q
هل نبدأ بالتغيير المنشود من خلال تغيير أفكار وسلوك الطغاة والمنحرفين والفاسدين أولا؟ أم نبدأ بالتغيير من خلال تغير أفكارنا وسلوكنا وأدواتنا، حتى نستطيع أن نحدث تغييرا حقيقيا في المجتمع كما حصل في النهضة الحسينية؟ بمعنى آخر من أين نبدأ من عند أنفسنا نحن من ندعي النصرة...

في المقال السابق الموسوم بـ (نهضة الحسين ثورة التغير من الداخل) طرحنا السؤال الآتي: كيف يمكن أن نستفيد من نهضة الحسين(ع) من أجل إحداث التغيير الاجتماعي والسياسي نحو الأفضل والأحسن؟ ومن أين نبدأ بالتغيير؟

هل نبدأ بالتغيير المنشود من خلال تغيير أفكار وسلوك الطغاة والمنحرفين والفاسدين أولا؟ أم نبدأ بالتغيير من خلال تغير أفكارنا وسلوكنا وأدواتنا، حتى نستطيع أن نحدث تغييرا حقيقيا في المجتمع كما حصل في النهضة الحسينية؟ بمعنى آخر من أين نبدأ من عند أنفسنا نحن من ندعي النصرة لله والرسول وأهل بيته؟ أم نبدأ من تغيير غيرنا ممن نعتقد أنه يحمل أفكار بني أمية، ويمارس سلوكهم، وإن كان لا ينتمي لبني أمية نسبا؟

قلنا إن النهضة الحسينية لأجل التغيير تتطلب من المصلحين والقادة وأتباعهم ومردييهم أن يبدؤا أولا من أنفسهم. فكل من تمكن من ترويض نفسه وأتباعه نحو سلوك طريق الصلاح تمكن من توجيه الآخرين ممن يخالفونه في المنهج والهدف. ولا شك أن العكس صحيح تماما، فمن لا يستطيع أن يروض نفسه وأتباعه لاتباع طريق الخير والإحسان فهو لا يستطيع قطعا أن يوجه أحدا نحو ذلك الطريق، فالناس -إلا ما ندر- يريدون أن يروا من قياداتهم الدينية والدنيوية ما يؤيد أنهم بالفعل يفعلون ما يقولون، ولا يقولون ما لا يفعلون.

فاذا ما تمكن المصلحون والقادة من تغيير أنفسهم، ووضعوا نصب أعينهم تغير سلوك أتباعهم فانهم يستطيعون أن يوجهوا نداء التغيير لكل الفاسدين والمستبدين والطغاة، وسيكونون من القوة والمنعة والشجاعة ما يُلزم الآخرين المخالفين لهم في النهج والهدف على الخضوع والطاعة مما كانوا مستميتين ومتجبرين.

والسؤال هنا ما هي الوسائل والأدوات التي يمكن أن يتبعها المصلحون وأتباعهم من أجل إحداث التغيير المجتمعي المنشود في إطار الاستفادة من التجربة الحسينية؟ وكيف يتمكن المصلحون من مقارعة المنحرفين والظلمة، وهم يمتلكون من أداوت القوة والسيطرة ما يمكنهم من سحق أي نهضة تتصدى لهم؟

هناك طرقان لمقارعة الظالمين والفاسدين إما طريق العنف المتبادل وإما طريق اللاعنف واستراتيجية السلام والصبر الاستراتيجي. فأما طريق العنف والقسوة؛ فمعروف أن هؤلاء المتكبرين والمستبدين والفاسدين لاسيما منهم من يتولى زمام السلطة، وله قوة ومال وجيش وقانون ومؤيدون ومستفيدون لا يقفون مكتفي الأيدي أمام حفنة من مدعي (الإصلاح والتغيير) لأن ذلك سيقوض أركان سلطتهم، ويضعف حكمهم، ويحرمهم من امتيازات السلطة والقهر التي بين أيديهم.

وقد جرت عادة هؤلاء المستبدين نحو التصدي بقوة لكل من يريد أن يحدث تغييرا يؤثر على سلطتهم وحكمهم ويحرمهم من تلك الامتيازات. فيتوسلون مختلف الطرق للحد من مسيرة الإصلاحيين والتغييريين، أولها بث معلومات مضللة عن الحركة الإصلاحية وقادتها، والتشهير بها واتهامها بالتبعية والعمالة، والخروج عن القانون والنظام، ومحاربة السلطة الشرعية لتكون تلك الاتهامات سببا في محاكمتهم وسجنهم. وتبدأ ردة فعل المستبدين والظالمين، فيعتقلون الإصلاحين والتغيريين ويعذبونهم ويقتلونهم، وقد يجر ذلك إلى تعذيب وقتل أسرهم وأصدقائهم وأقربائهم. وقد تحدث مجاز دموية لمنع هؤلاء القادة الإصلاحيين من الوصول إلى أهدافهم.

