q
أنتجت شركات الأدوية خلال فترة لا تتجاوز عدة أشهر مئات الملايين من جرعات لقاح "كوفيد-19"، لكن ما يزال العالم بحاجة إلى مليارات الجرعات، وبأقصى سرعة، وترى الشركات أن بوسعها تصنيع لقاحات تكفي لتطعيم معظم سكان العالم بحلول نهاية عام 2021، بيد أن ذلك التصريح لا يأخذ في الحسبان...
آيسلِنج إيروين

تقرير خاص يوضح التحديات التي تواجهنا لإنهاء تطعيم سكان العالم، بدءًا من العقبات التي تعترض الاستفادة من إمكانيات لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال، وصولًا إلى تلك التي تعرقل الجهود الساعية لتعليق حقوق الملكية الفكرية مؤقتًا.

أنتجت شركات الأدوية خلال فترة لا تتجاوز عدة أشهر مئات الملايين من جرعات لقاح "كوفيد-19"، لكن ما يزال العالم بحاجة إلى مليارات الجرعات، وبأقصى سرعة، وترى الشركات أن بوسعها تصنيع لقاحات تكفي لتطعيم معظم سكان العالم بحلول نهاية عام 2021، بيد أن ذلك التصريح لا يأخذ في الحسبان التأخير في توزيع اللقاحات، الذي ينتج عن عوامل سياسية، مثل فرض بعض الدول قيودًا على التصدير، أو حقيقة أن الجزء الأكبر من الجرعات يذهب إلى الدول الأكثر ثراءً. وقد تَسبَّب هذا الوضع في إطلاق حملة تطالب بإسقاط حقوق الملكية الفكرية، حتى يتمكن المصنّعون في الدول الأكثر فقرًا من إنتاج اللقاح محليًّا بسرعة أكبر.

كم عدد اللقاحات التي يمكن تصنيعها على مستوى العالم خلال هذا العام؟

يتوقع رازموس بيك هانسين - المدير التنفيذي لشركة "إيرفينيتي" Airfinity لتحليل البيانات في لندن، التي تجمع بيانات عن تصنيع الأدوية - أن يرتفع معدل تصنيع اللقاحات بمعدلات "أُسّية" خلال الشهور القادمة. وتفيد البيانات التي قدمَتْها شركة "إيرفينيتي" أنه بحلول شهر مارس الماضي كان قد تم تصنيع حوالي 413 مليون لقاح مضاد لفيروس "كوفيد-19". وتتوقع الشركة ارتفاع هذا الرقم إلى 9.5 مليار جرعة مع نهاية عام 2021. وكان مركز الابتكار الصحي العالمي بجامعة ديوك في مدينة دُرام بولاية نورث كارولاينا الأمريكية قد نشر توقعات بأرقام أكبر، بعد أن قام الباحثون بالمركز بتجميع التنبؤات التي أعلنها مصنّعو اللقاحات، والتي جعلت الرقم المتوقع مع نهاية العام يصل إلى 12 مليار جرعة، لكنّ أندريا تايلور، التي رأست فريق البحث في جامعة ديوك، تقول إن هناك إمكانية كبيرة لتحقيق هذين الرقمين مع نهاية 2022. كما صرحت تايلور بأنه "من المحتمل أن يتوقف إنتاج بعض المورّدين، وكذلك أن تهدد بعض الدول بحظر تصدير اللقاحات،" وهو ما يحدث بالفعل، بالتزامن مع وضع الهند والاتحاد الأوروبي قيودًا على تصدير اللقاحات.

"إن حدوث نقص في أيّ من هذه العناصر من شأنه أن يعرقل عملية التصنيع بأكملها".

