q
يصف مصطلح التزييف العميق عملية جمع ملفات الصوت والفيديو بواسطة الذكاء الاصطناعي أو التعلم الآلي بشكل دقيق، وتكون كافة مجالات "التزييف العميق" ممكنة بداية من تبديل الوجوه بمعنى استبدال وجه شخص بآخر أو تزامن تحريك الشفاه إذ يمكن ضبط فم المتحدث على ملف صوتي مختلف...

يصف مصطلح "التزييف العميق" عملية جمع ملفات الصوت والفيديو بواسطة الذكاء الاصطناعي أو التعلم الآلي بشكل دقيق، وتكون كافة مجالات "التزييف العميق" ممكنة بداية من تبديل الوجوه بمعنى استبدال وجه شخص بآخر أو تزامن تحريك الشفاه إذ يمكن ضبط فم المتحدث على ملف صوتي مختلف عن الصوت الأصلي أو استنساخ الصوت، حيث يتم استنساخ نسخة من الصوت من أجل استخدامها لقول أشياء أخرى.

ولا يتوقف الأمر عند هذا المستوى، بل يمكن أيضا إنشاء وجوه وأجساد اصطناعية بالكامل على سبيل المثال صورة رمزية رقمية (أفاتار)، بل أن العجيب أنه يمكن استخدام تقنية "التزييف العميق" لاستحضار الموتى مثلما فعل متحف دالي في فلوريدا مع الفنان سلفادور دالي إذ استعان المتحف الأمريكي بهذه التقنية للسماح لزواره بالتقاط صورة حية مع دالي – الذي توفي عام 1989 - حيث يقوم بالتقاط صور سيلفي بنفسه.

تعتمد عملية استخدام الذكاء الاصطناعي للتلاعب بمقطع مصور على تقنية تُعرف بـ"شبكة الخصومة التوليدية" التي تعد نموذجا للتعلم الآلي، حيث تتنافس شبكتين عصبيتين ضد بعضهما من أجل الخروج بنتائج أكثر دقة، إذ ترمي هذه التقنية إلي تحسين النتائج.

وقد نجد صعوبة في فهم المقصود بتنافس شبكتين، لكن سنوضح كيف تجري العملية كالتالي: سوف يبلغ أحد أجهزة الكمبيوتر، الكمبيوتر الآخر إذا كان الاستنساخ الرقمي، سواء أكان مرئيا أو سمعيا، الذي صنعه لأي شخص مقنعا ومطابقا بدرجة كبيرة وكافية مع النسخة الأصلية لهذا الشخص؛ بمعني هل تحريك الشفاه في النسخة المستنسخة مطابقا للنسخة الأصلية، وكذلك هل تعبيرات الوجه متطابقة.

باستخدام "شبكة الخصومة التوليدية" يُجرى تحسين النظام ككل حتى الوصول إلى نتيجة مقنعة، على الرغم من أن هذه التكنولوجيا يطرأ عليها التطوير والتحسين بشكل مستمر، إلا أنه يمكن لأي شخص اكتشاف التلاعب سواء مرئيا أو صوتيا بمعنى آخر الإمساك بـ "التزييف العميق" إذا تم تحديد الشيء الذي نبحث عنه.

طرق اكتشاف "التزييف العميق، ولا يحتاج الإمساك بالمقاطع التي تعرضت لتقنية "التزييف العميق" أن يكون المرء خبيرا في هذه التقنية المعقدة من أجل التمييز بين ما هو حقيقي وبين ما هو مزيف.

وفي ذلك، نقدم بعض النصائح للمساعدة في التحري عن "التزييف العميق"، في البداية شاهد المقطع بتركيز ولا تتسرع في نشره، وأطرح على نفسك سؤالا مفاده: هل هذا المقطع حقيقي؟ ألا يمكن أن يكون مفبركا؟ إذ كنت في حال شك لا تنشره أو ترسله لأي شخص.

وفي حالة وجود شك، يتعين عليك القيام بالبحث عن نفس القصة أو المقطع من مصادر مختلفة لكنها جديرة بالثقة على شبكة الإنترنت، إذ سيساعد العثور على قصة مماثلة على الإمساك بطرف الخيط للوصول إلى القصة الحقيقية.

وفي حالة الشك في مقتطف صوتي أو صورة أو مقطع مصور، قم بإدخال هذا الجزء في محرك البحث غوغل أو محرك بحث DuckDuckGo ثم أبحث عن نسخة أخرى مشابهة. بعد ذلك يمكن المقارنة بين النسختين.

ويمثل رصد واكتشاف بعض الآثار عن وجود تلاعب أكبر تحدي، لكن هناك بعض الجوانب قد تساعد في الأمر مثل وجود لقطات غير متسقة أو تغير في نبرة الصوت أو جودته وغيرها مهما كانت صغيرة، فقد تكون مفيدة وعليك أن ثق في حواسك البصرية والسمعية وأسال نفسك دائما: هل يبدو الأمر منطقيا؟

ويجب أن تتذكر أن الأمر يتطلب فقط الكثير من التركيز وربما قد يتطلب الأمر طلب المساعدة من شخص آخر ليساعدك في تحديد أماكن التلاعب التي قد تكون أشياء بسيطة مثل الأنف أو الأذن أو الأسنان ودرجة بياضها أو حتى تسريحة الشعر وهل يبدو الأمر متطابقا.

قد يتطلب الأمر مشاهدة المقطع بمعدل مشهد لاكتشاف التناقضات، فيما يمكن الاستعانة على سبيل المثال بـ "مُشغل الوسائط في. أل. سي" أو موقع watchframebyframe.com.

كذلك قم بتكبير حركات الفم والشفاه وقارنها بالنسخة الأصلية لاكتشاف تزامن تحريك الشفاه، وهل يبدو الأمر منطقيا، قم بتعزيز المهارات السمعية والمرئية، يتضح من كل ما ذُكر أن الأمر يتعلق برمته بحواس الإنسان خاصة المهارات السمعية والمرئية، ولحسن الحظ يمكن تعزيز قدراتك هذه، فمن خلال هذا التدريب يمكنك تحسين مهارات السمع والرؤية لاكتشاف أي تلاعب في الصورة أو الصوت.

أما فيما يتعلق بالمجتمعات بشكل عام، فإن مخاطر تقنية "التزييف العميق" تعتمد على طريقة استهلاكنا للإنترنت إذ يشاهد الشخص الكثير عند تصفح الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي ولا يكون على الدوام متأكدا بما ينشره أو يشاركه وهل هو حقيقي أم مفبرك؟ أما في المجتمعات التي تعاني من حالة استقطاب، فإن تقنية "التزييف العميق" تعد فرصة كبيرة لخداع الأشخاص كي يصدقوا أشياء بعينها.

واللافت أن الأمر لا يتعلق بجودة المقطع المزيف فقد يكون محل الأمر ما رأيته حتى لو لم يكن صحيحا على سبيل المثال مقطع مصور لنجم المنتخب الإنجليزي السابق ديفيد بيكهام وهو يتحدث بتسع لغات.

يشار إلى أنه في أبريل / نيسان عام 2019، أطلق بيكهام حملة للقضاء على الملاريا عن طريق توجيه رسالة عبر مقطع مصور بتسع لغات. بدأ الرسالة باللغة الإنجليزية ثم تحدث بثماني لغات أخرى، بيد أن اللغات الثمانية الأخرى لم تكن بصوته وإنما بأصوات ناجين من الملاريا وأطباء، وفي ذلك الوقت، قالت المنظمة البريطانية التي أنتجت المقطع إنها استخدمت تقنية خاصة بالفيديو حتى يبدو بيكام وكأنه يتحدث بهذه اللغات الثمانية.

وسياسيا، تم إنتاج فيديو مزيف بتقنية "التزييف العميق" انتشرت بشكل كبير عن طريق موقع De Correspondent الإخباري يُظهر فيه رئيس وزراء هولندا مارك روته يتحدث عن تغيير كبير في سياسته، يما يفيد أنه سيدعم بشكل كامل التدابير المناخية بعيدة المدى.

وقد يستفيد بعض السياسيين من مناخ إعلامي ملي بالمعلومات الخاطئة، إلا أن وجود تقنية مثل "التزييف العميق" تسمح لهم بالزعم بأن ما قالوه غير حقيقي ومزيف وسيكون من الصعب إثبات العكس، وربما يكون المثال الأوقع على هذا الأمر، ادعاء الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2016 أن تسجيلا مصورا يعود لعام 2005 يتحدث فيه بطريقة بذيئة عن النساء، كان مفبركا رغم أنه قدم اعتذارا عن تلك العبارات فيما بعد.

خلاصة القول إن نشر معلومات مضللة يمكن أن يكون لأسباب أبرزها إثارة الشكوك والجدل أو دعم بعض المعتقدات بطريقة مخادعة، لكنها تحدث الضجيج المطلوب، وقد يصعب على المرء التحقق من المقاطع المصورة أو الصوتية التي تم التلاعب بها، لكن يمكن أن يتدرب المرء على معرفة كيف يمكنه اكتشاف مواضع "التزييف العميق"، وقبل كل شيء، يتعين التوقف عن نشر أو مشاركة أي شيء لم يتم التحقق من مصداقيته وصحته.

أضرار التقنية وفوائدها

يرى الخبراء، حسب صحيفة "الغارديان" البريطانيّة، أن تقنيّة التزييف العميق تتسبّب بالضيق والإحراج والاستفزاز والتخويف للآخرين، وذلك عندما توظّف في السخرية التي قد تبدو مهينة في بعض الأحيان. كما يسأل البعض، الآتي: هل ستتسبب هذه التقنية في وقوع حوادث دولية كبيرة؟ وفي سياق ذلك، أعرب المتخصّصون عن قلقهم لانعدام ثقة الجماهير بعد انتشار هذه التقنية، والتي قد تعرفها شبكات التواصل الاجتماعي، ليُصبح من السهل إثارة الشكوك حول أحداث معيّنة.

بالمقابل، يرى بعض المتخصّصين الآخرين أن استخدامات تقنية التزييف العميق قد تتركّز على جوانب أخرى كتلك الترفيهيّة والتعليميّة، إذ من الممكن تسخير هذه التكنولوجيا في المعارض والمتاحف، من خلال عرض صورة مزيفة لأحد المشاهير حتى يستطيع الأشخاص التقاط صور ذاتية لهم معه، بخاصة مع أولئك الفنانين والمشاهير الذين رحلوا عن دنيانا. كما قد تستخدم التقنية في تحسين دبلجة الأفلام الأجنبيّة.

وثمّة أمر آخر يثير الجدل حول التقنية، هو جعل الممثّلين الراحلين يلعبون أدوار البطولة في بعض الأعمال! وفي هذا السياق، وتحديدًا في نهاية عام 2020 لجأ مسلسل "بلو بل لا في" الفرنسي إلى استخدام هذه التقنية من أجل تعويض غياب إحدى الممثلات بسبب مخالطتها بشخص مصاب بفيروس كورونا، من دون أن يتنبه المشاهدون إلى ذلك، حتى أولئك الأكثر شغفًا منهم بالمسلسل.

كيف تنفّذ تقنية التزييف العميق؟

Zao، التطبيق الصيني الذي لاقى انتشارًا واسعًا، وهو يدعم تقنية التزييف العميق من الصعب تنفيذ التقنيّة المعقّدة المذكورة على جهاز كُمبيوتر عادي، بل هي تتطلّب جهاز كمبيوتر سطح المكتب ذا المعالج الرسومي القوي حتى يقلّ وقت معالجة الصور والفيديوهات، من أيّام وأسابيع إلى ساعات. أضف إلى ذلك، هناك الكثير من الأدوات المتاحة للتزييف العميق؛ في هذا الإطار، تصدر شركات عدة برامج وتطبيقات تدعم هذه التقنية، منها: Zao التطبيق الصيني الذي لاقى انتشارًا واسعًا. علمًا أنّه يسهل اكتشاف التزييف العميق ذي الجودة الرديئة، إذ قد يكون تزامن الشفاه سيئًا أو لون الجلد غير متناسق، وهناك وميض حول حواف الوجه، أو تجاهل لبعض التفاصيل، مثل: لون وشكل الأسنان أو المجوهرات، أو تأثيرات الإضاءة الغريبة، مثل: الإضاءة غير المتسقة والانعكاسات على القزحية. إشارة إلى أنّه يكثر المحترفون في المجال؛ في هذا السياق، اكتشف باحثون أميركيون في عام 2018م. أن الوجوه في التزييف العميق لا تومض بشكل طبيعي، وبدا الأمر ثغرة في التقنية ليسهل الكشف عنها، إلّا أن أعمالًا لاحقة ظهرت متجاوزة ذلك أي جعلت وميض العين واضحًا في الوجوه بعد ذلك. لذا، يسعى العديد من الحكومات والجامعات وشركات التكنولوجيا والأبحاث إلى محاولة التقصي عن الـdeepfake لإدراك أبعاده.

