q
يخشى كثيرون من المواطنين اللبنانيين العاديين أن يكونوا هم من سيدفع ثمن الجمود الدبلوماسي الذي أثاره الخلاف الأخير الذي له جذور كامنة في التنافس منذ زمن بين السعودية وإيران، والذي يؤجج الصراعات في أنحاء الشرق الأوسط.وأنفقت السعودية ودول الخليج العربية الأخرى فيما مضى مليارات الدولارات...

يواجه لبنان، الغارق بالفعل في انهيار اقتصادي، انفجار موجة غضب من دول الخليج العربية بعد انتقادات حادة للسعودية من مذيع معروف، أصبح وزيرا، في خلاف فاقم التوتر في علاقات بيروت مع مانحين كرماء.

ويخشى كثيرون من المواطنين اللبنانيين العاديين أن يكونوا هم من سيدفع ثمن الجمود الدبلوماسي الذي أثاره الخلاف الأخير الذي له جذور كامنة في التنافس منذ زمن بين السعودية وإيران، والذي يؤجج الصراعات في أنحاء الشرق الأوسط.

وأنفقت السعودية ودول الخليج العربية الأخرى فيما مضى مليارات الدولارات مساعدات للبنان، وما زالت تقدم فرص عمل وملاذا لكثير من المغتربين اللبنانيين وعددهم ضخم. لكن هذه الصداقة توترت منذ سنوات نتيجة النفوذ المتنامي لجماعة حزب الله اللبنانية القوية المدعومة من إيران.

وبلغت العلاقات الخليجية مع لبنان مستوى متدنيا جديدا الأسبوع الماضي عندما ظهر وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي في مقابلة تحدث فيها داعما للحوثيين اليمنيين المتحالفين مع إيران وانتقد القوات التي تقودها السعودية لقتالهم.

وبالنسبة للرياض، التي تضاءل نفوذها في لبنان مع تنامي نفوذ طهران، كانت تعليقات قرداحي مجرد عرض لاستمرار هيمنة حزب الله على المشهد السياسي رغم أنها سُجلت قبل توليه منصب وزير الإعلام.

وتؤكد تداعيات تصريحات قرداحي، التي تزامنت مع تقدم الحوثيين في اليمن، عمق التنافس الإيراني-السعودي. وزادت مخاوف الخليج بشأن طهران بسبب عدم إحراز تقدم في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي يحد من أنشطة طهران النووية.

وتكافح السعودية ودول الخليج الأخرى المتحالفة مع الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ الذي تمارسه طهران في أنحاء المنطقة عبر تسليح وتدريب وتمويل جماعات شيعية على غرار حزب الله الذي تأسس عام 1982.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود لرويترز مطلع الأسبوع إن القضية أبعد من تصريحات قرداحي، الذي رشحه لرئيس الوزراء نجيب ميقاتي، سليمان فرنجية وهو مسيحي ماروني وحليف مقرب لحزب الله.

وأضاف الأمير فيصل "أعتقد أن من المهم أن تصيغ الحكومة في لبنان أو المؤسسة اللبنانية مسارا للمضي قدما بما يحرر لبنان من الهيكل السياسي الحالي الذي يعزز هيمنة حزب الله".

وطردت السعودية ودول خليجية أخرى سفراء لبنان واستدعت سفراءها من بيروت. كما أوقفت الرياض الواردات من لبنان، الذي يعاني بالفعل بسبب الحظر السعودي السابق على الفواكه والخضراوات اللبنانية جراء تهريب المخدرات في الشحنات المتجهة للمملكة.

وقالت سنام فاكيل، نائبة رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد (تشاتام هاوس)، "من وجهة نظر الرياض، يُنظر إلى الأزمة الأخيرة باعتبارها فرصة للضغط على النظام اللبناني لاتخاذ موقف ضد إيران وحزب الله".

استياء خليجي

من وجهة نظر إيرانية، قال مسؤول إيراني كبير مقرب من مكتب الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي إن تحرك الرياض يظهر أن السعوديين يخسرون أمام إيران على الجبهة الدبلوماسية ويحتاجون إلى بعض النفوذ.

لكن المسؤول أضاف أنه بينما قد تكون الرياض قادرة على عزل لبنان، فإنها لن تكون قادرة على عزل حزب الله.

وفيما يتعلق بالاقتصاد اللبناني المنهك، سيكون القلق الأكبر من أي إجراءات تؤثر على مئات الألوف من اللبنانيين الذين يعملون في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ويرسلون الدولارات إلى وطنهم الغارق في الفقر.

يسيطر الخوف على المغتربين اللبنانيين في الخليج على الرغم من التأكيدات الرسمية بأنه لن يتم ترحيلهم.

