q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

زيارة الأربعين وسلوك الإعلام العالمي

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

لابد أن يعي مناصرو الإمام الحسين (ع) والذين يحيون مراسيم هذه الزيارة الكبرى، مسؤولياتهم تجاه ترسيخ قيم عاشوراء، والمحافظة عليها في سلوكهم وأقوالهم وتعاملاتهم مع الآخرين، وكذلك على الجميع القيام بدورهم الإعلامي (التبليغي) على أفضل وجه، ويجب أن ينسوا الاستمرار بالإيمان والتقوى حتى بعد انتهاء مراسيم الزيارة...

(زيارة الأربعين واقعة استثنائية، كالإمام الحسين صلوات الله عليه)

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)

يُجمع المعنيون من علماء وفقهاء وباحثين ومؤرخين على أن زيارة الأربعين، لا يوجد نظير لها من حيث الأعداد المليونية الهائلة التي تحيي مراسيمها، ويُضاف إلى هذه الميزة العددية الكبرى، ذلك الجهد الطوعي الكبير الذي يتم تقديمه على شكل خدمات متنوعة لهذا التجمّع البشري الاستثنائي.

ثمة مزايا أخرى كثيرة تتسم بها هذه الزيارة المليونية السنوية الخالدة، وهو ما يحتّم التخطيط لتوفير جهد إعلامي ضخم يوازي مكانة هذه الزيارة وفرادتها، ولا يقل درجة عن الاستعدادات الأخرى التنظيمية وتوفير الأمن والقضايا اللوجستية، وينسحب ذلك على وجوب جدارة استثمارها في النواحي الأخرى لصالح العراقيين، في جوانب الاقتصاد والاجتماع والثقافة والقيم والأخلاق.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيّد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في إحدى كلماته القيّمة:

(إنّ زيارة الأربعين واقعة فريدة على وجه الكرة الأرضية، والأضخم تجمّع والأكبر حضور في عالم البشرية، وهو تجمّع وحضور الزائرين للإمام الحسين صلوات الله عليه في ذكرى الأربعين الحسيني في كربلاء المقدّسة).

الملاحَظ من المهتمين والمتابعين، قلة الاهتمام الإعلامي العالمي بهذه الواقعة السنوية الكبرى، رغم تميزها عالميا، وهو أمر يكاد يكون مقصودا، كون الزيارة تشكل تجمعا بشريا متفردا، فضلا عن وجود فعاليات ودروس مرافقة لها، تدخل في إطار الجهد البشري الذي ينتمي إلى الإرث والتراث الحضاري العالمي للأمم والشعوب التي تقطن الأرض، هذا التهميش الإعلامي الذي يدخل ضمن صراعات غير مبررة، يجب أن تتم مواجهته بذكاء وتخطيط مهني وإرادة فعالة.

ويبدو أن كل المزايا التي تطبع هذه الواقعة الاستثنائية (زيارة الأربعين) لا يشفع لها عند المتحكمين بالإعلام (الساسة وبعض الحكومات وأصحاب الشركات)، من الذين لا تروق لهم نجاحات الأمم الأخرى، فهذا الإهمال الإعلامي على الصعيد العالمي لا يمكن أن يكون دون دوافع أو بلا تخطيط مسبق، وهذا ما يحتّم على المسلمين، لاسيما العاملين منهم في أقسام الإعلام المختلفة، أن يملأوا فراغ الإعلام الذي يهمل هذه الزيارة الخالدة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(إنّ هذا الحضور المليوني، من الشيوخ والشباب والأطفال والمرضى والمعاقين، رجالاً ونساء، الذين يسيرون نحو كربلاء المقدّسة باشتياق، تراه يُبخس حقّه، حيث لا تقوم بعض وسائل الإعلام المرئية ببثّ حتى لحظة واحدة من هذا الحضور المليوني الهائل).

زيارة الأربعين وترسيخ المعنويات والأخلاق

ومع الإيمان المطلق بأن الزوار الكرام الذين يتجشموا عناء الطرق الطويلة، والمسفات الهائلة التي يقطعوها مشيا على الأقدام، بانتظارهم الثواب الإلهي الذي يليق بهم ويكافئ جهدهم العظيم وإيمانهم الراسخ، إلا أن السؤال الذي يحزّ في النفس يبقى قائما دائما وأبدا، لماذا هذا التهميش الإعلامي المتعمَّد؟؟

فهذه الفعالية الكبرى إذا نظرنا في أبعادها وفوائدها، لا تستهدف ثقافة أحد ولا عقائده ولا تسيء لما يؤمن به، بل هي فعالية إنسانية تسعى لرفع القيم المعنوية والأخلاقية لدى الإنسان، وبالتالي فهي تصب في صالح البشرية كلها، والصحيح أو الواقعي هو أن يتم النظر إليها على أنها فعل بشري ضخم لا يوجد له نظير، وعليه يجب الاهتمام به كتراث إنساني متفرّد وإيجابي.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يشير إلى هذه النقطة فيقول:

(نعم، هؤلاء الزوّار ينالون الأجر والثواب من الإمام الحسين صلوات الله عليه، وأجرهم وثوابهم محفوظ لهم في الدنيا والآخرة، ولكن لماذا تتعمّد وسائل الإعلام المضادّة للإسلام بالتعتيم الإعلامي على هذا الحضور المليوني، ولماذا تعكس صورة ضبابية عنه؟).