مستقبل صناعة المحتوى

يُطلق على مقاطع الفيديو المعدّلة التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي "التزييف العميق" أو "التلاعب المعمق". بالرغم من سمعته السيئة في مجال التزييف، خصوصاً لجهة كونه جزءاً من الأخبار الكاذبة التي يصعب تقفي أثرها والتحقق منها، يتزايد استخدامه بسرعة في قطاعات تشمل الأخبار والترفيه والتعليم، على اعتبار أنّ تكاليف إنتاجه أقلّ. فما هي تلك الاستخدامات؟ وهل يكون التزييف المعمق مستقبل صناعة المحتوى؟

كانت شركة "سينثيجا" Synthesia ومقرها لندن التي تنشئ مقاطع فيديو تدريبية للشركات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، إحدى أوائل المتبنين التجاريين للتقنية. فإنشاء مقطع فيديو بواسطة الذكاء الاصطناعي، باستخدام نظام Synthesia، يمكن أن يتم ببساطة بالاختيار من بين عدد من الصور الرمزية، وكتابة النص. تنقل "بي بي سي" عن الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك للشركة، فيكتور ريباربيلي، قوله إن "هذا هو مستقبل إنشاء المحتوى". ويقول ريباربيلي إن هذا يعني أن الشركات العالمية يمكنها بسهولة إنشاء مقاطع فيديو بلغات مختلفة، مثل الدورات التدريبية الداخلية. ويشرح: "لنفترض أن لديك 3000 عامل في أميركا الشمالية، بعضهم يتحدث الإنكليزية، لكن البعض الآخر قد يكون أكثر دراية بالإسبانية. إذا كان عليك توصيل معلومات معقدة إليهم، فإن ملف PDF المكون من أربع صفحات ليس طريقة رائعة. سيكون من الأفضل كثيراً إنشاء مقطع فيديو مدته دقيقتان أو ثلاث دقائق باللغتين الإنكليزية والإسبانية". ويتابع: "تسجيل كل مقطع من مقاطع الفيديو هذه هو عمل كثير. الآن يمكننا القيام بذلك مقابل تكاليف إنتاج قليلة".

ليس الموضوع حكراً على "سينثيجا"، بل هناك العديد من الشركات التي تخوض هذا المجال. ZeroFox هي شركة أميركية للأمن السيبراني تتعقب التزييف العميق. ويقول كبير مسؤولي التكنولوجيا فيها، مايك برايس، إن استخدامها التجاري "ينمو بشكل ملحوظ عاماً بعد عام، ولكن من الصعب تحديد الأرقام الدقيقة". ويقول الرئيس التنفيذي لشركة Veritone الأميركية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، تشاد ستيلبرغ، إن القلق المتزايد بشأن التزييف العميق الخبيث يعيق الاستثمار في الاستخدام التجاري المشروع للتكنولوجيا. ويوضح أن "مصطلح التزييف العميق كان له بالتأكيد استجابة سلبية من حيث الاستثمار الرأسمالي في هذا القطاع"،"يمكن لوسائل الإعلام والمستهلكين، عن حق، أن يروا بوضوح المخاطر المرتبطة به".

من جانبه، يقول مايك باباس، الرئيس التنفيذي لشركة Modulate، وهي شركة ذكاء اصطناعي تتيح للمستخدمين إنشاء صوت لشخصية أو شخص مختلف، إن الشركات في قطاع الإعلام التركيبي التجاري الأوسع "تهتم حقاً بالأخلاق" وإن المستثمرين "يسألون عن السياسات الأخلاقية". وتعتبر أستاذة القانون والابتكار والمجتمع بكلية الحقوق في نيوكاسل وخبيرة التزييف العميق، ليليان إدواردز، أن إحدى المشكلات التي تحيط بالاستخدام التجاري لهذه التكنولوجيا هي من يمتلك حقوق مقاطع الفيديو. وتشرح أنه "على سبيل المثال، إذا تم استخدام شخص ميت مثل مغني الراب توباك، فهناك نقاش مستمر حول ما إذا كان يجب على أسرته امتلاك الحقوق [والحصول على دخل منها]. هذا يختلف حالياً من بلد إلى آخر".

"فيسبوك" يستخدم الذكاء الاصطناعي لكشف التزييف العميق

قدم باحثان في "فيسبوك" طريقة تعتمد على الذكاء الاصطناعي من شأنها كشف عمليات "التزييف العميق" (ديب فايك)، وهي صور ومقاطع فيديو مزورة بحرفية عالية تجعلها واقعية للغاية، بهدف المساعدة في تحديد مصدرها.

وتطرح عمليات التزييف هذه مشكلة على المواقع الإلكترونية، إذ إنها قد تستخدم للتلاعب بمستخدمي الإنترنت أو تشويه سمعة الأشخاص من خلال تركيب مقاطع تُظهرهم يقولون أو يفعلون أموراً لم يقولوها أو يفعلوها حقاً. وتعتمد عمليات التوليف هذه على تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وقال الباحثان لدى "فيسبوك"، تال هاسنر وشي يين، اللذان عملا على الموضوع مع جامعة ولاية ميشيغان، إن "نظامنا سيسهل كشف الـ’ديب فايك‘ وتعقب المعلومات المرتبطة بها"، وتقدم الطريقة التي أعلن عنها الباحثان "أدوات لتسهيل التحقيق في شأن الأحداث المرتبطة بعمليات تضليل إعلامي منسقة تستعين بالتزييف العميق".

ولتطوير هذا النظام، استخدم الباحثان تقنية تسمى "الهندسة العكسية" تقوم على تفكيك طريقة صنع منتج ما، وفي هذه الحالة مقطع فيديو أو صورة، وترصد البرمجية التي يستعين بها النظام أي ثغرات على عملية التوليف (المونتاج) تؤثر على البصمة الرقمية للصور، وفي مجال التصوير الفوتوغرافي، تتيح هذه البصمة التعرف إلى الكاميرا المستخدمة. وفي المعلوماتية، يمكن لهذه التقنية "التعرف إلى النظام المستخدم في صنع عمليات التزييف"، وفق الباحثَين، وقدمت شركة "مايكروسوفت" العام الماضي برمجية من شأنها المساعدة في رصد عمليات الـ"ديب فايك" في الصور أو الفيديوهات، وهي من البرامج الكثيرة المصممة للتصدي للتضليل الإعلامي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وفي عام 2019، عممت "غوغل" آلاف مقاطع الفيديو المزورة على يد أفراد من طواقم عملها بأسلوب "ديب فايك"، بهدف وضعها في تصرف الباحثين الراغبين في تطوير أساليب لكشف الصور التي خضعت للتلاعب.

قدّم موقع علم الأنساب، "ماي هريتج"، أداة تستخدم تقنية التزييف العميق، لتحريك الوجوه في صور الأقارب المتوفين، وأقرّت الشركة أن بعض الأشخاص قد يجدون الميزة، المسماة "ديب نوستالجيا"، "مفزعة"، بينما قد يعتبرها آخرون "سحرية"، وقالت إن الميزة لم تتضمن إضافة الكلام، لتجنب خلق "أشخاص مزيفين".

يأتي ذلك في الوقت الذي تدرس فيه الحكومة في بريطانيا تشريعات بشأن تقنية التزييف العميق، وتدرس اللجنة القانونية مقترحات لجعل إنشاء مقاطع فيديو مزيفة دون موافقة أمرا غير قانوني، وقالت "ماي هريتج" إنها تعمّدت عدم تضمين الكلام في الميزة "من أجل منع إساءة استخدام التطبيق، مثل إنشاء مقاطع فيديو مزيفة لأشخاص أحياء".

وكتبت في خانة الأسئلة الشائعة حول التكنولوجيا الجديدة "هذه الميزة مخصصة للنوستالجيا، أي لإعادة الأسلاف المحبوبين إلى الحياة"، لكنها أقرّت أيضا بأن "بعض الناس يحبون ميزة ديب نوستالجيا ويعتبرونها سحرية، بينما يجدها آخرون مفزعة ولا يحبونها".

وتم تطوير التكنولوجيا الكامنة وراء "ديب نوستالجيا" بواسطة شركة "دي- آي دي" الإسرائيلية، واستخدمت الذكاء الاصطناعي ودربت خوارزمياتها على مقاطع فيديو مسجلة مسبقا لأشخاص أحياء يحركون وجوههم ويومئون.

في موقع "ماي هريتج"، يتم إحياء الشخصيات التاريخية مثل الملكة فيكتوريا وفلورنس نايتنغال. وفي وقت سابق من هذا الشهر، احتفالا بعيد ميلاده، وضعت الشركة مقطع فيديو لأبراهام لنكولن على يوتيوب باستخدام هذه التكنولوجيا.

ويظهر الرئيس الأمريكي السابق بالألوان، وهو يتحدث، وبدأ الناس في نشر مقاطع فيديو أسلافهم المعاد إحيائهم على تويتر، مع ردود متباينة. ووصف البعض النتائج بأنها "مذهلة" و"عاطفية" بينما أعرب آخرون عن قلقهم.

في ديسمبر/كانون أول، أنشأت القناة الرابعة البريطانية ملكة مزيفة قامت بتوجيه رسالة بمناسبة عيد الميلاد، كجزء من تحذير حول كيفية استخدام التكنولوجيا لنشر أخبار مزيفة.

حتى لا تقع في فخ الصور المفبركة.. إليك ما ينصح به الخبراء!

مع انتشار الصور المزيفة والمفبركة على مواقع التواصل الاجتماعي، بات من الضروري التأكد من صحتها. ولأن هذا الأمر ليس بالهين، "صورة بألف كلمة" عبارة تستخدم للتأكيد على أهمية الصورة في نقل الأخبار خاصة عند حدوث كوارث أو أعمال قتال من أجل الاستدلال على ضراوة الحدث خاصة إذا ما يتطرق الأمر إلى القصص الأخبارية غير المعقولة لكنها حقيقية. وبناء عليه فإن الصورة تعد العامل الحاسم في إقناع المشاهد أو القارئ بأن هذا الحدث الفريد من نوعه أو الاستثنائي قد وقع بالفعل.

فعلى سبيل المثال، الحريق الضخم الذي أتى على كاتدرائية نوتردام الشهيرة في العاصمة الفرنسية باريس، كان من الممكن أن يكون مجرد شائعة انتشرت على موقع تويتر، بيد أنه مع ظهور صور عن اندلاع النيران في هذا المعلم الفرنسي الشهير، أصبح لا مجال للقول بإن هذا الخبر شائعة.

لكن في كثير من الأحداث، نلاحظ أن الأشخاص يحاولون إدراج صور قديمة عن عمد أو يستخدمون صورا تم التلاعب فيها أو حتى استخدام صور تم إعداد العناصر التي ستظهر فيها مسبقا وذلك ربما لتحقيق هدف معين أو لجذب الانتباه.

وكلما كانت القصة الإخبارية كبيرة وذات بعد دولي كبير، كلما زادت فرص أن تكون الصور التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي أو الإنترنت عنها مزيفة وليست حقيقية.

وإزاء ذلك، اليكم بعض السبل التي قد تساعد للتحقق من صحة الصور، وهل الصورة مزيفة أم حقيقية؟

أصبح في الوقت الحالي من السهل التلاعب في الصور ومعالجتها وذلك بفضل البرامج والتطبيقات الخاصة بتحرير وتعديل الصور وتحسينها. لذلك فبادئ ذي بدء عند الشك في صورة ما، يتعين تتبع أصل هذه الصورة وهل نُشرت من قبل أم لا؟

وتعد تقنية "البحث العكسي عن الصور" من أسرع الطرق لمعرفة أصل الصورة إذ إنها تساعد في معرفة ما إذا كانت الصورة قد تم استخدامها من قبل وإذا حصل ذلك يمكن معرفة التوقيت والكيفية، ربما يكون المثال التالي أوقع لتوضيح الأمر. دعونا نفترض أن زلزالا ضرب باكستان وعلى إثره قام الكثير من الأشخاص بنشر صور عن التدمير الذي تسبب فيه.

وفي حالة الشك في أي صورة، يمكن حفظها على جهاز الكمبيوتر ثم تحميلها وإرسالها إلى أحد البرامج الخاصة بتقنية "البحث العكسي عن الصور" أو لصق عنوان الصورة وطلب البحث عنه لمعرفة ما إذا كانت الصورة بالفعل من المنطقة المنكوبة التي ضربها الزلزال في باكستان أم لا، ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل يمكن معرفة إذا كانت الصورة التقطت في نفس اليوم الذي هز فيه الزلزال باكستان أم أن الصورة قديمة ألتقطت قبل أيام أو شهور أو حتى سنوات. كذلك يمكن معرفة إذا ما حدث تلاعب في الصورة من خلال برامج و تطبيقات تحرير وتعديل الصور أم لا، هناك العديد من مواقع مجانية خاصة بتقنية "البحث العكسي عن الصور"، لكن أشهرها ثلاثة وهي: يعد الأداة الأكثر شهرة في البحث العكسي عن الصور لأنه يشمل على ميزتين رئيسيتين هما: الأول التمتع بقاعدة البيانات الكبيرة لغوغل. إذ يعد محرك غوغل البحثي الأكثر انتشارا في العالم على مر السنين لذا فإن فرص معرفة أصل الصورة تكون أكثر.

أما الميزة الثانية فهي أن محرك غوغل يمتلك تقنية التعرّف على الوجه التي تجعل البحث عن صور الأشخاص أسهل بكثير. كما تسمح التقنية بتصنيف الصور وفرزها حسب الحجم وتكبيرها من أجل معرفة أدق التفاصيل.

يعد محركا البحث Yandex وTinEye بديلين جيدين للاستخدام في البحث العكسي للصور فيما يفضل عدم الاعتماد على محرك بحثي واحد، ويعتبر محرك البحث Yandex المنافس الروسي لغوغل ولكنه يمكن أن يمنح نتائج مختلفة وربما أفضل خاصة عندما يتعلق الأمر بالصور الخاصة بروسيا. أما محرك البحث TinEye فيمتلك ميزة رائعة ألا وهي إمكانية فرز نتائج البحث حسب التاريخ وهو ما يساعد في معرفة التوقيت الذي تم فيه تحميل الصورة، بيد أن هذا المحرك مثل غيره لا يمكنه تحديد التوقيت الذي تم فيه نشر الصورة على فيسبوك أو أنستغرام لأول مرة بل إن الأمر يقتصر على المشاركة على الإنترنت أو موقع تويتر.

يعد تطبيق InVID We Verify الأداة التي تجمع كافة ميزات وخصائص محركات البحث عن الصور ذات الصلة ويمكن تحميل هذا المكون الإضافي على المتصفح. ويحتوى هذا التطبيق على ميزات إضافية رائعة عندما يتعلق الأمر بالتحقق من الصور إذ يوجد مكبر للصورة وأيضا إمكانية تحليل البيانات الوصفية، هذا التطبيق يضم أيضا أدوات خاصة بالتحقيق للتأكد فيما إذ حدث تلاعب في الصورة أم لا، أو ما يُطلق عليه "التحليل الجنائي للصورة".

الحذر كل الحذر من "اسكرين شوتس"، لا يتوقف الحذر على الصور وإنما يجب توخي الحذر عندما يتعلق الأمر بـ لقطات الشاشة "اسكرين شوتس" screenshots إذ يمكن التلاعب بها وإخراجها عن السياق، ويمكن الاستدلال على هذا الأمر بما وقع في ديسمبر/ كانون الأول، انتشرت اسكرين شوتس أو "لقطة الشاشة" لتقرير زُعم أنه من إعداد DW يُظهر متظاهرين ضد لقاحات كورونا في ألمانيا وهم يتبادلون القبلات علنا للتأكيد على رفضهم قيود كورونا، ومع ذلك، فإن الصورة التي تم نشرها كانت قديمة وتم التقاطها من تشيلي فيما لم يكن التقرير من إعداد DW، لذا فإن "لقطة الشاشة" هذه كانت مفبركة.

وفيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي، فإن لقطة شاشة (إسكرين شوتس) ليس دليلا قاطعا بأن التغريدات أو المنشورات حقيقية إذ أن نص أي تغريدة يمكن معالجته بسهولة عبر استخدام "كود المصدر" أو source code دون الحاجة إلى استخدام أحد برامج تحرير الصور.

بيد أن (إسكرين شوتس) التي يتم التلاعب فيها لا تظهر على الحساب الأصلي للضحية، لكن يمكن نشرها ليبدو الأمر وكأنها حقيقية رغم أنها مفبركة كذلك يمكن إضافة أي بيان لأي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي النهاية، يتعين علينا التأكيد على عدم وجود طريقة مضمونة للتحري عن صحة الصور واكتشاف التلاعب بها بشكل كامل، لذا يُنصح باستخدام عدة طرق ومحركات بحث عديدة للتأكد من أن الصورة حقيقية ولم يتم التلاعب بها وأيضا المقارنة بين نتائج البحث، وخلاصة القول: إذا ساورك أي شك حيال صورة معينة، يتعين عليك تطبيق إحدى الأدوات المذكورة سابقا مع تفحص خلفيات الأمر للتأكد من أن الصورة حقيقية وربما تكون الصورة، أما إذا استمرت الشكوك، فلا تُقدم على نشر هذه الصورة حتى تتمكن من التحقيق في مصداقيتها لتفادي أن يقع أي شخص آخر في فخ هذه "الصورة المفبركة".

كيف يواجه الصحفيون الأخبار الكاذبة على الشبكة العنكبوتية؟

منذ عدة سنوات يكافح صحفيون بلا هوادة ضد الأخبار الكاذبة في الشبكة العنكبوتية. ولكن ما جدوى التحقق من عناصر الحقيقة فيها إذا كانت الادعاءات المزيفة قد باتت على كل لسان؟ فخطر الأخبار الكاذبة مازال كبيرا على المجتمع.

