q
زهد أغلب الناس في تناول لقمة من طعامها أو تذوق شربة من شرابها لأنهم منشغلون بالدنيا وملذاتها، وهمهم تناول الطعام والشراب الذي يقوم أجسامهم، والمرح واللعب الذي يرفه نفوسهم، متناسون الآخرة، وزاهدون في الغذاء الذي يحيي أرواحهم ويغذي قلوبهم وهذا ناتج عن قصر في التفكير الواعي...

يدفع الإنسان المبالغ الباهظة من أجل نشوة عارمة تعتريه عند شراء طعام أو شراب يستهويه، وسعادة كبيرة عندما يقدم له طعام أو شراب يرغب فيه!!.

وأكبر دليل على ذلك حالات التسابق والتزاحم التي نشهدها بين الناس على عروض المطاعم ومحلات المواد الغذائية والكوفي شوب وغيرها، فإذا كان هذا حالهم أمام خصومات محدودة، فهل يمكن تصور منظرهم أمام إعلان عن طعام أو شراب مجاني؟!!.

لكن.. مهلاً.. ماذا لو علموا أن العرض المجاني على طعام لا يشبع لهم بطناً، وشراب لا يُعدل لهم مزاجاً، هل سيزهدون فيه أم يتزاحمون عليه؟ !! لأن حالة الإقبال أو الإدبار على أكل أطعمة وتذوق أشربة معتمدة على الميول الذاتية ونوع اللذة أو المرارة التي ستنتابهم منها.

بالمقابل تزخر حياة الناس بعروض مجانية مستمرة واستثنائية مملؤة بألذ الأطعمة والأشربة قدمها الله عز وجل والنبي وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين من أجل أحياء أرواحهم وغذاء قلوبهم، مع ذلك لم نشهد عليها تسابق وتزاحم !! بل زهد أغلب الناس في تناول لقمة من طعامها أو تذوق شربة من شرابها!!.

لماذا؟.. لأنهم منشغلون بالدنيا وملذاتها، وهمهم تناول الطعام والشراب الذي يقوم أجسامهم، والمرح واللعب الذي يرفه نفوسهم، متناسون الآخرة، وزاهدون في الغذاء الذي يحيي أرواحهم ويغذي قلوبهم؟!! وهذا ناتج عن قصر في التفكير الواعي، وبعد عن الغاية الأخروية، لذلك قال الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام): عجبت لمن يتفكر في مأكوله، كيف لا يتفكر في معقوله.

فالفطن يحاول دائماً أن يظفر بمحتويات العروض المغرية قبل فواتها، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، وهذا لا يتم إلا بإعادة الموازنة في ترتيب أولويات الحياة، والاهتمام بما يغذي الروح، ويقوم الجسم، والبحث عن المقومات الذاتية التي تتوافق مع الموائد التي تكسبه لذة في بناء العقل وتغذية الروح، وتشعر المستطعم لها حلاوة القرب من الله سواء كانت على شكل علم، أو صلاة، أو عمل، أو صدقة، أو صلاة جماعة، أو قرآن، أو مناجاة أو دعاء وغيرها.

لكن الأمر المهم المتوجب تبيانه في هذا المقام أن لا يغتر المؤمن بأنواع الأطعمة والأشربة التي تملأ موائد دينية مزركشة بأشكال براقة ونكهات مزيفة، بل يتوجب عليه اختيار الأطعمة والأشربة الغنية بالمكونات العقائدية الصحيحة، والأبعاد الروحانية الفريدة، وهذه الميزات الخاصة لا تجدها إلا في أطعمة وأشربة تقدم على موائد النبي محمد وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

ويحرص دائماً أن يتذكر مع أول لقمة يتناولها جوع الإمام الحسين عليه السلام فيبكي عليه، ويشرب أول شربة من ماء فيذكر عطشه، ويلعن قاتليه، ويسلم عليه، حينها ستنتابه لذة استثنائية تضاهي نشوتها كل لذات الأطعمة والأشربة المادية والمعنوية في عالم الدنيا !!، وسيشعر بقيمة هذه الموائد العظيمة التي لا يرغب في تركها مطلقاً.

* القطيف–الأوجام

اضف تعليق