وإذا كان السلوك الإعلامي الآخر، يتعامل بهذه الطريقة غير الصحيحة، مع وقائع زيارة الأربعين، وما يرافقها من فعاليات ومواقف وحكايات ذات طابع إنساني إيجابي، ما هي السبل التي نواجه بها هذا التجاهل الإعلامي المتعمّد؟، ومن هم المسؤولون عن إدارة هذه المواجهة الإعلامية لرفع الحيف عمّا يُلحَق بالفكر الحسيني ومبادئ الإمام الحسين (ع)، التي تصب أصلا في صالح البشر؟

أما بالنسبة للسبل المطلوبة، فهي معروفة و واضحة، ويمكن توضيحها وتلخيصها بنهوض الإعلام المحلي والإعلام المؤيّد لإحياء مراسيم الزيارة الأربعينية، بملء الفراغ الإعلامي، والإصرار على توصيل تفاصيل ما يحدث في هذه الزيارة إلى أبعد بقعة من الأرض، فجميع من يعمل في الإعلام ويؤمن بالحسين (ع)، يجب أن يستعد للقيام بهذه المهمة لإظهار الوجه الإنساني الناصع للأربعين الحسيني.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يتساءل:

(من الذي عليه أن يعمل في هذا المجال الإعلامي المهم ليوصل رسالة الإسلام إلى العالم؟ وهل يقوم به غير الشباب والمحبّين لأهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم؟ فهذه من مسؤولية المؤمنين الذين يتّبعون الله تعالى ورسوله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما).

السعي للتعريف بمعارف أهل البيت

إن زيارة الأربعين تهدف إلى تكريس القيم التي ترتقي بواقع الإنسان، فهي تنتصر لسيد الشهداء، وتؤيد موقفه (ع) الرافض للاستبداد والاستعباد وللمادية المفرطة، وهي بالتالي واقعة تسعى لمنح الإنسان قدرة على مواجهة الانحراف، لذلك كل من يؤمن بالإمام الحسين (ع)، وما قام من أجله، وخروجه ضد الظلم، عليه أن ينشر مبادئ الفكر الحسيني بكل السبل والإمكانيات المتاحة له.

القنوات الفضائية لها دورها الإعلامي الكبير الذي يجب أن يكون فاعلا ومنظّما، وقادرا على نقل وقائع هذه الزيارة المليونية على مدار الساعة، بالإضافة إلى أهمية إظهار ما يرافق الزيارة من فعاليات كبيرة في مواقفها وأخلاقياتها وإنسانيتها، كونها تمثل دروسا للبشر أينما حلّوا في هذه الأرض.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يخاطب المؤمنين بالإمام الحسين (ع) قائلا:

(اسعوا أيها المؤمنون إلى تعريف معارف أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، ونشر تعاليمهم وتعريف واقعة الزيارة الأربعينية الحسينية المقدّسة الفريدة إلى العالمين، عبر توسعة القنوات الفضائية الشيعية والتغطية الشاملة، والحماية الشعبية، أكثر وأكثر).

ما يقدمه الزائر ومقدِّم الخدمات له، كلا الطرفين لهم رعاية إلهية خاصة، وثواب يستحقه عملهم الكبير، فالإنسان الذي يقوم بعمل الخير وينصر الحق والإنسان الذي يدعم أعمال الخير والحق كلاهما يستحقان الشكر والثواب، كونهما يساهمان في ترسيخ قيم الحق وينتصرون لها ولا يخشون خطرا يتهدد حياتهم، كما أنهم لا يبالون بتعب أو جهد أو سهر وما شابه.

عن هؤلاء المناصرين للإمام الحسين (ع)، والمشاركين بإيمان في إحياء مراسيم الأربعين الحسيني، يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(إنّ مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله يشكر زوّار الإمام الحسين صلوات الله عليه كافّة، بالأخصّ للزائرين المشاة، ويرعاهم فرداً فرداً رعاية خاصّة).

وبعد هذه الجهود العظيمة التي يبذلها الزوار الكرام ومن يخدمهم طيلة أيام الزيارة، لابد أن لا يضيّع الإنسان جهده وعمله الصالح، بعد انتهاء مراسيم الزيارة والمشاركة فيها بإخلاص، فعمل الخير هذا ونصرة الحق يبقى من طراز خاص، ويستحق أفضل الجزاء، وهذا يتطلب من المؤمن المناصر للإمام الحسين أن يحرص على محاسبة نفسه، من خلال الاستفادة التامة من زيارة الأربعين الاستثنائية.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يناشد الزوار الكرام قائلا:

(أيها المؤمنون الزوّار اسعوا إلى الاستفادة من هذه الزيارة الاستثنائية، استفادة استثنائية. فاعملوا بوصية المعصومين صلوات الله عليهم، وهي محاسبة النفس يومياً ولو لدقائق، تراجعون فيها أعمالكم في كل نهار وليل).

وختاما لابد أن يعي مناصرو الإمام الحسين (ع) والذين يحيون مراسيم هذه الزيارة الكبرى، مسؤولياتهم تجاه ترسيخ قيم عاشوراء، والمحافظة عليها في سلوكهم وأقوالهم وتعاملاتهم مع الآخرين، وكذلك على الجميع القيام بدورهم الإعلامي (التبليغي) على أفضل وجه، ويجب أن ينسوا الاستمرار بالإيمان والتقوى حتى بعد انتهاء مراسيم الزيارة، فتأثير هذه الشعائر العظيمة لن ينتهي بانتهائها، بل تبقى مشعّة في العقول والقلوب والنفوس لتجعل الإنسان مؤمنا كريما مناصرا للحق وللإمام الحسين (ع) على مرّ الزمان.

اضف تعليق