المبادرة ذات التوجه الستراتيجي لمواجهة الأزمات والتحديات، سواء الداخلية منها وهي بلا شك كثيرة ومتشعبة، أو الخارجية من خلال علاقة العراق بمحيطه الاقليمي والدولي عموماً...

يُعتبر مفهوم الأزمة من المفاهيم التي يصعب تحديد مدلولها اللغوي والاصطلاحي بشكل دقيق، وتكمن هذه الصعوبة في شمولية هذه المفردة، وأتساع نطاق استعمالها، بحيث بات مفهوم الأزمة يشمل مختلف صور العلاقات الإنسانية السلبية، المرتبطة بالخطر والتوتر، وبالتالي فهي حالة من عدم الاستقرار، وتراكم مجموعة من التأثيرات المختلفة.

ومهما كانت طبيعة وأسباب الأزمات التي تحيط بنا، فأنها تشير في نهاية المطاف الى حدوث اختلال طارئ ومفاجئ في منظومة الحياة الطبيعية، على نحو يؤثر تأثيراً سلبياً في النواحي السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.

لذلك نجد هذا التباين للأزمات، فالأزمة السياسية تختلف بطبيعة الحال عن الأزمة الاقتصادية، وهكذا الحال مع بقية الأزمات. ولعل أهم تأثير يمكن ان تسببه الأزمة هو مجهولية ما سيؤول اليه الأمر في المستقبل، وهذا ما هو حاصل في المجتمعات التي تعاني من الأزمات والأوضاع غير المستقرة.

ولو أمعنا النظر في الحوادث التاريخية الكبرى لوجدنا ان الأزمات على مر العصور تتوسط المراحل المهمة في حياة الشعوب، فبين كل مرحلة ومرحلة جديدة ثمة ازمة. وهذا التوصيف ليس ببعيد عن الحالة العراقية، فقد ارتبط مفهوم الأزمة بتاريخ العراق الحديث والمعاصر ارتباطاً وثيقاً، وكانت مفردة الأزمة من بين أكثر المفردات تداولاً عبر هذا التاريخ، حتى حفرت لها مكاناً في الذاكرة العراقية. على اعتبار ان هذه الفترة من تاريخ العراق قد شهدت تحولات دراماتيكية متلاحقة، وقد بلغت ذروتها بأزمات الحروب وما خلفته من تداعيات على كافة الأصعدة.

ان المتابع للمشهد العراقي عموماً بعد التغيير وبكل أبعاده وتجلياته يلاحظ جملة من النقاط التي يمكن ان تؤشر على هذا المشهد، وفي المقدمة منها هو غياب روح المبادرة ذات التوجه الستراتيجي لمواجهة الأزمات والتحديات، سواء الداخلية منها وهي بلا شك كثيرة ومتشعبة، أو الخارجية من خلال علاقة العراق بمحيطه الاقليمي والدولي عموماً. واقتصر الأمر على ردود الأفعال التي تصدر من هنا وهناك، وعلى الرغم من طرح بعض المعالجات لمواجهة تلك الأزمات إلا انها لم ترتقِ الى مستوى روح المبادرة بكل أبعادها المعروفة، وسرعان ما تنتهي تلك الردود بانتهاء تلك الأفعال.

ومن الملاحظ ان المشاكل والأزمات التي تحيط بالبلاد معروفة ومشخصة ولا تحتاج الى عناء كبير للبحث عنها، وبالتالي يجب ان يكون هذا الأمر دافعاً قوياً في تقديم وطرح المبادرات الوطنية بعيداً عن الدوافع الذاتية والفئوية.

وفي هذه الأجواء، فإن السؤال المطروح اليوم على الساحة، هو عن الكيفية التي يتم بموجبها إدارة الأزمة، وهنا نتحدث عن الأزمة بمفهومها الشمولي، وطبيعة الأساليب والطرق المتبعة في ذلك، لكن قبل الإجابة على هذا التساؤل، كان من المفترض ان لا ننتظر وقوع الأزمة ثم نتعاطى معها، بل يجب استشعار المقدمات التي تنبيء بقرب وقوع الأزمة ورصدها، ومن ثم إيجاد الحلول قبل حدوث الأزمة. أما وان وقعت هذه الأزمة فعلينا مواجهتها واحتوائها، آخذين بجميع الأسباب والوسائل المتاحة. وفي جميع الأحوال، هو ليس هناك أزمة، ومهما أستفحل أمرها لا يوجد لها حل، ولهذا نتمنى ان لا يزرع البعض اليأس في نفوس الناس من خلال الايحاء للآخرين باستفحال الأزمات والمشاكل، واستعصاء الحلول. لذلك نحن اليوم بأمس الحاجة الى إيجاد مؤسسة وطنية لإدارة ومعالجة الأزمات، تعتمد الخطط الاستراتيجية، وليس الحلول الترقيعية، أو ردود الأفعال الآنية والشكلية.

.............................................................................................
* الآراء الورادة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق