q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

فنّ التعامل الناجح مع الآخرين

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

الأساس في الإسلام أن يُتقن الإنسان فن التعامل الحسن مع الآخرين، لفظا أو عملا، بما يحفظ كرامة الآخر وحقوقه، ويزيد من متانة العلاقات الاجتماعية، فالفوارق بين المؤمنين مع بعضهم، أو بينهم وبين الآخرين، لا تبرر الغلظة والفضاضة والأساليب القاسية في التعاملات، ولذا يحث الإسلام على وجوب التمسك بحسن التعاملات...

(على المؤمن أن يكون مدارياً وإيجابيّاً في تعامله وكلامه مع الناس)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

التعامل مع الآخرين يأتي في شقّين، لفظي و عملي، فالأول ربما يقتصر على تبادل الأحاديث والكلمات، أما الثاني فهو يجمع بين الخطوات العملية في شأن معين وبين الكلام أيضا، بمعنى أنك لا تستطيع أن تنجز صفقة تجارية أو بيع وشراء دونما الاستعانة بالكلام، وهنا يجب أن يكون التعامل سليما وصادقا ومنسجما مع الجانب العملي دون إخلال بالاتفاق أو اللجوء للغش والخداع.

كذلك الحال بالنسبة للتعامل اللفظي بين الناس، فيجب أن يكون سليما مراعيا للآخر، ولا يضمّ كلمات جارحة أو خادشة للحياء أو سواه، بل لابد أن تكون كلمات منتقاة وفق الأخلاق والقيم والضوابط الدينية التي تنصح بعدم التجاوز على الآخرين، ولا علاقة لحسن التعامل بهوية الإنسان أو دينه أو عِرْقه أو إلى أية طائفة ينتمي، بل لا علاقة لحسن التعامل حتى بأخلاق الإنسان إذا كانت ناقصة.

فالمنافق كما هو متعارف لديه أكثر من وجه يتعامل بها مع الآخرين، وهو مستعد دائما أن يغش الآخرين، فيُظهر شيئا أو هدفا ويُبطن نقيضه، لكن حتى هذا النوع من الناس أوصى الدين وأئمة أهل البيت بـ (مصانعتهم)، أي مجاملتهم عند الحوار معهم، وعدم استخدام خشونة الكلام معهم وعدم مواجهتهم بحقيقتهم المنافقة، ونحن نتفق على أن المنافق مكروه، لكن حتى هذه الصفة لا تبرر التعامل القاسي معه، لأن باب التصحيح والعودة إلى الصواب يجب أن يبقى مفتوحا أمامه.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (العلم النافع):

(من الطبيعي أنّ المؤمن لا يحبّ المنافق بل يبغضه ويكرهه، إلا أنّ الإمام الصادق عليه السلام يأمره بأن يصانعه بلسانه، أي يجامله في الحديث؛ لأنّ من الأخلاق الحميدة للمؤمن أن لا يظهر كلَّ الكراهية التي يحملها في قلبه للشخص الذي لا يتوافق معه على حال، وإن كان منافقاً، فكيف إذا كان مؤمناً؟).

التعامل مع الآخرين سواء كان باللفظ أم بالخطوات العملية، هو فن يحتاج إلى معرفة وخبرة وتربية عالية، نعم هنالك اختلافات كثيرة بين الناس، حتى المؤمنون منهم قد لا تجد تشابها تاما بينهم في السلوك أو العادات أو الذوق وما شابه، كل مؤمن له شخصيته وطبيعته السلوكية، بل وكل إنسان بغض النظر عن كونه مؤمنا أو غير ذلك، فهؤلاء مختلفون في كثير من الأمور التي تتعلق بطرق التفكير والسلوك والتعاملات المختلفة، وهذا لا يلغي أهمية المجاملة.

كيف نضاعف متانة العلاقات الاجتماعية؟

الأساس في الإسلام أن يُتقن الإنسان فن التعامل الحسن مع الآخرين، لفظا أو عملا، بما يحفظ كرامة الآخر وحقوقه، ويزيد من متانة العلاقات الاجتماعية، فالفوارق بين المؤمنين مع بعضهم، أو بينهم وبين الآخرين، لا تبرر الغلظة والفضاضة والأساليب القاسية في التعاملات، ولذا يحث الإسلام على وجوب التمسك بحسن التعاملات المتبادَلة لفظا أو كخطوات عملية.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(قد يختلف المؤمن عن أخيه المؤمن في أسلوبه أو خلفياته أو عاداته أو ذوقه أو بعض صفاته، إلا أنّ هذه الفوارق ليس من شأنها أن تسلب المؤمن التزامه بالتعاليم الإسلامية).

المهم في هذا الأمر أن يلتزم المؤمن بما يوصي به الإمام (ع)، حيث يحث على إتقان التعامل الجيد (المجاملة) مع الآخرين، بمعزل عن كونه مسلما أو من دين آخر، بل حتى الكافر غير مستثنى من هذا النوع من التعامل، لأن الإسلام لا يفرّق بين الناس، ولا يضع تعاملات مختلفة فيما بينهم على أساس ما يؤمنون أو على أساس طبيعة الانتماء.

