q
هنا لا بد من القاء الضوء على حقيقتين أخريين تحسمان هذا الجدل، الاولى هي أن نسبة التأييد للديمقراطية بين العراقيين هي الاقل على مستوى كل دول العالم التي شملها المسح، وأن نسبة الرفض (40%) هي الاعلى على مستوى العالم! الحقيقة الثانية هي انه ورغم ان أغلبية العراقيين ما زالت تعتقد...

أواصل ابحاري في مثلث برمودا القيم العراقية المتغيرة، بعد أن تناولت في المقالات السابقة التغير الكبير والمقلق لقيم العراقيين تجاه أنفسهم، وتجاه الآخرين، وتجاه الأسرة وتجاه الدولة، أسلط الضوء اليوم على بعض القيم السياسية التي يؤمن بها العراقيون وتحديدا تجاه نظم الحكم المختلفة (الديني، والدكتاتوري، والديمقراطي، وحكم العسكر).

مرة أخرى أود التأكيد أن كل الارقام الواردة هنا هي جزء من مشروع مسح القيم العالمي والذي يستند الى استطلاعات علمية ممثلة لشعوب ما يناهز المئة دولة بضمنها العراق ويشرف عليه أساتذة وباحثون من مختلف العالم بضمنهم كاتب هذه السلسلة.

عندما غزا الاميركان العراق عام 2003 بُشّرنا ببزوغ فجر الديمقراطية، وأن العراق سيصبح واحة وسط هذه المنطقة المُجدبة بالحرية والمليئة بالقهر والديكتاتورية والطغيان. وعلى الرغم من أني خصصت فصلاً في كتابي: العراق من الاحتلال الى الاعتلال، لموضوع الديمقراطية في العراق الا ان من المفيد استعراض بعض الارقام المهمة والتي يمكن ان تجيب عن مدى تحقق حلم الديموقراطية في العراق من وجهة نظر العراقيين لا من وجهة نظر النخب او الحكام.

فاذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب فأن من الاجدى ان يجيب الشعب نفسه عن فهمه ورضاه للديموقراطية التي استوردت لنا واستزرعت في بيئة العراق. حين سُأل العراقيون أول مرة (عام 2004) عن مدى تأييدهم لقيام نظام سياسي ديموقراطي أجاب 76% بأنهم يحبذون هذا النظام للحكم، ولم يعتبره نظام غير جيد سوى 8% فقط.

واضح ان أغلبية العراقيين كانوا مثلي يحلمون ببزوغ عصر الديمقراطية في العراق، لكن هل استمر شهر عسل الديموقراطية في العراق مدة طويلة؟ توضح الارقام ان العراقيين استمروا في تأييدهم المطلق والمتنامي للنظام الديموقراطي كطريقة لحكمهم طوال عقد كامل.

ففي 2014 وقبيل احتلال داعش، ارتفعت نسبة المحبذين للنظام الديموقراطي الى 87% لكن احتلال داعش والفوضى التي أعقبت ذلك مضافا لها نفاد صبر العراقيين مع منظومة الحكم الفاسدة التي جلبتها صناديق الاقتراع والديموقراطية المشوهة جعلت شهر عسل الديموقراطية في العراق ينفد هو الآخر.

ففي عام 2019 هبطت نسبة المؤيدين لنظام حكم ديموقراطي لتصل الى 57% من العراقيين فقط في حين قفزت نسبة من يعتقدون أنه نظام غير جيد الى 40% بعد أن ظلت لا تتجاوز 10% طيلة السنوات 2004-2014.

قد يقول البعض ان نسبة 57% من الشعب يؤيدون الديمقراطية هي نسبة الأغلبية وبالتالي فلا زالت الديموقراطية تتربع على عرش أنظمة الحكم التي يفضلها العراقيون. هنا لا بد من القاء الضوء على حقيقتين أخريين تحسمان هذا الجدل، الاولى هي أن نسبة التأييد للديمقراطية بين العراقيين هي الاقل على مستوى كل دول العالم التي شملها المسح، وأن نسبة الرفض (40%) هي الاعلى على مستوى العالم!

الحقيقة الثانية هي انه ورغم ان أغلبية العراقيين ما زالت تعتقد أن نظام الحكم الديمقراطي هو الافضل مقارنةً بأشكال الحكم الأخرى، فأن هناك تنامياً في درجة تفضيل مختلف أشكال أنظمة الحكم غير الديموقراطي بين العراقيين، ولأني أؤمن أن الانسان لم يتوصل (بعد) لنظام حكم أفضل من الديمقراطية فأني أشعر بقلق متزايد حيال تحول اتجاهات العراقيين نحو أشكال الحكم الأشد تسلطاً وديكتاتوريةً.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق