q
البيان الاولي للنتائج جاء ولم يجيب على ابسط التساؤلات بل أضاف لها الكثير، فهو يشير الى أمور عديدة، لعل أهمها، هو عدم امتلاك الأجهزة الأمنية أي ادلة قوية ودامغة حول قضية الاستهداف، وجميع ما تم التحدث فيه هو ضرب من ضروب الخيال لا يمت للواقع بصلة...

كشفت اللجنة المكلفة بإجراء التحقيقات بقضية استهداف منزل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وليتها لم تكشف عن النتائج الأولية كونها كشفت المكشوف وأوضحت الواضحات ولم تأتي بما ينتظره الشعب العراقي منذ ساعة الاستهداف لحين توقيت الإعلان الذي اعطته الجهات المشرفة على التحقيق.

وقال مستشار الامن القومي قاسم الاعرجي خلال المؤتمر الصحفي للجنة، انه "ثبت لدى اللجنة أن الهجوم على منزل رئيس الوزراء تم بطائرتين مسيرتين، وانه تم استضافة عدد من الشخصيات المهمة لمقتضيات التحقيق".

هذه المعلومة عرف بها القاصي والدان ولا تحتاج الى مؤتمر صحفي واخذ وقت إضافي مما اخذت اللجنة لكي تذيع هذا النبأ العتيق، وأشار الاعرجي في معرض حديثه عن سياقات التحقيق الى ان النتائج ستراعي الوضع السياسي المحتقن في البلاد ولن تكون هناك تسمية لأي جهة محددة خلال إعلان النتائج الأولية.

من يتابع جميع الفقرات التي ذكرت في بيان مستشار الامن القومي، يجدها فقرات كتبت على عجل وخجولة بنفس الوقت، فهي لا تريد ان يبقى الشعب العراقي ينتظر طويلا، وهذا ربما يضعها في موضع إحراج آخر لأنها وعدت بالكشف عن هوية الجناة قريبا، لكنها أخفقت مجددا ووقعت في الحيرة بين امرين اما تسويف الامر او الذهاب لخيار المواجهة مع الفصائل المقربة من الجارة إيران والتي في الأساس متهمة بالقيام في الاستهداف.

ما ورد بالبيان ويثير الانتباه هو ان اللجنة المكلفة بقضية التحقيق والمكونة من أكثر الصنوف الأمنية حساسية في البلد، انها قد تفاجأت بقيام مفرزتين تابعتين لمكافحة المتفجرات والأدلة الجنائية بتفجير المقذوف دون رفع البصمات، وعلى ضوء ذلك قررت اللجنة سجن مفرزتين مسؤولتين عن تفجير المقذوف وتحويلهما للداخلية، وان التحقيق سيتوصل لمعرفة الأسباب وراء عدم رفع البصمات وتفجير المقذوف.

امر الاعتقال بحق المفرزتين، يأتي من باب الاقربون أولى بالسجن، ولا داعي لمزيد من البحث والتدقيق في ملابسات الحادث، الذي صرحت فيه الجهات الأمنية العليا في البلد بأنه معلوم المصدر ومن يقف وراءه لكنها لا تريد ان يذهب البلد الى مزيد من الفوضى القائمة، وفضلت غض البصر حفظا بيضة الدولة.

الاعرجي كشف عن أحد البنود الواردة في بيان النتائج الأولية وفيه طلب لجنة التحقيق من يملك أي ادلة حول الحادث تقديمها للجهات المعنية لإتمام عملية التحقيق وجمع أكبر قدر من المعلومات لتوخي الدقة والموضوعية، وهذا ما يثير الاستغراب وربما الضحك، فكيف تطلب الماء من عطشانا!

الشعب العراقي هو المتعطش لمعرفة جل ما دار في أماكن التحقيقات، وماذا حدث بالضبط؟، وكيف حدث ولماذا؟، كل هذه الجزئيات يحتاج اخبار الرأي العام فيها، وتفسير الغموض الذي يحيطها، فالشعب المراقب لا تعنيه التفصيلات والأسباب الفنية المتعلقة بمنطقة انطلاق الطائرات ونوعها وحمولتها المتفجرة وجوانب أخرى.

من جهته صدع رؤوسنا القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي متوعدا الفاعلين، بعدم السكوت وسيكون العقاب شديد هذه المرة، لكنه يعود ويوصي اللجنة المكلفة بالحيادية والمهنية وان تكون مصلحة البلد نصب الأعين، هذه التوصية يمكن ان نقرأها هروب من ساحة المواجهة، فالكاظمي يعلم جيدا ان جهة مسلحة تقف وراء الاعتداء ولا يريد الإفصاح عنها لأمرين.

الامر الأول: ليس لديه القدرة على مواجهة الفصائل المسلحة المتهمة وان ثبتت ادانتها لانه يخشى الاقتراب من منطقة نفوذها، وقد يؤدي الكشف عن هويتها هو انجرار البلاد مأزق أكبر من المآزق السابقة، وهو ما أكده زعيم عصائب اهل الحق قيس الخزعلي في كلمة مسجلة له بثتها وسائل إعلام محلية عراقية حيث قال إن "محاولة اتهام فصائل المقاومة بها هي لعب بالنار ومحاولة لجر البلد إلى أزمة كبيرة".

الامر الثاني: هو حرصه على كسب ود هذه الفصائل ومغازلتها وعدم الصدام معها، فهي نفسها من حذرته في بداية توليه منصب رئاسة الحكومة، من التأثير على تحركاتها الداخلية وان كانت غير قانونية، وواجهته بالقول إنك جئت لإنجاز مهمة الانتخابات المبكرة والنظر بالوضع الاقتصادي بصورة مؤقتة، فعليك ان تغض النظر عن الأمور الجانبية الأخرى.

الفصائل المسلحة وتحديدا المتهمة طالبت وعلى لسان أحد أبرز قادتها الجهات الأمنية بتقديم ادلة كافية وملموسة، وإثباتات حقيقية وليس ادعاءات في الإعلام، لأن الوضع لا يتحمل أكثر، مجددة تحذيرها من انتقال العراق إلى "أسوأ من هذا الانسداد الحالي".

البيان الاولي للنتائج جاء ولم يجيب على ابسط التساؤلات بل أضاف لها الكثير، فهو يشير الى أمور عديدة، لعل أهمها، هو عدم امتلاك الأجهزة الأمنية أي ادلة قوية ودامغة حول قضية الاستهداف، وجميع ما تم التحدث فيه هو ضرب من ضروب الخيال لا يمت للواقع بصلة، هذا في حال ان العملية تمت من قبل جهة مسلحة كما تزعم الحكومة.

وهناك أمر آخر فأن ضعف فقرات البيان والتي يمكن ان نصفه بخطاب تسوية لا خطاب كشف المسؤول عما حدث بالفعل، وبالتالي يترسخ الاعتقاد بأن ما حصل هو بفعل فاعل مقرب من الحكومة التي ارادت الخروج بصيغة رسمية وأكثر لياقة في التعامل مع الاحتجاجات الحاصلة قرب بوابات المنطقة الخضراء اعتراضا على نتائج الانتخابات.

إذا كانت النتائج الأولية بهذا المستوى فلا حاجة لمواصلة التحقيق توفيرا للوقت والجهد، فبالتأكيد لا يمكن للجنة ان تأتي بجديد ويبقى جميع ما يصدر عنها خاضع للتوصيات الحكومية التي تريد الحفاظ على التوازن، وبذلك ستبقى تدور بدائرة الكشف عن المكشوف.

اضف تعليق