كانت الكذبة الكبرى التي نشرها بوريس جونسون قبل الاستفتاء حول الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) في 2016 يمكن التعرف عليها عن بعد. فبحروف كبيرة كُتبت على حافلته الحمراء جاء فيها:" نرسل للاتحاد الأوروبي في كل أسبوع 350 مليون جنيه استرليني". وكشف صحفيون بريطانيون بسرعة أن الأمر يتعلق في الحقيقة بـ 110 مليون جنيه فقط. وبالرغم من ذلك اعتبر 47 في المائة من المستطلعة آراؤهم أن الرقم العالي حقيقي، وفقط 39 في المائة كانوا متأكدين أن الرقم خاطئ. فالكذبة كان لها صدى أكبر من التصحيح الذي جاء به المحققون، وساهمت في نتيجة التصويت الذي تستعد بريطانيا على إثره للخروج من الاتحاد الأوروبي.

وبعد مرور نصف سنة فقط على انتخاب دونالد ترامب رئيسا أمريكيا، كان مفهوم "الأخبار الزائفة" رائجا بين الناس: والمواقع الاجتماعية جرفتها معلومات خالية من أي أساس مثل التورط المفترض لمنافسة ترامب هيلاري كلينتون في شبكة إباحية للأطفال. وتبين لاحقا أن بعض المواقع التي روجت في الحملة الانتخابية الأمريكية لأخبار زائفة اشترتها روسيا. واتضح للكثيرين ببطيء كيف أن التضليل الإعلامي خطير على الديمقراطية. ففي 2017 صوت في دراسة لجامعة ماينتس 74 في المائة من المستطلعة آراؤهم أن الأخبار الزائفة تمثل خطرا حقيقيا على المجتمع. وفي المقابل زادت الثقة في وسائل الإعلام التقليدية. وللتمييز في الإنترنيت بين ما هو حقيقي وزائف أدرجت أقسام التحرير أسلوب التأكد من الحقائق.

ماذا يفعل محقق البيانات؟ "التحقيق بالنسبة إلي هو الوسيلة الوحيدة ضد الأخبار الزائفة"، يقول الصحفي باتريك غينزينغ. وأضاف " لا أعرف بديلا آخر". وانطلقت عملية التحقيق التي يتولاها غينزينغ في أبريل 2017، يعني نصف سنة قبل الانتخابات البرلمانية التي كان يُخشى أن تخضع لتزييف في الرأي كما حصل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية مع ترامب. وفريق غينزينغ الذي يتكون من أربعة محررين لا يتحقق فقط من الأخبار الزائفة التقليدية، بل أيضا من صحة تصريح من مؤسسة حكومية مثل الأرقام الصادرة عن اللاجئين في ألمانيا.

ومثال آخر على ذلك يتمثل في تصريح رئيس جهاز المخابرات السابق هانس غيورغ ماسن الذي شكك في صحة فيديو في الإنترنيت حول تجمع عفوي ليمينيين متطرفين في مدية كيمنيتس. وتوصل المحققون في البيانات إلى عدم وجود أي تزييف، وأدت الحادثة إلى استقالة ماسن من منصبه.

ويفيد الخبراء بأن الإحصائيات غالبا ما تشمل ثغرات وهي تعكس في الغالب فقط نصف الحقيقة، وبالتالي هناك حاجة إلى خبراء يتأكدون من تلك الأرقام. فمن خلال أرقام إحصائيات الجريمة تحاول الشرطة إثارة نقاشات سياسية.

أين تصل التحقيقات من الأخبار؟ ويتمثل أحد التحديات الأساسية بالنسبة إلى المحققين من الأخبار في وصول تلك الحقائق إلى من يصدقون الأخبار الزائفة. "بعض الناس يشيدون عالمهم الإخباري البديل في المواقع الاجتماعية وينسفون بذلك وسائل الإعلام التقليدية"، يقول ألكسندر زينغيرلاوب. ويفيد الخبراء أنه في السابق كان يتم أولا التحقق من الأخبار ثم نشرها. أما اليوم فيتم النشر في المواقع الاجتماعية وربما يأتي أحد فيما بعد للتحقق من صحة المضمون، لاسيما وأنه من السهل اليوم نشر مضامين عبر الشبكة بحيث أن الصحافة فقدت موقعها الاحتكاري. وهذا ينطبق بوجه الخصوص على الأخبار الزائفة التي من شأنها إثارة مشاعر سلبية وبالتالي يتم تقاسمها في المواقع الاجتماعية. والفارق الزمني في النشر يقوي أيضا موقع الخبر الزائف أمام تحقيقات صحفية مؤكدة، ويحذر الخبراء من فقدان التغطية الإعلامية العادية بسبب تعدد الأخبار الزائفة وبالتالي وجب تحسيس المجتمع بخطورة الأخبار الزائفة في المواقع الاجتماعية.

اضف تعليق