q
يعلم غالبية الشعب العراقي ان اللجان التحقيقية لا تؤدي الى نتيجة، وان احتساب الضحايا من ذوي الشهداء لا يعد قرارا يستحق الذكر، وسحب يد المسؤولين لا يقدم ولا يؤخر شيئا واعلان الحداد لا يعالج الكارثة التي يتعرض لها قطاع الصحة خصوصا ومختلف قطاعات الدولة عموما.

رن الهاتف معلنا عن خبر عاجل، حريق جديد في مستشفى الحسين بمحافظة ذي قار، تابعت التطورات، ٣٠ ضحية كحصيلة اولى، يرتفع العدد الى ٤٥ ضحية اغلبها جثث متفحمة، ثم يرتفع العدد ٥٤ ضحية بالتوازي مع اعلان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عن مقررات الاجتماع الطارئ بشأن الكارثة.

في المشاهد المنشورة عبر وسائل الاعلام شرطي يبكي من هول الكارثة، مواطنون يتجمعون امام بوابة المستشفى، بعضهم يلطم رأسه على رأسه، ومجاميع اخرى نظمت نفسها في مواكب عزاء بدون موعد، وكأنهم مستعدون للعزاء دائما سرعان ما تحولت حياتهم الى مجلس عزاء، وربما الاصح ان حياتهم هي مجلس عزاء دائم.

مدونون ينشرون صور الجثث المتفحمة، واسماء بعض الضحايا الذين يعرفهم اصدقائهم واقاربهم، انها كارثة بكل ما تحمله الكلمة من الم.

أسباب الحريق ما تزال مجهولة، اذا لم تعلن السلطات المحلية او الاتحادية اي نتائج، والدفاع المدني يقول انه اخمد النيران، ولا اكاد اقتنع بهذا فالنيران لم تخمد بفعل سيارات الاطفاء بل اخذت حصتها فالتهمت وشبعت وتسببت بتفحم ما لا تستطيع تحويلهم الى رماد.

ولم نغادر ذي قار حتى اعلن محافظها احمد غني الخفاجي جملة من القرارات:

-   إعلان الحداد العام على أرواح الشهداء الابرار، وتعطيل الدوام الرسمي لثلاثة ايام بدءً من الثلاثاء

-   تشكيل لجنة عليا للتحقيق في ملابسات الحادث المأساوي تتألف من:

- النائب الأول لمحافظ ذي قار رئيسا

- معاون محافظ ذي قار لشؤون المتابعة

- عضو من دائرة صحة ذي قار

- ممثل من قيادة عمليات سومر

- ممثل عن قيادة شرطة ذي قار

- ممثل عن مديرية امن ذي قار

- ممثل عن مديرية الدفاع المدني

- تُخضع اللجنة التحقيقية كل من له صلة ادارية او فنية لاجراءاتها

- تقدم اللجنة تقريرها النهائي خلال ٤٨ ساعة فقط من تشكيلها

- تتحمل وزارة الصحة ودائرة صحة ذي قار مسؤولية التأخير في استكمال افتتاح مستشفى الناصرية المركزي (التركي)

-  نقل جميع منتسبي مستشفى الامام الحسين التعليمي الى مستشفى الناصرية المركزي والمباشرة به فورًا.

-  تحويل مستشفى الحسين الى مركز لعزل مصابي كورونا فوراً.

-  اغلاق جميع المراكز الكرفانية المخصصة لعزل مصابي كورونا

- على جميع الكوادر الطبية والصحية والتمريضية التوجه فورا الى مستشفى الحسين لاسناد الكادر الطبي.

واستبق مدير صحة ذي قار الجميع باعلانه استقالته من منصبه، ربما لانه عرف نوايا الحكومتين المحلية والاتحادية، ففي كل حادثة هناك كبش فداء، ونتذكر قبل ثلاثة شهور عندما اطيح بوزير الصحة بعد كارثة حريق مستشفى ابن الخطيب المخصص لمعالجة ضحايا فيروس كورونا.

هذا الضجيج والصراخ في ذي قار ايقظ الحكومة الاتحادية في بغداد، ولان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي صار خبيرا في شؤون حرائق المستشفيات، فقرر عقد اجتماع طارئ اصدر بعده عدة قرارات:

1- البدء بتحقيق حكومي عالي المستوى، للوقوف على أسباب الحادثة.

2- يتوجه فريق حكومي فورا إلى محافظة ذي قار من مجموعة من الوزراء والقادة الامنيين لمتابعة الإجراءات ميدانياً .

3- سحب يد وحجز مدير صحة ذي قار، ومدير المستشفى، ومدير الدفاع المدني في المحافظة وإخضاعهم للتحقيق أعلاه.

4- توجيه مختلف الوزارات بإرسال مساعدات طبية وإغاثية عاجلة إلى محافظة ذي قار.

5- اعتبار ضحايا الحادث شهداء، وإنجاز معاملاتهم فورياً، وتسفير الجرحى الذين حالاتهم حرجة إلى خارج العراق.

6- إعلان الحداد الرسمي على أرواح شهداء الحادثة.

قد لا نبالغ اذا قلنا ان هذه القرارات مشابهة للقرارات التي اصدرها الكاظمي بعد كارثة مستشفى ابن الخطيب، بل انه قد يتحمل المسؤولية الكاملة في هذا الحريق الجديد، لانه كان قد وجه سابقا بفحص معايير السلامة في جميع مستشفيات العراق، ومن المفترض متابعته لقراراته المصيرية، والحريق الجديد يثبت ان قرارات الحكومة لا تصل الى شاطيء التنفيذ، لا سيما وان مستشفى مدينة الطب قد احترق ظهيرة يوم الاثنين لكنه لم يلقى التغطية الاعلامية اللازمة.

ونحن نعلم كما يعلم غالبية الشعب العراقي ان اللجان التحقيقية لا تؤدي الى نتيجة، وان احتساب الضحايا من ذوي الشهداء لا يعد قرارا يستحق الذكر، وسحب يد المسؤولين لا يقدم ولا يؤخر شيئا واعلان الحداد لا يعالج الكارثة التي يتعرض لها قطاع الصحة خصوصا ومختلف قطاعات الدولة عموما.

الكارثة الاكبر هي انحدار العراق الى ما يشبه الوضع اللبناني تماما، هناك دولة تنهار امام انظار الجميع وكانت كارثة انفجار نترات الامونيوم قد نبهت العالم الى حجم المشكلة، لكن الاوان قد فات، فقد انهار سعر الليرة وباتت الرواتب لا تكفي لشراء الخبز، والوقود مفقود والكهرباء اسوأ من كهرباء العراق والوضع السياسي ساكن من دون حركة.

اذا كانت بيروت لها انفجار المرفأ فنحن نملك فاجعة حريق مستشفى ابن الخطيب، واضفنا لها اليوم فاجعة حريقة مستشفى الحسين في ذي قار.

سينتهي كل شيء خلال اقل من اسبوع وترفع الجثث من المكان، وتغسل الجدران والارضيات وتصبغ بطلاء جديد، مع اتهام مجموعة من الموظفين بالتقصير وينتهي كل شيء. اليس الضحايا يسجلون في مؤسسة الشهداء؟ هذه اعظم انجازات الحكومة. ننتظر الخبر العاجل الجديد، فلا نعرف اي مستشفى سيحترق، ومن سيحرق معه.

اضف تعليق