وقد يحتاج تصنيع اللقاح إلى ما يقرب من 200 مكوِّن منفصل، يجري تصنيعها في الغالب في عدة دول، منها: القوارير الزجاجية، والفلاتر، والراتنجات، والأنابيب، وأكياس النفايات. وقد صرح ريتشارد هاتشيت - المدير التنفيذي لتحالف ابتكارات التأهب الوبائي Coalition for Epidemic Preparedness Innovations، وهو منظمة غير حكومية، مقرها مدينة أوسلو، خلال مؤتمر ضم مصنعي الأدوية وصانعي السياسات، عُقد خلال الشهر الماضي – قائلًا: "إن حدوث نقص في أيّ من هذه العناصر من شأنه أن يعرقل عملية التصنيع بأكملها".

وأعرب مارتن فريدا، المسؤول عن تطوير اللقاحات في منظمة الصحة العالمية بمدينة جينيف، عن ثقة أكبر في إمكانية تجنب أحد المعوقات المحتملة الأساسية، وهي مرحلة ملء القوارير بمادة اللقاح (وهي المعروفة بمرحلة "الملء والتعبئة"). ويمكن أن تساعد شركات عديدة من تلك المصنّعة للعقاقير التي تؤخذ عن طريق الحَقن في عملية الملء. كما ذكر فريدا أن منظمة الصحة العالمية أعدت قائمة بمئات من الشركات على مستوى العالم التي تعمل حاليًّا في مجال تعبئة مادة الإنسولين والأجسام المضادة أحادية النسيلة والمضادات الحيوية التي تؤخذ عن طريق الحَقن. كما أطلقت منظمة الصحة العالمية خدمة وساطة تقوم بالربط بين هؤلاء المنتجين، وشركات اللقاحات.

أليس من الممكن أن تتعاون الشركات في الإسراع بإنتاج اللقاحات؟

يحدث ذلك بالفعل. فالشركات المتنافسة تتعاون وتعمل معًا في الوقت الحالي. وفي أحد مظاهر هذا التعاون نجد شركة "ميرك"Merck بمدينة كينيلورث في ولاية نيوجيرسي تقوم بتصنيع اللقاحات لشركة "جونسون آند جونسون" Johnson & Johnson المنافِسة بمدينة برونزويك في ولاية نيوجيرسي. وفي تعاون آخر نجد شركة "جي إس كيه" GSK - ومقرها مدينة لندن - تقوم بتصنيع 100 مليون جرعة لقاح لشركة "كيورفاك" CureVac في مدينة تيوبنجن الألمانية، بينما تقوم شركة "نوفارتس" Novartis - ومقرها مدينة بازل في سويسرا - بتصنيع 250 مليون جرعة من اللقاح للشركة نفسها.

وإضافة إلى ذلك، فقد أُبرمت عدة اتفاقيات لعمليات "الملء والتعبئة". وعلى سبيل المثال، أبرمت شركة "سانوفي" Sanofi في باريس عقدًا مع شركة "بيونتِك" BioNTech، ومقرها مدينة ماينتز الألمانية، تتولّي بمقتضاه تنفيذ المراحل الأخيرة لإنتاج 125 مليون جرعة من اللقاح الذي طورته شركة "بيونتِك" بالتعاون مع شركة "فايزر" Pfizer، ومقرها مدينة نيويورك. كما أن شركة "سانوفي" أبرمت عقدًا لتعبئة ملايين الجرعات من هذا اللقاح.

أما أكبر اتفاق متعلق بإنتاج اللقاح، فقد أبرمته شركة "أسترازينيكا" AtraZeneca - ومقرها مدينة كامبريدج في المملكة المتحدة - بشأن اللقاح الذي طورته بالتعاون مع جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، والذي يُمَكِّن 25 شركة في 15 دولة من إنتاج 2.9 مليار جرعة من اللقاح. وقد جاء أكبر اتفاق تعاوُن أبرمته الشركة في شهر يونيو من عام 2020 مع معهد سيروم الهندي في مدينة بونه، الذي وافق المعهد بمقتضاه على إنتاج مليار جرعة من لقاح أسترازينيكا. كما وافق معهد سيروم، الذي يُعَد أكبر مُصنّع لمكونات اللقاحات في العالم - في أغسطس الماضي - على تصنيع ما لا يقل عن مليار جرعة من اللقاح الذي طورته شركة "نوفافاكس" Novavax، ومقرها مدينة جيثرسبيرج بولاية ميريلاند الأمريكية.

ومن ضمن الشركات المشتركة في تصنيع اللقاحات: شركة "آسبن" Aspen للصناعات الدوائية، ومقرها مدينة دُربان في جنوب أفريقيا، حيث ستتولى تحضير لقاح شركة "جونسون آند جونسون"، إلى جانب ملئه وتعبئته.

لماذا لا ينتِج العالَم مزيدًا من اللقاحات؟

هناك ثلاثة أنواع رئيسة للقاحات المضادة لمرض "كوفيد-"19: لقاحات الناقل الفيروسي، ولقاحات الفيروس الكامل، ولقاحات الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA). تُصنّع لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال من خيوط من المواد الجينية التي تُرمِّز أحد البروتينات الموجودة على سطح الفيروس، وهو ما يحفز بدوره رد فعل مناعيًّا. وحتى بداية شهر مارس، كان قد صُنّع حوالي 179 مليون جرعة من هذا النوع من اللقاحات، وهو ما يمثل 43% من إجمالي اللقاحات المنتجة. وفي المقابل، نجد أن لقاحات الفيروس الكامل تشكل نسبة قوامها 35% من إجمالي اللقاحات بينما تمثل لقاحات الناقل الفيروسي نسبة قوامها 22%، حسب التقارير الواردة عن شركة "إيرفينيتي".

هل بإمكان شركات أخرى الإسهام في التصنيع بشكل أكبر؟ يؤكد زولتان كيس، اختصاصي الهندسة الكيميائية في المركز الرئيس لتصنيع اللقاحات المستقبلية، التابع لجامعة إمبريال كوليدج في لندن، أن تصنيع لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال أمر سهل، لكنّ التوسع في إنتاجها محفوف بالصعاب، إذ يوجد نقص في العمالة المدربة على إنتاجها، لأنها تعتمد على آلية جديدة. ويؤكد كيس هذا قائلًا: "يصعب للغاية العثور على أفراد مدربين يجيدون هذه الآلية".

ويتمثل أحد المعوقات الرئيسة التي تواجه تصنيع لقاحات الحمض النووي الريبي في النقص العالمي لمكوناته الرئيسة، وعلى وجه الخصوص النيوكليوتيدات، والإنزيمات، والليبيدات، لأن عددًا قليلًا نسبيًّا من الشركات يتولى عملية تصنيع تلك المكونات، كما أن حجم الإنتاج لا يفي بالاحتياجات العالمية، إلى جانب أن الإجراءات التي تسعى من خلالها هذه الشركات لترخيص منتجاتها بطيئة بشكل يجعل الشركات الأخرى غير قادرة على المشارَكة في الإنتاج.

وعلى سبيل المثال، تتطلب كل سلسلة من الحمض النووي الريبي نوعًا من "الغطاء" الذي يَحُول دون رفض جسم الإنسان لهذه السلسلة بوصفها جسمًا غريبًا. ويقول كيس إن هذا الغطاء أعلى المكونات تكلفة، وإن هناك شركة واحدة تملك حقوق الملكية الفكرية لتصميم أحد "الأغطية" شائعة الاستخدام، وهي شركة "تراي لينك بيوتكنولوجيز"TriLink Biotechnologies ، ومقرها مدينة سان دييجو بولاية كاليفورنيا الأمريكية. وعلى نحو مماثل، يمتلك عدد صغير من الشركات حقوق الملكية الفكرية لواحد من الجسيمات النانوية الدهنية الأربعة التي تشكل "القفص" المحيط بالحمض النووي الريبي، حسب قول كيس.

ومع كل ذلك، فإن مُصنّعي المكونات يوسعون في الوقت الحالي نطاق إنتاجيتهم، فعلى سبيل المثال، نجد شركة "ترايلينك" تقيم مَرافِق جديدة لذلك في ولاية كاليفورنيا، كما أن شركة "ميرك" في مدينة دارمشتادت الألمانية تتوسع في توفير الليبيدات للشركات المتعاونة مع شركة "بيونتِك"، التي تتعاون بدورها مع شركة "فايزر".

ويقول درو فايسمان، عالِم الأحياء المتخصص في الحمض النووي الريبي، من جامعة بنسلفانيا بولاية فيلادلفيا، إن الفترة المبكرة من انتشار الجائحة شهدت تسارعًا في حجم الاستثمارات المرتبطة بأبحاث اللقاحات وتطويرها، في حين لم يلق التوسع في إنتاج مكونات اللقاح القدر نفسه من الاهتمام. وقد مهدت الأبحاث التي أجراها فايسمان الطريق أمام عمليات تصنيع اللقاحات المعتمِدة على الحمض النووي الريبي، التي طورتها شركتا "فايزر"، و"بيونتِك"، وكذلك شركة "موديرنا" في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس (N. Pardi et al. Nature Commun. 8, 14630; 2017). ويضيف فايسمان قائلًا: "كانت شركتا "فايزر" و"موديرنا" بالفعل تفكران في شهر فبراير من عام2020 في وسيلة لإنتاج المزيد من اللقاحات. وقد بدأتا بشراء شركات تتبنى ما يُعرف بـ"الممارَسات التصنيعية الجيدة"، و(تُعرف اختصارًا بـGMP)، وذلك في إشارة إلى الشركات التي تتبنى معايير صارمة في تصنيع الأطعمة، والعقاقير، والمعدات الطبية الآمنة، ويضيف فايسمان قائلًا: "إلى جانب ذلك، بدأت شركتا "فايز" و"موديرنا" في استئجار شركات أخرى، لكنْ لم تكن لديهما السيطرة على المواد الخام. وربما كان بوسع الحكومات استخدام سُلْطاتها في جعل شركات المنتجات الكيميائية تنتج كميات أكبر من المواد الخام اللازمة لتصنيع اللقاحات، لكنّ هذا كان سيمثل مطلبًا صعبًا في وقت لم يكن العقار قد حصل فيه على الموافقات بعد".

ويني بيانيما المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة لفيروس نقص المناعة البشرية، وواحدة من رعاة الحملة المطالِبة بتعليق حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بابتكارات مواجهة مرض "كوفيد-19"، ويني بيانيما المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة لفيروس نقص المناعة البشرية، وواحدة من رعاة الحملة المطالِبة بتعليق حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بابتكارات مواجهة مرض "كوفيد-19".

إلى أي مدى تتسبب اعتبارات حماية حقوق الملكية الفكرية في إبطاء الحصول على لقاحات "كوفيد-19"؟

يتطلب تطعيم 70% من سكان العالم حوالي 11 مليار جرعة، وذلك لو افترضنا أن كل شخص سيحصل على جرعتين. وربما تكون هذه هي النسبة المطلوبة لتحقيق المناعة السكانية، أو ما يُطلَق عليه "مناعة القطيع".

وحسب ما أعلنه الباحثون في مركز الابتكار الصحي العالمي بجامعة ديوك، فقد قامت الدول ذات الدخول المرتفعة والمتوسطة، التي تمثل خُمس تعداد سكان العالم، بشراء حوالي 6 مليارات جرعة، في حين لم تستطع الدول ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة، التي تمثل أربعة أخماس تعداد سكان العالم من الحصول سوى على ما يوازي 2.6 مليار جرعة. تتضمن هذه الأرقام 1,1 مليار جرعة ضمن خطة "كوفاكس" COVAX، التي التزمت بمقتضاها جهات تمويل اللقاحات العالمية بتطعيم خُمس سكان العالم. ويقول الباحثون إنه وفقًا لهذا الإجراء فقد يحتاج سكان الدول ذات الدخول الأشد انخفاضًا إلى عامين أو أكثر لتَلَقِّي التطعيمات.

ولهذا السبب، تتشارك الهند وجنوب أفريقيا في حملة لإسقاط حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بلقاحات مرض "كوفيد-19". ويرى مؤيدو هذه الحملة أن هذا الإجراء سيتيح حدوث طفرة في إنتاج هذه اللقاحات.

وفي أكتوبر الماضي، طالبت الدولتان منظمة التجارة العالمية (WTO) بتعليق حقوق الملكية الفكرية لبعض المعدّات الطبية والتكنولوجيا المرتبطة بمرض "كوفيد-19" لحين تحقيق مناعة القطيع. ويوجد دعم متزايد لهذا المقترح، جعل حوالي 100 دولة تسانده، بالإضافة إلى تحالف يسمى "التحالف الشعبي للحصول على اللقاحات" People’s Vaccine Alliance، يضم عدة مؤسسات، من بينها "برنامج الأمم المتحدة لفيروس نقص المناعة" UNAIDS. وعند إطلاق الحملة، صرحت ويني بيانيما، المديرة التنفيذية للبرنامج قائلة: "ليس بوسعنا تكرار الأخطاء الجسيمة التي حدثت خلال السنوات الأولى لتَعامُلنا مع مرض نقص المناعة البشرية، حين تعافى مواطنو الدول الأكثر ثراءً، بينما لم يصل العلاج إلى ملايين المواطنين في الدول النامية".

وقد نوقِش المقترح خلال اجتماع لمنظمة التجارة العالمية في يومي العاشر والحادي عشر من مارس الماضي، ومن المزمع استئناف النقاش حوله في هذا الشهر، إذ يرى المؤيدون أن إسقاط حقوق الملكية الفكرية سوف يُمكّن الحكومات والمصنعين من العمل معًا على زيادة إنتاج اللقاحات، ويقولون إنه لو لم تُسقَط هذه الحقوق، فستبقى الدول الأكثر فقرًا معتمِدة على الهبات التي تقدِّمها الدول الأكثر ثراءً وشركاتها الدوائية.

يقول جون نكينجاسونج، اختصاصي الفيروسات، ومدير المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها - ومقرها أديس أبابا - إن الحملة لإسقاط حقوق الملكية الفكرية تنبع أيضًا من خبراتنا السابقة بوباء الإيدز. كما صرح نكينجاسونج إنه خلال العقد الأخير من القرن العشرين كانت العقاقير التي تعالِج فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) متوفرة في الدول ذات الدخول المرتفعة، على الرغم من أن معظم حالات الإصابة والوفاة بفيروس نقص المناعة البشرية كانت في أفريقيا، مضيفًا قائلًا إنّ وصول العقاقير إلى أفريقيا استغرق سنوات عديدة.

ولكنّ المقترَح المقدَّم من الهند وجنوب أفريقيا يلقى معارضة من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، ومعظم شركات الأدوية الكبيرة، إذ ترى هذه الجهات أن إسقاط حقوق الملكية الفكرية في حال "كوفيد-19" غير ضروري، بل وغير مفيد. ويقول جيرمي كيم مدير عام معهد اللقاحات الدولي في مدينة سول: "يختلف اللقاح عن الأدوية في أنه في حال اللقاح ليس بوسعك مجرد "اتباع الإرشادات" لكي يصبح لديك لقاح، فعملية تصنيع اللقاح عملية بيولوجية معقدة تتضمن خطوات متعددة لضمان الجودة". أما فيما يتعلق بتكنولوجيا الحمض النووي الريبي لإنتاج اللقاحات، فالإجراءات "ليست مُحْكَمة بما يكفي للاعتماد عليها حتى الآن"، كما يقول كيم.