ونتيجة لذلك لا يكون أمام دعاة الإصلاح والتغيير إلا استعمال العنف المضاد، فالاعتقال يواجه بالاعتقال، والتعذيب بالتعذيب والخطف بالخطف، والنهب بالنهب، والقتل بالقتل، والتدمير بالتدمير، والسرقة بالسرقة والاغتصاب بالاغتصاب، والتشهير بالتشهير، لحين تحقيق الأهداف (الإصلاحية) وقد انجر لتلك الأعمال الوحشية المتقابلة عدد لا يحصى من الحركات الإصلاحية التي بسببها خسرت هذه الحركات شعبيتها أو خسرت قادتها.

إذ أن انجرار أي حركة إصلاحية لاسيما إن كانت حركة إصلاحية إسلامية وراء العنف المضاد من باب (العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم) يعني أن تلك الحركة قد بدأت تنحرف تدرجيا عن أهدافها النبيلة وغاياتها السماوية إن لم تكن من الأصل هي ليست حركة إصلاحية تغييرية إنما هي حركة انقلابية تريد أن تستبدل مستبدين بمستبدين، وطغاة بطغاة، وفاسدين بفاسدين.

وعليه؛ فان الخيار الثاني الذي ينبغي أن تتوسل إليه الحركة التغييرية هو خيار المقاومة السلمية وخيار المقاومة اللاعنفية، فمهما كان العنف الذي تمارسه السلطة بحق قادة الحركة الإصلاحية ورموزها واتباعها لابد أن يقابل باللاعنف وبالسلمية، في كل الأحوال. وهذا الخيار ليس خيار الضعفاء والعاجزين كما يظن بعضهم، بل هو خيار استراتيجي وجوهري، وله أبعاد إيجابية كثيرة، أقلها إنه يحافظ على أهداف الحركة النبيلة، ويرسخ قيم الحركة في نفوس الناس، ويدفعهم إلى التمسك بها، والتضحية من أجلها مهما كلفهم ذلك. فضلا عن أن هذا الخيار يكون أقرب إلى رضا الله من خيار العنف والقسوة المضادة.

لذا يقول الإمام الشيرازي (ربما يعالج الإنسان الأمور -أياً ما كان-برفق ومداراة وخليق بهذا الإنسان أن ينجح آخر الأمر، وإن بدأ في النظر بطيئاً أو سخيفاً، وربما يعالجه بشدة وعنف، وجدير بمثله أن يخفق ولو نجح، فإنه أتعب نفسه، وعنّف وأزعج الآخرين، فالنجاح لا يقدر بما يقدر به نجاح الرفيق، وفي غالب الأحيان يكون العنيف مبتعداً مجانباً فلا يحظى بما حظي به اللين المداري. ولذا يقول الله تعالى مخاطباً رسوله: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) وبناء عليه (يحرّم الإسلام الغدر والاغتيال والإرعاب وكل ما يسمى اليوم بالعنف والإرهاب، فإنه لا عنف في الإسلام، ولا يجوز أي نوع من أعمال العنف والإرهاب الذي يوجب إيذاء الناس وإرعابهم، والغدر بهم وبحياتهم، أو يؤدي إلى تشويه سمعة الإسلام والمسلمين).

ويرسم الإمام الشيرازي منهج إتباع أسلوب اللاعنف والصبر الاستراتيجي في تغيير الفاسدين والمستبدين والطغاة لما له من آثار إيجابية على الحركة الإصلاحية وعلى من تستهدفه الحركة في خطابها من خلال دعوة المصلحين في التأمل في الآيات القرآنية الآتية:

1. آية الشورى، حيث يقول سبحانه: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) فإنه يصونهم عن الوقوع في الدكتاتورية وتسلط الدكتاتوريين.

2. آية الحرية، حيث يقول سبحانه: (يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) فإنه يحفظهم من الكبت والاختناق، ومن الاستغلال والعبودية، ومن التأخر والتقهقر.

3. آية الأخوة، حيث يقول سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) فإنه يمنعهم من الاختلاف والتفرقة، ومن التنازع والمشاجرة.

4. آية الأمة الواحدة، ذات البلد الواحد، والتاريخ الواحد، والعملة الواحدة، بلا حدود جغرافية، ولا حواجز نفسية، وذلك حيث يقول سبحانه (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) فيقوى أمرهم، ويعظم خطرهم، ويهابهم أعداءهم، ولا يكونون لقمة سائغة يتلقفها الأقوياء.

5. آية اتباع الرسول (صلى الله عليه وآله) حيث يقول سبحانه: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فيتقدموا ويسعدوا في الدنيا والآخرة، إذ في اتباع الرسول (صلى الله عليه وآله) سواء اتباعه في سيرته وأخلاقه الكريمة، أم في أفعاله وأقواله الحكيمة، خير الدنيا والآخرة.

...........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2021
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق