q

كيف يُبنى عراق اليوم والمستقبل؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

مما يحتاجه العراقيون لبناء بلدهم، هو العلم أولا، وتطوير الوعي، وتنمية المجالات الثقافية، فإذا أمكن تغيير الإنسان وبنائه وفق ثقافة متوازنة، وحصل على العلوم اللازمة، وتطور وعيه في إدارة شؤونه المختلفة، فإننا نكون قد قطعنا مسافة كبيرة نحو التقدم ومواكبة الأمم والبلدان الأخرى...

(مهما خطّطنا لمستقبل العراق، فهو لا شك أقلّ من الحاجة)

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)

كثيرا ما اقترن اسم العراق بالعلم والتنوير، ولطالما ردد المفكرون والباحثون جملة (مهبط الأنبياء)، والمقصود بها أرض العراق، وهنالك صفات كبيرة تليق بهذا البلد وشعبه، وليس أدل على ذلك مما يقدمه العراقيون من جهود جبارة في خدمة زائري سيد الشهداء (ع) منذ مئات السنين وحتى اليوم، حيث مرّت قبل أيام ذكرى استشهاد الإمام الحسين في العاشر من شهر محرم.

نحن أيضا بانتظار مقدَمْ الأربعين الحسيني، هذه الزيارة المليونية الكبيرة، ومعروف عن أهل العراق كرمهم للزائرين انطلاقا من إيمانهم وعشقهم الحسيني الأزلي، ومع كل هذا لا يزال هذا الشعب يعاني من المآسي الجسيمة، فمن حاكم ظالم إلى آخر أكثر ظلما، ومن هدر للحقوق إلى استخفاف بشعب العراق الذي كان ولا يزال يعاني من الإهمال والظلم والسير نحو المجهول.

هذا الأمر يستدعي وقفة جادة، وتخطيطا جادا، لإنقاذ العراق والعراقيين مما يحيط بهم من ظلم وقهر وحرمان، لابد له من نهاية، ولكن هذا لن يتحقق من دون جهود حقيقية، لاسيما أن جميع مقومات النهوض بالعراق موجودة ومتوفرة بدءًا من الموارد البشرية والإمكانات العلمية وليس انتهاءً بالثروات الطبيعية الهائلة التي تضمها أرض العراق، مما يتوجب استثمارها لصالح الشعب.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في كتابه القيّم (العراقيون ومواصلة اليقظة):

(العراق رغم ما فيه من طاقات وثروات وإمكانيات. هو بلد عاش الخوف والرعب والإهمال؛ من قبل الحكّام قرون مديدة. فقد عاش تحت وطأة ظالم، ثم انتقل إلى حاكم أظلم منه، ومرت الفرصة تلو الفرصة دونما اقتناص واستثمار، وإن حدث ذلك، فقد ذهبت أدراج الرياح).

لماذا يتم هدر فرص البناء؟

لو أننا أحصينا فرص التقدم المهدورة فإنها لا يمكن أن تُحصَر بعدد، بل هي كثيرة وكبيرة لكنها لم تُستثمَر كما ينبغي، ولسنا بحاجة إلى التذكير بالاحتياطي النفطي والقدرات الزراعية والصناعية والعلمية التي يتحلى بها العراقيون، لكن مع كل ذلك نجد أن واقع العراق مؤلم ولا يسر، كما أن مستقبل أبنائه على المحك.

ونقول مستقبل العراق غير محسوم على الرغم من الإمكانات الهائلة، لكن الإرادة والتخطيط والتنفيذ هي ما يعوز هذا البلد ونخبه وقادته، وهذا يتطلب أن يعمل القادة على وجه الخصوص بما يرضي الله، لأن السعي والعمل الذي تتم فيه مراعاة الرضا الإلهي، سوف يكون مباركا وناجحا ومضاعفا في نتائجه.

في طريق بناء العراق هناك معوقات كثيرة وكبيرة، هذا أمر لا يمكن إنكاره، لكن يجب العمل في هذا الإطار من منطلق مرضاة الله، حتى وإن بدا الإصلاح والإعمار صعبا، فما تعرض له العراقيون من حكومات وحكام طغاة، لا يزال يجثم على صدورهم حتى اليوم، ويفسد حياتهم، ويجعلها قيد الفوضى والهدر، ولكن دوام هذا الحال أمر غير مقبول، فلابد أن تكون هناك خارطة طريق وإرادات حرة ورجال كبار من حيث الهمة والصدق والانحياز إلى مرضاة الله.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(من كان الله تعالى معه، وكانت له جديّةٌ وإصرار على العمل فلا شكّ أنه سينجح في عمله وينال الموفقية، إذ أن «ما كان لله ينمو»، لا أقصد أن الطريق سهل معبَّد، وأنه لا وجود للمشاكل والعقبات والمتاعب، فبلدٌ كالعراق قد عانى عقوداً طويلة من العزل والبطش والإرهاب وما إلى ذلك، في ظل أعتى ديكتاتورية في العالم، عاش الناس فيه دهراً في ظلام حالك، فهكذا بلد، تطوّقه الكثير من الاحتياجات والنواقص).

مما يحتاجه العراقيون لبناء بلدهم، هو العلم أولا، وتطوير الوعي، وتنمية المجالات الثقافية، فإذا أمكن تغيير الإنسان وبنائه وفق ثقافة متوازنة، وحصل على العلوم اللازمة، وتطور وعيه في إدارة شؤونه المختلفة، فإننا نكون قد قطعنا مسافة كبيرة نحو التقدم ومواكبة الأمم والبلدان الأخرى.

خطوات عملية للنهوض بالعراق

إذاً حاجة العراقيين للكتب والمطبوعات والمواقع الإلكترونية الرصينة كبيرة، فهي مصدر التثقيف وتطوير العقل والوعي، وتعني بناء الإنسان العراقي، وجعله أكثر معاصرة، وأكثر استعدادا لبناء نفسه وبلده، حتى الحوزات العلمية والمنظمات التثقيفية يجب أن تتصدى لمهمة التوعية والتثقيف بجدارة، فحين يُبنى العقل وتتطور مهارات التفكير والعمل، سوف ينهض العراقيون ببلدهم وبأنفسهم.

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على أن:

(عراق اليوم والمستقبل يحتاج إلى الملايين من الكتب والمجلات الدينية، وإلى المدارس والحوزات العلمية، وإلى الخطباء والمربّين كما هي حاجة العراق إلى ألوف المستشفيات والمراكز الصحيحة والاجتماعية وغير ذلك.. وهذا يُلزمنا ويدفعنا إلى الإمساك بزمام المبادرة، والعمل بالمستوى من المسؤولية إزاء أسرنا وأبنائنا، لضمان مستقبل العراق).

مهمة النخب وقياداتها كبيرة، بل مصيرية في النهوض بقية بناء العراق، فإذا فكرت قيادات النخب بمهمة البناء، وأصبحت على استعداد للتصدي لهذه المسؤولية، نكون قد قطعنا مسافة جيدة من خارطة طريق البناء، لذا فإن الجميع يقع عليهم جزء من مسؤولية البناء.

سماحة المرجع الشيرازي يقترح إنشاء (مجالس) تنبثق عنها لجان، مهمتها رصد وتأشير وتغطية جميع النواقص التي يعاني منها العراق والعراقيون، ومن ثم يبدأ العمل على تحديد الاحتياجات، وكيفية توفيرها أو تأمينها وفق الإمكانات المتاحة، وبهذه الطريقة يكون المعنيون بمهمة البناء قد قطعوا شوطا مهما في هذا المسار.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(من الضروري أن يفكّر كل منا في أنه ماذا يستطيع أن يفعل بشأن مستقبل العراق.. ولهذا الغرض أقترح إنشاء مجالس بغية دراسة الأوضاع، لتتولّد منها لجان ونحوها ذات مهامّ وتخصصات مختلفة، بحيث تغطّي احتياجات هذا الشعب.. بكلّ شرائحه ومدنه).

إن بلدا كالعراق يستحق أن يسانده الجميع، والأولى بذلك هم أبناء هذا البلد، لذا ينبغي أن يبدي الجميع استعدادهم لذلك، وأن لا يتكاسل أي طرف أو جهة من أداء دورها، فعملية البناء هي استحقاق لهذا البلد الذي (أحيى الشعار وهي من تقوى القلوب)، ونصر أئمة أهل البيت الأطهار، وأثبت شعبه بأنهم حسينيون في القول والفعل، لذا من المهم بل الواجب أن يُبنى العراق بأفضل مستويات البناء.

كما يجب عدم التراجع أو التلكؤ في هذه المهمة، تحت تبريرات أو حجج (أن الآخرين هم سيقومون بالمهمة)، مثل هذه الحجج غير مقبولة، لأن المشاركة في بناء العراق ونهوض الشعب بنفسه قضية واجبة ولا تقبل التأجيل أو التنكّر لها.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(لا يتكاسل طرف ما في عمله تحت مبرّر وجود جهات أخرى قد تقوم أو قامت بتأسيس مراكز ولجان مشابهة، أو كون الآخرين قد يقومون بهذا العمل أو ذاك، لأنه مهما خطّطنا وهيّأنا لمستقبل العراق، فهو لا شك أقلّ من الحاجة).

قضية بناء العراق حاضرا ومستقبلا، يجب أن تشغل الجميع، وإذا كانت الفرص متاحة اليوم في هذا المجال، فإنها قد تمر بشكل سريع دون أن ندركها أو نستثمرها، لذا فالجميع مطالبون بالنهوض بالعراق من توفير ما يلزم ماديا ومعنويا، فضلا عن توفير الإسناد العلمي والعملي لإنجاز هذه المهمة الكبيرة.

اضف تعليق