لذلك حتى المنافق وحتى الكافر مشمول بحسن التعامل، وفق الذوق السليم والتصرّف الذي لا يمس الآخر بأدنى سوء، وهذه السبل وطرائق التعامل مشهود لها في سِيَر أهل البيت (ع)، حتى مع من كان يُجهر بمعارضتهم أو معاداتهم، ولذلك كسبوا الكثير ممن كان يختلف معهم أو يضمر لهم العداوة، بل الرسول الأكرم (ص)، غيّر أخلاق وسلوك مجتمع موغل بالتطرف والتعصب، وبنى منه أمة متنورة ودولة عظمى فاقت دول عصرها.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(أمّا المنافق وهو الذي يُبطن الكفر ويظهر الإسلام، فإنّ الإمام يوصينا بمجاملته: «وصانِع المنافق بلسانك»، فهذا هو الخطّ العـام للأخلاق الإسـلامية، وهو أن تتـحـدّث وتتعـامـل مع الناس ـ مؤمنهم، ومنافقهم، وكافرهم ـ بالحسنى).

لقد حرص قائد المسلمين الأعظم الرسول محمد (ص)، على أن يزرع العادات السليمة، والسلوكيات المستمدة من الفطرة، فنشأت بين المسلمين حزمة من السلوكيات الثابتة، نهضت عليها الأمة، وبُنيَتْ في ضوئها شخصية المسلم، لتقوم على خط الإسلام وأئمة أهل البيت الذي يراعي الآخرين في جميع التعاملات.

الاقتداء بقادة التجارب الناجحة

وهذا نهج الرسول (ص)، وأئمة أهل البيت (ع)، ويجب أن يسود في المجتمع الإسلامي، بل لابد أن يمتد ليشمل التعامل بين الأفراد والأمم على المستوى العالمي، فالمجاملة والأخلاق الرصينة مطلوبة ومهمة حتى في أدقّ تفاصيلها، لاسيما أن الأقوال اللفظية يمكن أن تنتقل من النموذج القيادي (سياسي، ديني، تعليمي، عائلي....) إلى عامة الناس باعتبار القائد أو الرئيس نموذج لهم.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(من يتتبّع تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار سلام الله عليهم ومن بعدهم تاريخ العلماء الأخيار، سيجد هذا النهج الأخلاقي القويم في سيرتهم وتعاملهم مع الناس. فقد ورد أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان إذا صافحه شخص، لا يسحب يده حتى يكون ذاك هو البادئ).

فن التعامل الجيد هو أحد أهم وسائل القادة الناجحين، لماذا؟؟، لأنهم بالأسلوب اللين وبالكلام اللطيف يقرّبون الناس منهم، حتى المعادين أو المناهضين لهم، وهذا الأسلوب تمسك به الرسول الأكرم (ص)، والإمام علي (ع) في قيادتهما لدولة المسلمين، فحتى الخوارج المغالون بعدائهم للإمام (ع)، وجدوا التعامل الحسن معهم، والمنافقون أيضا تم التعامل معهم بلطف، رغم أنهم لا يستحقون ذلك.

لماذا يلجأ القادة الأقوياء إلى هذا الأسلوب الإنساني في التعامل، ولا يلجأ إليه عامة الناس والبسطاء منهم؟؟، فالمطلوب أن يكون النموذج الناجح قدوتنا في التعاملات الاجتماعية بيننا، وبهذا الفن الراقي من التعامل المتبادَل، يمكننا أن نضاعف من متانة البنية المجتمعية، ونُسهم في صناعة فرد ومجتمع يتقن فن التعامل الناجح الذي يمكن أن يبنى دولة ناهضة ومجتمعا واعيا.

كذلك على قادتنا اليوم أن يتعلموا من الرسول (ص) والإمام علي وأئمة أهل البيت (ع)، كيف كانوا يتعاملون مع الناس، بغض النظر عن غناهم أو فقرهم، قوتهم أو ضعفهم، تديّنهم أو كفرهم، فلا غلظة في الكلام، ولا إساءة بأية درجة كانت.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(هكذا كان أهل البيت سلام الله عليهم. فمن يتصفّح تاريخهم سيجد النهج نفسه. ومن يطّلع على سيرة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، سيلاحظ أنّه كان يتعايش مدارياً في أيّام حكومته حتى مع الخوارج والمنافقين، فكان لا يغلظ معهم في القول حين يتعرّضون بالإساءة إليه بل كان يظهر لهم منتهى اللين والرفق).

تُرى كم يحتاج المسلمون اليوم إلى فن التعامل الناجح؟، لكي يتجاوزا ظواهر الانقسام والفرْقة والخلافات، على أن يشمل ذلك الجميع، من أعلى قمة الهرم السياسي والاجتماعي إلى أدناه، فكلنا مدعوّون إلى الاقتداء بالشخصيات العظيمة التي أثبتت تفوقها ونجاحها، مثلما علينا التمسك بتجاربهم المتفوقة في التمسك بفن التعامل الناجح مع الجميع.

اضف تعليق