q
هل يستطيع مؤتمر الجوار الضغط على تركيا من أجل وقف تدخلها العسكري في شمال العراق وبما يضرب السيادة الوطنية عرض الجدار؟ هل يستطيع مؤتمر الجوار الضغط على السعودية وإيران من أجل تخفيف أو إيقاف حربهما الإعلامية الشرسة؟ هل يستطيع إيقاف محاولاتهما تسييس كل جهد وطني لمصلحة أحد الطرفين...

السمة البارزة للحكومات الديكتاتورية هي كثرة الاستعراضات العسكرية لأن نظامها قائم على القوة والخوف، أما الحكومات الفاشلة التي لا تنتمي إلى الديكتاتوريات ولا الديمقراطيات فسمتها البارزة هي كثرة المؤتمرات ولقاءات القمم بدون نتيجة كبيرة على ارض الواقع من أجل إضفاء نوع من المنجزات على تحركاتها غير المجدية.

نظام العراق الجديد المولود بعد عام ٢٠٠٣ ينتمي إلى الصنف الثاني، دولة تكثر فيها الاستعراضات السياسية بافراط يُعْمي الحكومة عن رؤية المشكلات الأخرى، فالمؤتمرات والقمم ليست وسائل لإيجاد الحلول وصنع المنجزات، إنما المؤتمر بحد ذاته يسجل كحل ومنجز والمطلوب من الشعب الشعب الاحتفال به.

ولم تنتهي احتفالات الحكومة العراقية بإنجاز حوارها الاستراتيجي حتى أعلنت عزمها عقد مؤتمر لدول الجوار يضم تركيا وإيران والسعودية والأردن والكويت، إضافة إلى ممثلين عن الحكومة السورية فضلاً عن مشاركة دول من الإتحاد الأوروبي.

الإعلان جاء عبر صحيفة الشرق الأوسط التي نشر رئيس الوزراء مقالاً فيها قبل أسابيع، وقالت الصحيفة أن عقد المؤتمر سيكون في الأيام العشر الأخيرة من شهر أغسطس/ آب الجاري على مستوى القمة، وأنه لن يقتصر على دول جوار العراق سواء كانت عربية أم إسلامية فقط بل ستمتد الدعوات إلى دول أخرى في الجوار الإقليمي لهذا البلد.

توازنات ونفوذ

المعروف أن المؤتمرات الكبيرة يعلن عنها قبل أشهر، وتوضع أجندتها بشكل واضح حتى تعرف مسارات القضايا التي سوف تناقشها، أما مؤتمر الجوار الذي سيعقد في بغداد فقد كان إعلانه سريعاً ولم تعرف أجندته بشكل تفصيلي سوى ما ذكرته صحيفة الشرق الأوسط بكلام عام لا يعبر عن جدول للاعمال، قالت أن ما يناقشه هي التحديات السياسية والأمنية التي تواجهها دول المنطقة سواء في سياق علاقاتها الثنائية أو على صعيد مجمل التحولات والتأثيرات الإقليمية الآنية والمستقبلية.

وما يثير بعض التساؤلات لدى الأوساط السياسية هو الإعلان عنه بعد زيارة السيد الكاظمي لواشنطن خلال جولته الأخيرة من الحوار الاستراتيجي، والذي تمخض عن تصريحات بروتوكولية عامة لم تعطي أي شيء ملموس أو التزام من قبل الطرفين تجاه بعضهما البعض.

وقد فسر الحوار الاستراتيجي بأنه إعادة تموضع للنفوذ الأميركي في العراق لا أكثر، ومحاولة لأيجاد تبرير إعلامي للحكومة العراقية والأميركية على حد سواء، اللتان تتعرضان لهجمات إعلامية وعسكرية قوية من قبل الفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران.

انتهى الحوار الاستراتيجي بتبرير دبلوماسي للوجود الأميركي في العراق، لمواجهة التبرير القانوني الذي ترفعه الفصائل المسلحة، وهو قرار مجلس النواب الذي صدر بعد اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيأة الحشد الشعبي.

فمؤتمر الجوار الإقليمي هو امتداد للحوار الاستراتيجي، وفق ما يتضح من سياسة الحكومة الحالية التي تريد اظهار نفسها بموقع القادر على التعاطي الفعال مع التوازنات الإقليمية والدولية في العراقي ومحاولة ضبطها بحسب ما تقتضيه المصالح العراقية وليست مصالح الخارج.

علاقات عامة

هذا ما تريد اظهاره الحكومة للرأي العام، وبدون مبالغه هذا هدفها النهائي من الحوار الاستراتيجي ومؤتمر الجوار. إنهار ترير صنع منجز ضعيف لا يتناسب وحجم التحديات الخارجية، وتسويقه على أنه منجز عظيم.

فهل يستطيع مؤتمر الجوار الضغط على تركيا من أجل وقف تدخلها العسكري في شمال العراق وبما يضرب السيادة الوطنية عرض الجدار؟

هل يستطيع مؤتمر الجوار الضغط على السعودية وإيران من أجل تخفيف أو إيقاف حربهما الإعلامية الشرسة؟ هل يستطيع إيقاف محاولاتهما تسييس كل جهد وطني لمصلحة أحد الطرفين على حساب الآخر وهو ما زاد من عملية الشحن السياسي للرأي العام العراقي؟

ومن حقنا طرح السؤال الأخير ما الذي كسبه العراق من أحد أهم المؤتمرات التي عقدت في الكويت خلال فترة حكم السيد حيدر العبادي، وهو مؤتمر المانجين في الكويت.

تملصت الدول المشاركة عن التزاماتها رغم أنه كان الحضور كان كبيراً ووضع عليه آمال كبيرة تبخرت من لحظة خروج المؤتمرين من قاعة الاجتماع.

ومن المتوقع أن يسير مؤتمر الجوار على نفس الطريق الذي سلكته المؤتمرات السابقة، فهو مجرد علاقات عامة للحكومة واستعراض سياسي ممل.

اضف تعليق