q
لا يكاد يخلوا يومنا في بلاد الرافدين من دون تدخل قوى خارجية، فماكنة التأثير تواصل حركتها لرسم خطط كثيرة، حين تفشل الأولى تبدأ بتطبيق الأخرى وصولا الى السيناريو الملائم لمرحلة ما، وبالنتيجة تكون طبقات المجتمع والطبقات السياسية العليا مفرغة من أدوارها المتعددة، وينطوي الامل ان تتحد الجهود...

اقولها بصريح العبارة وقد ينزعج البعض منها وبالخصوص أصحاب المعالي والمجتمع البرلماني جميعا، العراق بلد يفتقد الى السيادة، والتدخلات الأجنبية هي من ترسم سياسته الداخلية والخارجية، وتصل في كثير من الأحيان الى اختيار المناصب ومن يصلح لها من غيره.

الدليل على ما أقول هو مع اقتراب أي حركة سياسية ستشهدها الساحة العراقية، تكثر التصريحات الدولية من قبل الدول التي تربطها علاقات ونفوذ في البلاد، فمثلا مع اقتراب موعد الانتخابات، نقرأ ونستمع الى تصريحات من مسؤولين رفيعي المستوى، تعرب عن اعمل دولتهم بأن تكون الانتخابات حرة ونزيهة هذه المرة!!

وبعد انتهاء الانتخابات ننتقل الى مرحلة تشكيل الحكومة واختيار وزراءها الذين يخضعون الى عمليات فحص وتمحيص شديدتين، ومعرفة مدى قدرتهم على تنفيذ مصالح الدول ذات العلاقة من جهة، وتنفيذ سياسية الحزب التابع له من جهة أخرى.

والسؤال الذي يطرح نفسه في الاثناء هو، الى ماذا ستنتهي الأمور في حال استمر التدخل الأجنبي بهذه الشاكلة؟

يمكن لنا ان نعرف الإجابة ولعلها واضحة مما نعانيه في الوقت الحالي، فالعراق ربما من أكثر البلدان التي تأخرت في عملية الاستقرار، ذلك بسبب التدخلات الأجنبية والإرادة الخارجية، فلا يوجد بلد يمتلك أدوات النهوض بمختلفها مثل العراق، ولا يستطيع الوقوف على قدميه.

في بلد مثل العراق وعلى مدار الثمانية عشر عام الماضية، من المفترض ان نلاحظ تغييرات واضحة، ومعالم التطور يجب ان تكون شاخصة، بينما العكس هو الصحيح، الدمار هو سيد الموقف، البنى التحتية في تراجع مستمر، فلا نجد سوى عدد ضئيل من المدارس تم بناءها في وقت كانت فيه الموازنات انفجارية، ورغم ذلك بُينت بمواصفات اعتيادية، تداعى كثير منها بسبب رداءة المواد المستخدمة والمواصفات المتدنية.

العراق اليوم لا يتغير نحو الاحسن بل التغيير يجري نحو الأسوأ، ونحن مستمرون في سلك الطريق صوب الانقسام السياسي والنزاعات الداخلية، ولم نكتفي بهذا القدر، بل إلى حالة التفكك والتشتت والتمرد، وأيضًا إلى حالة الانقسام السياسي والنزاعات، وحالة عدم التوافق بين الطبقات المعنية، وبالتالي الشعب هو من يدفع الثمن، نعم الثمن يدفعه دون ان يحصل على شيء، فهو مجرد استنزاف لسنين حياته، ويودع أحلامه البسيطة والمعقدة، ولا يعرف أي مستقبل سيواجه الجيل القادم، متى تنتبه النخبة الحاكمة؟، ومتى نستيقظ من السبات الطويل؟

التدخلات الخارجية حرمت العراق من النهوض بواقعه الاقتصادي، وما حدث مع الاتفاقية الصينية خير برهان على ذلك، فعندما خطى العراق هذه الخطوة، حركت أمريكا جيوشها الإعلامية، لتأليب الرأي العام الداخلي للوقوف ضدها ومنعها من الدخول حيز التنفيذ، وتناهى الى مسامعنا تصريحات تفيد الشروع بتطبيقها ولا يعرف أحد مدى تحقق ذلك على ارض الواقع.

