q
مع ضعف قوة الين الشرائية، لاحظ اليابانيون أن السلع المستوردة أصبحت الآن أكثر تكلفة، ووسائل الإعلام عامرة بالقصص حول اندهاش الزائرين اليابانيين لمدن مثل نيويورك ولندن وسنغافورة إزاء ارتفاع أسعار السلع والخدمات هناك. الانكماش الذي دام خمسة عشر عاما في اليابان هو المسؤول عن هذا الانحدار...
بقلم: تاكاتوشي إيتو

طوكيو ــ في كل شهر، يقوم بنك التسويات الدولية بحساب ونشر أسعار الصرف الاسمية والفعلية للعملات الرئيسية. وقد حملت أحدث البيانات، الصادرة في منتصف فبراير/شباط، صدمة لليابان. فقد أظهرت أن سعر صرف الين الياباني الفعلي الحقيقي (الذي يمثل قوة العملة الشرائية تقريبيا) أصبح الآن عند مستوى منخفض مماثل لما كان عليه في أوائل سبعينيات القرن العشرين، عندما جرى تعويم الين لأول مرة بعد انهيار نظامي بريتون وودز وسميثسونيان لأسعار الصرف الثابتة.

مع ضعف قوة الين الشرائية، لاحظ اليابانيون أن السلع المستوردة أصبحت الآن أكثر تكلفة، ووسائل الإعلام عامرة بالقصص حول اندهاش الزائرين اليابانيين لمدن مثل نيويورك ولندن وسنغافورة إزاء ارتفاع أسعار السلع والخدمات هناك. في طوكيو، على سبيل المثال، تبلغ تكلفة وعاء من حساء الرامين عادة أقل من 1000 ين ياباني (8.66 دولارا أميركيا)، ولكن في نيويورك، استنادا إلى ملاحظاتي، تبلغ تكلفته أكثر من 20 دولارا. وتبلغ تكلفة وجبة ماكدونالدز "بيج ماك" ما يعادل 3.38 دولارا في طوكيو، مقابل 5.81 دولارا في الولايات المتحدة، وفقا لمجلة الإيكونيميست. يمكن إجراء مقارنات مماثلة لأسعار مترو الأنفاق، والقمصان الداخلية Uniqlo Heattech، وغرف الفنادق من فئة خمسة نجوم، والعديد من السلع والخدمات الأخرى.

والآن أصبحت أسعار العقارات الممتازة في طوكيو، والتي كانت الأعلى تكلفة في العالم قبل ثلاثين عاما، أرخص كثيرا مقارنة بأي مركز مالي رئيسي آخر. متى ولماذا أصبحت اليابان رخيصة إلى هذا الحد؟ تضاعف سعر صرف الين الفعلي الحقيقي خلال الفترة من 1973 إلى ذروته في إبريل/نيسان 1955، لكنه خسر كل هذا المكسب منذ ذلك الحين.

يرى بعض المعلقين أن الانكماش الذي دام خمسة عشر عاما في اليابان هو المسؤول عن هذا الانحدار، في حين يشير آخرون إلى انخفاض قيمة الين الاسمية بشكل حاد منذ عام 2013 في ظل ما يسمى "اقتصاد آبي"، والذي تغذى على برنامج التيسير الكمي الذي قدمه بنك اليابان، فضلا عن أسعار الفائدة الشديدة الانخفاض. بحكم التعريف، ساهم الانكماش في اليابان، مقترنا بانخفاض قيمة الين الاسمية مقابل العملات الرئيسية (في حين أدار شركاؤها التجاريون الرئيسيون تضخما صحيا)، في انحدار سعر الصرف الفعلي الحقيقي. لكن كلا من الانكماش وانخفاض قيمة الين الاسمية كان ناتجا عن السبب المطلق وراء ضعف الين: الإنتاجية الراكدة في اليابان.

يقودنا هذا إلى فرضية تأثير بالاسا-صامويلسون، والتي تعتبر في عموم الأمر الإطار الأكثر ملاءمة لشرح التحركات في سعر الصرف الفعلي الحقيقي. تقول النظرية إن سعر الصرف الفعلي الحقيقي يرتفع، في ظل افتراضات بعينها، عندما تكون زيادة الإنتاجية أسرع كثيرا في القطاع القابل للتداول مقارنة بالقطاعات غير القابلة للتداول في أي بلد، وعندما يكون الفارق في معدل الزيادة لديه أعلى مما هو عليه لدى شركائه التجاريين، بصرف النظر عن ما إذا كان سعر الصرف ثابتا أو عائما. وهذا يفسر الارتفاع الكبير الذي طرأ على سعر صرف الين الفعلي الحقيقي الذي بدأ في ستينيات القرن العشرين وبلغ ذروته في إبريل/نيسان 1995.

