q
شبكات توزيع الكهرباء المتهالكة مع توسع المناطق السكنية النظامية والعشوائية وكثرة التجاوزات على خطوط نقل الطاقة، أدت الى واقع متردٍّ للكهرباء انعكس سلبا على حياة المواطن بشكل كبير، ولا بدّ من مشاريع ستراتيجية عملاقة تنهي أزمة الكهرباء بشكل تام. في مناطق مختلفة من العاصمة بغداد شكا مواطنون...

الكهرباء.. أزمة الشتاء وجحيم الصيف.. المحطات المتهالكة ونقص الوقود وزيادة الأحمال ترجح زيادة حالات انقطاع التيار.. بعض وحدات التوليد مرفوعة من الخدمة لضعف إمكانيات ورش الصيانة وقلة الكفاءات الفنية.

يعاني العراق من انقطاع الكهرباء منذ أكثر من ثلاثة عقود على الرغم من المبالغ الطائلة التي تم صرفها على قطاع الكهرباء منذ عام 2003 ولغاية اليوم، وتجاوزت بحسب الخبراء والمتخصصين أكثر من 80 مليار دولار.

وأمام منزله الصغير، يضع العراقي محمد باقر "مولده الكبير" الذي يحتل جزءاً من الرصيف، لتزويد المواطنين في منطقة "حي جميلة" في العاصمة بغداد بالكهرباء بمعدل قد يصل أحياناً إلى أكثر من 20 ساعة في اليوم الواحد.

على الرغم من الإعلان المتكرر عن زيادة انتاج الطاقة الكهربائية، مازالت مناطق كثيرة في بغداد تعاني من انقطاع الكهرباء الوطنية ولم تلبِ طموح المواطن العراقي بشكل مُرْضٍ، فانقطاع الكهرباء لساعتين او ثلاث خلال فصل الشتاء، ومثلها في فصل الصيف الحار او أكثر من ذلك، زاد من معاناة المواطن على مدى السنوات الماضية والحالية، مع حجم الاضرار البيئية التي تخلفها أكثر من ثلاثة آلاف مولدة أهليّة تقبع وسط الاحياء السكنية.

باحثون ومختصون دعوا الى اولوية حل مشكلة الكهرباء كأهم مشاكل البنى التحتية في البلاد، من خلال اعتماد شركات اجنبية متخصصة بإنتاج الطاقة بدلا من حلول مؤقتة استنزفت مئات ملايين الدولارات لم تؤتِ ثمارها بشكل ستراتيجي طويل الأمد.

حل ستراتيجي

شبكات توزيع الكهرباء المتهالكة مع توسع المناطق السكنية النظامية والعشوائية وكثرة التجاوزات على خطوط نقل الطاقة، أدت الى واقع متردٍّ للكهرباء انعكس سلبا على حياة المواطن بشكل كبير، ولا بدّ من مشاريع ستراتيجية عملاقة تنهي أزمة الكهرباء بشكل تام.

شكاوى

في مناطق مختلفة من العاصمة بغداد شكا مواطنون من فئات اجتماعية مختلفة من واقع الكهرباء والتأثيرات السلبية التي يعانون منها، يقول محسن الواحد ( 35) سنة صاحب ورشة لتصليح الاجهزة الكهربائية في منطقة الشعب: أغلب مناطق الشعب تعاني من انقطاع الكهرباء وخصوصا في فصل الصيف، والمولدات الأهلية لايمكن لها أن تشغل أجهزة التكييف او التدفئة فهي مخصصة للأجهزة البسيطة مثل المصابيح او المبردة والثلاجة، وفي فصل حار تصل درجات الحرارة فيه الى اكثر من 50 درجة مئوية، لايمكن ان تفي مبردات الهواء بالغرض المطلوب، علما أنها انقرضت منذ سنين طويلة ولايعمل بها سوى في العراق، اجهزة التبريد والتدفئة الحديثة تعمل على الكهرباء الوطنية فقط وهي أنظف أنواع الطاقة التي لاتسبب اي تلوث بعكس المولدات التي تعبث بالبيئة بشكل خطير جدا

معاناة

باقر عريبي في منطقة الصدر/ بيع المواد الصحية والانشائية قال: لم تعد معاناة المجتمع العراقي من انقطاع الكهرباء جديدة، اصبحت مشكلة مزمنة، ولا بدّ من حلها على مستوى الدولة وليس وزارة الكهرباء وحدها، فليس من المعقول أن تظل هذه المشكلة قائمة منذ 16 عاما من دون ان تحل، عندما تتحدث وزارة الكهرباء عن زيادة في انتاجها من الكهرباء لم يلمس المواطن اي تغيير لأن تلك الزيادة تذهب سدى في شبكات التوزيع والخطوط الناقلة المتهالكة والتجاوزات التي تعطل عشرات المحولات يوميا وتتسبب بعطبها، في الصيف الماضي انفجرت المحولة في المنطقة التي أسكن فيها وبقينا لثلاثة أشهر من دون كهرباء وطنية وقمنا بسحب الكهرباء من الجهة المقابلة لتشغيل الاجهزة المنزلية البسيطة.

مقترحات

مواطنون من فئات وشرائح اجتماعية مختلفة وسط الأحياء الشعبية اقترحوا أن تقوم وزارة الكهرباء بجباية مبالغ مقطوعة شهرية من كل بيت مقابل توفير الكهرباء 24 ساعة، الدكتور احمد السراي أستاذ جامعي أشار الى وجود حلول أخرى اذا كانت وزارة الكهرباء تعاني من نقص اموال الجباية، فبدلا من ان يدفع المواطن فاتورة الكهرباء الوطنية ومبلغا لايقل عن 200 الف دينار شهريا لصاحب المولدة على اعتبار أن سعر الامبير الحالي هو 20 الاف دينار في اغلب مناطق بغداد، يقبل المواطن أن يدفع هذا المبلغ او اكثر منه شهريا لوزارة الكهرباء بشرط توفير الكهرباء الوطنية 24 ساعة، حينها ستصبح لدى الوزارة اموال جباية ضخمة يمكن ان تنجز بها كل مايتطلب لإدامة انتاج الكهرباء بشكل مستمر من دون انقطاعات، اضف الى ذلك ان البيئة العراقية والمجتمع العراقي سيتخلصان من أضرار المولدات التي أصبح تأثيرها واضحا في البيئة العراقية التي تحمّلت أكثر من طاقتها بثلاثة أضعاف.

نسبة

أكثر من 68% من مجموعة كعينة من موظفين حكوميين واصحاب محال ومدرسين واستاذة جامعة وطلاب تم استطلاع آرائهم بخصوص دفع الاجور الشهرية التي يتم دفعها للمولدات الاهلية الى وزارة الكهرباء كأجور مقطوعة شهريا مقابل توفير كهرباء وطنية 24 ساعة، وأبدوا موافقتهم على دفع أجور من (50 – 70) الف دينار شهريا مقابل استقرار الكهرباء والتخلّص من المولدات الاهلية، فريد صاحب مهندس في أمانة بغداد قال: من خلال طبيعتي عملي أنا على احتكاك مع المواطنين وبشكل دائم نتلقى شكاوى على أصحاب المولدات الاهلية التي تتجاوز على الارصفة والمدارس والساحات وتتسبب بضرر للشارع والمنطقة السكنية بسبب مخلفاتها، لكن الأسرة العراقية اصبحت مرغمة على تقبّل هذا الامر بسبب انقطاع الكهرباء الوطنية، حتى اصبحت المولدة الاهلية جزءا من احتياجات الحياة اليومية، برغم ضررها البيئي وعلى الصحة العامة والاستغلال المادي الذي يمارسه بعض اصحاب تلك المولدات وخصوصا في فصل الصيف.

كلفة

وزارة الكهرباء بيّنت أنّ توفير الطاقة للمواطنين وضمان ديمومة عمل المحطات التوليدية، يكلّف ميزانية الدولة نحو 12 مليار دولار كدعم حكومي مقدم للقطاع، الناطق باسم الوزارة احمد العبادي قال: إنّ وزارته طالبت المؤسستين التشريعية والتنفيذية بثلاثة محاور ترسم خارطة طريقها للنهوض بواقع الكهرباء في البلاد، الاول يقضي بتعديل قانون الشركات على نحو ان يكون العراق بيئة جاذبة للاستثمارات العالمية لعدم التمكن من النهوض بقطاع الطاقة من دون مشاركة هذه الشركات العالمية في صناعة الكهرباء وضمن معايير يتم الاتفاق عليها ومنها تكون نسبة العمالة العراقية 75 بالمئة ورؤوس الاموال المتحركة تكون داخل العراق وليست خارجه.

اما المحور الثاني فيقضي بتعديل سعر التعرفة إذ لا يمكن ان يبقى سعرها مدعوما بنسبة تتجاوز الـ 93 بالمئة لاسيما أنّ صناعة الكهرباء تكلّف الدولة سنويا 12 مليار دولار تقدم كدعم للمواطنين، وهي واحدة من الامور التي تستنزف ميزانية الدولة في حين ان الوزارة حاليا لا تستحصل إلّا على 7% من الاجور وهناك مليونان و800 ألف مشترك لم يسددوا أجور الجباية.

وبيَّنَ العبادي أنّ المحور الثالث الذي طالبت به وزارة الكهرباء السلطتين التشريعية والتنفيذية هو ضرورة الاسراع بتعديل قانون الوزارة بشكل يسمح لها بمعالجة المشكلات الحالية التي من بينها ضياع الطاقة التي تصل الى 58 بالمئة من شبكات التوزيع بسبب العشوائيات والتجاوزات، لاسيما أنّ عدد العشوائيات بلغ ثلاثة آلاف و600، منها 1000 في بغداد، مؤكدا عدم قدرة الوزارة على التعامل معها.

ربط اقليمي

وعن موضوع الربط الكهربائي الاقليمي، بيَّنَ العبادي: أنّ العراق أنجز مشروع الربط التزامني مع إيران للخطوط الناقلة 400 (كي في) وكذلك مشروع الربط التزامني مع دول الخليج، الذي من المؤمّل أن تنجز المرحلة الاولى منه بحلول تشرين الاول من العام الحالي ويتضمن خطين 400 (كي في) بطول 300 كيلو متر، 220 كيلومتراً منها داخل الاراضي الكويتية، و80 كيلو مترا داخل العراق على أن يموّل من قبل هيئة الربط الخليجي وضخ 500 ميغاواط الى محافظة البصرة كمرحلة اولى.

وأشار الى وجود خارطة طريق مع الاردن تتضمن انشاء هيئة ربط كهربائي مشتركة بعد أن تم الحصول على موافقة مجلس الطاقة الوزاري، ولكن مجلس الوزراء لم يقره حتى الان.

وأفصح عن وجود خارطة طريق أخرى مع تركيا من خلال خط جزرة الموصل، وهذا الخط لم ينجز الى الآن، وفي حال انجازه سيكون بسعة 400 ميغاواط، ليتسنى الربط مع الجانب التركي ومن ثمّ ربط العراق بمنظومة نقل اقليمية يعطي مرونة وموثوقية للشبكة ويجعل العراق بلداً ممرراً للطاقة، وبإمكانه تحويلها من دول الخليج الى اوروبا وآسيا وبالعكس، ما سيؤدي الى استحصاله على مبالغ مالية نتيجة لذلك، معربا عن أمله بأن تنجز خلال الأعوام الثلاثة المقبلة ليكون العراق محوراً لنقل

جشع واستغلال

إلا أن المواطن باقر عريبي (44 عاماً)، أكد أن غياب "الوطنية" أمام الساعات التي يقوم صاحب المولد بتقديمها، دفع أصحاب المولدات إلى الجشع واستغلال المواطنين بشكل لا يطاق، وأضاف، "المواطن يضع في أولوياته تخصيص مبلغ من المال لتقديمه إلى صاحب المولد الأهلي مع كل بداية شهر، وعلى كل أمبير لا سيما الخط الذهبي (24 ساعة) الذي يختلف سعره عن الخط العادي (12 ساعة)"، مبيناً أن "صاحب المولد يقوم بقطع الكهرباء عن المنزل في حال تخلف المشترك عن دفع المبلغ أكثر من 72 ساعة"، وأكد محمود الذي يقوم بدفع ما يقارب 200 دولار شهرياً لصاحب المولد الأهلي، أن "صوت المولدات مزعج جداً إضافة إلى الدخان الذي تطلقه ما يتسبب في حدث أمراض خطيرة وتلوث بيئي".

أعباء إضافية

وأكد الباحث الاقتصادي إيفان شاكر أنه "لا يوجد خيار آخر أمام الشعب العراقي سوى المولدات الأهلية بسبب فشل الحكومات المتعاقبة (المنخورة في الفساد) في توفير الطاقة الكهربائية، ولأن ملف الكهرباء أصبح مرضاً مزمناً، بسبب التعقيدات السياسية والأمنية التي شهدها العراق آخر 18 عاماً، مما أدى إلى زيادة تأزم مشكلة الكهرباء في العراق". وقال باقر عريبي، "أصبح حل مشكلة الكهرباء في العراق يحتاج معجزة عظيمة بسبب الفساد المستشري في مفاصل الدولة، وحتى العقود التي أبرمتها الحكومات المتعاقبة حول الكهرباء نلاحظ أنه كانت لها تبعات سياسية".

وتابع باقر العريبي، "كذلك بسبب صراع الأحزاب المتنفذة في ما بينها على حقيبة وزارة الكهرباء، بسبب التخصيصات المالية الكبيرة لهذه الوزارة، ما تعتبر كعكة كبيرة لهذه الجهات السياسية، إذ تم صرف مبالغ طائلة لكن معظمها كان حبراً على ورق بسبب الفساد وسوء الإدارة وعدم الجدية في التخطيط، ولذلك مهم جداً حل مشكلة الكهرباء بعيداً عن المهاترات السياسية والصفقات المشبوهة التي تم إبرامها في السنوات التي مضت".

وحذر من أن "المولدات الأهلية تأثيرها سلبي على البيئة نتيجة انبعاثات الدخان منها، إضافة إلا أن أسعار الاشتراكات قياساً للأمبير مرتفعة جداً بسبب عدم قدرة الحكومة على توفير الوقود بكميات وفيرة لهذه المولدات، مما يسبب أعباء إضافية على المواطنين".

غياب الدعم الحكومي

وفي نهاية الشهر الماضي حدد مجلس محافظة ذي قار سعر "الأمبير" الواحد للشهر الحالي بأربعة دولارات، للتشغيل العادي، بالتناوب مع الكهرباء الوطنية.

ظاهر معتادة

وشهد العراق بعد سقوط النظام السابق العام 2003، انتشاراً كبيراً لـ "المولدات الأهلية" التي مثلت جزءاً من الحلول لمشكلة الكهرباء المستمرة في البلاد، نتيجة الفساد المستشري في مفاصل الحكومة وغياب الخطط الاستراتيجية، ومواكبة التطور الحاصل في القطاع الكهربائي، وتعد الأسلاك الكهربائية المنتشرة بشكل عشوائي على خطوط نقل الكهرباء (الوطنية) مظهراً من المظاهر المعتادة في عراق ما بعد 2003.

وتسببت الأسلاك الكهربائية لـ "المولدات الأهلية" بحرائق في عدد من المنازل إضافة إلى مقتل عدد من الأشخاص نتيجة الصعقة الكهربائية والتي تسببها هذه الأسلاك أثناء قطعها من قبل الشاحنات أو الظروف المناخية، لا سيما أوقات الأمطار.

وتابع باقر عريبي "دخلت في مشكلات كثيرة كوني صاحب المولد، وأقوم بجمع المبالغ بداية كل شهر جراء ساعات التشغيل التي تصل أحياناً إلى أكثر من 20 ساعة في اليوم الواحد نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، إلا أن بعضهم يمتنع من دفع ما يتوجب عليه من أموال بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، لا سيما في بغداد جراء ظروف الفقراء وأصحاب الدخل المحدود".

وكشف باقر عريبي عن البدل الذي يتقاضاه عن "الأمبير" الواحد، إذ يصل سعره صيفاً إلى نحو 10 دولارات أميركية، مقابل تقديم خدمة الخط الذهبي (24 ساعة ما عدا الساعات التي تزودها المنظومة الوطنية والتي تتراوح أحياناً في اليوم الواحد بين أربع ساعات أو 20 ساعة، بحسب ساعات التجهيز لكل منطقة".

ويشكو المواطنون في العاصمة العراقية والمحافظات الأخرى ارتفاع أسعار "الأمبير" الواحد، في المولدات الأهلية (والأمر يختلف من منطقة إلى أخرى ومن محافظة إلى أخرى)، على الرغم من تحديد مجالس المحافظات هذه الأسعار مع نهاية كل شهر، إلا أن كثيرين من أصحاب المولدات لم يلتزموا بها.

اضف تعليق