وهذا التدخل حرم البلاد من نهضة اقتصادية مؤكدة، كون الاتفاقية ركزت على تطوير البنى التحتية، بما فيها بناء المستشفيات، والمدارس، وغيرها من المنشآت الخدمية، التي على تماس مباشر بحياة المواطنين، ومن المؤمل ان تفتح آفاق جديدة، وتوفير فرص عمل للملايين من الشباب العاطلين من الخريجين وغيرهم.

وفي ملف التسلح فلا يخفى على متابع ما قامت به الولايات المتحدة الامريكية من دور سلبي في فترة الحرب مع تنظيم داعش الإرهابي، فقد وضعت الكثير من الشروط التعجيزية امام الحكومة العراقية، بينما الوقت يمضي وعناصر التنظيم اخذت بالتوسع على الأراضي العراقية، ولا مجال لمزيد من التفاوض، وما حصل حينها هو شبه التخلي عن العراق الذي تحاصره الويلات من جميع الجوانب.

وفي بعض الأحيان تكون المساعدات العسكرية مشروطة بالتقرب من الطرف المساعد والابتعاد عن او مهاجمة الطرف الآخر الذي يقف بالصوب الثاني من طرفي النزاع، ومصداق ذلك هو وقوف الجارة إيران في الحرب على التنظيم، ولكن في المقابل خلقت لها موالين وأنصار ينفذون ما تريده دون أدنى مناقشة، لمعرفة إذا كان هذا العمل يخدم او يضر المصلحة الوطنية.

وهنا يتضخم الدور الخارجي ويتدرج بالتدخل في شؤون الدولة كافة، وفي جميع مفاصلها الحساسة والمهمة، فينحرف الوجه السياسي للبلد نحو التفكك والانهدام بسبب ضمور الدور الفعلي للتدخل الأجنبي، بينما لا تجد أي برامج او وضع استراتيجية تجلب التطور للبلد، وقطف ثمارها لتعم الفائدة على الجميع.

من أدوات السيطرة على الجماهير الداخلية هي القمع وعدم إعطائهم الفرصة للتعبير عن مطالبهم وامنياتهم، وما حصل مع متظاهري تشرين لا يمكن ان نضعه بغير هذه الخانة، وحتى في هذه الجزئية الشعبية، قُسم المتظاهرين الى أصناف عدة حسب ارتباطاتهم، فمن ينادي بتقليل السلطة الإيرانية، يوصم بـــ(الجوكري)، وأبناء السفارات، بينما يسمون من يدافعون عن الوجود إيران ورموزها بالـــ(ذيول).

لا يكاد يخلوا يومنا في بلاد الرافدين من دون تدخل قوى خارجية، فماكنة التأثير تواصل حركتها لرسم خطط كثيرة، حين تفشل الأولى تبدأ بتطبيق الأخرى وصولا الى السيناريو الملائم لمرحلة ما، وبالنتيجة تكون طبقات المجتمع والطبقات السياسية العليا مفرغة من أدوارها المتعددة.

وينطوي الامل ان تتحد الجهود والإرادات الوطنية، وتخليص الشعب من التحديات التي تواجهه على المستويين الداخلي والخارجي، وإيقاف الصراعات المريرة التي صاحبت تغيير النظام، والانطلاق بمشروع يعالج الازمات، ويتوقف هذا على اختيار من يعتقده الافراد يحسن التفكير والتصرف ويسعى لتطوير البلاد بعيدا عن العصبية الدينية والحزبية وتغليب المصلحة العامة.

اضف تعليق