وجدير بالذكر أيضًا أنّ حقوق الملكية الفكرية، على الأقل بالنسبة إلى لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال، موزعة على نطاق عدة شركات. وقد تستغرق المفاوضات حول حقوق الملكية الفكرية مع كل واحدة من تلك الشركات ما يقرب من العام، وفق ما صرّح به كيم، الذي أضاف قائلًا: "هل سيتيح لنا هذا الحصول على اللقاح على نحو أسرع حقًّا؟ أم أنه سيكون بمثابة أن تطلب من شركةٍ ما التنازل عن شيء لن يكون له تأثير على الوضع الصحي العالمي في نهاية المطاف؟".

وكبديل لذلك، يقترح كيم أن ترخّص الشركات حقوق الملكية الفكرية التي لديها لأطراف ثالثة، مشيرًا إلى أن هذا النوع من "انتقال التكنولوجيا" سوف يسرع عملية التصنيع، لأن عدد الشركات التي ستتولى التصنيع سيزيد، وهو ما يحدث الآن بالفعل. ويقول كيم: "في رأيي أن انتقال التكنولوجيا أحد الملامح المميزة لهذه الجائحة"، وهو الرأي الذي يتفق معه فريدا، الذي أوضح هذا بقوله: "شهدنا قيام مشارَكات بين كيانات لو كنت سألتني قبل ستة أشهر عما إذا كنت أعتقد أنها ستنجح في العمل معًا؟، لجاءك ردي: "بالتأكيد لا، فهي جهات بينها تنافس شرس".

ما أشكال انتقال التكنولوجيا الأخرى التي يمكن أن تسرع إنتاج اللقاحات؟

تدعم منظمة الصحة العالمية ما تطْلِق عليه "تنسيق انتقال التكنولوجيا"، الذي تقوم بمقتضاه الجامعات وجِهَات التصنيع بترخيص إنتاج لقاحاتها لشركات أخرى من خلال آلية عالمية تتولي منظمة الصحة العالمية تنسيقها، وهي تتولى كذلك تدريب أطقم العمل في الشركات المتلقية للتراخيص، كما تقوم بتنسيق الاستثمارات في البِنْية التحتية لعمليات الإنتاج هذه. وتقول المنظمة إن هذا المنهج أكثر إحكامًا وشفافية من صفقات المرة الواحدة لانتقال التكنولوجيا، مثل التي أُبرِمت بين شركة "أسترازينيكا"، ومعهد سيروم.

هناك نهج آخَر تبنّته جامعة بنسلفانيا التي تمتلك من حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالحمض النووي الريبي ما يكفي لأنْ تحتل الساحة بمفردها، وهو تقديم الدعم لجامعة تشولالونج كورن في مدينة بانكوك لتجهيز مرفق لصناعة اللقاح.

يقول فايسمان، الذي يشارك في المشروع: "لو نظرنا إلى توزيع اللقاح في الوقت الحالي، فسنجد أنّ تايلاند ودولًا أخرى ذات دخول منخفضة عليها أن تنتظر حوالي عامين، حتى يتسنى لها الحصول على اللقاح"، كما أوضح فايسمان قائلًا إنّ حكومة تايلاند لم تكن ترغب في الانتظار، مضيفًا: "كانت الحكومة على استعداد لتقديم الأموال التي تُمَكِّنها من علاج الشعب مع حلول نهاية العام".

ويقول فريدا إنه على المدى الطويل سوف تحتاج كل منطقة إلى مرفق لديه خبرة التصنيع ويمكنه إنتاج اللقاحات. كما يرى نكينجاسونج أن التفاوت يَظهَر بوضوح في أفريقيا، حيث تستورد القارة 99% من اللقاحات التي تحتاجها. كما أنه لا يوجد في أفريقيا سوى ثلاث جهات تصنيع كبرى للقاحات. ويضيف نكينجاسونج متسائلًا: "هل يمكن لقارة يبلغ تعداد سكانها 1.2 مليار نسمة، ومن المتوقع أن يصل إلى 2.4 مليار نسمة خلال الثلاثين سنة القادمة، بحيث يصبح تعدادها ربع تعداد سكان العالم، أن تستمر في استيراد 99% من اللقاحات التي تحتاجها؟".

اضف تعليق