q
يخشى عدد من العلماء أن يتسبب عدم تلقي أشخاص للتطعيمات ضد «كوفيد» في ظهور سلالات متحورة جديدة من فيروس «سارس-كوف-2»، كما حدث في حال السلالة المتحورة أوميكرون، لطالما كان هناك إقرار بأن التردد في الإقبال على تلقي تطعيمات مضادة لعدوى مرض كوفيد-19 يُعد إشكالًا للدول ذات الدخل المرتفع أو المتوسط...
بقلم: سمريتي مالاباتي

يخشى عدد من العلماء أن يتسبب عدم تلقي أشخاص للتطعيمات ضد «كوفيد» في ظهور سلالات متحورة جديدة من فيروس «سارس-كوف-2»، كما حدث في حال السلالة المتحورة «أوميكرون».

لطالما كان هناك إقرار بأن التردد في الإقبال على تلقي تطعيمات مضادة لعدوى مرض «كوفيد-19» يُعد إشكالًا للدول ذات الدخل المرتفع أو المتوسط. بيد أن عدم توفُر اللقاحات المضادة للمرض في بعضٍ من أفقر بلدان العالم يشكل عقبة أكبر بكثير. ومؤخرًا، أفاد باحثون بأنه مع بدء توفير جرعات اللقاحات شيئًا فشيئًا، بدأت مقاومة التطعيم بها في الظهور كأحد أبرز القضايا في تلك الدول.

ويخشى العلماء أن استمرار تنامي أعدادِ مَن لم يتلقوا تطعيمات مضادة للفيروس في جميع أنحاء العالم من شأنه أن يعزز خطر ظهور سلالات أخرى جديدة مثيرة للقلق، كما حدث في حال السلالة المتحورة «أوميكرون». في هذا السياق، يقول جيفري لازاروس، وهو باحث متخصص في قضايا الصحة العالمية من معهد برشلونة للصحة العالمية في إسبانيا: "عندما نكون بصدد مستويات مرتفعة من الانتشار المجتمعي، تظهر السلالات الجديدة". من هنا، وفقًا لما ذكره لازاروس، يُعد التصدي للتردد في تلقي التطعيمات بالغ الأهمية لكبح انتشار الفيروس المسبب للجائحة، ولتلافي وقوع الوفيات والحاجة إلى دخول المستشفيات من جراء هذا المرض.

ويفيد العلماء بأن هذا التردد قد يسهم الآن في تباطؤ الإقبال على تلقي التطعيمات في بعض الدول التي لا تزال تضم نسبًا كبيرة من الفئات السكانية التي لم تتلق تطعيمًا ضد الفيروس. وتتضمن تلك الدول دولة جنوب إفريقيا - وهي إحدى الدول التي رُصدتْ فيها السلالة المتحورة «أوميكرون» أول ما رُصدتْ - وتنزانيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية وبابوا غينيا الجديدة ونيبال.

تعقيبًا على ذلك، تقول روبالي ليماي، اختصاصية علم السلوك من كلية جونز هوبكنز بلومبِرج للصحة العامة في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند الأمريكية: "في الجنوب العالمي، نحن بصدد أعداد أكبر من أي وقت مضى من المترددين في الإقبال على التطعيمات"، وإن كانت المشكلة الرئيسية إلى الآن هي محدودية إمدادات اللقاحات في بعض البلدان، على حد ما أدلى به الباحثون.

هل لدينا ما يكفي من جرعات اللقاحات؟

يقول سليم عبد الكريم، مدير مركز برنامج أبحاث الإيدز في جنوب إفريقيا (CAPRISA) الواقع في مدينة دوربان، إنه حتى أواخر شهر أكتوبر من العام الماضي 2021، في العديد من البلدان الأفريقية، تمثلت المشكلة في "أنه لم يكن لدينا ما يكفي من جرعات اللقاحات، لكن لدينا الآن كميات وافية منها في معظم الدول". ووفقًا للمراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فحتى الآن، لم تتجاوز نسبة التطعيمات باللقاحات التي جرى إمداد القارة السمراء بها 59%.

في جنوب إفريقيا، على سبيل المثال، انخفض عدد التطعيمات الأسبوعية بجرعات اللقاحات إلى أقل من ربع العدد نفسه الذي سُجل إبان ذروة حملة التطعيمات التي شهدها سبتمبر عام 2021، على الرغم من أن نسبة البالغين الذين تلقوا جرعة تطعيم واحدة على الأقل لم تكن قد تجاوزت 45%.

من هنا، كانت الدعوات الموجهة على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على مزيد من الجرعات من الدول الغربية مثيرة للحيرة والارتباك، حسبما يذكر إسبوار ماليمباكا، اختصاصي علم الأوبئة من كلية جونز هوبكنز بلومبرج للصحة العامة، المقيم في مدينة بوكافو بجمهورية الكونغو الديموقراطية. إذ تتوفر الآن أربعة أنواع من اللقاحات في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية. مع ذلك، على حد قول ماليمباكا، "لا نلمس هناك تلهفًا شديدًا على تلقي التطعيمات"، إلا بين المسافرين الذين يستعدون للسفر جوًا. ويضيف ماليمباكا أنه يعتقد أن المشكلة لا تكمن في جلب اللقاحات، بل في عدم الثقة فيها.

ويرى باحثون أن الصعوبات التي تواجهها الدول في تطعيم الأفراد ضد المرض قد ترجع إلى أسباب عديدة، بعضها قد لا يمت بصلة إلى التردد في تلقي التطعيمات. وتتضمن تلك الأسباب ضعف تمويل النظم الصحية، بالإضافة إلى أن جرعات اللقاحات التي يتم توفيرها كثيرًا ما تكون صلاحيتها قد أوشكت على الانتهاء، فضلًا عن المشكلات اللوجستية في نقل اللقاحات إلى البقاع النائية. كما أن تأخر الأفراد في تلقي التطعيمات أو رفضهم لتلقيها، يُعد أيضًا جزءًا من اللغز.

من هنا، سعتْ دراسات إلى وضع تقدير لمدى التردد في الإقبال على تلقي اللقاحات في جميع أنحاء العالم. وكانت دراسة استقصائية نُشرتْ في يوليو من عام 2021، وأُجريتْ على نحو 45 ألف مشارك في 12 دولة، قبل البدء في توزيع اللقاحات المضادة لفيروس «كوفيد-19»، قد وجدتْ أن التردد في تلقي اللقاحات كان أقل في روسيا والولايات المتحدة منه في الدول العشر الأخرى التي شملتها الدراسة، سواء أكانت منخفضة الدخل أم متوسطة. غير أن بعض الباحثين يرى أن هذا الوضع تغير خلال الجائحة. فعلى سبيل المثال، في نيبال، حيث وجدت الدراسة أن درجة قبول التطعيمات هي الأعلى (%97)، تباطأت وتيرة التطعيمات أواخر العام الماضي على الرغم من أن 40% من السكان تلقوا جرعة تطعيم واحدة ضد «كوفيد-19».

وقد وجدت دراسة استقصائية أخرى 2، أُجريتْ في الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر عام 2020، وشملتْ حوالي 27 ألف شخص في 32 دولة، أن الاستعداد لتلقي التطعيمات قد تباين بدرجة كبيرة بين الأفراد، وقد وُجدت مستويات مرتفعة من التردد في الإقبال عليها في بعض الدول. كمثال لأحد أسوأ الحالات، أفاد 43% من المستطلَعين في لبنان بأنهم قطعًا لا يعتزمون تلقي تطعيم ضد «كوفيد-19».

وقد رصدت دراسة استقصائية (go.nature.com/3thanfc) أجريتْ على بضعة آلاف من الأشخاص مستوياتٍ أدنى من قبول تلقي التطعيمات في بابوا غينيا الجديدة، حيث لم يتلق التطعيمات إلا 3% من المواطنين. ووجد الفريق البحثي بالدراسة أن 80% من المواطنين كانوا لا يعتزمون تلقي تطعيم ضد المرض أو كانوا غير واثقين من رغبتهم في ذلك.

أوجه شبه واختلاف

بعض أسباب التردد في تلقي اللقاحات مشترَكةٌ بين مناطق العالم، وإن وُجدتْ أيضًا اختلافات في هذه الأسباب بين هذه المناطق. فعلى حد قول بعض الباحثين، يُعد أمان اللقاحات أحد الشواغل الرئيسية في هذا السياق، لا سيما أنه جرى تطويرها وتوفيرها سريعًا، وكثيرًا ما تغيَّرت التوصيات بشأن استخدامها.

ويرتبط ضعف الثقة في الحكومات بهذه المخاوف. على سبيل المثال، خلصت دراسة استقصائية أجريت في 32 دولة إلى أن ارتفاع مستويات قبول تلقي التطعيمات ارتبط بالثقة في كفاءة تصدي الحكومات للجائحة. ووجد تحليل آخر أن ارتفاع مستوى الثقة في الهيئات الطبية والعلمية قد جعل الأشخاص أميل إلى الموافقة على تطعيمهم.

كما أدى انتشار معلومات غير دقيقة بشأن اللقاحات إلى عرقلة طرحها في بعض الدول. حول ذلك، تقول ليماي: "انتشار المعلومات المضللة يسبق انتشار المعلومات القائمة على أدلة في كثير من الأماكن".

غير أن الآراء تختلف كذلك تأثرًا باختلاف المناطق. على سبيل المثال، في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية، أذكتْ عقود من الحرب وانتشار مرض الإيبولا الفتاك انعدامَ الثقة في قيادات البلد وفي منتجات الغرب، على حد قول ماليمباكا، الذي وجد أيضًا في دراسة استقصائية حديثة لم تُنشر بعد، أن التردد في تلقي اللقاحات المضادة لعدوى «كوفيد-19» ربما يكون قد امتد ليؤثر في استعداد الأشخاص لقبول تلقي تطعيمات بلقاحات أخرى.

وربما أسهمتْ أيضًا اللامساواة في توزيع اللقاحات عالميًا في التردد في الإقبال على تلقيها، بالنظر إلى "الطريقة التي نوزع بها اللقاحات في الجنوب العالمي، وهي أشبه بتوزيع بقايا طعام تنتهي صلاحيته في غضون أسبوع"، كما تقول ليماي.

ويضيف كاوشيك رامايا، وهو باحث طبي ورئيس تنفيذي لمستشفى شري هندو ماندال في دار السلام بتنزانيا، أن من الممكن أن يكون باعث هذا التردد هو الانتظار الطويل لتلقي جرعات اللقاحات. ويشير رامايا إلى أن الأشخاص بدؤوا يتساءلون عما إذا كانوا بحاجة إلى التطعيم إن كانوا قد اجتنبوا الإصابة بالعدوى حتى الآن.

التشجيع على التطعيمات

وفقًا لعدد من الباحثين، ثمة طرق للتغلب على التردد في تلقي التطعيمات. على سبيل المثال، يرى عبد الكريم أن تلقي الأفراد للتطعيمات في جنوب أفريقيا قد يتطلب إما حوافز أو قرارات حكومية إلزامية.

ففي دراسة استقصائية حديثة لم تُنشر بعد، أجريتْ على أفراد من العديد من الدول، وجد لازاروس وفريقه البحثي أن القرارات الإلزامية - مثل اشتراط تلقي التطعيم من أجل السفر جوًا - يمكن أن تساعد في حل المشكلة. إذ وجدت الدراسة أن ثلث الأشخاص الذين ساورهم التردد بشأن تلقي اللقاحات المضادة لمرض «كوفيد-19»، ذكر أنه قد يتلقى تطعيمًا ضد «كوفيد-19» إذا اضطر لذلك حتى تُفتح أمامه أبواب السفر الدولي.

أما باتريك مودليتشه، الذي يرأس إدارة البرامج المجتمعية في مركز برنامج أبحاث الإيدز في جنوب أفريقيا، فيرى أنه ينبغي لحكومة جنوب أفريقيا أن تستقي الدروس من جائحة فيروس نقص المناعة البشرية، وأن تتفاعل مباشرة مع المجتمعات السكانية المختلفة لإقناعها بجدوى التطعيم بدلًا من الاستثمار في الحملات الإعلامية الضخمة.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تُدمج فرص تلقي التطعيمات في الخدمات القائمة حاليًا لعلاج الأمراض المعدية الأخرى والوقاية منها، مثل فحوص الكشف عن مرض السل، أو توزيع أدوية فيروس نقص المناعة البشرية، وهي خدمات مألوفة ومتاحة حاليًا. في ذلك الصدد، يقول مودليتشه: "يجب ألا تُعامل جائحة «كوفيد-19» كقضية مستقلة بذاتها".

اضف تعليق