وقال المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله إن السعودية شأن دول الخليج الأخرى حريصة على عدم معاقبة اللبنانيين، لكنه أضاف أن خطوات أخرى للتعبير عن استياء الخليج العميق من حزب الله قد تتم، ومنها وقف الرحلات الجوية.

ليست هذه هي المرة الأولى، خلال السنوات الماضية، التي يدفع فيها العداء لحزب الله الرياض إلى التحرك ضد لبنان.

ففي عام 2017، استقال رئيس الوزراء سعد الحريري بشكل غير متوقع أثناء زيارته للرياض، مما أوقع لبنان في أتون أزمة. وقالت مصادر من بينها الرئيس الفرنسي إن السعودية احتجزته في ذلك الوقت، غير أن الرياض تنفي ذلك.

انتخابات

وجود أزمة أخرى الآن هو آخر ما يحتاجه ميقاتي الذي يسعى لمعالجة الانهيار المالي الذي أوقع أكثر من ثلاثة أرباع اللبنانيين في الفقر.

وقال ميقاتي، وهو ملياردير، إن تصريحات قرداحي جاءت قبل أن يصبح وزيرا وليس لها علاقة بالحكومة. وقال قرداحي إنه لن يستقيل.

وحكومة ميقاتي في مأزق بالفعل بسبب خلاف حول تحقيق في انفجار مرفأ بيروت العام الماضي. ولم ينعقد مجلس الوزراء منذ 12 أكتوبر تشرين الأول.

كما تريد الدول الغربية أن ترى تقدما نحو اتفاق مع صندوق النقد الدولي وإجراء انتخابات في موعدها المقرر في 27 مارس آذار. ويرى معارضو حزب الله أن الانتخابات فرصة للانتصار على الجماعة والأحزاب التي تدعم حيازتها للسلاح والتي فازت بالانتخابات في عام 2018.

ويُنظر إلى المقاعد المسيحية على أنها منطقة يمكن أن يخسر فيها حلفاء حزب الله. وأحد الأحزاب الساعية إلى تحقيق مكاسب هو حزب القوات اللبنانية المسيحي المناهض لحزب الله والذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه آخر حليف لبناني رئيسي للرياض.

وقال غسان حاصباني نائب رئيس الوزراء السابق إن لبنان "معزول عن العالم العربي بسبب سلوك حزب الله وحلفائه في الحكومة".

ليس هناك جدوى

ويرى وزير الخارجية السعودي أنّ "ليس هناك جدوى" في التعامل مع لبنان في ظل استمرار "هيمنة وكلاء إيران" على هذا البلد العربي، في إشارة لحزب الله، بعد تصريحات لوزير لبناني بشأن حرب اليمن أثارت غضب الرياض.

واستدعت السعودية الجمعة سفيرها لدى بيروت وطلبت من السفير اللبناني مغادرة الرياض وقرّرت وقف كل الواردات اللبنانية إليها بسبب التصريحات. وقرّرت البحرين القيام بالمثل ثم لحقت بهما الكويت قبل أن تقرّر الإمارات سحب دبلوماسييها ومنع مواطنيها من السفر إلى لبنان.

وقال وزير الخارجية السعودي "ليس هناك أزمة بيننا وبين لبنان". وتابع "لكنّ هناك أزمة في لبنان بهيمنة وكلاء إيران على المشهد وهذا هو ما يقلقنا وما يجعل التعامل مع لبنان ليس بجدوى للمملكة ولا اعتقد لدول الخليج".

وتابع "لا اود اختزال الموضوع في تصريحات شخص معين فالاشكالية أكبر من ذلك. الاشكالية في لبنان هي استمرار هيمنة حزب الله على النظام السياسي".

ويسود فتور بين السلطات اللبنانية والمملكة العربية السعودية منذ سنوات، في ظل اتهام الرياض المسؤولين اللبنانيين بعدم التصدي لحزب الله، بعد أن كانت السعودية من أبرز داعمي لبنان سياسيا وماليا، قبل أن يتراجع دعمها تدريجياً، امتعاضاً من دور حزب الله المدعوم من إيران، خصمها الإقليمي الأبرز.

وقال فرحان "الحقيقة أن لبنان يستحق الكثير وهو قادر على تحقيق الكثير لو التفت قادته لمصلحة لبنان بجعل المصلحة الشخصية او لمصالح دول أخرى مثل تمكين حزب الله من جميع مفاصل الدولة".

وكان وزير الإعلام جورج قرداحي وصف في مقابلة تلفزيونية تم بثّها الإثنين الماضي وأجريت قبل توليه حقيبة الاعلام في حكومة نجيب ميقاتي، حرب اليمن بانّها "عبثية". وقال إنّ المتمردين الحوثيين "يدافعون عن أنفسهم" في وجه "اعتداء خارجي" من السعودية والإمارات.

وعبّرت الحكومة اللبنانية عن "رفضها" تصريحات قرداحي، مشيرة إلى أنه "لا يعبر عن موقف الحكومة إطلاقاً"، لكن الوزير رفض التراجع عنها.

وقال قرداحي لقناة "الجديد" اللبنانية، وفق ما نقلت على موقعها الإلكتروني، إن "استقالتي من الحكومة غير واردة"، من دون أن ترد أي تفاصيل إضافية.

ودفع موقف قرداحي المتمرّدين اليمنيين لتعليق صورته في صنعاء تأييدا واحتفاءً بتصريحاته.

كما قرر المتمردون أيضا الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية منذ العام 2014، إعادة تسمية شارع الرياض التجاري باسم شارع جورج قرداحي، حسبما أفاد تجّار في الشارع وكالة فرانس برس ووسائل إعلام محلية.

ودعت الإمارات مواطنيها المتواجدين في لبنان إلى المغادرة "في أقرب وقت".

وقالت وزارة الخارجية في بيان على موقعها انه "نظرًا للأحداث الراهنة" فإنّها تدعو "جميع مواطنيها المتواجدين في لبنان بضرورة العودة إلى دولة الإمارات في أقرب وقت".

وأشارت إلى أنّها اتّخذت "كافة الإجراءات اللازمة لتسهيل عودة مواطنيها من لبنان"، مؤكدة على جاهزيتها "لتسخير الإمكانات كافة لمساعدة أي مواطن موجود في لبنان.. للعودة إلى دولة الإمارات".

ويدور نزاع في اليمن بين حكومة يساندها منذ 2015 تحالف عسكري بقيادة السعودية ويضم البحرين والإمارات ودولا أخرى، والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد وغربها وكذلك على العاصمة صنعاء منذ 2014.

وأسفر النزاع عن مقتل عشرات آلاف الأشخاص، بينهم كثير من المدنيين، وفق منظمات إنسانية عدة. وأكدت الأمم المتحدة مرارا أن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم حاليا، فيما تتهم منظمات حقوقية أطراف النزاع كافة بارتكاب "جرائم حرب".

وتأتي الأزمة الدبلوماسية فيما تعمل الحكومة اللبنانية على إعادة ترتيب علاقاتها السياسية مع دول الخليج، خصوصاً السعودية، وتعوّل على دعمها المالي في المرحلة المقبلة للمساهمة في إخراج البلاد من أسوأ أزماتها الاقتصادية.

وقال الوزير السعودي "المهم الآن أنّ يستفيق القادة في لبنان وان يبحثوا عن مخرج يرجع للبنان الى مكانته في العالم العربي".

وأوضح أن الأمر "يتطلب إصلاحا ومراجعة شاملة، الحقيقة الأمر في يد اللبنانيين وعليهم أن يقرروا ما هي مصلحة بلدهم وهذا سيعالج كافة المشاكل".

خدمات الشحن ايضا

كما أوقفت شركتا شحن دوليتان كبيرتان خدمات الشحن بين السعودية ولبنان، على ما أفاد موظفون وكالة فرانس برس، وأوقفت شركة الشحن والتوصيل الدولية "دي اتش ال" الشحنات الواردة والصادرة بين البلدين، حسب ما أفاد فرانس برس موظف في الشركة تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.

وأبلغت الشركة موظفيها في رسالة بريد الكتروني اطلعت عليها فرانس برس أنّ القرار يدخل حيز النفاذ "على الفور".

وأفاد مركز اتصال شركة "فيديكس" للشحن في السعودية فرانس برس أنّ الشركة أوقفت أيضا عمليات الشحن بين البلدين في الاتجاهين، باستثناء الطرود التي تحمل مستندات فقط.

وقالت الموظفة إنّ الأمر متعلق "بأوامر جديدة من الشركة"، دون أن تقدم مزيدا من التفاصيل.

خلال الأشهر الماضية، أعلنت السعودية عن عدة عمليات ضد مهرّبي المخدرات تمكّنت خلالها من مصادرة آلاف من حبوب الكبتاغون المخبئة داخل فواكه مستوردة من لبنان.

وبلغت قيمة الصادرات اللبنانية إلى السعودية أكثر من 290 مليون دولار منذ بداية العام الجاري، حسب ما أفادت قناة الإخبارية الحكومية في تقرير.

وتشهد العلاقة بين لبنان والسعودية فتوراً منذ سنوات، على خلفية تزايد دور حزب الله الذي تعتبره الرياض منظمة "إرهابية" تنفذ سياسة إيران خصمها الإقليمي الأبرز وتأخذ على المسؤولين اللبنانيين عدم تصديهم للحزب. وكانت السعودية قبل تراجع دورها من أبرز داعمي لبنان سياسياً ومالياً.

اضف تعليق