q
عدم التوصل لاتفاق بين إيران والولايات المتحدة الامريكية، سيأثر على جميع الأطراف، وهو استمرار الفوضى والتجاذبات الفارغة وخسارة للوقت، بالإضافة الى استمرار الارتباك في الداخل العراقي الذي تمارس فيه أذرع إيران الدور الأكبر مقارنة بغيرها من الجهات، وهذا ما يقود الى مأزق جديد...

قبل أيام عرف المجتمع الدولي بفشل الجولة السابعة من المباحثات الإيرانية الامريكية بشأن الملف النووي الإيراني ولم تتمكن مجموعة "4+1"، من إحياء هذا الاتفاق في العاصمة النمساوية فيينا، واصيبت بخيبة امل من تمديد اجل انهاء هذا الملف المعقد والذي اخذ وقتا طويلا دون إنفراجة تذكر.

وبعد جولات ست سبقت الأخيرة، لا يزال الملف يراوح في مكانه ولم يتقدم مطلقا، بل ما زاد الأمور تعقيدا هو سعي حكومة طهران الذهاب الى مكان يصعب على الحكومات المفاوضة تقبله او قبوله كواقع حال لا يمكن تغييره، حيث اتبعت بهذه المفاوضات نهجا جديدا قائم على استراتيجية كسب الوقت ورفع سقف المطالب.

عدم التوصل الى اتفاق بخصوص الملف النووي الإيراني، له انعكاسات كبيرة على المنطقة العربية، وبما ان العراق واحد من محاورها فعدم التوافق سيناله قسطا ليس هيننا من التأثير، وعدم التوصل لنقطة التقاء مع الولايات المتحدة، يعني ان الأوضاع ذاهبة بتجاه التصعيد وعدم الاستقرار، وقد يزداد النفوذ الإيراني في العراق كردة فعل على فشل هذه المفاوضات.

فقط للتذكير:

بعد تغير النظام عام 2003 وجدت إيران الباب مفتوحا امامها لبسط نفوذها، وحاولت ان توازي الدور التأثيري مع الولايات المتحدة التي دخلت بعلم ورغبة العراقيين وموافقة المجتمع الدولي الذي شاركها جميع مراحل الغزو، حين ذاك استخدمت إيران القوى الناعمة لكسب القبول الشعبي العراقي، وعزفت على وتر الدين والمذهب وغيرها من المشتركات، وبقي الدور الإيراني في تصاعد لغاية عام 2014، حين دخل تنظيم داعش المدن العراقية.

بعد دخول داعش برزت الحاجة العراقية الملحة للتزويد بالسلاح والاستشارات، وهذا الامر قدم الفرصة لإيران على طبق من ذهب، فقدمت للعراق ما لديها من إمكانات وعلى مستويات عدة، ولا ننسى ان ذلك مدفوع الثمن المادي والمعنوي، فقد حصلت على موطئ قدم في الأراضي العراقية، وأصبحت توازي القوة الامريكية او الوجود الأمريكي المكثف في السماء وقليل من الأرض، يتمثل بوجود السفارة الامريكية في بغداد وقاعدة (عين الأسد)، في الانبار وقاعدة (حرير)، في أربيل.

هكذا يؤثر سياسيا:

نعود لانعكاس الاتفاق النووي على الأوضاع في العراق، ففي إحدى بنوده تفرض الولايات المتحدة على إيران بالتخلي عن أذرعها المسلحة في العراق، وان تكف عن سياستها التوسعية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما ترفضه إيران رفضا قاطعا، ومن الطبيعي ان يكون الرفض، كونها لا تريد التفريط بما حصلت عليه من مكتسبات ونفوذ على الأراضي العراقية بعد عام 2014 ولغاية الآن.

وتتركز التأثيرات الإيرانية على العراق في مجالين، وهما السياسي والاقتصادي، ففي الجانب السياسي ربما يكون التأثير أكثر وضوحا، اذ يتأخر تشكيل الحكومات العراقية بعد اجراء الانتخابات، كما في الوقت الحالي، نتيجة اعتراض الأحزاب المقربة من إيران، على ترشيح شخصيات من المتوقع ان تقلص التدخل الإيراني في الشأن الداخلي، وتذهب بتجاه المحور الغربي.

ولا يمكن الذي عقل ان ينكر هذا التدخل وربما أكثر من هذا المستوى، يناظر هذا التدخل هو تدخل الولايات المتحدة في العملية السياسية العراقية، وربما يكون تصرف إيران عبارة عن ردة فعل مقابل التحرك او الوجود الأمريكي، وكأن العراق محمية عائدة للطرفين ويجب ان تستمر رعايتها من قبلهم بالتساوي.

علاوة على ذلك فأن إيران استطاعت ان تحصل على شخصيات فاعلة ومؤثرة في البرلمان والحكومة العراقية، وهذا المكسب جعلها تشعر بأريحية تامة إزاء التطورات السياسية في العراق، وتعلم بما يحدث خلف الكواليس، وتحرك اقطابها لدفع الضرر عنها، وقد يغيب هذا التأثير او يضعف إذا أصبح بندا صريحا ضمن بنود الاتفاق الجديد.

ما تعيشه إيران اليوم من وضع اقتصادي مرتبك، يحتم عليها التوصل لاتفاق ولو كان معتلا مع الولايات المتحدة الامريكية، فهي لا ترغب بخسارة تبادل تجاري مع العراق يقدر بـــ 13 مليون دولار سنويا، ومن المجازفة عدم مراعاة ذلك من الجانب الإيراني، فهي لا تزال تصدر الغاز الذي يشغل المنشآت الكهربائية، ولحسن حظها لم تدرج حكومة البيت الأبيض هذه الجزئية ضمن قائمة العقوبات.

وفي حال اُدرج ذلك يعني ان التيار الكهربائي في العراق سيعود لنقطة الصفر، وتعود مع ذلك المظاهرات والاحتجاجات لسوء الخدمات ومن بينها الكهرباء، وبالتأكيد فأن حصول هذا الامر سيزيد النقمة على الأحزاب المقربة من إيران، كون الأخيرة هي من ازمت الموقف ولم تراع الوضع الداخلي العراقي جراء الانقطاع في حال حصل ذلك.

عدم التوصل لاتفاق بين إيران والولايات المتحدة الامريكية، سيأثر على جميع الأطراف، وهو استمرار الفوضى والتجاذبات الفارغة وخسارة للوقت، بالإضافة الى استمرار الارتباك في الداخل العراقي الذي تمارس فيه أذرع إيران الدور الأكبر مقارنة بغيرها من الجهات، وهذا ما يقود الى مأزق جديد إضافة الى ما يمر به البلد من انغلاق سياسي وتناحر تكون فيه جميع الاحتمالات واردة.

اضف تعليق