q
التوترات السياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة الامريكية والصين لا يمكن لها ان تخمد طالما تصب الجهتين الزيت على النار، ومن المتوقع ان تستمر هذه الخلافات مع زيادة تنامي الدور الصيني والتنافس التكنولوجي المتسارع على مضمار التسابق الدولي، الصين وعبر حركتها الأخطبوطية لم تدع الولايات المتحدة ان تفكر...

التوترات السياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة الامريكية والصين لا يمكن لها ان تخمد طالما تصب الجهتين الزيت على النار، ومن المتوقع ان تستمر هذه الخلافات مع زيادة تنامي الدور الصيني والتنافس التكنولوجي المتسارع على مضمار التسابق الدولي.

الصين وعبر حركتها الأخطبوطية لم تدع الولايات المتحدة ان تفكر بغيرها من الملفات، فهي حاضرة بجميع الأوقات، وفي عهد الرئيس ترامب تنامى هذا السخط، وتأجج الموقف الى درجة أصبح البعض يقول ان الحرب ستندلع حول مناطق النفوذ، والتجارة الدولية.

وفي الحقيقة ان الحرب مندلعة خلف الكواليس وليس بصورة مباشرة، ففي تصريح لوزير الخارجية الامريكية قال فيه، "سنناقش مخاوفنا العميقة حول الإجراءات التي تتخذها الصين، بما في ذلك في سنجان وهونغ كونغ وتايوان والهجمات الإلكترونية على الولايات المتحدة والضغط الاقتصادي على حلفائنا".

وتتبع الولايات المتحدة استراتيجية محددة نحو آسيا في سياق استخدام نفوذها العسكري والتكنولوجي لإعاقة صعود الصين والتسبب بتعثر خطواتها او تباطؤها، فقد نجحت هذه الاستراتيجيّة مع السوفييت، وحققت بموجبها نجاحات ثبتت دعائم قوتها، وفرضت كلمتها كمحور مؤثر دوليا.

وفي صورة من صور المناورات الكلامية قالت الصين على لسان كبير دبلوماسييها يانغ جيتشي: "تستخدم الولايات المتحدة قوتها العسكرية وهيمنتها المالية لتنفيذ عقوبات واسعة النطاق وقمع عدد من الدول، إنها تنتهك ما يُعرف بمفاهيم الأمن القومي لعرقلة التبادلات التجارية وتحريض بعض الدول على مهاجمة الصين".

فقبل تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن اعتلى الضجيج المنادي بان التغيرات ستكون حاضرة، وستعود الولايات المتحدة الى سياستها المتزنة تجاه ملفات متعددة أهمها ملف الشرق الأوسط وغيره، ومع ذلك لم يستطع بايدن ان يحقق هذه الرؤيا، وفي عهده تعرض سوريا الى قصف عسكري ما يشير الى استمرارية الاضطراب الدولي وعدم الاستقرار الإقليمي.

لكن أمريكا بررت ذلك الفعل بانه بمثابة الرد على الهجمات التي وجهت لقواتها في العراق، ففي كل مرة تستعرض الولايات المتحدة قوتها العسكرية لتقول انها قادرة على صنع ما يحلو لها وما يناسب سياستها المرحلية، فهي معجبة كثيرا بهيمنتها الدولية، ولا تريد ان يقف أحدا في طريقها من الأصدقاء والاعداء معا.

الولايات المتحدة وبفعل تفوقها العسكري فرضت نفسها على اغلب الدول العالمية، ولم يمنعها ذلك من الخروج من المعاهدات الدولية المبرمة في السابق من قبل الرؤساء القدامى، مثل الخروج الأمريكي في عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب من الاتفاق النووي وما شكله هذا الخروج من ازمة دولية أوقعت الدول المشاركة في احراج امام إيران وحلفائها.

الإدارة الامريكية الجديدة استخدمت لغة مغايرة لكنها بنفس السياسة، فهي لا تريد ان تتخلى عن جوهر سياسة البيت الأبيض الواضحة تجاه قضايا وملفات الشرق الأوسط والصين، فنجدها في بعض المواقف تثمن ما قام به ترامب من تعامل صارم مع الصين، لحماية الولايات المتحدة من التدخل الدولي او التمدد التقني الذي بدأ يضيق عليها.

لو بحثنا في تاريخ السياسة الامريكية نجد الرئيس السابق دوايت أيزنهاور، آخر رئيس يعارض بوضوح سياسة السعي المستمر للتفوق العسكري وعدم التسامح مع الأيديولوجيات والأنظمة السياسية الأخرى، وهي المبادئ التي حكمت السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ سنة 1945 عندما ألقى الرئيس ترومان القنبلتين النوويتين على هيروشيما ونكازاكي.

سياسة بايدن تشابه الى حد ما سياسة سلفه فهو في الواقع يدعم الاحتلال الإسرائيلي بشكل غير مشروط تماما مثلما فعل ترامب، حتى إن أدلى عدد من المسؤولين في إدارته ببعض التصريحات حول حل الدولتين، أضف الى ذلك استمرارية التعاون مع بعض الأنظمة العربية التي كونت علاقات متينة مع الولايات المتحدة الامريكية في حقبة ترامب، على الرغم من إقرار المجتمع الدولي بارتكابها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

لم تخف حكومة البيت الأبيض تفاخرها بما تمتلكه من ترسانة عسكرية، والتي تحققت بتكلفة باهظة للشعب الأمريكي وملايين من شعوب العالم، اذ تمتلك 800 قاعدة عسكرية في جميع أنحاء العالم، وتفتخر أيضا بقوة الدولار الذي لا يزال العملة الاحتياطية المهيمنة والمسيطرة على المبادلات التجارية الدولية.

من الصعب جدا سيكون انسحاب الإمبراطورية الأمريكية من زعامة العالم او انحسار دورها كما حصل مع الامبراطوريات الأخرى، كالامبراطورية العثمانية والفرنسية والبريطانية في القرن المنصرم، مع ذلك، فإن افتراض نهاية التسلط الأمريكي على العالم قد لا يكون توقعا دقيقا في العقد القادم، فبالرغم من وصول المواجهة الصينية الامريكية الى ذروتها الا ان المعطيات تشير الى بقاء تحكم الولايات المتحدة في الشأن الدولي.

اضف تعليق