في الواقع، كان ارتفاع سعر صرف الين الفعلي الحقيقي في ظل نظام سعر الصرف الثابت أو العائم يُـعَـد مثالا أكاديميا لتأثير بالاسا-صاويلسون. ولكن هل تفسر ذات الفرضية أيضا الانحدار اللاحق الذي طرأ على قوة الين الشرائية إلى المستوى الذي كان عليه في أوائل السبعينيات؟

على مدار السنوات الثلاثين الأخيرة، عانى الاقتصاد الياباني من عدة صدمات سلبية، بما في ذلك الأزمة المصرفية في الفترة 1997-1998 وزلزال شرق اليابان الكبير في عام 2011 وحادث محطة فوكوشيما للطاقة النووية في ذات العام. لكن التحول البنيوي الأكبر في اليابان في العقود الثلاثة الأخيرة كان تفريغ قطاعات التصنيع القابلة للتداول. في التسعينيات، بدأت شركات التصنيع اليابانية، بما في ذلك منتجي السيارات، في بناء مصانع في الولايات المتحدة وأوروبا من أجل تجنب النزاعات التجارية. بالتوازي مع هذا، استثمرت شركات يابانية عديدة في بلدان آسيوية أخرى بغرض الاستفادة من العمالة الأقل تكلفة.

وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، كانت شركات التصنيع عازفة عن الاستثمار في اليابان، لأنها أصبحت أقل جاذبية كسوق للمنتجات بأحجام إنتاج كبيرة أو كموقع للمصانع الكثيفة الاستخدام للعمالة، بسبب أعداد المتقاعدين المتزايدة هناك وتقلص عدد السكان في سن العمل. من غير المستغرب إذن أن يتمكن الركود من إنتاجية المصانع في اليابان. وبالتالي، انخفضت الأجور الحقيقية بشكل طفيف في السنوات العشرين الأخيرة، مع ارتفاع مؤشر الأجور الحقيقية (2015=100) من نحو 60 في عام 1970 إلى 113 في عام 1997 ثم انخفاضه إلى 100 في عام 2021، مما أدى إلى خسارة القوة الشرائية.

 

صحيح أن قطاع الخدمات غير القابل للتداول تقليديا في اليابان، بما في ذلك شركات البيع بالتجزئة، والفنادق، وأماكن الترفية، والتعليم، يشكل مجموعة مختلطة من الصناعات المتقدمة والمتأخرة. لكن الانحدار التدريجي في إنتاجية التصنيع أدى إلى تضييق فجوة الإنتاجية الضخمة سابقا بين القطاعات القابلة للتداول وغير القابلة للتداول. يفسر تأثير بالاسا-صامويلسون المعكوس على هذا النحو انحدار سعر صرف الين الفعلي الحقيقي.

وتتجلى التأثيرات المترتبة على هذا التحول بقدر متزايد من الوضوح. حتى منتصف التسعينيات، عمل نمو الإنتاجية القوي على تمكين صناعات التصدير في اليابان من الصمود أمام الارتفاع المستمر في قيمة الين الاسمية. ولكن بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ومع انحدار الإنتاجية، لم يعد بوسع شركات التصدير مواكبة ارتفاع الين، والذي أدى إلى التعجيل بنقل العمليات إلى الخارج.

علاوة على ذلك، تسببت نفقات الضمان الاجتماعي المتزايدة بسرعة كبيرة في اليابان في تقييد ميزانيات الحكومة للتعليم، والعلوم، والبنية الأساسية، والدفاع. وأفضى هذا إلى المزيد من تآكل القدرة على إجراء البحوث الأساسية التي يمكنها أن تساعد في زيادة الإنتاجية. باختصار، لا تلقوا باللائمة عن انخفاض سعر صرف الين الفعلي الحقيقي على السياسات النقدية التي انتهجها بنك اليابان. فمن الواضح أن تفسير وصول اليابان الرخيصة يرجع إلى توقف الإنتاجية في القطاعات القابلة للتداول وركود الأجور الحقيقية.

* تاكاتوشي إيتو، نائب وزير المالية الياباني الأسبق، وهو أستاذ في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا وأستاذ بارز في المعهد الوطني للدراسات العليا للدراسات السياسية في طوكيو.
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق